إن قلت لك أنك قد تستطيع الكتابة على الحاسوب من خلال توجيه الأفكار في رأسك فقط، قد تبدو لك الفكرة وكأنها مستوحاة من أفلام الخيال العلمي، وإن كنت تصدق أنها ستحدث في عالمنا الواقعي، فلا بد أنك تظنها تقنية مستقبلية بعيدة المدى، لكن المفاجأة أن هذه التقنية أصبحت قريبة المنال بعد أن استثمرت فيها فيس بوك على مدار العامين الماضيين وحققت فيها تطورات ملحوظة.

قدّم قسم الأبحاث في شركة فيس بوك هذا الأسبوع أحدث ما توصلت إليه طموحاتهم العلمية الجريئة، والتي قد يراها البعض مجرد انعكاس لرغبة فيس بوك في التغلغل إلى عقول المستخدمين أكثر فأكثر ومعرفة ما يدور بداخل أدمغتهم تفصيلًا، ولكن ألا تقم فيس بوك أصلًا بذلك في الوقت الحالي من خلال تجميعها لبيانات المستخدمين؟ ألا نشارك في التعبير عن أفكارنا ليل نهار على مواقع التواصل الاجتماعي؟ دعونا لا نفكر الآن في الجوانب الأخلاقية لهذا الابتكار الجديد، بل نفكر فيما سيقدمه للبشرية.

اقرأ أيضًا: فيس بوك تعرض الأموال على المُستخدمين مقابل البيانات .. هل تقبل؟

استكملت أبحاث فيس بوك مساعي جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو (UCSF) بشأن تطوع بعض ممن فقدوا القدرة على التواصل بالكلمات لمساعدتهم في التعبير عما يدور في أذهانهم، حيث ركزت أبحاث فيس بوك على صناعة خوذة قابلة للارتداء، تحتوي على جهاز كمبيوتر مدمج يستطيع قراءة الأفكار الداخلية للدماغ وترجمتها إلى كلمات تعبر عنهم، مما يمنحهم فرصة جديدة للحياة يمكنهم من خلالها التعبير عن أفكارهم بسهولة.

وفي تحديث أخير لهذه التقنية، نشرت مجلة Nature العلمية الشهيرة يوم الثلاثاء الماضي (الموافق 30 يوليو)، تقريرها حول فريق العلماء والباحثين المدعومين من فيس بوك، حيث تمكن هذا الفريق من تطوير تقنية "speech decoders" أو فك ترميز الكلام، وهي تقنية تعمل على فهم ما يقوله الأشخاص من خلال تحليل بعض الإشارات والعلامات داخل عقولهم.

وفي حديث مع عالم الأعصاب دي تشانج، وهو أحد الباحثين بالمشروع، قال: "يقتصر في الوقت الراهن مرضى النطق ممن يعانون من عجز في الكلام على استخدام بعض الوسائل مثل الاعتماد على حركات العين أو بعض الحركات والإشارات الجسدية للتواصل مع أجهزة الحاسوب، ولكنهم لا يزالون يفتقرون إلى طريقة لائقة لاستنباط الأفكار الموجودة في أدمغتهم على شكل حوارات منطقية سليمة ومفهومة" وهو ما تعمل عليه تكنولوجيا فك ترميز الكلام حاليًا، لتسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم بالكلمات.

ابتكار واجهة للربط بين الدماغ البشري والحاسوب

جهاز قراءة الأفكار من فيس بوك

للوصول إلى الهدف المطلوب، وهو صناعة واجهة تربط بين الدماغ البشري والحاسوب، قام فريق من العلماء بعمل أبحاث على 3 متطوعين في مركز UCSF لعلاج الصرع، وذلك باستخدام أقطاب كهربائية مثبتة في أدمغتهم، بحيث يتم توجيه هذه التجارب لابتكار طريقة تستجيب لنشاط المخ وتقوم بترجمته إلى كلام منطوق.

بعد الكثير من العمل والتجارب، توصّل الباحثون أخيرًا إلى نقطة حيث استطاعوا من خلالها استخراج عبارة صحيحة عبر تحليل النشاط الدماغي لأحد المتطوعين، فكان ذلك بمثابة تطورًا ملحوظًا في عملهم.

وبالرغم من هذا النجاح إلا أن هذه التكنولوجيا لا تزال تحتاج إلى الكثير من العمل والتطوير، فهي قادرة الآن فقط على استخراج عدد محدود من الكلمات والعبارات البسيطة، وهو ما أكد عليه العالِم ديفيد موسيس، حيث قال: "نأمل في المستقبل أن تتطور هذه التقنية وتزداد مروتها حتى تتمكن من ترجمة نشاط الدماغ بشكل فعّال".

على مدار سنوات، كان مختبر العالِم دي تشانج مهتمًا بشكل أساسي في البحث عن كيفية تفسير نشاط المخ الذي يعمل على إنتاج الكلام، ولكن مع التطور التقني الملحوظ في العقد الماضي، قد يتمكن العلماء من النجاح أخيرًا في هذه التقنية، وهو ما جعلهم يتحدثون عنها في العلن لإعطاء الأمل لكل من يعانون من مشاكل في الكلام، وهي أحد الأعراض التي تتسبب فيها بعض الأمراض مثل السكتة الدماغية، أو إصابة الحبل الشوكي، أو مرض التنكس العصبي وغيرها من الأمراض الأخرى.

نظارات فيس بوك للواقع المعزز

في تصريحات لأندرو بوسورث، نائب رئيس قسم الواقع المعزز والواقع الافتراضي بفيس بوك، قال: "هذه الأبحاث قد تساعدنا في ابتكار جهاز قابل للارتداء يمكنه مساعدة الناس عن طريق تخيل ما يريدون قوله والتعبير عنه بالكتابة"، وأكد على أن هذه التقنيات الجديدة تفتح الباب أمام تفاعلات واستخدامات مختلفة لتقنيات الواقع المعزز والافتراضي.

جدير بالذكر أن فيس بوك لم تكن الشركة الوحيدة التي استثمرت في فهم العقل البشري وربطه بالكمبيوتر، حيث قام إيلون ماسك صاحب شركة SpaceX العالمية الشهيرة بإنشاء شركة نيورالينك التي تهدف إلى ربط العقل بالشري بالكمبيوتر لفهم اضطرابات والدماغ وعلاجها بشكل أفضل، وكذلك تعزيز العقل البشري بالذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضًا: عملة فيس بوك الرقمية Libra بين الطموحات الكبيرة و تحديات وعقبات أكبر