ما بعد الواقع الافتراضي: تمكين عصر الحوسبة المتطورة
لا يخفى على أحد حجم التطور الذي نعيشه اليوم في عالم التكنولوجيا فسرعة ما نشده من تطوير وتطويرات تجعلنا في لحظات قلقين مما نحن مقبلين عليه مستقبلاً, ولا نقول مستقبلاً بمعنى انه بعيد, فمن تابع الخمس سنوات الماضية فقط سوف يعرف حجم التطور الذي انتقلنا له اليوم, فاليوم نحن أمام دقات تصنيع هي الأصغر منذ بدأ العمل بها واليوم نحن أمام قوة حوسبة لا تصدق بالأرقام, كما أننا أمام تجربة واقع افتراضي كنا في الماضي نعتبرها حلم واليوم هي حقيقة على أرض الواقع..سؤال اليوم الذي يجعلنا نتسائل عنه مثلنا مثل غيرنا من المهتمين في المجال التقني والتكنولوجي هي الخطوة القادمة ما بعد الواقع الافتراضي.
للإجابة على هذا السؤال وقبل إلقاء كلمته الرئيسية حول تقنيات الواقع الافتراضي في معرض "إيفا برلين" الذي سيعقد في 3 سبتمبر من هذا العام، يشارك السيد مارك بيبرماستر، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا لدى شركة AMD، أفكاره حول مستقبل عصر الحوسبة المتطورة والأسباب التي ستجعلها من أهم فرص السوق لملايين الناس في المستقبل بجانب تحليل لما بعد الواقع الافتراضي.
[caption id="attachment_148987" align="alignnone" width="2048"] السيد مارك بيبرماستر، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا لدى شركة AMD[/caption]
وصلتني دعوة للمشاركة في معرض "إيفا برلين" للتحدث عن تقنيات الواقع الافتراضي في شهر سبتمبر. إن الحماس يدفعني للتحدث عن تقنيات الواقع الافتراضي، ليس فقط لأنها أصبحت الموضوع الذي يتحدث عنه الجميع، بل أيضاً لاعتقادي بأن وجودها يشير إلى بداية عصر الحوسبة المتطورة.
إذا كنت تظن أن الرحلة التي استغرقتها صناعة التكنولوجيا مضى عليها نصف قرن من الزمن، فاعلم أن هذه الصناعة قد مرت بالعديد من مراحل التطور حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. بدأت الحقبة الأولى بالحوسبة المركزية، التي هيمنت عليها أجهزة الحوسبة الكبرى لشركة "آي بي إم". وكانت المرحلة الثانية مع بداية الحوسبة الشخصية مثل الحاسوب المكتبي الذي انتشر في بداية الثمانينات. والحقبة الثالثة من تطور هذه الأجهزة هي التي نمر بها الآن مع الحوسبة المتنقلة، والتي تقودها وحدات المعالجة وأجهزة الاستشعار لتخفيف حجم البيانات والاندماج مع أكبر عدد ممكن من الأجهزة.
واليوم، لم يتقبل المجتمع استخدام التقنيات المتنقلة فحسب، إنما أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية. من تقنيات الواقع الافتراضي والمنازل الذكية، إلى السيارات ذاتية التحكم، يبدو أنه ليس هناك حدود للإمكانيات ولا نعرف إلى أي مدى يمكن دمج هذه التقنيات.
ما بعد الواقع الافتراضي
في شهر يناير من هذا العام، صرح البروفيسور كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي أننا نقف اليوم على حافة التطور التكنولوجي. وقال إن سرعة التقدم الذي نشهده اليوم لم نعرف لها أي سابقة تاريخية من هذا النوع، وهي لا تزال تتوسع بشكل كبير. وأنا أوافقه الرأي.
فنحن نعيش في عصر ترتبط فيه معظم الأجهزة ببعضها وتحتوي على تقنيات استشعارية ترفع مستوى الوعي. وأصبحت قدرات الصوت والصورة أكثر دقة ووضوح. وتوفر الرسومات وشاشات العرض ذات الدقة العالية جودة عرض تضاهي الصورة التي تعكسها المرآة. وهذا التقدم السريع والاعتماد المتزايد على البرامج المنفتحة يزيد من سرعة تطوير التطبيقات.
وتتجه جميع هذه المحركات الرئيسية نحو عصر الحوسبة المتطورة، وهو العصر الذي سيتميز بوسائل الاتصالات التي تربط الناس والعمليات والبيانات عبر شبكة متكاملة، مما سيغير طريقة تفاعلنا مع الناس والتكنولوجيا وسبل التعليم والعمل واللعب. وسوف نغوص بتعمق في القوة والذكاء الحاسوبي. وستحيط بنا التقنيات التكنولوجية وسيصبح دورها في حياتنا اليومية أمراً ضرورياً لا بد منه. وسوف تتفاعل معنا التكنولوجيا بطرق لم نتخيلها بعد. والدليل على ذلك تقنيات الواقع الافتراضي.
وتشير توقعات العديد من مراقبي التكنولوجيا إلى أن تقنيات الواقع الافتراضي من شأنها أن تحدث تغيرات جذرية في مجال التعليم وطريقة عمل الكثير من القطاعات بدءاً من تجارة التجزئة مروراً بالقوات المسلحة والرعاية الصحية وانتهاءً بالترفيه وألعاب الفيديو والأزياء. وأظهرت نتائج التوقعات مؤخراً أن قيمة سوق تقنيات الواقع الافتراضي سترتفع إلى 80 مليار دولار بحلول عام 2025. وذلك بصرف النظر عن حجم السوق، وهناك أمثلة واقعية لهذه الاحتمالات. تخيل أن تكون قادراً على تعلم التاريخ من خلال الاندماج بشكل متكامل بالوقائع والحقائق الفعلية التي حدثت منذ قرون من الزمن، ولكن أكثر ما جذب اهتمامي، هو مستشفى رويال لندن، الذي أجرى عمليات جراحة أورام باستخدام كاميرات من جميع الأبعاد كجزء من برنامج طبي صمم لتعليم طلبة كلية الطب وأفراد المجتمع. ويعتقد رئيس الأطباء أن تقنيات الواقع الافتراضي قادرة على رفع كفاءة قطاع الرعاية الصحية وأن من شأنها تعزيز مستوى تدريبات الجراحة على مستوى العالم.
وبقدر روعة الإمكانيات التي تحظى بها تقنية الواقع الافتراضي، تملك تقنيات الواقع المعزز إمكانيات أكبر بكثير، حيث تضم تقنيات الواقع المعزز قدرات الواقع الافتراضي المغلفة بغشاء من العالم الحقيقي لتشكل ما يطلق عليه بالواقع الممزوج، والذي يغطي المساحة التجريبية ما بين البيئة الحقيقية والواقع الافتراضي المتكامل.
قانون مور بلس
ومع هذه الإمكانيات الرائعة التي يمكن أن تقدمها التكنولوجيا، ننسى أن التطورات التي تحدث كتطور الواقع الافتراضي أصبحت ممكنة بسبب التقدم في تقنيات أشباه الموصلات. وخصوصاً أننا نشهد تحسناً كبيراً في كفاءة استهلاك الطاقة وزيادة بقوة المعالجة، وذلك إلى جانب تقنيات الرسومات وشاشات العرض فائقة الوضوح. ومع ذلك، فإذا ما أدركنا القيمة التي يوفرها لنا عصر الحوسبة المتطورة، سيتعين على صناعة السيليكون مراعاة بعض التحديات الرئيسية.
ومنذ ظهور عصر الحوسبة الشخصية، استفاد مطورو المنتجات من قوة تأثير قانون مور الذي ساهم بمضاعفة قدرات الحوسبة كل 18 إلى 24 شهراً من خلال تقديم نفس القوة والكلفة. تتيح هذه المكاسب بنمو قدرة أجهزة الحاسوب بسرعة خلال هذه الفترة، وتساعد المكاسب المتزامنة في الكفاءة التشغيلية في تمكين تخفيض استهلاك طاقة الأجهزة، ما يحدد نمو عصر الحوسبة المتنقلة التي نشهدها اليوم.
ومع هذا، لا يمكننا خداع القوانين الفيزيائية. وفي حين لا يزال قانون مور صالحاً، إلا أنه قد تباطأ. فقد أصبحت التحسينات في أشباه الموصلات أكثر انتشاراً مع مرور الوقت وتتطلب الكثير التغطيات والتكاليف العالية. وقد شهدنا في السنوات الأخير أنها تتطلب مزيجاً من التصاميم الهندسية والتقنيات المبتكرة للحفاظ على معدل التقدم الوظيفي.
وكما نسعى باحثين عن تجارب وابتكارات جديدة في عصر الحوسبة المتطورة، أعتقد أننا سوف نبحث عمَّا أطلق عليه "قانون مور بلس". هذه الفكرة التي توضح أنه لو كانت صناعة السيليكون تهدف للحفاظ على المعدل الإرشادي للتحسن في الأداء والكلفة، يتوجب على المنشآت اتخاذ خطوات هندسية إبداعية. ومن وجهة نظري، سوف يتطلب العالم الجديد الذي يطبق قانون مور بلس مزيجاً من وحدات الحوسبة المركزية في الحوسبة ووحدات معالجة الرسومات للحوسبة والمرئيات ووحدات معالجة مسرعة لتشغيل هذه الحوسبة المتطورة. وسيتم دمج محركات الحوسبة هذه بتقنيات تعبئة وتغليف جديدة لتمكنها من العمل بكفاءة أكثر.
عصر الحوسبة المتطورة
أتطلع لمشاركة المزيد من الأفكار الملهمة حول الواقع الافتراضي في برلين. هذه الفرص والإمكانيات والنماذج التجارية التي تنتظرنا سوف يكون لها شأن كبير في التأكيد على حقيقة أننا في بدايات عصر الحوسبة المتطورة، ومن الواضح أن التقدم التكنولوجي سوف يحدث بوتيرة أسرع بكثير من أي وقت مضى وعلى نطاق أوسع. وهذا العالم سوف يتغير كثيراً على ما نعرفه اليوم.
ومن أهم المقومات الرئيسية قوة الحوسبة والمرئيات المتقدمة وعالية الأداء ومنخفضة استهلاك الطاقة. هذه العناصر متوفرة الآن وتتعرض للعداد من التطورات بسرعة كبيرة. ونحن لا زلنا في بداية انتشار عصر الحوسبة المتطورة، ونتعرف الآن على الجيل الأول من منتجات اليوم، تماماً كما ظهرت الهواتف الذكية في بدايتها. كانت المنتجات الأولية رائعة ومفيدة، ولكن لم يتخيل أحد أنها سوف تتطور لتصبح من السلع التي لا يمكننا العيش بدونها، وقد أحدثت فعلاً انقلاباً في سوق الهواتف المتحركة، مما أدى إلى ظهور تطبيقات وخدمات جديدة كلياً.