لفترة طويلة كان إسم أبل فقط هو ركيزة أساسية في مبيعات هواتف iPhone، ولكن الآن بعد أن قدمت أبل لأول مرة هاتف بمواصفات عالية الجودة بسعر أرخص من المعتاد من أجل إغراء الأسواق الناشئة مثل الصين والهند، فهل يعني هذا أن زمن المبيعات القياسية لأبل قد إنتهى؟

قامت الشركة بالإعلان عن هاتفها الجديد iPhone SE بمواصفات تكاد تقترب من مواصفات الهواتف الرئيسية، ولكن بسعر قريب لسعر الهواتف الرئيسية للسنة الماضية على غير عادتها، وسيتسبب هذا التغيير بالفعل في نقصان في هامش أرباح الشركة، إذا لماذا قامت الشركة بمثل هذا التغيير في السياسات؟

دعونا نتفق أولًا أن رغم تخفيض سعر الهاتف، إلا أنه لا يزال غاليًا على أية حال، ولاتزال أبل تستهدف الفئة ذات المستوى الأقتصادي الأعلى، ولكنها على الأقل بدأت في الإعتراف بأن هناك فئات أخرى قد تنتفع من هواتفها وقد تكون مصدر ربح مثمر على المدى الطويل. حيث أن هذه الفئات تتواجد بشكل كبير في الأسواق الناشئة مثل الصين والهند وبها عدد كبير للغاية من مستخدمي الهواتف الذكية. قد يتسائل البعض، ولكن لماذا قد تتجه أبل إلى هذه الأسواق بدلًا من الأسواق والفئات التي تعتمد عليها عادة والتي أثبتتت نجاحها على مدار سنين متوالية؟

iphone-se

تكمن الإجابة في سببين رئيسيين، أولهما هو تغير شكل سوق الهواتف الذكية حيث لم تعد أبل تنافس مُنتج واحد أو مُنتجان للهواتف الذكية. الآن السوق يمتلأ عن أخره بهواتف بأسعار ومواصفات مختلفة، وفي الماضي كان إسم أبل مرادفًا للجودة، وباقي المنتجات تأتي في المرتبة الثانية، ولكن الآن الوضع تغير وأزدادت المنافسة حين طورت الشركات الصينية من نفسها، وأصبحت تقدم هواتف على مستوى مقبول من الجودة مما جعلها تبدأ في زحفها نحو إحتلال حصة كبيرة من السوق ما لم تطور الشركات المتفوقة حاليًا من نفسها. وكما نرى فإن هذه المنافسة تصب في صالح المستخدم حيث أجبرت أبل على إطلاق هاتف بمواصفات عالية الجودة وسعر أقل من المعتاد حتى تتمكن من منافسة هذه الهواتف في عقر دارها.

أما السبب الثاني، فهو أن أبل تحاول إستخلاص المزيد من الربح من منتجاتها. ليس المنتجات فقط بل النظام البيئي الكامل الذي تسكنه أنظمة أبل، وتطبيقاتها، وخدماتها المختلفة كذلك. وعلى الرغم من هذه الخدمات لا تدر حاليًا الكثير من الأموال، ولكن هذا سيتغير في المستقبل. دعونا ننظر إلى Apple Music على سبيل المثال، هناك حوالي 1 بليون جهاز عامل بنظام iOS حتى الآن، وباعت إشتراك Apple Music لحوالي 1% فقط من هذه الأجهزة. هذا مصدر كبير للربح الشهري يمكن أن تستفيد منه الشركة في المستقبل.

applepay

هناك خدمات أخرى أيضًا يمكنها توفير ربح شهري مثل Apple Pay. على الرغم من أنها لا تولد نسبة كبيرة من الربح الآن، ولكن مع إنتشار التقنية ورواجها، ستكون مصدر ربح مربح للغاية للشركة، وهنا نرى مرة أخرى تغير سياسات الشركة حيث أصبحت تقبل بهامش الربح الأصغر في مقابل الربح على المدى الطويل. كما أن أبل أيضًا تنوي إنشاء خدمة لمشاهدة الأفلام والمسلسلات مباشرة على الإنترنت، ولكن رغم تأجيل إطلاق هذه الخدمة، إلا أن عند وصولها بالفعل، ستكون طريقة ذكية لإستخلاص المزيد من الأموال من قاعدة المستخدمين الموجودة حاليًا. وهكذا نرى أن على الرغم من بسبب تخفيض سعر الهاتف الجديد سيقل هامش ربح أبل، ولكن تقليل السعر قد يتسبب في شراء المزيد من المستخدمين لهواتف أبل، مما يعني مزيد من المستخدمين سيشتركوا في الخدمات الشهرية التي توفرها أبل، ويمكن لهذا أن يعوض فارق الربح.

ولكن على أية حال، سيكون أمرًا مشوق متابعة ماذا سيحدث لهاتف iPhone SE حيث أنه من المعتاد أن أبل تخصم 100$ من الهاتف القديم عند تقديم هاتفها الجديد، وإذا قامت بالسير على نفس الخطى مع هاتف iPhone SE فقد يعني هذا أننا قد نرى هاتف iPhone جديد بسعر 299$ فقط! ولكن بالطبع قد تقوم أبل بتغيير المسار، وتبقي على التسعير الحالي للهاتف، أو تقوم بوقف إنتاجه تمامًا بعد إطلاق هاتف iPhone 7S. ولكن إذا تم بالفعل تخفيض سعر الهاتف إلى هذه الدرجة، فإن أبل تخاطر بالتضحية بمبيعات هواتف iPhone 6 حيث أن العديد من مستخدمي هذا الهاتف يفكرون بالفعل في شراء الهاتف ذو الأربعة بوصة على الرغم من أن أبل قد إختارت بعناية المواصفات التي ستبقيها لهاتف iPhone 6 وحرمت منها هاتف iPhone SE.

على الجانب الأخر نجد أن واحدة من إستراتيجيات أبل للربح هي تسعير مساحات التخزين. حيث تبدأ مساحة التخزين بـ 16GB، وكلما أردت مساحة أكبر، عليك الدفع أكثر، ولكن هل أصبحت أبل جشعة للغاية؟ كيف تفترض الشركة أنه يمكنك تصوير فيديوهات بدقة 4K وتخزنها على هاتف بمساحة 16GB فقط؟ والمساحة التخزينية المتوفرة مجانًا في iCloud لاتسمن ولا تغني خصوصًا مع زيادة حجم التطبيقات المستمرة، والتي قضت تمامًا على مساحة 16GB حيث أصبحت هذه المساحة الصغيرة لا مكان لها في عام 2016. ولكن لكي نحسب لأبل ما لها وماعليها، فلقد قامت بتقديم iPad Pro الجديد بمساحة تخزينية تبدأ من 32GB. وقد يعني هذا أن أبل ربما قد تستجيب لصرخات مستخدميها قريبًا وتقوم بتوفير مساحات أكثر واقعية وأكثر مناسبة لمتطلبات تشغيل الهواتف الذكية للإستخدام اليومي المطلوبة حاليًا.

iphone-se-chart-pricesالآن وأخيرًا نناقش هل هاتف iPhone SE خطوة للأمام أم للخلف؟ شاهدنا جميعنا الإستقبال الفاتر الذي حظى به المؤتمر والإعلان عن المنتجات الجديدة، وقد يرجع هذا لإن بشكل كبير جميع المواصفات كانت مسربة بالفعل، هذا ويضاف إليه أيضًا أن هاتف بمواصفات جهاز آخر موجود بالفعل لن يحدث ضجة مثل هاتف جديد تمامًا بمواصفات جديدة، وقد يعتبر البعض أن هذا تقصير من جانب أبل حيث أعتاد جمهور الشركة على أن الشركة تقدم كل ما هو مبدع وليس مجرد نسخ مختلفة من الهواتف التي أنتجتها بالفعل.

ولكن إذا نظرنا للهاتف من منظور آخر، فإن أبل لم تقم فقط بإستهداف الأسواق الناشئة فقط، ولا حتى محبي الهواتف الصغيرة فقط، بل قامت أبل بسد فراغ موجود في سوق الهواتف الذكية لفترة طويلة، بالتحديد منذ أن بدأت الهواتف الأكبر تصبح هي الموضة. حيث نجد أن عندما يأتي الأمر للهواتف الصغيرة، نجد هناك العديد من هواتف الأندرويد، ولكن غالبًا ما تكون هذه الأجهزة نسخ مصغرة وضعيفة عن قصد عند مقارنتها بالهواتف الرئيسية بينما نجد أن كل ما ينقص iPhone SE هو خاصية 3D Touch وأحدث جيل من Touch ID، ولكن عدا ذلك نجد أن الهاتف يتمتع بثلاثية متميزة من الخصائص: مواصفات عالية الجودة، وحجم صغير، وسعر ملائم وأقل من المعتاد وهذه الثلاثية لا توفرها أي من أجهزة الأندرويد الحالية حيث نجد أن الهواتف الموجودة تفشل في واحدة من الثلاثة على الأقل. إذًا ماذا سيكون رد مُصنعي أجهزة أندرويد على هذا الهاتف الجديد؟ هل سيأملوا أن يفشل الجهاز تمامًا أم سيقوموا بتصنيع هواتف منافسة لهذا الهاتف الجديد؟ على الأغلب لن يكون الخيار الثاني نظرًا لعدة مشاكل أهمها أن نظام تشغيل أندرويد لم يتوصل إلى نفس الدرجة من الكفاءة التي يستخدمها نظام تشغيل iOS في توزيع موارد البطارية على التطبيقات المختلفة، لذا فإن بطارية في جهاز أندرويد عالي المواصفات بحجم 4 بوصة على الأرجح لن يستمر مع المستخدم طوال اليوم. ولكن إذا قام مُصنعي أندرويد بحل هذه المشاكل، وتوجهوا بالفعل لمنافسة هذا الهاتف، هل سنرى تغير في موضة تصميم الهواتف الذكية؟ هل ستنجح أبل في عكس موضة الهواتف الذكية بشكل كامل؟ هذا ما سنراه في الشهور القادمة. شاركونا بأرائكم ما هي توجهات شركة أبل المستقبلية؟ وهل تعتقد أن هاتف iPhone SE سنيجح أم سيفشل لماذا؟