هل تؤمن بنظرية تأثير الفراشة Butterfly Effect؟ حسنًا إن كنت كذلك فإنك ربما تتفق معي أنه لولا تعرض  المغنية جانيت جاكسون لموقف محرج أثناء الحفل الموسيقي في نهائي السوبر بول الأمريكي عام 2004  لما كان اليوتيوب بيننا اليوم!

انتشرت تلك الواقعة كالنار في الهشيم وكثر البحث عليها على مواقع الانترنت وتصدرت عناوين الصحف العالمية، وكواحد من الجمهور قام جاود كريم الموظف السابق بشركة باي بال بالبحث في الإنترنت عن مقطع الفيديو لتلك الواقعة ولكن عملية البحث استغرقت منه وقتًا كبيرًا، ومن هنا جاء الإلهام حيث أفصح بعدها لزميليه في باي بال شاد هارلي وستيف شين عن فكرة تأسيس مكتبة رقمية للفيديوهات حول العالم.

كان الفيديو الذي رفعه "جاود" بعنوان أنا في حديقة الحيوان Me at the zoo هو أول ملف فيديو رفع على موقع يوتيوب، وكان بتاريخ 23 إبريل 2005، وتبلغ مدته 18 ثانية.

https://www.youtube.com/watch?v=jNQXAC9IVRw

يمر عامان على إنشاء اليوتيوب ليبدو مشروعًا واعدًا من الدرجة الأولى مما يدفع جوجل (ألفابيت الآن) إلى السعي للاستحواذ على الكيان الجديد بصفقة بلغت قيمتها مليار ونصف دولار ليجني الموقع بعد ذلك قرابة المليار دولار سنويًا تذهب إلى خزائن ألفابيت، عملية الاستحواذ الأفضل برأيي حيث احتل الموقع مركزًا هامًا في الحياة اليومية لحوالي ثلث مستخدمي الانترنت، وفقًا لآخر الإحصائيات الخاصة بموقع مشاركة الفيديو الشهير يوتيوب، وُجد أن كل دقيقة يتم مشاهدة محتوى مرئي بإجمالي 400 ساعة حول العالم كما يتم رفع 100 ساعة جديدة من المحتوى المرئي  رقم كبير جداً يخبرنا عن مدى شعبية هذا الموقع والكم الهائل من المشتركين.

وكما كان اليوتيوب حظ المبتدئين كذلك كانت كبرى القنوات التي نراها الآن حيث تطور المحتوى على الموقع من فيديوهات مضحكة للقطط ولضحكات الأطفال ومقاطع رياضية مسروقة من التلفزيونات الرسمية مرورًا بمرحلة الفلوجز التي يشارك فيها اليوتيوبرز أحداث حياتهم اليومية مع متابعيهم ووصولاً لمرحلة النضج لتقديم محتوى تقني أو كوميدي أو إخباري بشكل منتظم ودوري وانتهاءً بمرحلة الاحتراف حيث تحولت بعض القنوات إلى كيانات رسمية تدر أموالاً ضخمة.

بدأت مرحلة النضج في عام 2007 حيث أعلن اليوتيوب عن برنامج لمشاركة الأرباح مع منتجي الفيديوهات من المستخدمين أسماه شركاء اليوتيوب ومن هنا كانت ضربة البداية، استطاع  الموقع أن يجذب الكثير من المبدعين وصناع المحتوى الذين تحولوا من مجرد هواة يقدمون شيئًا يحبونه في أوقات فراغهم إلى موظفين براتب شهري وشركاء واحدة من أكبر الشركات العالمية.

الأمر الذي يدفعنا للتساؤل كم يجني اليوتيوبرز المشهورون؟ هل يستحق الأمر التخلي عن وظيفتك ذات الدوام الكامل لتحترف تقديم المحتوى عبر اليوتيوب مع عائد شهري مُرضٍ؟

وللإجابة عن هذا التساؤل يلزمنا أن نعرف مصدر الدخل الذي يجب أن تتوقعه هل يكافئك اليوتيوب على تقديم محتوى لهم؟ بالطبع لا. كأي منصة عالمية تجتذب أنظار الجمهور يجني يوتيوب أمواله من خلال الإعلانات عن المنتجات، لعلك إذًا فهمت ما أرمي إليه من تلك المُقدمة.

مصدر الربح الرئيسي لليوتيوبرز هو الإعلانات النصية أو المرئية المصاحبة للفيديو والتي عادةً ما تكون موجهة لك تحديدًا بناءً على اهتماماتك والتي تستطيع جوجل أن تتعرف عليها بسهولة من متابعة  بريدك الإلكتروني Gmail لكن اليوتيوب يدفع فقط عند تفاعل المشاهدين مع الإعلان الظاهر عبر النقر عليه أو التوقف لمشاهدة الإعلان في بداية الفيديو وإكماله للنهاية. ولكن هل يعني هذا تساوي الربح إذا تساوت عدد النقرات والمشاهدات على الإعلان؟ لا، فالأمر يعتمد على أكثر من عامل:

  • القوة الشرائية للمجتمع الموجه له الفيديو، فمثلًا يختلف العائد المادي عن الألف مشاهدة على فيديو موجه للمجتمع المصري عن نظيره الموجه للمجتمع الأوروبي، هذا بالطبع لتباين القدرة الشرائية، القاعدة تقول كلما زادت القدرة الشرائية لمجتمع ما كلما زادت رغبة المُعلن في أن يدفع أكثر مقابل الإعلان عن منتجاته لذلك المجمتع.
  • حجم الشركة المُعلنة، حيث تدفع الشركات العالمية متعددة الجنسيات أكثر من الشركات المحلية
  • نوع الإعلان، فالعائد من إعلان عن منتج تقني أو ترفيهي يختلف عن العائد عن منتج طبي أو غذائي وهكذا
  • كيفية تفاعل مشاهديك على الإعلانات التي تظهر لهم، هل أكمل الإعلان الدعائي لآخره أم تخطاه؟ هل ظهر له الإعلان من الأساس؟ أم تم حجبه بواسطة Ad Block؟
  • هل نقر المشاهد على الإعلان أم اكتفى بالمشاهدة؟ هل تسبب الإعلان في قناتك أن يشتري العميل المنتج أم اكتفى بالنقر والاطلاع فقط

كلها عوامل مؤثرة في العائد الذي ينبغي عليك أن تتوقعه، كما يجب أن تعلم كذلك أن اليوتيوب كمنصة حاضنة لقناتك يقتطع 45% من دخل قناتك الفعلي.

هناك بعض المصادر الفرعية للربح مثل نسبة من إيرادات يوتيوب ريد –نسخة يوتيوب خالية من الإعلانات مقابل 10 دولار شهريًا للمشترك الواحد- والإعلانات الشخصية داخل محتوى الفيديو نفسه باتفاق مسبق مع الشركات المعلنة بالإضافة إلى عقود الرعاية و انتهاءً بالدعم المالي المباشر من الجمهور.

بعد تلك المُقدمة الطويلة نستطيع أن ندلف مباشرة إلى لُب موضوعنا الرئيسي كم يجني اليوتيوبرز المشهورون من فيديوهاتهم؟ إليكم قائمة بالقنوات الأكثر ربحًا للأموال خلال العام المالي 2016 والذي يبدأ من يونيو 2015 وينتهي في نفس الشهر 2016، تضم القائمة عشر قنوات بإجمالي ربح 70.5 مليون دولار بواقع زيادة 20% عن العام الماضي.

  • نبدأ بالقناة المتربعة على عرش اليوتيوب PewDiePie للشاب السويدي Felix Arvid Ulf Kjellberg ابن السبعة والعشرين ربيعاً والتي تجاوز عدد مشتركيها حاجز الخمسين مليون مشترك، تدر القناة على صاحبها قرابة ال15 مليون دولار وذلك في عام 2016 فقط -4 مليون دولار في 2013 و7.5 مليون دولار في 2014 و12 مليون دولار في 2015- القناة متخصصة بالأساس في الجيمنج مصحوبًا بتعليق كوميدي من PewDiePie والفلوجز والتحديات الكوميدية المسلية، بدأ الشاب السويدي مسيرته مع اليوتيوب في 2010 أثناء دراسته بالجامعة للاقتصاد والإدارة، استقل عن والديه في تلك الفترة، وهجر الجامعة بعدها ليتفرغ لليوتيوب لتتجاوز قناته حاجز المليون مشترك في 2012، تربع  PewDiePie على عرش يوتيوب ابتداءً من 15 أغسطس 2013 حيث لم تستطع أي قناة أن تتجاوز عدد مشتركيه منذ ذلك التوقيت، وفد قارب إجمالي المشاهدات على قناته  14 مليار مشاهدة
  • أما في المركز الثاني فيحل Roman Atwood ضيفًا على القائمة هذا العام بواقع زيادة 70% في الدخل السنوي عن العام الماضي، حيث تمكن من الحصول على قرابة 8 مليون دولار في 2016 وذلك بفضل تزايد عدد مشاهدات فيديوهات المقالب التي يقدمها على اليوتيوب - 10 مليون مشترك- مؤخرًا هذا بالإضافة لقيامه بتدشين متجر أونلاين تابع للقناة وقيامه بعدد من الإعلانات الترويجية. [blockquote right="pull-right" cite="Roman Atwood"]لقد بدأت في يوتيوب حينما لم يكن بمقدورنا كسب المال من ورائه[/blockquote]

 

  • في المركز الثالث تأتي Lilly Singh بقناتها IISuperwomanII ذات الـ 10.5 مليون مشترك لتجني هذا العام 7.5 مليون دولار عن الفيديوهات الكوميدية التي تقدمها في القناة.

اليوتيوبرز

  • في المركز الرابع تأتي قناة Smosh بواقع 7 مليون دولار فقط -أقل من عام 2015- على الرغم من عدد مشتركيها الذي تجاوز 22 مليون مشترك، القناة لها باع طويل في تناول الأحداث حول العالم بطريقة كوميدية وساخرة، تأسست على يدي الصديقين إيان هوكس وانطوني باديلا منذ عام 2005، وقد احتلت هذه القناة قائمة أعلى القنوات ربحًا للمال حتى تم تجاوزها من قِبل PewDiePie في 2013
  • Rosanna Pansino والتي استطاعت أن تجني 6 مليون دولار، تقوم القناة على صناعة الكعك بطرق مختلفة وعلى أشكال غريبة ومشاركة كيفية صناعتها مع الجمهور، حتى أنها قامت بإتاحة طلب المنتجات التي تقدمها للتوصيل للمنازل
  • استطاع أربعة وافدون جدد أن يشقوا طريقهم إلى القائمة لهذا العام وهم Mark Fischbach أو Markiplier بواقع 5.5 مليون دولار لتعليقه على الألعاب، German Garmendia بواقع 5.5 مليون دولار عن قناته HolaSoyGerrman ذات الثلاثين مليون مشترك، Colleen Ballinger استطاعت أن تجني 5 مليون دولار عن أعمالها الكوميدية وشخصية Miranda Sings التي خلقتها للسخرية من المغنيين، وأخيرًا Tyler Oakley الذي يقوم ببث مذكراته اليومية على شكل مقاطع فيديو ليجني 6 مليون دولار من وراء ذلك

في النهاية إن كان هناك شيء مشترك واحد لاحظته بين كل هؤلاء فهو أنهم جميعًا اهتموا في المقام الأول بالمحتوى المُقدم للجمهور قبل التفكير في الأرباح، حتى أن بعضهم قد بدأ العمل على المحتوى الخاص به قبل أن يبدأ مشروع Youtube Partners، وحينها لم يكن هناك أي مردود مالي فقط الشغف هو الدافع الوحيد حينئذ.

هل يصبح اليوتيوب بديلًا عن شبكات التلفاز الرسمية في المستقبل القريب؟ شاركونا توقعاتكم في التعليقات