كيف تتورط فيس بوك في السياسة يومًا بعد يوم
في عصر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي حيث القوة والقيمة المالية أصبحت للبيانات، صارت شبكات التواصل الاجتماعي والشركات التقنية العملاقة مثل فيس بوك وجوجل تمثل قوى عظمى في الاقتصاد العالمي. ولكن يأتي ذلك مع اختراقات كبيرة لبيانات المستخدمين وانتهاك خصوصيتهم واستغلال بياناتهم لتحقيق الأرباح المالية والمكاسب في عالم السياسة دون الالتزام بالمسؤولية الأخلاقية التي تتحملها تلك الشركات.
ورطت فيس بوك نفسها في العديد من الفضائح المرتبطة بانتهاك خصوصية المستخدمين، ليس ذلك فقط، بل ارتبطت بعض تلك الفضائح بأزمات سياسية بدءًا من فضيحة Cambridge Analytica مرورًا بأزمة خروج إنجلترا من الاتحاد الأوروبي Brexit. ولكن يبدو أن هناك من يعمل على إيقاف فيس بوك عند حدها، فقد بدأ العديد من السيناتورات الأمريكيين من بينهم مرشحين للرئاسة في العمل على إجراءات من شأنها ردع الشركات التقنية العملاقة وعلى رأسها فيس بوك.
قضية Camridge Analytica
يعود الأمر إلى عام 2014 عند إطلاق تطبيق يدعى This is your digital life، حيث قام أكثر من 270 ألف شخص وقتها بتحميل التطبيق على هواتفهم. بالتالي أصبح التطبيق يمتلك بيانات هؤلاء المستخدمين الذين قام الكثير منهم بتسجيل الدخول عن طريق فيس بوك. لم يقتصر الأمرعلى بيانات المستخدمين فقط، بل امتد ليشمل بيانات من هم في قائمة الأصدقاء لديهم. كانت سياسة الخصوصية لدى فيس بوك وقتها لا تمنع تلك التطبيقات من الحصول على معلومات تخص المستخدمين وقوائم الأصدقاء لديهم، فأصبح تطبيق This is your digital life يمتلك معلومات تخص ملايين الأمريكيين.
قام بعدها تطبيق This is your digital life ببيع تلك المعلومات التي تخص ملايين الناخبين الأمريكيين إلى شركة Cambridge Analytica التي كانت مسؤولة عن الدعاية الانتخابية لحملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعن طريق تلك المعلومات تمكنت الشركة من استهداف الناخبين بناء على المعلومات المتوفرة لديها بشكل غير قانوني.
تم فضح Camridge Analytica لاحقًا عن طريق أحد الموظفين السابقين في الشركة والذي ظهر على شبكة CNN خلال لقاء تليفزيوني، وضّح فيه كيف قامت الشركة باستهداف الناخبين بناء على المعلومات التي حصلت عليها من خلال فيس بوك و This is your digital life والتي دفعوا قرابة المليون دولار مقابل الحصول عليها. ظهر بعدها مارك زوكربرج خلال وسائل الإعلام وقدم اعتذاره الشديد على ما حدث، كما وعد بالمزيد من الإجراءات التي ستتخذها فيس بوك للحفاظ على البيانات الخاصة بمستخدميه، كما انخفضت قيمة أسهم فيس بوك وقتها بشكل ملحوظ على خلفية الاتهامات الموجهة للشركة.
في يوليو الماضي أصدرت هيئة التجارة الفيدرالية الأمريكية حكمها بتغريم فيس بوك 5 مليار دولار بسبب انتهاكها لخصوصية المستخدمين، بعد تحقيقات استمرت لأكثر من عام كامل، كما صدقت وزارة العدل على الحكم ليصبح أول حكم صادر في حق فيسبوك، والغرامة الأكبر في التاريخ بعد الغرامة الموقعة على جوجل في عام 2012 بقيمة 22.5 مليون دولار. كما أقرت هيئة التجارة الفدرالية الأمريكية بتعيين لجنة تقوم بتقييم أداء فيس بوك من ناحية حفاظها على خصوصية المستخدمين، وفي حالة اختراق 500 مستخدم او أكثر تقوم اللجنة بالإبلاغ عن المخالفة ليتم اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال ذلك.
الضربات تنهال على فيس بوك
يبدو أن صانعو السياسة أيضًا في الولايات المتحدة يعملون على مواجهة توحش الشركات التقنية العملاقة، حيث بدأ العديد من مرشحي الرئاسة وخاصة من الديمقراطيين في العمل على تفكيك الشركات التقنية العملاقة بعد أن زادت قوتها ونفوذها وأصبحت شركات مثل فيس بوك تستحوذ على شركات أخرى مثل انستجرام وواتساب وهو ما يبدو انه لا يلقى تأييد السيناتورات الأمريكيين.
تقود المرشحة الأمريكية لسباق الرئاسة إليزابيث وارن حربًا عنيفة ضد فيس بوك التي ذكرت أنها تقوم باستغلال بيانات المستخدمين لتحقيق مكاسب سياسية ومالية، ولا تحترم المسؤولية التي تقع على عاتقها ولا تحترم قيم الديمقراطية، إضافة إلى قضاءها على المنافسة عن طريق الاستحواذ على الشركات الأخرى كما فعلت مع واتساب وانستجرام. كما خصصت السيدة وارن قسمًا على موقع حملتها الانتخابية يختص بالشركات التقنية العملاقة وفضح ممارساتها الاحتكارية وما تقوم به في حق خصوصية المستخدمين.
في هذا السياق، سُربت تسجيلات صوتية لمارك زوكربيرج خلال اجتماعه مع موظفي فيس بوك، ذكر مارك لموظفيه أن فيس بوك عليها القيام بكل ما تستطيع من أجل منع إليزابيث وارن من الوصول لكرسي الرئاسة، لأن وقتها ستضطر فيس بوك لخوض نزاع قانوني مع حكومة الولايات المتحدة وهو الأمر الذي لم يحبذه مارك، ولكنه ذكر أنه إذا اضطر لذلك فسيخوض النزاع وينزل إلى ساحة المعركة على حد قوله. كما ذكر أيضًا أن انفصال الشركات الكبرى الذي يسعى إليه مرشحو الحزب الديمقراطي لن يحل أي مشكلة ولن يمنع التدخل في الانتخابات كما حدث في فضيحة Camridge Analytica، بل سيزيد الأمر سوءًا. وردت عليه إليزابيث وارن لاحقًا عبر حسابها على موقع تويتر مشيرةً إلى ضرورة إصلاح المنظومات الفاسدة والقضاء على الممارسات الاحتكارية ومحاربة كل من لا يحترم الديمقراطية وحقوق المستخدمين في إشارة واضحة إلى فيس بوك.
قوانين رادعة في الانتظار
ليست إليزابيث وارن وحدها هي من تشن حربها على فيس بوك، ولكن السيناتور رون وايدين قد عرض من عدة أسابيع مشروع قانون الخصوصية الذي يهدف لحماية البيانات وردع أي شركة تقوم بمخالفة القانون فيما يتعلق بحماية خصوصية المستخدمين، ليصبح التهديد الآن حقيقيًا في وجه زوكربرج بشكل شخصي، الذي أصبح معرضًا للحبس في حالة مخالفة فيس بوك للقانون المزمع إصداره.
حيث شبه وايدين عقوبة الخمسة مليارات الموقعة على فيس بوك من لجنة التجارة الفيدرالية بالضرب على اليد، مشيرًا إلى أن القانون الجديد سيعرض مارك للحبس في حالة تكرار ما حدث من قبل. يتضمن مشروع القانون الجديد ثلاثة نقاط أساسية هي: أولًا، قدرة المستخدمين على التحكم في بياناتهم الشخصية. وثانيًا، تحلى الشركات التقنية مثل فيسبوك وجوجل بالشفافية حيال ما يتعلق بخصوصية المستخدم. وثالثًا، محاسبة رؤساء الشركات المخالفة للقانون بعقوبات قد تصل إلى الحبس.
ليست الولايات المتحدة فقط
يبدو أن فيس بوك ليست متورطة في ألاعيب السياسة في الولايات المتحدة فقط، ولكن الأمر قد امتد لبريطانيا أيضًا والتي مرت باستحقاق مهم ومحوري وهو التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي Brexit، حيث أشارت العديد من التقارير إلى انتشار الكثير من الإعلانات الكاذبة التي تدعم الخروج من الاتحاد الأوروبي، وشملت تلك الإعلانات العديد من الأكاذيب بشأن قيام بريطانيا بدفع 350 مليون يورو للاتحاد الأوروبي أسبوعيًا، أو بأن الاتحاد الأوروبي سيمنع استخدام أباريق الشاي التي تعتبر جزءًا من الثقافة البريطانية، أو تلك الأخبار الكاذبة بشان دخول تركيا وألبانيا ومقدونيا إلى الاتحاد الأوروبي، مع التهديدات بتدفق اللاجئين إلى بريطانيا من سوريا والعراق بسبب حدودهم المشتركة مع تركيا.
كما نشرت وكالة أنباء CNN ما يفيد بأن فيس بوك ستتيح للسياسيين نشر أخبار كاذبة دون مراجعتها، وسيتم اختبار تلك الخاصية قريبًا على أرض الواقع حيث أن انتخابات البرلمان البريطاني أصبحت على الأبواب وستبدأ في 12 ديسمبر القادم.
لاقت تلك الأخبار الكثير من ردود الفعل السلبية من صناع القرار ورجال السياسة في بريطانيا والاتحاد الأوروبي مشيرين إلى أن فيس بوك يسمح بنشر الأخبار الكاذبة لكل من يدفع الأموال دون التحقق من مصداقيتها، بالإضافة إلى الأضرار التي تسببها تلك الأخبار على السلم الاجتماعي وتعارضها مع مبادئ ومواثيق شرف الإعلام والصحافة.
ربما تتسبب تلك الأخبار الكاذبة في العديد من المشاكل الإضافية لفيس بوك التي يبدو أنها لم تتعلم من دروس الماضي وتستمر في السعي وراء الأرباح دون الأخذ بمعايير الشفافية والنزاهة واحترام قيم الديمقراطية، شاركونا بآرائكم حول سياسات فيس بوك وما تقوم به الشركة من توريط نفسها في السياسة وكيف يمكن أن ينتهي الأمر بها؟