
هل تستطيع الهواتف الذكية استبدال الحواسيب المحمولة والمكتبية؟
بعدما انتقلنا من عصر الهواتف الذكية إلى عصر الهواتف الأكثر ذكاءً، حيث كانت الهواتف الذكية في السابق تقتصر على توفير إمكانية استخدام الهاتف بشاشة لمسية مع القيام بعدد كبير من المهام، أصبح اليوم وجود الهواتف الأكثر ذكاءً أكثر انتشاراً، وذلك من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي والمساعدات الشخصية الذكية وتقنيات تعلم الآلة. مع كُل هذا التقدم، يبقى هُناك سؤالٌ واحد نحتاج جميعاً إلى الإجابة عليه، ألا وهو:
هل تستطيع الهواتف الذكية استبدال الحواسيب؟
أصبحت الهواتف الذكية في الوقت الحالي قادرة على القيام بعدد هائل من المهام التي كان يُمكننا القيام بها في وقتٍ سابق من خلال الحواسيب المكتبية أو المحمولة فقط، ولكن; هل يعني هذا أنه بإمكان الأشخاص الذين يعتمد عملهم على الحواسيب الشخصية مثل المُصممين أو المُبرمجين والمطورين ومن يستخدمون برامج الإدارة أن يقوموا باستبدال حواسيبهم الشخصية بالهواتف المحمولة الذكية؟ في هذه المقالة، سنتناقش سوياً حول هذا الأمر، لعلنا نصل للإجابة النهائية، ولكن; بدلاً من استعراض مُميزات الهواتف الذكية وما تستطيع القيام به، دعونا نعكس الأمر، وذلك من خلال استعراض ما يُمكننا القيام به على الحواسيب الشخصية، ومُناقشة إذا ما كانت الهواتف الذكية قادرة على القيام بهذه المهام أم لا.
نسب مُستخدمي الحواسيب المحمولة مُقابل الهواتف الذكية
في البداية، وقبل الانتقال إلى مرحلة المُقارنة من حيث قدرات كُلٍ من الهواتف الذكية والحواسيب الشخصية على أداء المهام، دعونا نُجري مُقارنة سريعة بين مُعدلات استخدامات كلاهما، وذلك استناداً إلى دراسة أجراها معهد نيو جيرسي للتكنولوجيا في عام 2016 على المواطنين الأمريكيين. في البداية، يمتلك 68 بالمائة من سكان الولايات المُتحدة هواتف ذكية، وإذا ما قارناهم بعدد من كانوا يمتلكونها في عام 2011، فإن النسبة قد ازدادت بمقدار ثلاثة وثلاثين بالمائة، وعلى الناحية الأُخرى، فإن نسبة من يمتلكون الحواسيب المحمولة أو المكتبية ازدادت فقط بنسبة اثنان بالمائة من عام 2004 وحتى عام 2015، وهي نسبة ضئيلة للغاية تدل على أن سوق الحواسيب المكتبية والمحمولة على وشك أن تنطفأ شعلته، وفي المُقابل، فإن نسبة من أصبحوا يمتلكون حواسيب لوحية قد ارتفعت بمقدار اثنان وأربعين بالمائة مُنذ عام 2010 وحتى عام 2015، وهي فترة أقل بكثير من الفترة التي استغرقها مالكي الحواسيب في الزيادة بنسبة اثنان في المائة. إذاً، فبهذه الاحصائيات والنسب المُتواجدة في المُجتمع الأمريكي فقط، قد نقوم بشكلٍ مُباشر بإلقاءِ حُكم يقول أن الحواسيب المحمولة على وشك الاختفاء أمام الهواتف الذكية، ولكن; دعنا في البداية وقبل إجراء المُقارنة بين قُدرات كلاً منهما أن نأخُذ في الحُسبان عدم زيادة نسبة مُستخدمي الحواسيب المحمولة والمكتبية بنسبة كبيرة بسبب ارتفاعها من الأساس، بالإضافة إلى أنه قلما يتجه شخصٌ جديد إلى شراء الحواسيب ولكنهم يقومون بتحديثها أولاً بأول مما يعني أن سوقها لم ولن يمت على أغلب الأحوال خلال العقد الجاري والمُقبِل على أقل تقدير. إذاً، فهذه الإحصائيات ليست كافية، ولهذا، فسننتقل إلى الجزء الثاني من المقال، وهو المُقارنة بين قدرات الهواتف الذكية والحواسيب الشخصية وِفقاً لما تستطيع الحواسيب الشخصية القيام به سواءً كانت حواسيب محمولة أو حواسيب مكتبية.
أولاً: برامج التصميم والمونتاج

سواءً كُنت تستخدم الحاسوب الخاص بك في تصميم الرسوميات باستخدام برامج التصميم ك Adobe Photoshop و Illustrator أو عمل تعديلات على مقاطع الفيديو باستخدام برامج المونتاج مثل Adobe Premier و Adobe Aftereffect، أو حتى تقوم بعمل التصاميم الهندسية باستخدام البرامج المُماثلة ل Solidworks أو AutoCAD وما إلى ذلك من برامج هندسية، فإنك وبِكُلِ تأكيد غير قادر على استخدام أياً من هذه البرامج في الهواتف الذكية مهما ارتفعت قُدراتها من ذواكر عشوائية أو ذاكرة داخلية أصبحا يُعادلان الكثير من الحواسيب الشخصية والمحمولة حيث وصلتا إلى أكثر من اثنا عشر جيجابايت بالنسبة للذاكرة العشوائية وتيرا بايت وأكثر بالنسبة للذاكرة الداخلية. وبالرغم من توفر مجموعة من الإضافات الجديدة للهواتف المحمولة تُمكنها من العمل كحاسب مكتبي مثل Samsung DeX الذي قدمته سامسونج والذي يحول أي شاشة في منزلك إلى حاسب شخصي يُمكنك التحكم فيه باستخدام الفأرة ولوحة المفاتيح، إلا أنه لا يزال يعمل بنظام أندرويد محدود القُدرات، وهو ليس كذلك بسبب أنه غير قادر على تشغيل العديد من البرامج الخاصة بالتصميم على سبيل المِثال، ولكن ببساطة لأن الفكرة لم تلقى الانتشار الكبير بعد الذي يجعل من الشركات الكبيرة مثل Dassault Systemes أو Adobe أو Autodesk تقوم بتطوير نُسخ خاصة من برامجها لتعمل بنفس الكفاءة وبنفس المُميزات وتُقدِّم الوظائف ذاتها على نظام أندرويد.
بالرغم من أن الكثير من المُصممين وتحديداً مُصممي الرسوميات الاعتيادية يقومون باستخدام الهواتف الذكية ذات القلم – Stylus في عمل رسم تخيلي أو مُخطط لما ينوون القيام بتصميمه على الحاسب، أو أن يقوموا باستخدام الأجهزة اللوحية المُخصصة لهذا الأمر مثل أجهزة Wacom الخاصة بالمُصممين، إلا أنهم في النهاية يذهبون إلى الحواسيب الخاصة بهم ليتمموا عملية التصميم دون الاعتماد بشكلٍ كامل على الهواتف الذكية فهي مُجرد جزء بسيط من العملية التصميمية.
إذاً، فالخاسر في هذه النُقطة هو الهواتف الذكية حتى انتشار التقنيات المُماثلة ل Samsung DeX والتي ننتظر اطلاقها بالفعل مع نظام أندرويد Q القادم ولكنها أيضاً ستأخُذ وقتاً طويلاً كي تنتشر وكي تقوم الشركات الكُبرى بعمل إصدارات خاصة من برامجها خاصة بنظام أندرويد.
ثانياً: الكتابة والترجمة
أكتُب في هذه النُقطة لأنها تخصني شخصياً، فأنا بالفعل كاتب، وبالرغم من استخدامي للهاتف المحمول في كتابة بعض النصوص، ولكنها في العادة لا تكون صالحة لأن يتم نشرها في مقالٍ كامل، أضِف إلى ذلك فإن الكتابة والترجمة تتطلب فتح أكثر من موقع وبرنامج وتبويب في المُتصفحات وعلى الحاسب الشخصي، وهو ما لا يستطيع أن يقوم الهاتف الذكي بتوفيره مهما ازدادت قُدرته على أداء المهام المُتعددة. قد تكون المُقارنة هُنا ضعيفة بعض الشيء، خاصةً مع إطلاق الهواتف القابلة للطي مثل Galaxy Fold و Huawei Mate X واللذان وفرا لك إمكانية فتح أكثر من ثلاثة تطبيقات في الوقت ذاته، ولكنهما لا يزالا يفتقدا إمكانية توفير لوحة مفاتيح كاملة كتلك الموجودة في الحواسيب المحمولة والمكتبية دون شرائها بشكلٍ مُنفصل، كما أنك ستُعاني أثناء كتابة مقال كبير كهذا من صِغر حجم الخط بسبب حجم الشاشة، وذلك بالرغم من أن ميكروسوفت قد وفرت مجموعتها المكتبية Microsoft Office للهواتف الذكية حاملةً تقريباً كافة المُميزات التي تتواجد على إصدارات الحواسيب الشخصية، ولكن الأمر لا يزال في غاية الصعوبة. شخصياً أمتلك هاتفاً بشاشة بقياس 5.7 بوصة، وهو حجم ليس بذاك القدر من الصِغر مُقارنةً بالشاشات الحديثة والتي أقصى ما وصلت إليه هو 7.3 بوصة في هاتف Samsung Galaxy Fold، ولذلك لا أظُن أن الهواتف الذكية ستكون قادرة على العمل بشكلٍ كامل أو قادرة على القيام بكافة الوظائف التي يُمكن القيام بها أثناء الكتابة أو الترجمة باستخدام الحواسيب الشخصية أو المحمولة.
ثالثاً: البرمجة والتطوير
في هذه النُقطة تقريباً لا وجود للهواتف الذكية، فلم يمر عليّ أحد المُبرمجين أو المُطورين الذين يقومون باستخدام الهواتف الذكية في البرمجة، وذلك لأن البرمجة تتطلب وجود لوحة مفاتيح كاملة وشاشة واضحة ومجموعة مُعينة من التطبيقات التي تُوضِّح الرموز والأكواد التي يتم كتابتها، وذلك بالإضافة إلى وجود برنامج مُشغِّل أو مُحول برمجي والذي يُعرف ب Compiler، وهو الذي يقوم بترجمة ما تقوم بكتابته من أكواد إلى واجهة يُمكنك التعرف من خلالها على الأخطاء المكتوبة ونسبة وصولك إلى ما تُريد تنفيذه بالفعل. إذاً فالهواتف الذكية تخسر في هذه النُقطة أيضاً، فكما ذكرت، لا يُوجد مُبرمج قادر على الاعتماد على الهاتف الذكي أيُما كان حجم شاشته وقدراته، فهو لا يزال يفتقر للعديد من المُميزات التي يُوفِّرها الحاسب الشخصي، كما أن العديد من البرامج والتطبيقات التي يتم برمجتها تحتاج إلى بيئة خاصة للعمل مثل Net Framework وغيرها من البرمجيات التي يجب تفعيلها من أجل اختبار ما يتم كتابته من أكواد وهو ما لا يتوفر ولا أتوقع أن يتوفر في المُستقبل القريب في الهواتف الذكية.
رابعاً: اللعب والترفيه
قد تكون الهواتف الذكية ليست فائزة بشكلٍ كامل في هذه المرحلة من المُنافسة مع الحواسيب الشخصية والمحمولة من حيث اللعب والترفيه بشكلٍ عام والذي يتمثل في مُشاهدة الأفلام ومقاطع الفيديو والاستماع إلى المُوسيقى، ولكنها على أقل تقدير ليست خاسرة مثل المعارك السابقة. ذلك وببساطة لأن اللعب والترفيه يُعدان أهم النقاط التي جاءت الهواتف الذكية واستمرت في التطور كي توفرها بين راحة يديك بدلاً من الحواسيب الذكية، ومع تطور الشاشات، أصبحت تجربة مُشاهدة الأفلام عبر منصاتٍ مثل Netflix تتفوق في بعض الأحيان على شاشات الحواسيب المحمولة والشخصية -إذا ما كنت من غير مُفضِّلي الشاشات الكبيرة- ذلك لأنها تُوفِّر لك تجربة مُشاهدة أي شيء تُريده في أي وقت وأي مكان وبجودة عالية بُناءً على سرعة اتصالك بالإنترنت، وذلك بجانب إمكانية تحميل ما تُريد بالاستفادة من سعتها الداخلية الكبيرة التي وصلت كما ذكرت سلفاً إلى ما يزيد عن تيرا بايت، كما أن التطور الكبير في شاشات الهواتف الذكية أصبح أفضل من ذي قبل من حيث توفير تقنيات العرض الحديثة مثل HDR بالإضافة إلى دقة الشاشة التي وصلت في بعض الهواتف إلى دقة عرض 4K قد لا تستطيع الحصول عليها في منزلك في الكثير من الأحيان. [caption id="attachment_236526" align="aligncenter" width="962"] Sky Go Extra[/caption] أما من ناحية المُوسيقى، فإن الهواتف الذكية تتفوق أيضاً في هذه النُقطة، حيث أنها صُممت كبديل لأجهزة MP3 و iPod من حيث توفيرها لتجربة صوتية مُميزة عبر تطبيقات مُشغلات المُوسيقى التي تُوفِّر عليك البحث وتُسهِّل عليك عملية الاستماع والتجربة بالكامل، بالإضافة إلى توفير تقنيات Dolby Atmos في الكثير من الهواتف الذكية كما أننا قد رأينا في السنوات الماضية هواتف HTC تحتوي على سماعات سبيكر داخلية مصنوعة بواسطة beats by Dre والتي تُعد الأفضل على مُستوى العالم وذلك قبل استحواذ شركة آبل الأمريكية على شركة beats.
طالع أيضاً: خمس مُميزات قد تغير رأيك في تحميل Spotify واستخدامه الآن؟
كذلك تتميز الهواتف الذكية بتوفيرها لتجربة استماع محمولة وسهلة أثناء القيام بالتمارين الرياضية أو التواجد خارج المنزل بشكلٍ عام على عكس الحواسيب المكتبية والمحمولة التي تُلزمك بالبقاء بجانبها إذا ما أردت استخدام سماعات رأس أو البقاء على الأقل في الغرفة ذاتها إذا ما أردت استخدام سماعات سبيكر كي تستمتع بالتجربة الصوتية. أما الجُزء الأخير وهو اللعب، وقد يكون هذا الجُزء هو الحلقة الأضعف في تجربة الهواتف الذكية الترفيهية بسبب تفوق الحواسيب الشخصية ومنصات اللعب على الهواتف من حيث الرسوميات ومن حيث مكتبة الألعاب المُتوفِّرة بالإضافة إلى تجربة التحكم السهلة التي تُمكنك من التحكم في الألعاب باستخدام لوحة المفاتيح أو أذرع التحكم وِفقاً للجهاز الذي تستخدمه. [caption id="attachment_236525" align="aligncenter" width="1280"]
فرقٌ هائل بين لعبة PUBG على الهاتف المحمول واللعبة ذاتها على الحواسيب الشخصية[/caption] وبالرغم من اتجاه الكثير من الشركات مثل إلى صُنع إصدارات خاصة من الألعاب خاصة بالهواتف الذكية مثل Tencent التي قامت بعمل لعبة PUBG الشهيرة أو Sledgehammer Games التي قدمت لنا أخيراً إصداراً من لعبة Call of Duty على الهواتف الذكية، إلا أنه بِكُلِ حالٍ من الأحوال وخاصة بالنسبة للاعبين القُدامى لا يوجد مجال للمُقارنة بين ألعاب الهواتف الذكية وألعاب الحواسيب المكتبية ومنصات اللعب والحواسيب المحمولة على الإطلاق.
الخُلاصة
إذاً، وبوصولنا إلى هذه الفقرة، قد نتفق جميعاً على عدم قدرة الهواتف الذكية على استبدال الحواسيب المحمولة أو المكتبية بشكلٍ عام في الكثير من المجالات، إلا أننا لا نُجزم على عدم استبدالها لهم بسبب تنوع استخدامات ومُتطلبات المُستخدمين، فمن المُستخدمين من لا يُريدون اللعب على الشاشات الكبيرة ويكتفون بتجربة اللعب ومُنافسة أصدقائهم من خلال الشاشات الصغيرة، فتكون الهواتف الذكية حينها هي الخيار الأفضل لهم، وفي المُقابل، فإنه من الناحية المهنية والعملية والدراسية، لا تتفوق الهواتف الذكية على الإطلاق سوى أنه يُمكن استغلالها في تسجيل المهام بالإضافة إلى تدوين المُلاحظات والأفكار بالإضافة إلى كتابة النصوص الصغيرة وعمل التصاميم الصغيرة الأولية والبدائية لما تُريد الوصول إليه في النهاية من خلال حواسيبك الشخصية. هل قد وصلت أنت عزيزي القارئ إلى إمكانية استبدال الحواسيب بالهواتف الذكية؟ أم أنك مثلي لا ترى للهواتف الذكية القدرة على استبدالها خلال العقد الجاري ونصف العقد التالي على أقل تقدير؟ شاركنا برأيك في قسم التعليقات بالأسفل.
?xml>