نعم أبل هي تلك الشركة التي غيرت الكثير جدا من مفاهيم التقنية في العالم، بدءا من مشغل الموسيقى آيبود إلى هاتف الآيفون إلى الآيباد وحتى الساعه الذكية التي أطلقتها بشكل اختلف كثيرا عن الشركات التي علمت باشاعة تطوير أبل لساعة ذكية وسارعت بتقديمها. ورغم هذا فإن أبل ليست تلك الشركة البارعة في كل الخدمات، فبعيدا عن الإبتكار والريادة على مستوى الأجهزة التقنية، تبقى بعض خدمات أبل تعاني من مشاكل كثيرة ولا تتربع على أعلى القائمة، من تلك الخدمات مثلا خرائط أبل، وعدم وجود محرك بحث خاص بالشركة مثلا، لكن تبقى خدمة الموسيقى آيتيونز هي الوحش الكاسر الذي لا يقوى أحد على منافسته حتى اللحظة.

لماذا هذه المقدمة الطويلة؟

ببساطة لأن أبل تريد أن تقتحم عالم بث الموسيقى (راديو الإنترنت) وتريد تقديم خدمة الأخبار وجمعها على طريقة خدمة فليبورد الشهيرة، وتطور خدمة الخرائط الخاصة بها بقوة، وهناك إشاعات بأنها تطور محرك بحث خاص بها. ولو أنك أمعنت النظر في تلك الخدمات فستجد أنها تمثل الشريحة الأكبر من الخدمات التي يحتاجها المستخدمون، ترفيه موسيقي واستماع للموسيقى عبر راديو انترنت، متابعة الأخبار, البحث عن الأماكن والوصول إليها، البحث عبر الإنترنت، متابعة الأخبار. ولو أضفنا إلى هذا أن نسبة المستخدمين الذي يستهلكون هذه الخدمات عبر الهاتف في غزدياد مضطرد، فمن منا يستخدم جهاز الكمبيوتر للبحث عن مكان ومحاولة الوصول إليه مثلا؟ إنها تلك الخدمات التي أصبحت مرتبطة إرتباطا وثيقا بهواتفنا وأجهزتنا اللوحية.

لماذا تريد أبل خوض هذه المنافسة؟

باختصار شديد ستلاحظ أن العالم يتجه ببطء نحو الخدمات المدفوعة، وسواء دفعت أنت أو دفعت الشركات التي تريدك أن تعرفها أو تريدك أن تصل إليها وتستخدم منتجاتها فإن الشركة الوسيطة المقدمة للخدمة (أبل مثلا) ستكون هي الرابح الأكبر. خدمات الموسيقى مثلا لم تعد مجانية وأصبح العالم الذي يتقبل شراء مقطع صوتي بدولار واحد ويستمع إليه طوال الوقت، هو نفسه الذي يقبل الآن أن يدفع خمسة دولارات (شهريا) مقابل الوصول إلى أي مقطع موسيقي يريده (ضمن ما توفره الشركة) أو ثمانية دولارات لتحصل العائلة كلها (خمسة أفراد) على هذه الخدمة. وأصبحت المطاعم والمتاجر تتقبل أن تدفع لشركات تزويد الخدمات البحثية عبر الخرائط أو لتطبيقات قوائم الطعام وأفضل المتاجر من أجل أن تظهر في أول القائمة لك، وأن تصبح أحد الأهداف المحتملة لزيارتك. ويمكنك تطبيق هذه المفاهيم السوقية على كل الخدمات التي تحصل عليها سواء مجانا أو مدفوعة. من هم ضحايا أبل الآن؟

Google-Maps-logo

عندما تتحدث عن مئات ملايين الأجهزة من أبل والتي كانت تأتي سابقا بتطبيق خرائط جوجل بشكل قياسي ثم فجأة تم إصدار تطبيق أبل للخرائط، فأنت تضع قائمة بملايين الأجهزة التي استغنت عن تطبيق خرائط جوجل، خاصة وأن بعض مستخدمي أبل مهاويس بمنتجات الشركة ولديهم الإستعداد النفسي لقبول منتج ضعيف من أبل لأنه فقط من أبل. أنا ما زلت أستخدم خرائط جوجل لأنها الأفضل على الأقل في منطقتنا العربية، لكن كم شخص اشترى هاتف آيفون وقرر ترك تطبيق خرائط أبل واستخدم خرائط جوجل؟ مليون عشرين مليون؟ لا توجد أرقام معلنة لكن حتما جوجل خسرت طبقة عريضة من المستخدمين.

spotify-logo

برنامج راديو انترنت الشهير سبوتيفاي، والذي انطلق عام ٢٠٠٦ وحصل على تمويل بما مجموعه مليار ومائة مليون دولار، صار في منافسه شرسة أمام ديناصور الموسيقى الرقمية (إن صح التعبير). ولم لا تنطلق أبل في عالم البث الرقمي وهي تمتلك أكبر مكتبة رقمية للموسيقى على الإنترنت (٣٧ مليون أغنية)، ليس هذا فحسب، بل إن ستيف جوبز هو من أقنع شركات الموسيقى بإمكانية بيع مقاطع موسيقية عبر إنترنت قديما ( عام ٢٠٠٣)، وكمعلومة سريعة للقراء فإن متجر آيتيونز باع في عام ٢٠١٣ حوالي ٢٥ مليار أغنية (عدد مرات بيع الأغاني والصوتيات وليس عددهم كصوتيات في حد ذاتها). لا توجد إحصائيات أو معلومات حقيقة حول ما هي الخسائر التي يمكن أن يمنى بها سبوتيفاي أو باندورا أو راديو، ولكن هناك توقعات قوية بأن تستحوذ خدمة أبل للموسيقى على نصيب الأسد من المستخدمين، خاصة وأن الضربة القوية جاءت عندما إنطلقت الخدمة لكل المستخدمين في جميع أنحاء العالم، بينما سبوتيفاي مثلا ما زال مقصورا على عدد من الدول.

Flipboard

فليبورد هو أحد اشهر تطبيقات الأخبار الآن في العالم، ومع إطلاقه لخدمته عبر الويب أصبح تقريبا يوفر الأخبار لكل المنصات، وبداية فليبورد كانت كتطبيق لأجهزة آيباد فقط ثم آيفون ثم أندرويد وهكذا.فليبورد حصل على حجم استثمار تعدى ١٦٠ مليون دولار تقريبا وعدد مستخدمين نشيطين يتعدى 100 مليون مستخدم (وفقا لاحصائية عام 2014)، وفي مايو من ه٫ا العام (2015) قدرت قيمته السوقية بحوالي 800 مليون دولار، الآن ه٫ا التطبيق هو الضحية القادمة لخدمة أبل الإخبارية والتي تنوي إطلاقها مع نظام IOS9 القادم ه٫ا الخريف. والجميل أن أبل أعلنت قائمة طويلة من المحطات الإخبارية والمواقع التي انضمت بالفعل لخدمة أخبار أبل، ولا يتوقع الكثيرون أن تبقى ه٫ه القائمة الكبيرة كما هي بل هناك توقعات بنمو كبير لها قبل حتى موعد الإطلاق الرسمي. وربما على غرار خرائط جوجل، سيجد مستخدمو أبل تطبيقا جديدا للأخبار مثبت قياسيا على أجهزتهم ومع الوقت يتطور التطبيق ويقدم المزيد من الخدمات والمزايا، ويبحث الآخرون عن منافسة وحش يبيع ما يزيد عن ستين مليون جهاز في الربع سنة ويضع كل خدماته قياسيا لكل مستخدميه الجدد أو القدامى على حد سواء.

iSearch أخيرا تبقى شائعة محرك بحث أبل معلقة في سماء التخمينات والتصورات ما بين إطلاقه كمحرك بحث متكامل عبر ويب أو مجرد محرك بحث مدمج مع سيري كبداية، لكن المؤكد أن أبل تعمل على هكذا خدمة، والمؤكد أكثر أن جوجل وبينج سيتضررون كثيرا عندما تطلق أبل محرك بحثها.

ما الذي يميز مستخدمي أبل؟ ولماذا هذه الحرب في الإستحواذ؟

هذا هو بيت القصيد، فأكثر الإحصائيات والدراسات السوقية التي ربما مللنا من كثرتها تشير إلى أن مستخدمي منتجات أبل هم الأكثر ثراءا والأكثر قدرة على الدفع والأسرع في الإشتراك في الخدمات الرقمية والأكثر…. الخ. لذا فدوما مستخدمو أبل هم الهدف الأول لكل الشركات الكبيرة ومطوري البرامج والألعاب (حققت مبيعات آيتيونز ستور أكثر من ١٨ مليار دولار في عام ٢٠١٤). فإذا كانت أبل قد قررت أن تحارب الجميع وفي ملعبها ومع مستخدمين يعشقونها فالتأكيد سيكون الرهان ناجحا وباكتساح.