قبل أن نبدأ الحديث حول عودة جوجل للصين و DragonFly دعونا نعود للوراء لنحصل على نظرة شاملة حول علاقة الصين بالإنترنت وسياستها الخاصة بتداول المعلومات وتأثيرها على جوجل ولماذا خرجت جوجل من السوق الصينية من الأساس لتعود إليها.

الصين والرقابة على الإنترنت

مع وصولنا للألفية الجديدة وانفتاح العالم وخاصة من خلال الانترنت اصبح من السهل تداول المعلومات, الصحيحة منها والكاذبة واصبح من الممكن للمستخدمين الوصول لأي شيء يريدوه فقط بضغطة زر وهو بالتأكيد ما ساهم في ازدهار التقدم العلمي والتجاري بصورة كبيرة ولكن الأمر لم يبقى وردياً في صين كذلك فالأسباب سياسية لن نناقشها قررت الصين ومع بداية الألفية الجديدة وضع عدة قوانين صارمة في تداول المعلومات ووصول المستخدمين إلى المحتوى عبر الإنترنت. ولمن لا يعلم فتلك القوانين تنص أن كل المواقع, التطبيقات, الشركات المزودة لخدمات الانترنت وكل الجهات التي تجمع أو تكون وسيط في أي محتوي على الأنترنت يجب أن توفر أي معلومات تطلبها منها الحكومة الصينية عن المواطنين المتواجدين على أراضيها مهما كانت حساسية تلك المعلومات وخصوصيتها فمحادثات الصينين وحساباتهم وكل حياتهم على الانترنت تحت أعين الحكومة الصينية.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فالحكومة الصينية لا تترك الحرية لقاطني دولتها كانوا صينين أو أجانب من الوصول لكثير من المواقع الالكترونية خاصة الغربية ولعل أبرز المواقع المحجوبة هناك, الموسوعة الحرة Wikipedia, المواقع الإخبارية الشهيرة مثل BBC وكافة مواقع التواصل الاجتماعي التي قد سمعت عنها وعلى رأسها بالتأكيد فيس بوك, والذين تم حجبهم لرفضهم توفير أي معلومات عن مستخدميهم.

جوجل في الصين قبل الحجب

وبعد أن أخبرناكم بقوانين الصين وسياستها في تداول المعلومات دعونا نعود لجوجل وعلاقتها بالصين. جوجل بدأت مع بداية الألفية الجديدة قي التواجد في الصين ومع مرور الوقت كبرت جوجل في الصين وازداد عدد مستخدميها من الصينين مع دعمها للغات الصينية المختلفة وزيادة قدرات محرك البحث يوماً بعد يوماً وظل الأمر كذلك حتى عام 2006. في عام 2006 قررت جوجل أن تتوسع بصورة أكبر في الصين وأن توفر محركها للبحث بصورة خاصة للصين حيث أصبح المحرك قابل للرقابة من الحكومة الصينية مخفياً كافة نتائج البحث التي ترفضها الحكومة الصينية ومتيحاً لها الوصول إلى أي بيانات عن مستخدمي المحرك متى شاءت واستمر الوضع كذلك حتى مارس 2009 حيث كان الخلاف الأول بين جوجل والصين.

ففي مارس 2009 قررت الحكومة الصينية حجب موقع الفيديو الغني عن التعريف يوتيوب التابع لجوجل إثر تداول مقطع عليه لأفارد شرطة من الحكومة الصينية أثناء اعتدائهم على مواطنين, الحجب لم يقف عند هذا الحد بل امتد إلى بعض خدمات جوجل الأخرى ولكنه لم بصل إلى محرك البحث أو خدمات البريد والخرائط واستمر الوضع كذلك حتى بداية 2010, فمع بداية العام وبسبب مشاكل بين الصين من جهة وجوجل والعديد من الشركات التقنية الأمريكية من جهة حول اتهامات لضلوع الحكومة الصينية بمحالوة اختراق تلك الشركات  قررت جوجل إيقاف الرقابة الصينية على محرك البحث وتحويل كافة عمليات البحث إلى جوجل هونج كونج (إقليم هون كونج في الصين لا يتبع قوانين باقي البلاد في تداول المعلومات والكثير من القوانين السياسية والاقتصادية الأخرى على الرغم من أنه ليس عاصمة البلاد).

لسرعان ما توقف الحكومة الصينية كافة خدمات جوجل (ما عدا البريد والخرائط) في كافة أرجاء الصين ما عدا هونج كونج وتتصاعد المشاكل بين جوجل والصين لتوقف الأخيرة كافة خدمات جوجل بحلول عام 2014 بما فيها المتصفح, الخرائط والبريد لتبقي جوجل في الصين فقط من أجل نظام اندرويد ولكن حتى من دون خدماتها وتطبيقاتها مثبتة عليه (في الصين لا يوجد Play Store أو تطبيق جوجل للبحث أو أي من خدمات جوجل على الهواتف العاملة بنظام اندرويد).

محاولات جوجل للعودة للصين

جوجل - الصين Dragonfly

ظهر في أغسطس الماضي عدة تقارير تشير إلى نية جوجل العودة للسوق الصينية بمشروع باسم كودي Dragonfly والذي بدأ العمل عليه منذ ربيع 2017 والذي ازداد العمل عليه خاصة بعد مقابلة الرئيس الصيني مع مدير جوجل التنفيذي Sundar Pichai. وأشار التقرير أنه وبظهوره إلى النور فإن جوجل قد بدأت بالفعل في تطوير برنامج للبحث لأجهزة اندرويد قابل للرقابة وقدمته للحكومة الصينية فيما قد يتوافر مع بداية العام الجديد أو بعد بدايته بثلاثة أشهر كحد أقصي.

جوجل من ناحيتها وعند ظهور هذا التقرير في أغسطس الماضي صرحت من خلال أحد متحدثيها الرسميين أنها تعمل على مساعدة المستخدمين الصينين من خلال  تطبيقها للترجمة وأدواتها لتطوير نظام الاندرويد ولكن الشركة ليست قريبة من طرح تطبيق للبحث في الصين.

وبالعودة للتقرير فإن تطبيق البحث القابل للرقابة سيتيح للحكومة الصينية لحجب مواقع مثل Wikipedia, BBC وقائمة طويلة من المواقع التي تحجبها الحكومة الصينية عن مستخدميها كما أنه سيكون بإمكانها حظر البحث عن كلمات وجمل معينة مثل حرية التعبير, حقوق الإنسان, مظاهرات طلابية وبعض نتائج الأبحاث العلمية حتى نتائج جائزة نوبل حيث من المتوقع أن يظهر للمستخدمين رسالة عند البحث عن تلك الكلمات أو الموضوعات الممنوعة "لن يتم إظهار نتائج البحث". وأكد التقرير أيضاً أن الحكومة الصينية ستكون قادرة على الوصول غلى سجل البحث الخاص بقانطي دولتها كانوا صينين أم أجانب.

وتسعي جوجل للعودة للسوق الصينية بأي طريقة ممكنة فالسوق ذات 1.3 مليار مواطن قد يضيف الكثير للشركة الأمريكية فإراداتها الإعلانية ستتضاعف أضاعف مضاعفة فالمُعلن هتا لا يستهدف عدة ملايين بل مئات الملايين إن لم يكن المليار كاملاً كما أن المعلومات التي تجمعها جوجل بحجة "تحسين تجربة المستخدم" قد ترفع من كفاءة وقوة محركها ونظم الذكاء الاصطناعي التي تطورها وتصل بها إلى آفاق لم تصل لها من قبل في وقت أقصر بكثير.

وتأتي تلك التطلعات من العملاق الأمريكي منافية لما أقرته من التزام بقواعد بعد مشروعها الخاص بالذكاء الاصطناعي المرتبط بهيئة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA حيث أقرت أنها لن تطور أو تستخدم الذكاء الاصطناعي وأشياء أخرى في محاولات التجسس ومراقبة البيانات فيما يخرق المواثيق الدولية أو حقوق الإنسان. وهو الأمر المتوقع أن يحدث عكسه حيث أن مشروع كهذا يهدد بشكل صريح حرية التعبير بحسب الإعلان العام للأمم المتحدة. وليس من المفاجئ أن تحتفظ جوجل بسرية مشروع كهذا نظراً لكل الأمور الشائكة التي تدور حولة فبحسب التقرير ذاته فإن بضع المئات من موظفي جوجل البالغ عددهم 88 ألف موظف هم فقط من يعلمون فقط عن هذا المشروع السري.

اعتراضات موظفي جوجل على المشروع

بالتأكيد قد تساءلت لماذا قد نناقش الموضوع الآن والتقارير قد بدأت في الظهور منذ أغسطس الماضي إلا أن الموضوع قد ظهرت الكثير من التفاصيل حوله بسبب احتجاجات موظفي الشركة في الآونة الأخيرة لاعتراضهم الشديد على المشروع حيث وقع أكثر من 1000 من موظفي الشركة على عريضة لاعتراضهم على مشروع Dragonfly. الموظفون قرروا أيضاً أن يصعدوا الأمر ويصدروا بياناً بواسطة Medium والاتحاد مع Amnesty International في المطالبة لجوجل في وقف مشروع Dragonfly منددين فيما قد يسببه الموضوع من انتهاك لحقوق الإنسان.

ونص البيان أن موظفي الشركة ضد المشروع ليس لأنه موجه للصين ولكنهم ضد أي تكنولوجيا قد تعرض حياة مواطنين للخطر بحد وصفهم نتيجة لأنه قد يعرض بعض المواطنين إلى مسائلات وملاحقات قانونية نتيجة الوصول لسجل بحثهم أو مراقبتهم. الموقعون أكدوا أيضاً أنهم وافقوا على العمل في جوجل بسبب القيم التي تتبناها الشركة خاصة في مشكلتها الأخيرة مع الحكومة الصينية والتي جعلتها توقف رقابتها على خدماتها قبل حجب خدماتها من قبل الأخيرة, وأن الشركة تقيم تلك المبادئ على الأرباح المادية. وأضاف الموقعون أنهم لم يعدوا يصدقوا بهذه الأفكار نتيجة لمشروع Dragonfly الأخير بجانب ما حدث مع المشروع الخاص بالتعاون مع CIA.

وطالب الموظفين الموقعون على البيان أن لهم 4 مطالب يجب لجوجل أن تنفذها. أول المطالب هو أن تصمم جوجل نظام يتيح لموظفيها بمراجعة القضايا الأخلاقية في مشاريع الشركة. المطلب الثاني هو تعيين "أمين مظالم" بحد وصفهم وهو سيكون شخص أو هيئة مسؤولة عن التحقيق في الشكاوي المقدمة من الموظفين تجاه المشاريع التي تتبناها الشركة والأخلاقيات التي تتعلق بها. المطلب الثالث هو التزام جوجل بالشفافية حول أهداف التكنولوجيا التي يطورها موظفيها وفيما سيتم استخدامها. وانتهت قائمة مطالبهم بأنهم يريدون أن تنشر "تقييمات أخلاقية" حول مشاريعها وأن تتيح الحوار بين موظفيها في الأمور الخاصة بهذا الشأن مثل مشروع Dragonfly.

ويبحث بعض من موظفي الشركة تصعيد الأمر في حالة عدم استجابة جوجل في مشروعها بالوصول بالأمر إلى إضراب موظفي الشركة لإجبارها عن العودة عن تلك الخطوة.

فماذا تفعل جوجل؟ هل تترك مشروعها, أم تستمر فيه ساعية وراء الأرباح المهولة التي ستجنيها من وراءه متجاهلة غضب موظفيها؟