يُعد السؤال الذي يدور حول كيفية عمل ماكينات ATM التي تُوفِّرها البنوك لتُمكن العُملاء من سحب الأموال دون الحاجة للالتزام بمواعيد العمل واحداً من أكثر الأسئلة شيوعاً على الإطلاق، وذلك بسبب عدم معرفة آلية عمل هذه الماكينات وكيفية تحديدها للعُملات والأوراق النقدية المُراد سحبها أو إيداعها. في الحقيقة، فكرة ماكينات ATM ليست وليدة الأيام أو السنوات الأخيرة، فقد تعود هذه الفكرة إلى ما قبل أن أولد شخصياً، ولكن; فإن ماكينات ATM بهيئتها الحالية لم تظهر سوى منذ عِدة عُقودٍ فقط. في هذه الحلقة من سلسلة حلقات الحكاية والرواية، سنتعرف سوياً على آلية عمل ماكينات ATM ولكن بدايةً، دعنا نعود للخلف قليلاً. https://youtu.be/5rxxbIpzLJA

اختراع النقود

في الماضي، وقبل ظهور فكرة النقود، كانت الحياة أكثر بساطة، فالأمر كان يعتمد على الاصطياد، حيث أن كل ما كان يشغل البشر في بدايات البشرية هو الطعام، وذلك عن طريق اصطياد الحيوانات، مع التطور الذي حدث للعقل البشري، والذي جاء بعد فترة طويلة من بعد اكتشافه للنار، وذلك حين أصبح يأكل ما يزيد عن مُجرد لحوم، اكتشف الانسان النباتات التي يُمكن أن تُؤكل، وبعد ذلك اكتشف أنه يُمكن إضافة البهارات والمزيد من المُكونات إلى الطعام الذي تجعل مذاقه أفضل. شهدت هذه الفترة أول نظام تعامل آدمي بين البشر، فحين أصبحت المُكونات أكثر، أصبح هُناك من يختص بالصيد وهُناك من يختص بالزراعة، فكان لابد من نظام يُمكن الأول من الحصول على ما يمتلكه الثاني والعكس، وهُنا بدأت المُقايضة أو ما تُعرف ب Barter System. كانت المُقايضة في البداية موجودة، ولكنها كانت تعتمد على القتل والسرقة، فمن يعجبه صيد غيره يذهب إليه ليسرقه أو يقتل الصائد ليأخذ ما قد اصطاده، وذلك حتى تم اختراع نظام المُقايضة، والذي أصبح يُمكن الناس من التبادل فيما بينهم دون الحاجة للاقتتال، وقد استمر التعامل بنظام المُقايضة حتى العام 3000 قبل الميلاد. وذلك; حين توقف النظام بسبب عدم قدرته على الاستمرار ونقص فعاليته، حيث أصبحت المُنتجات أكثر عدداً، وازدادت الاحتياجات، وازداد عدد البشر، فأصبح من الصعب أن تجد ما تُريد مع شخص يُريد ما لديك لتتم عملية المُقايضة، وبسبب عدم وجود مفهوم الاحتفاظ بالطعام، أصبحت العملية أكثر صعوبة، فإذا أخذت منك ما لا أُريده لن أتمكن من الاحتفاظ به وستكون الصفقة حينها خاسرة بالنسبة لي، وكل ذلك أدى إلى ظهور الوظيفة الجديدة والتي تُعرف بالتاجر، وهي ما كانت نواة اختراع النقود. التاجر هو شخص يمتلك العديد من المُنتجات، سواءً كان يستطيع تصنيعها بنفسه أو اصطيادها أو شرائها من أماكن أُخرى، وللحصول على بديل مُناسب للمُقايضة، تم اختراع النقود، وذلك لتسهيل عملية المُبادلة، حيث أصبح بإمكان الشخص أن يشتري من التاجر المنتج الذي يُريد مقابل نقود، ومن ثم يأتي شخص آخر ويشتري منه التاجر ما يحتاج مُقابل النقود ذاتها. لم تكن النقود في البداية عبارة عن عُملاء ورقية أو معدنية، ولكن كان يتم تمثيل هذه النقود بأي شيء ذا قيمة لدى الناس جميعاً. بدأت فكرة النقود في العراق، وقد كانت النقود حينها هي عبارة عن وحدات من الشعير، وهو شيء يستخدمه الجميع ولا ضرر لي في أن أُعطيك ما لا أُريد مُقابل وحدات من الشعير. وفي الناحية الأُخرى من العالم، وتحديداً على ساحل المُحيط الهندي، كانت النقود عبارة عن أصداف بحرية، وذلك حتى عام 1100 قبل الميلاد، عندما بدأت النقود في التحول لتُصبح معادن نفيسة، إما الذهب أو الفضة أو النحاس، وذلك على حسب وزن المعدن الذي يتم مُبادلته. في عام 640 قبل الميلاد، وتحديداً في ليديا، والتي تُعرف حالياً بتركيا، قام الملك Croesus بصك العُملات المعدنية لأول مرة، وقد كان يُطبع عليها شعار الإمبراطورية، ومع حركة التجارة العالمية بين الدول، وصلت فكرة النقود إلى اليونان وبقية دول العالم. القصة وراء اختراع ماكينات ATM وآلية عملها - الحكاية والرواية بعد ذلك بفترة طويلة من استخدام العملات المعدنية، حدثت حادثة غيرت كل شيء، حيث أن مجموعة من التجار الصينيين كانوا يسافرون، لتقوم عصابة بسرقتهم، وعند المُواجهة، لم يكن هُناك ما يُثبت أن العملات التي مع هؤلاء اللصوص ملك للتجار الصينيين، لتنتج حينها فكرة توثيق النقود، وهي بذرة فكرة الشيكات، وكذلك نواة فكرة النقود الورقية أو البنكنوت، وهي عبارة عن أوراق تُكتب عليها قيمة ما تُعادل قدر مُعين من الذهب أو الفضة أو المعدن النفيس المُستخدم في التجارة.

ظهور البنوك

مع تطور فكرة النقود الورقية، ظهر أول بنك في التاريخ، وهو بنك يُدعى Banca Monte dei Paschi di Siena في إيطاليا، وقد تأسس عام 1472 ميلادياً، وحينها ظهرت المزيد من المفاهيم التُجارية مثل الدين التجاري والاقتراض وغيرهم من المُصطلحات التي لا تزال تُستخدم حتى وقتنا هذا. القصة وراء اختراع ماكينات ATM وآلية عملها - الحكاية والرواية ولكن; فإن البنك بمفهومه الحالي لم يظهر سوى في القرن السادس عشر، وتحديداً في عام 1661، حيث ظهر بنك سويدي وقام بطبع العُملات الورقية لأول مرة في التاريخ، وتبعه العالم أجمع بسبب تكلفة طباعة العُملات الورقية مُقارنةً بالحفر على المعادن لصكها، واستمر العالم حينها في التطور بشكلٍ بطيء للغاية، وذلك حتى عام 1966.

اختراع بطاقات الائتمان - Credit Cards

شهد عام 1966 ظهور فكرة توزيع النقود خارج مواعيد العمل، حيث تم وقتها صُنع أول ماكينة ATM في التاريخ، ولكنها كانت تعمل بآلية مُختلفة وذات اسم مختلف، حيث كانت تُعرف ب Computer Loan Machine، وذلك لأنها كانت تعتمد على إعطاء سُلفة لعُملاء البنوك لمُدة ثلاثة أشهر بنسبة فائدة تُعادل 5 بالمائة، وذلك باستخدام البطاقات الائتمانية. ولكن; فهذا يعني أن البطاقات الائتمانية قد تم صُنعها قبل ذلك التاريخ، وهذا صحيح بالفعل، ففي عام 1949، قام Frank McNamara رئيس شركة Hamilton Credit Corporation بدعوة اثنين من أصدقائه على العشاء وهم Alfred S. Bloomingdale  و Ralph Schneider في مطعم يُدعى Cabin Grill، ليكتشف بعد إنهائهم للطعام أنه قد نسي محفظته في المنزل، وقد شعر حينها بالحرج بشكلٍ كبير، وغضب كثيراً من امتلاكه للنقود ولكن عدم قدرته على استخدامها بسبب عدم تواجدها معه بشكلٍ مادي. [caption id="attachment_248229" align="aligncenter" width="1000"]القصة وراء اختراع ماكينات ATM وآلية عملها - الحكاية والرواية مُؤسس Diners Club[/caption] فكر حينها Frank في الحل الذي يُمكنه من استخدام أمواله دون أن تتواجد معه بشكلها المادي، ليبتكر حينها البطاقة الائتمانية أو Credit Card، ويُؤسس أيضاً واحدة من أكبر الشركات التي تُقدِّم البطاقات الائتمانية وهي Diners Club، وبعد عام، كانت عدد البطاقات الائتمانية المُباعة بواسطة الشركة قد وصلت إلى مائتي بطاقة، وكانت تُدعى حينها Diners Club Card، وبسبب عدم وجود فوائد على استخدام البطاقة بالنسبة لعُملاء الشركة، وصل عدد مُستخدمي بطاقات Diners Club سريعاً إلى أكثر من 20 ألف مُستخدم. [caption id="attachment_248227" align="aligncenter" width="1038"]القصة وراء اختراع ماكينات ATM وآلية عملها - الحكاية والرواية بطاقة Diners Club Card[/caption]

اختراع ماكينات ATM

بالعودة إلى قصة ماكينات ATM، والتي أعلم أني قد تفرعت في الكثير من المواضيع الأُخرى للتمهيد للوصول إليها، فإن ماكينات ATM قد تطورت على أيدي فريق من المُهندسين بقيادة شخص يُدعى John Shepherd-Barron، وهو الفريق الذي قام بصُنع ماكينة ATM الجديدة التي تُدعى Automated Teller Machine. كان ذلك في عام 1967، وقد بدأ عرض ال ATM لأول مرة في افتتاحٍ قام به المُمثل الأمريكي Reg Varney، والأمر كان بدائي للغاية في ذلك الوقت، ولكنه كان يُعد تطوراً كبيراً في الوقت ذاته، حيث كانت العملية تتم عن طريق أخذ شيك من البنك بمبلغ مُعين، لتذهب بعد ذلك إلى ماكينة ATM وتسحب ما تُريد من نقود، وذلك من خلال مسح العلامة الكربونية التي كانت تتواجد على هذا الشيك. [caption id="attachment_248231" align="aligncenter" width="220"]القصة وراء اختراع ماكينات ATM وآلية عملها - الحكاية والرواية المُمثل الأمريكي Reg Varney[/caption] أما بالنسبة للكود الأمني والأرقام السرية، فقد عمل عليها المُهندس البريطاني James Goodfellow بدايةً من عام 1965، حتى ظهرت لأول مرة في عام 1970. أما بالنسبة للكود الأمني والأرقام السرية، فقد عمل عليها المُهندس البريطاني James Goodfellow بدايةً من عام 1965، حتى ظهر لأول مرة في عام 1970.

طالع أيضاً: خدمة Samsung Pay الأن رسميا في دولة الإمارات

مكونات ماكينات ATM

تتكون ماكينات ATM من ثلاث مُكونات رئيسية يتفرع منها الكثير من المُكونات الأُخرى، وأول هذه المُكونات هي العناصر الخارجية، والتي تتكون من عناصر إدخال وعناصر إخراج. القصة وراء اختراع ماكينات ATM وآلية عملها - الحكاية والرواية أولاً، بالنسبة لعناصر الإدخال، فهي تبدأ بمنفذ البطاقة، وهو عبارة عن فتحة ذات سُمك صغير بها ماسح يقوم بمسح البيانات الخاصة بالبطاقة من خلال الشريحة الذهبية التي توجد عليها كي يتمكن من الاتصال بالبنك الخاص بها ومعرفة الرقم السري ومُطابقته بما تقوم بإدخاله، وذلك عن طريق لوحة المفاتيح، والتي تتكون من عشرة أرقام بالإضافة إلى أزرار الإدخال والإلغاء والتصحيح وقد يُضاف عليها عِدة أزرار أُخرى. كذلك، من ضمن عناصر الإدخال في ماكينات ATM، منفذ إدخال النُقود، والذي تقوم باستخدامه في حالة إيداعك للأموال من خلال الماكينة بدلاً من الذهاب إلى المصرف ذاته. وبعد ذلك، تأتي عناصر الإخراج، والتي تتمثل في مُكبر صوتي يتحدث من خلاله المُساعد الآلي الذي يطلب منك الإنتظار أو يُخبرك بعدم وجود أموال كافية وما إلى ذلك. بعدها نجد شاشة العرض، وهي الشاشة التي تُسهِّل عليك التعامل مع ماكينات ATM من خلال عرض البيانات والأرقام والتفاصيل الخاصة بحسابك وعملياتك عليها، وقد تكون هذه الشاشة LCD أو CRT أو Monochrome. من ثم نجد طابع الإيصالات، وهو عبارة عن منفذ صغير للغاية يتم من خلالته طباعة الإيصالات التي تُوضِّح تفاصيل العملية التي قُمت بها مثل المبلغ المسحوب أو المُودع بالإضافة إلى تاريخ السحب وغيرها من البيانات. وأخيراً وليس آخراً، نجد مُوزع النقود، وهو المنفذ المسؤول عن إخراج النقود التي تقوم بطلبها من الماكينة، وعادةً ما نجده بجانب منفذ الإيداع.

طالع أيضاً: سلسلة تعرف علي هاتفك: الجزء الأول تقنيات NFC و الدفع الإلكتروني

آلية عمل ماكينات ATM

تعتمد عملية سحب الأموال من ماكينات ATM على عِدة خُطوات ومراحل، وتبدأ هذه المراحل كافة بإدخالك لبطاقتك الائتمانية ذاتها من خلال منفذ البطاقات، لتقوم الماكينة بمسح الشريحة الرقمية المُشفرة الموجودة على البطاقة الائتمانية، ومن ثم تبدأ في جمع البيانات عنها والبنك الذي قد أصدرها وغيرها من البيانات، وذلك بجانب الرقم السري أو PIN ليُطابقه بالرقم الذي ستقوم بإدخاله في الخُطوة التالية. الخُطوة التالية هي الخُطوة التي تقوم فيها بإدخال الأرقام السرية باستخدام لوحة المفاتيح، وتقوم الماكينة بمُطابقة الأرقام ببعضها البعض، وبعد إدخالك للبيانات، يُسمح للماكينة بالاتصال بالبنك الذي أصدر بطاقتك لتتمكن من توفير البيانات الخاصة ببطاقتك. بعد ذلك، تقوم بطلب سحب مبلغٍ ما، على سبيل المِثال، خمسمائة جنيه فقط لا غير، تقوم الماكينة حينها بقسمة المبلغ على الفئات الموجودة بها، لتتعرف على عدد الأوراق النقدية التي يجب سحبها وإخراجها لتكوين المبلغ المطلوب، فببساطة الماكينة لا يهمها ما تقوم بإخراجه، فقط عدده، ولكن هُناك إضافة بسيطة أمنية لهذه الماكينات. عندما تقوم الماكينة بسحب النقود من الدرج الخاص بها، تمر هذه الأوراق على أداة تقوم بقياس سُمك النقود، فإذا وجدت أن السمك غير مُتطابق مع البيانات السابق إدخالها عند إعداد الماكينة، تقوم بإعادة النقود إلى صندوق الرفض، وذلك في حالة أن النقود مقطوعة أو أن هُناك ورقتين مُلتصقتين ببعضهما، وبذلك تضمن لك إخراج المبلغ المطلوب تماماً.

الختام

ماكينات ATM كما ذكرت سلفاً لا تُعد شيئاً جديداً، هي وبطاقات الائتمان على حدٍ سواء، وفي رأيي الشخصي أنها قد أخذت وقتاً كافياً للغاية كي تُصبح أحدث وسيلة عصرية لنقل وسحب الأموال، ولهذه الأسباب فقد ظهرت خدمات أُخرى أكثر عصرية وتطوراً مثل خدمات Apple Pay و Google Wallet وغيرهم، وبالطبع دون نسيان البيتكوين. لا تنتهي الحكايات والروايات، ومثلما استمرينا معكم طوال شهر رمضان الماضي، نستمر معكم بعده، فلا تنسوا مُتابعتنا على قناة Artech وموقع عرب هاردوير، وشاركونا بآرائكم وأسئلتكم كي نُجيب عليها في الحلقات القادمة.

طالع أيضاً: الدفع عن طريق الهاتف.. هل سيحل مكان العملة الورقية