محتويات المواقع العربية
هذه دراسة مبسطه عن المحتويات التي تزخر وتمتليء بها مواقعنا العربية وما يمكن أن تؤديه هذه المحتويات من دور ايجابي أو سلبي في المجتمع العربي. وكما أن محتويات مواقعنا تعكس إلى حد كبير الوعاء الثقافي للمجتمع بكل تغيراته وأبعاده وأفكاره، فإنها أيضا وسيلة قوية يمكنها أن ترفع من شأن الثقافة العربية لقادم الأجيال، أو تسقط أوراق التوت عن عقولنا، فتتحول ثقافتا وتاريخنا إلى رماد تنثره رياح الزمن.
إن محتويات المواقع العربية هي أحد المتغيرات الهامة في توجيه تفكير واهتمامات جيل جديد من الشباب على وجه الخصوص, كما أنها بالنظر للوجه الآخر للعملة تمثل مرآة لما يستقيه الشباب من كل المؤثرات الخارجية الأخرى كالمدرسة والشارع والأصدقاء والوسائط المرئية…. الخ
بداية فإن محتويات المواقع web content، هي كل ما تحويه المواقع من نصوص وصور وفيديو ومواد أخرى, وتمثل آراء ونقاشات ومقالات, في كافة مجالات الحياة. وبطبيعة الحال تتكون الانترنت اساسا من محتويات تترابط فيما بينها بالروابط الإلكترونية. وتشكل محتويات مواقع الانترنت الآن ثورة في عالم المعلومات وسهولة الحصول على خلاصة مجموعة من المعلومات في موقع واحد، فمثلا يمكنك أن تحجز غرفة في أحد فنادق دبي وتعرف موقع الفندق على الخريطة, وتختار الأطعمة التي ستتناولها صباحا ومساءا, وتشاهد عرض وصور لغرفتك, قبل حتى أن تصل الى دبي أصلا. ولو تحدثنا عن سهولة وتوفر المعلومات على الانترنت لوجدنا أن جميع مجالات الحياة بدءا من تربية الدجاج في المنزل وحتى تصنيع القنابل له مواد ومحتويات موجودة على الشبكة. اذا كافة المعلومات متاحة للجميع دون استثناء, لكن… هنا نتوقف
اذا ألقينا نظرة على المحتويات المتوفرة في المواقع الأجنبية لوجدنا أن فيها توازن وتخصص, فحتى أكثر المواقع تفاهة تجده متخصص في كل ما هو تافهو، لو بحثت عن موقع جاد فلديك ملايين المواقع. لكن انظر تحت قدميك حيث المواقع العربية تقع أسفل القائمة, ستجد أن هناك موجات من التفاهة تمطرك من كل حدب وصوب, ولم يعد هناك موقع عربي متخصص الا ما ندر. واصبح جل اهتمام مؤسسي المواقع منصب على توفير أكبر قدر ممكن من المحتويات الغير هادفة والمكررة (التكرار هذا قصة تأتي لاحقا عبر هذه الدراسة), وهذه الاضمحلالية والسذاجة لمؤسسي واصحاب المواقع تمنحنا تفسيرين لا ثالث لهما.
الأول: انحسار الثقافة وتراجعها لدى طبقة كبيرة جدا من الشباب, نتيجة ضعف المؤسسات التعليمية والتربوية, حتى صار الشاب الذي يمسك بكتاب أو يرتاد المكتبة عرضة للسخرية, لا لمجرد الاستغراب, وصار التعليم في أوطاننا حشوا زائدا لعقول تعفنت منذ السنة الأولى الابتدائية. وربما هو نتيجة الى تسارع الحياة لدى الشاب العربي, الذي يستيقظ ليقصد المقهى على عجل, حتى لا يفوت رفقة اصدقاءه, ويعود آخر الليل على عجل أيضا, ليلحق بالنوم فربما يفوته حلم مهم في تلك الليلة. وربما تكون الضغوط الاقتصادية الضخمة الملقاة على عاتقه, ففقد القدرة على اختيار وجهته الصحيحة, فقضى وقته في الحسرة والبكاء على قسوة الأيام. وربما هي تأثير الوسائط المرئية, ذلك الوحش الذي خدش حياء البيوت وفتح عيون الصغار على فواحش لا يصح أن تذكر.
لكن ألا تتفقون معي أن كل المؤثرات السابقة مجتمعة تمثل تدميرا ونسفا للهوية العربية وازالة كلمة تفكير واهتمام من قاموس العقل العربي؟ فظهر هذا جليا أو انعكس على اهتمامات جيل الشباب على الانترنت, وصارت كل المنتديات والمواقع لا تشتهر الا كلما زادت التفاهة, وابتعدت عن الجيد الذي يحتاج لتفكير وقراءة…الخ
التفسير الثاني: هو أبسط بكثير من الأول، وهو أن بعض المواقع التافهة تدار بحنكة كأحد الأسلحة التي تؤثر سلبا على الجيل العربي، مثلها مثل الوسائط المرئية.
في كلا الحالتين الأجيال الحالية والقادمة هي المظلومة حتما, فكم من الشباب لا يعرف شيئا عن التاريخ, ولا عن الدولة الاسلامية, ولا عن موقع كهوف تاسيلي, ولا عن من هو الملك فيصل…… الخ
هذه المقدمة البسيطة التي أحاول أن أبدأ بها دراسة, أو لنقل مجموعة من المقالات, عن تفاهة المواقع العربية وتكرار محتواها, وتأثير هذا على الجيل الحالي, وكيف نرفع من شأن محتوانا العربي (الذي ينعكس على رفع ثقافتنا), وكيف نوازن بين الترفيه والجدية, وأخيرا سأتطرق لدور كل منا حتى لو كان مجرد (القراءة)…
فعلا لو أننا اكتفينا فقط بالقراءة لما وصلنا الى هذا الحال.
ضياع الهدف والتقليد الأعمى
نعم, نسبة كبيرة جدا من أصحاب المواقع العربية, لا يعرف لماذا أنشأ موقعه, على الرغم من أن موقعه يحوي واجهة أساسية بها نظام ادارة محتوى, ومنتدى ملحق يحوي (مئات) الأقسام. لكن ماذا تفعل وماذا تقدم عبر موقعك؟ تجد الاجابة هي المنوعات, ولعل المنوعات هذه هي الخلفية الحقيقية لعقول الشباب حاليا, وأنا أترجمها أحيانا على أنها تمثل مدى (التخبط والارتباك والتوهان) الذي يعانيه كثير من طبقات هذا الجيل, بل ربما كثير من الرجال الذين جاوزوا الثلاثين أيضا. وتمثل المنوعات هذه أيضا عدم قدرة الكثير على الابتكار الجيد أو حتى التركيز في مجال محدد, ومع الوقت تجد هذه المنوعات تسير مع الموجة الاعلامية الفاسدة أغلب الوقت, فاما تنتقل الى مقاطع الكليبات الفاضحة, أو رسائل الهاتف الجوال قليلة الأدب (تخيلوا أن هناك منتديات عربية تعرض مقاطع صوت للجوال عبارة عن شتائم وقلة أدب وسب بأقبح الألفاظ), ثم يضيف صاحبنا ألبومات صور, فتجدها في البداية جميلة, ولكن مع الوقت تبدأ في الانحدار الأخلاقي, لأن هذا يجذب عدد زوار أكثر. ومع الوقت يتحول موقع المنوعات الى جزء من العالم السفلي للانترنت, ويصبح تصفحه أشبه بالتسكع في الشوارع دون هدف. وبحكم الأقدمية في هذا العالم الانترنتي المجنون, فلقد عاصرت كثير من المواقع منذ بدايتها وحتى الآن, بعضها اختفى وبعضها الآخر ما زال يعمل, ل والبعض منها صرت أتابعه باستمرار لما يقدمه من محتوى جيد ومتميز. لكن وبصراحة عدد المواقع العربية المتميزة والجادة, أو المتخصصة التي عانت المشاكل وتوقف, بل واختفت كثيرة, لدرجة أني ما زلت أملك محتويات لمواقع عربية محفوظة على شكل صفحات offline بينما المواقع الأصلية اختفت, وعندما تطالع تلك المحتويات التقنية تتعجب, كيف توقفت مواقع بهذه الكفاءة!!! اذا هناك تجارب أكدت (للبعض) أن (الهلس يكسب) كما يقولون, وان التفاهات هي الجاذبة لكل الطبقات.
لو أنك تصفحت نسبة كبيرة من المنتديات وألقيت نظرة على الأقسام الرئيسية ستجدها اسلامية اجتماعية أسرية سيرات رياضة تكنولوجيا موبايلات حيوانات حركات اشتغالات…. الخ وتحت كل قسم من هذه الأقسام عشرات الأقسام, ولكل قسم من تلك الأقسام ستجد مئات الأقسام الفرعية. في البداية سيبدو الموضوع ضخم ومتميز, وستتساءل عن كم هذا المحتوى الجيد والموزع بشكل منسق ومنظف بالديتول أيضا, لكن الصدمة عندما تقرأ محتويات المواضيع نفسها. دعونا من المنتديات التي صارت (موضة) وصار المنتدى المنوعاتي الطربي البكائي البناتي هو الأكثر شعبية وموضة, ولننتقل الى المواقع والبوابات الكبيرة نفسها, لن اذكر موقع محدد لكن هناك الكثير من البوابات التي أتفاجأ عن زيارتها بهذا الكم من الخدمات, لا هي تركز على شيء مميز, ولا هي متميزة في الكل, بل ان بعض البوابات صارت تعمل جاهدة على الاستيلاء على المواقع الأخرى, بحثا عن ربح مادي بحت, بينما كانت المحتويات الجادة والقيمة هي الضحية المسكينة لرحلة البحث عن الدولار.
من كل ما سبق نجد أن مشكلة الغالبية تكمن في أنهم لا يعرفون ما يريدون, حتى أكبر البوابات العربية, وصار هؤلاء أشبه بالباعة المتجولين الذين يبيعون الكريمات وفرش الشعر وأربطة الأحذية والبسكويتات ومجلات وصحف صفراء… وهؤلاء لن تجدهم الا في العشوائيات (المناطق العشوائية) أو محطات القطارات لاصطياد زبون حتما لن يعود مجددا.
التقليد الأعمى يشمل طبعا ما سبق, لكن الأسوأ من هذا التقليد في انشاء المواقع هو انشاؤها بنفس المحتوى والشكل, فتجد أحد الأشخاص يطلب منك أن تصمم له منتدى, فتسأل كيف تريده؟ تجد الاجابة صدمة, “أريده طبق الأصل من المنتدى الفلاني”. بنفس الأقسام والأقسام الفرعية والاحصائيات الموجودة بالأسفل…. الخ. يا أخي اذا كان المنتدى يعجبك بهذا الشكل الجنوني, وتحاول عمل استنساخ له, لماذا لا تضع جهودك ومالك وأفكارك الجديدة اما في هذا المنتدى نفسه وتشارك اصحابه, أو في فكرة أخرى جديدة!!! ان هذا هو أكثر ما يستفزك ويثير غضبك ويجعلك ساخطا ومشفقا في نفس الوقت على المحتوى العربي الذي لا يجد من يكتبه ويؤرخه… لا يجد حتى من يحترمه.
نحن كمجتمع عربي نمتلك من المواهب الشيء الكثير جدا, ونمتلك من القدرات ما يؤهلنا لانتاج محتويات هادفة وصحيحة وقوية بشكل يفوق أقراننا في المجتمعات الأخرى, ولدينا من المحتويات ما هي بحاجة لأن تؤرخ وتكتب وتدون بعناية, لدينا من القصص والحكايات والثقافات والأمثال والمعارك الخالدة ما سيطويه النسيان حتما, ولن تعرف أجيال قادمة ما تعنيه القاهرة أو بيروت أو دمشق سوى أنها مسقط رأس الفنان فلان والفنانة فلانة.
لدينا من التاريخ وحده ما يكفي أن يربي ويعلم أجيال العالم كله,
فهل سنكون أداة في يد أعدائنا لنطمس هذه الكنوز بغبار المنوعات التافهة؟
أم نحن أعداء أنفسنا؟
سرقة المقالات
إنني أعتبر النقل وسرقة المقالات اكثر مصادر الهم والسخط بالنسبة لي على الانترنت. ودوما ما يصاب عقلي بالحيرة والحسرة والتساؤل وكل المشاعر المتناقضة التي يمكن أن تتخيلها, لمجرد أن تفتح صفحة أو منتدى من المنتديات اياها. ويزداد هذا السخط بل أحيانا أغلق كافة الصفحات العربية كاملة وأنتقل الى مواقع أجنبية أو أغلق الانترنت وأغادر, كل هذا بمجرد أن اقرأ موضوع للمرة العاشرة في الموقع العاشر. وأنا حقيقة اعني ما أقول, فاضافة الى السطحية والتفاهة وعدم وضوح الهدف والاستيلاء على المواقع, أو بيع المواقع الجيدة من قبل أصحابها عندما يواجهون أول مشكلة, تجد أن الطين أصلا زايد بله, لا عفوا, الطين زايد طين بهذا الموضوع الممل. وعندما تتوغل في منتديات السحاب والجبال والوديان والسهول, ومنتديات الحمام والصقور والغربان…. الخ من المسميات ستكتشف أن كل هذه المنتديات ذات محتوى واحد تقريبا, واننا لو دمجنا تلك المنتديات جميعا, فستجد أن العدد الكلي للمواضيع هو المجموع الكلي مقسوما على عدد المنتديات, ولمن لم يفهم حسبة البرمه هذه, أو كان بدون افطار حتى الآن أقول أن منتدى واحد فقط من هذه المنتديات يحوي كل المواضيع الموجودة في المنتديات الأخرى, ربما بالردود أيضا.
بل ما يثير حفيظتي ايضا هو أن هؤلاء, لا يكتفون بنقل الصور بنفس روابطها, بل الأدهى والأمر من كل هذا, هو أن ناقل الموضوع نادرا ما يقرؤه, وربما فيما بعد سيكتشف أن صاحب الموضوع الأصلي كانت فتاة وكانت تتحدث عن صديقاتها اللاتي خاطبنها بصيغة الأنثى… وللأسف ومن خلال منتديات عرب هاردوير, عايشت الكثير من حالات السرقة البشعه بل والتي تميزت بالبجاحة وقلة الأدب, نعم قلة الأدب, فمثلا قمنا بتغطية معرض جيتكس دبي 2007 بالصور والتقارير, وفجأة ظهرت الصور وبعض هذه التقارير في منتديات أخرى, ثم انتشرت كالنار في الهشيم, وكل شخص يقول أنا من الامارات وحضرت المعرض وصورت هذه الصور, يا اخوان, هل كنت أنا سكرانا أو فاقدا للوعي أيام المعرض, ولم أنتبه لزميلي في الموقع الذي رافقني بكاميرا تصوير؟ تتحدث مع (ناقل) الموضوع, أو مدير المنتدى فتصاب بالصدمة وليس بالدهشة. وتتساءل حينها, لماذا لم يكلف أحد هؤلاء الناقلين نفسه ليكتب المصدر, فيحصل على كل الاحترام والتقدير؟ هذا لو كتب أصلا كلمة (منقول) التي حققت في جوجل نتائج بحث بمقدار اقترب من 8 ملايين نتيجة. استمر في اضافة حرف واو اضافي وانظر الى عدد النتائج لتعرف. وكما أشرت هذه هي عدد المواضيع التي كتب ناقلها كلمة تشير الى أنها منقوله, ناهيك عن الغير معترف بنقلها, كموضوعات تم نقلها من منتديات عرب هاردوير عن كسر السرعة وتم تحريفها بشكل ما ووضعها في منتدى آخر.
هذه الأمور وغيرها هي أيضا من عوامل الهدم, التي تسير بمحتوانا العربي الى الحضيض, وتساعد على تكوين جيل جديد من الشباب (الذي نجا من محاولات الاغراق السابق ذكرها) وقد اتجه الى النقل على اعتبار أنه ينتج ويغذي المنتديات بكل ما هو جديد. وهذا الجيل المسكين لا يعلم أنه يسير بعقله وتفكيره نحو سلوك يقتل الأفكار, ويهدم كل طرق الابداع الكامنه بداخله, ولا أريد أن أهول أكثر واقول أنها تفتح عليه باب السرقة الالكترونية, فيعتاد على الأمر وربما ينتقل به الى الواقع.
لأنني أتحدث عن هذه القضايا بمنظور اجتماعي في المقام الأول, فان ذكر بعض من الأمور القانونية سريعا لهو أمر واجب, اذ تعمل دول عربية كثيرة في المنطقة على تطوير قوانين حماية الملكية الفكرية على الانترنت وحماية المحتويات الرقمية, وتبقى المواقع المسجلة رسميا محمية بموجب هذه القوانين. في مقدمة هذه الدول, مصر ودول مجلس التعاون الخليجي. ولهذا الموضوع قصة أخرى.
اذا خلاصة القول أن شبابنا صار حتى قليل الانتاج, ولم يعد لديه الطاقة الكافية ليقرأ أولا ثم يكتب, بل ان النقل هو أسهل الطرق ليكون منتجا في نظر البعض. ولا يكمن حل هذه المشكلة التي بدأت تتفاقم في المواقع العربية بشكل جنوني في الفترة الأخيرة, في المستخدمين فقط, بل تأتي من المواقع نفسها واداراتها, فلو تم منع نشر اي موضوع منقول دون ذكر المصدر, ولو تم شطب عضوية كل من يكتشف أنه نقل موضوع ونسبه لنفسه, لكان هذا كافيا على الأقل لتقليل مثل تلك الظاهرة. ولكن ماذا تقول لأصحاب منتديات هم من يشجعون على النقل لتعبئة منتدياتهم (بعدد) من المواضيع والردود. وماذا تقول لأصحاب منتديات يرفضون اصلا أن يتم وضع رابط لموقعك الذي تعرض للسرقة, بل وبماذا ترد على أصحاب مواقع ينسبون تحقيقات الى أنفسهم رغم أنك كتبتها على ورق بخط يدك قبل أن تنقلها لموقعك.
قديما نقلت أوروبا علم المسلمين من الأندلس بالترجمة, ثم طوروا العلم فكانت حضارة أوروبا والغرب الحديثة.
الآن نحن لا نكتب ذلك العلم القديم, ولا نترجم العلم الحديث…
ترى أين نحن بالضبط؟
الوعي التقني
حتى الآن في الصفحات السابقة كتبت عن سلبيات كثيرة في المحتويات العربية, ربما أولها هو عدم التخصص أو قلته, والثاني هو النقل والتكرار دون وعي ودون احترام للحقوق. أستمر في عرض أهم سلبيات محتويات مواقعنا العربية عندما نرتطم بالوعي التقني والتخطيط بعيد المدى. وربما هذه النقطة تحديدا هي سبب من أهم اسباب استمرار ونجاح مواقع عربية كبيرة, واختفاء وضياع مواقع عربية أخرى بكل ما تحويه من محتويات قيمة وقوية.
عندما نبدأ بالوعي التقني, فانني أعرفه على أنه “إلمام صاحب الموقع بالحد الأدنى من الأمور التقنية اللازمة لادارة موقعه بشكل يومي, وقدرته على حل الأزمات البسيطة في أسرع وقت”. وهي أمور تتعلق بالتعامل اليومي مع السيرفر ومحركات البحث ومراقبة الزيارات والباندويدث, ومراقبة كلمات البحث الأكثر طلبا لموقعه… الخ, وحتى قدرته البسيطة على ادارة الأزمات لا تحتاج الى معرفة تقنية بقدر ما تحتاج الى ذكاء في استخدام موارد الانترتت والحصول على دعم فني سريع من شركات أو جهات بشكل سليم وسريع. وقبل أن أسترسل في الحديث عن هذا الموضوع, فأنا أستثني مواقع الشركات والحكومات والمواقع التجارية تماما من هذا, لأنها لو لم تستعن بمديري مواقع محترفين ولم توفر طاقم عمل لموقعها على مستوى جيد، فانها بهذا ترتكب (جرما) في عالم الانترنت والأعمال بكل المقاييس.
اذا لنعود الى القطاع الأكبر من مواقع الانترنت العربية, وهي المواقع التي تدار بواسطة الهواة تحت مظلات ليست بتجارية أو ربحية في مجملها, ولنقل أولا ان غالبية مديري وأصحاب المواقع يفتقرون الى الحد الأدنى من المعرفة (الالزامية من وجهة نظري) لادارة موقع من الخلفية, وتظل حاجته المستمرة الى الغير والى شركات صيانة ودعم في أمور تافهة جدا هي حاجة دائمة لا تنمي أبدا قدرته على المواصلة, وتستنزف جيبه, فترفع من مصاريف الموقع الى مستوى أعلى بكثير من حقيقة ومستوى موقعه. وهي حقيقة أولية تراها كثيرا عندما تتجول في مواقع وتجد أن هناك أناس يسألون عن مشاكل في بعض الأمور, رغم أن حلها يكمن في اعطاء تصريح للمجلدات على سيرفره باستخدام برنامج FTP بسيط, أو تجد أسئلة أخرى عن استخراج احصائيات الزوار من لوحة التحكم, أو كيفية فتح بريد الموقع من المتصفح.
ولو أننا دخلنا الى الكود فستجد ما يسرك, اذا أن كثيرين من مديري المواقع لا يستطيعون حل بعض المشاكل البرمجية البسيطة والتي لا تتعدى تعديل في بعض المتغيرات أو تحديث لأحد السطور البرمجية البسيطة… قد يعارضني البعض في هذا, الا أنني أقول أن الطامة لم تأت بعد, اذا يفاجئك احد أصدقائك بأنه اتصل بشركة الاستضافة وطلب الدعم في أحد المشاكل الفنية, ودفع مبلغ كذا وكذا, ولو أنه كلف نفسه عناء البحث لعشر دقائق لوجد الحل على سوالف سوفت مثلا.
انتقل الى التسجيل في محركات البحث ومتابعة الاحصائيات, لتجد أن الكثيرين لا يعلمون عن هذا شيئا, ربما أمر طبيعي, لكن الطامة (أيضا طامة) أن تجده يكتب كلمات وصف غير تلك الحقيقية الموجودة في موقعه, ظنا منه أنه سيجذب زوارا أكثر.
ان الوعي التقني البسيط هذا, يمكن تخطيه ببساطة شديدة جدا لو أن كل مدير لموقع قرأ, وتابع, وحاول أن يتعلم بنفسه, لو أنه بحث واطلع على مشاكل الغير, واشترك في منتديات تقنية أخرى, وشارك غيره في مشاكله لتجنبنا كثيرا جدا جدا من الأموال المهدره بدون داعي, فقط لندفع بها فاتورة جهلنا, أو كسلنا, أو عدم قدرتنا على القراءة أساسا. لن اطيل في هذه النقطة كثيرا, لكن تخيلوا لو ذهبت هذه الأموال لمجالات تطوير أخرى في الموقع.
التخطيط الإستراتيجي
أنتقل الآن للتحدث عن نقطة أخرى هامة و هي وضع الأهداف والتخطيط الاستراتيجي لموقعك. وهذه النقطة تحديدا تقودنا الى السؤال التقليدي الذي يجب أن يضعه صاحب الموقع عندما يبدأ في رسم خريطة وهيكلة موقعه: “لماذا أُنشيء هذا الموقع؟”. وهو سؤال يجعلك ترسم خريطة وهيكلة قابلة للنمو ربما لعشرات السنين, وتفتح لخيالك بابا من الطموحات والأحلام قد لا تتمكن من اغلاقه يوما.
اجابة هذا السؤال لدى الكثيرين من أصحاب المواقع تتلخص في كلمتين: “زوار كثيرين” وهو منتهى الطموح لدى اصحاب مواقع لا تبيع أو تعرض سوى مواد مكرره ومنقوله, وتافهة, وجاذبة للكثير من الشباب والشابات, فمواقع الطرب والأفلام والزواج والبطاقات والاهداءات والجوال منتشرة في كل مكان, بل صار من المألوف جدا ان تجد موقع يضم مواضيع لبنات حواء مع أقسام اسلامية مع أقسام فنية وسيارات…. الخ فلا أنت استفدت من برامج الجوال ولا حصلت على معلومة اسلامية محترمة وصحيحة ولا أنت وجدت نقاشا هادفا متطورا تخرج منه بمعلومة أو مجموعة من القيم… الخ , وتستمر هذه المواقع دون هدف محدد طوال فترة حياتها على الانترنت, وتظل تتضخم في محتواها المتكرر فقط لا غير. ومن دواعي السخرية والضحك أنك تجد منتديات تُباع بعضويات أعضاء لم يسجلوا اصلا, بل هم أعضاء مسروقين من منتديات أخرى, أو منتديات ماتت… الخ ولقد تساءلت يوما عن سر وجود عضويتي في منتدى حديث بنفس الاسم الذي سجلت به في منتدى آخر, وبنفس البيانات… وعرفت لاحقا أن العضويات تنتقل من منتدى لمنتدى آخر بأموال مثلها مثل البضائع.
على جانب آخر من ضفة النهر ستجد مواقع أخرى بدأت بأفكار حقيقية ومبتكرة أو أفكارا جادة, لكنها واجهت مشاكل الاستمرار في رسم وتحقيق الخطط بعيدة المدى, لتبرز أمامها أهم تحديات تواجه المواقع العربية الغير مؤسسية, وهي الموارد البشرية والتمويل المادي القوي. لنبدأ في نقطة هذا الموضوع الرئيسية وهي خطة موقعك بعيدة المدى, أو الخطة العامة لموقعك, وكما أشرت فان البداية لهذا تكون بالاجابة عن السؤال التقليدي “لماذا أُنشيء هذا الموقع؟” اجابة السؤال تعني تلخيص أهداف الموقع ومجاله في المقام الأول, فلو تناولنا مثلا موقع خاص بالبرمجة, فستكون اجابتك هو أن يكون الموقع مركزا ومقصدا للمبرمجين العرب وملتقى فكري للتطوير والابداع. وهذا الكلام المنمق يمكن ترجمته برمجيا الى موقع رئيسي يحوي مقالات ودروس مستفاضة في مجال البرمجة. ومنتدى للنقاش وتبادل الخبرات والثقافات وحل المشاكل البرمجية. ولو ترجمناه الى محتوى فستجد أنك بحاجة لأن تحدد مجال البرمجة الذي ستتبناه في البداية, هل منصات مايكروسوفت أم جافا وهل ستبدأ في برمجة التطيقات والأنظمة المكتبية أم شرح لبرمجة الويب, وهل ستتحدث عن قواعد البيانات أم؟….. الخ. هنا يجب أن تأتي الى النقطة الأساسية التي تحدد مدى توسعك قياسا بعامل الزمن, ألا وهي التمويل المالي, وقيمة الميزانية المرصودة للبدء في المشروع, وعدد أفراد الفريق الذين سيمثلون نواة لمشروعك. قد يبدو هذا كافيا للكثير أن يبدأ بل ان كثير من المواقع بدأت بهذه الطريقة, لكنها أهملت بالتأكيد حسابات المخاطر وأهمها, نقص أو انعدام الموارد أثناء المشروع, وهي السبب الرئيسي في ضياع كثير من مواقعنا الهامة ومحتوياتنا الهادفة والمحترمة, فانعدام التمويل لوجود ممول أو عدة ممولين يدفعون على طول الخط دون وجود تخطيط لاعادة تدوير الأموال المنفقة حتما سيقود الى توقف مؤقت أو دائم لعمليات ضخ الأموال لتسيير الموقع, وعدم تجديد وتوسيع فريق العمل وضخ دماء جديدة باستمرار, أو الاكتفاء بفريق قديم صار مركزا للكثير من المشاكل, هو أحد أهم عوامل الهدم التي تحيط بمواقع عربية كثيرة.
الآن وبعد أن سار الموقع بخطى ثابته نحو التميز وصار مركزا ومقصدا للزوار, صار لزاما عليك أن تهتم بوضع خطة طويلة الأمد موزعه على سنوات بشكل مريح وقابل للنمو دون أي استنزاف للطاقات المادية أو البشرية. في المثال السابق هناك أفكار طويلة الأمد ويمكن تحقيقها جميعا لو أنك نجحت في تحقيق كل خطوة بشكل ثابت وناجح, فانشاء مواقع لرفع الملفات, وتمويل عمليات تأليف الكتب والترجمة, وعمل الدروس الديناميكية, والمشاركة في مؤتمرات البحث والتطوير باسم موقعك, وتأسيس مراكز تدريب مبنية على اسم موقعك الناجح, هي من الأمور التي تجعلك عاملا مؤثرا في بناء المجتمع, بدأ رحلته من موقع انترنت ناجح له هدف ورؤية.
بالتوازي مع هذا التخطيط ينسى كثير من مديري مواقع الانترنت أمور الدعاية الاحترافية لتسويق مواقعهم بمحتواها الجيد والمتميز, ويبقى أن نعرف أن الدعاية والاعلان لموقعك ليس مجرد شراء بانر في موقع عدد زواره ضخم, بل هو دراسة وتحليل للكثير من المعطيات والمتغيرات, ولهذا حديث آخر طويل.
أخيرا, نستطيع أن نلخص ما تحدثنا عنه في نقطة واحدة وهي أن الموقع ذو الهدف المتميز والواضح والجاد يمكنك أن تضع له خطة نمو لعشرات السنين ويمكنك أن تتحول به الى مشروع كامل لتنمية واثراء المجتمع, فقط خطط جيدا لموقعك, ولا تيأس عند أول تعثر.
كم من المواقع الناجحة استمر وأثبت وجودها على الساحة…
لأنهم أجادوا في صناعة هدفهم الواضح, وخططوا لهذا ببراعة.
المدونات العربية... طفل بدا مرحلة النطق
كثيرة هي المدونات في عالم الانترنت, وبكل لغات العالم تقريبا ستجد مدونات, تتحدث عن أخبار وسياسة وعلوم وتكنولوجيا ورياضة ومجتمع ومشاعر. تصف حالات مزاجية لشعب ولأفراد, وآراء ثقافية واجتماعية لمجموعات ولأفراد ايضا. وصارت المدونة هي بوابة تعبر عن شخص أو مجموعة من الأشخاص يكتبون في تخصص محدد أو في مواضيع عامة.
ولا يتمتع عالم المدونات بأية قواعد اطلاقا, لا في التصميم ولا في طريقة العرض, ولا حتى في أسلوب الكتابة. بل ان الأمر مفتوح لجميع الفئات العمرية لتكتب وتدون وتستعين بأحدث تقنيات الويب لتعرض أفكارها وآراءها. وحتى ان بعض المدونين يكتبون بألفاظ يستحي المرء أن يقرأها أو يتلفظ بها من وقاحتها. ولم يقتصر التدوين على مجتمعات معينة, بل انتشر في كل مكان ما دام هناك جهاز كمبيوتر متصل بشبكة الانترنت.
على الصعيد العربي, تطور عالم التدوين بشكل جنوني في العامين الأخيرين, وشهد ذروته في عام 2007 الماضي, وما زال يحقق اكتساحا على مستوى مستخدمي الانترنت العرب. ويمثل جيل الشباب الحالي من المدونين قطاعا ضخما من اجمالي المدونين العرب. وصارت المدونات العربية تحمل في طياتها هموم وأحلام وأطياف جيل كامل من أمة عربية مترامية الأطراف تتنفس اللغة العربية من الخليج العربي الى بلاد المغرب, وتعبر بشكل واضح عن المستوى الثقافي والفكري الحالي لهذا الجيل, حتى انها –أي المدونات العربية- تصف بدقة اتجاهات هذا الجيل نحو السياسة ونحو مستقبلهم ونحو أحلامهم الواقعي منها والخيالي.
لقد لعبت المدونات العربية دورا هاما, أعتبره من وجهة نظري من أكثر أدوار التكنولوجيا أهمية لهذا الجيل, وهو خروج صوت هذا الجيل خارج جدران العزلة, وبزوغ أفكارهم وطموحاتهم على الساحة الاجتماعية بقوة لم تكن معهودة من قبل, أو ربما كانت هذه الأصوات محصورة في مجلة حائط مدرسية أو نشرة جامعية مغمورة, وقليل منها ما كان يصل الى صحيفة من صحف المعارضة التي لا تحقق مبيعات جيدة وتبحث عن كتاب من جيل الشباب. لكننا اليوم أمام طريقة جديدة للنشر يمكن الوصول اليها من اي مكان في العالم وحتى لو كنت تستخدم جهاز هاتف محمول يحوي خاصية تصفح الانترنت.
يرى البعض أن المدونات الحالية للعرب تدمر الطبقة الاجتماعية الحالية, وانها تساهم في بلبلات كثيرة في المجتمع, والبعض الآخر يرى أنها تضعف من معرفتنا باللغة العربية مع انتشار العامية الفصحى على المدونات, ويرى آخرون أنها مجرد شحنات كهروفكرية لدى جيل لا يتمتع بالقدر الكافي من الثقافة والتعليم الصحيح ولا حتى الخبرة المجتمعية الحقيقية. لكن على النقيض يرى آخرون وأنا منهم أن المدونات العربية هي أكثر ما نجح العرب في استخدامه على الانترنت بشكل صحيح.
ونجاح المدونات العربية يكمن في محتواها الذي لو تغاضينا عن سلبياته اللغوية, أو عن بعض تجاوزاته اللفظية, فسنجد أنه نجح في وصف دقيق لحالة الشعوب العربية, وحالة الشارع العربي, وكيف يفكر الشباب العربي وفق ما يستقيه من ثقافات مختلفة, بل وكيف يتعامل مع موجات المد والجزر من الفساد الاعلامي والعري المنتشر في كل مكان. النقطة الهامة الأخرى والتي اعتبرها من المنظور الشخصي هي بداية لجيل جديد افتقدناه في فترات ماضية, وهي جيل يقرأ ويكتب. جيل يقرأ عبر أكثر وسيط –الانترنت- غني بالقراءة والاطلاع حتى لو كنت تقرأ عن أكثر الأمور تفاهة في العالم, ويكتب ما يدور في خاطره من كل مشاعر وأفكار الدنيا.
على مدار الشهرين الماضيين بدأت في كتابة سلسلة مقالات عن “محتويات المواقع العربية” وتعرضت في هذه المقالات الى سلبيات المواقع العربية وسلبيات مديري المواقع العربية أو شركات تطوير الويب العربية, الا أنني أحب أن أبدأ الحديث عن “المدونات العربية” كأحد أهم الايجابيات في محتويات مواقعنا العربية, خاصة وأن الطفل قد بدأ يمشي على قدميه بقوة, وصار صوته البريء محل اهتمام واستماع وربما خوف من الآباء والأجداد.
ترى هل سينمو هذا الطفل كما نحلم؟
أم سيُقتل الطفل في مهده؟
أدب المنتديات
لكل شيء تقاليد وأعراف يسير عليها الناس, وأعني (بشيء): مناسبة أو احتفال أو تجمع أو طقوس أو مكتبة أو حتى مقهى صغير في حي شعبي, المهم أن العادات والتقاليد مهما كانت, ستجد أنها البصمة المميزة لكل ما هو حولك, وفي المجمل يمكن أن تسمي الكثير من الأمور في منطقة الشرق الأوسط بالعادات والتقاليد الشرقية المحافظة مثلا, وأي خروج على هذه العادات هو نشاز وعيب… الخ.
حتى العادات والتقاليد موجودة على الانترنت, فهناك عادات معينة تجدها في مواقع التخصص والبحث العلمي, وعادات وتقاليد أخرى في المدونات, وثالثة في مواقع عامة, ومن بين كل ركام الانترنت, تحظى منتديات وساحات النقاش بالشعبية الأكبر والحجم الأكثر ضخامة للمحتوى, والمكان الأضخم استيعابا للزوار والمتسكعين والباعة الجائلين حتى, ويبدو أن عادات وتقاليد المنتديات صارت أوضح من أن تخطئها نظرة خبير أو معتاد على المنتديات والتجول فيها, فأقسام المنتدى, وعناوين مواضيع النقاش, تمنحك تقرير مختصر واستنتاج منطقي للمنتدى الذي أنت بصدد الدخول اليه, بينما قراءة ثلاثة مواضيع ساخنة كفيل بأن تخرج بتقرير مفصل عن المنتدى كاملا.
نوعية الردود مثلا تعطيك متوسط أعمار الزوار بالتقريب, ومدى درجتهم الثقافية, بل ان حجم الردود يمكن أن يعطيك تقديرا أو افتراضا لمتوسط الزمن الذي يقضيه الأعضاء في المنتدى. بينما تصفحك للأقسام المختلفة ومشاهدة أبرز المواضيع الساخنة والاستفتاءات الحالية يعطيك تصورا حقيقيا قريبا من الواقع لأهم توجهات المنتدى الثقافية أو التافهة.
من خلال سنوات طويلة قضيتها في ادارة منتدى هو الأكبر في الشرق الأوسط في مجال الهاردوير, اكتسبت خبرة لا بأس بها في قراءة الأحوال الثقافية والاقتصادية لأي منتدى أزوره, وصارت الأعراف والتقاليد منتشرة في منتديات بعينها وكأنك تزور الشام أو المغرب أو اليمن, وحتى عندما تتجول في منتداك (لا جدال على أن لكل شخص انتماء لمنتدى معين) ستجد أن بعض الأعضاء يمثلون نفورا عن العادات ونشازا غريبا وسط مجتمع اعتدت على كل مافيه, سواء في ردودهم أو تعليقاتهم أو اقتراحاتهم أو حتى كلمات الشكر, المهم أنك ستجد طابع معين مميز, ومع حدوث أي مشكلة أو تغير في نمط الردود, سيكون لديك حدس خاص يخبرك بأن هناك غزو جديد, وثقافات جديدة بدأت تتوجه اليك.
الكثير من مدراء المنتديات اكتشفوا لاحقا أن أحد اعلاناتهم المكلفة ماليا, قد أثبت فشله رغم وجوده في واحد من أفضل المواقع الأخرى, والفشل ليس في عدد الزوار, بل في نوعيتهم, فتحس وكأن عددا من أطفال المدارس الابتدائية قد شن هجوما على مكتبة لبيع الكتب المتخصصة, بعد انتهاء العاصفة, ستجد الخراب قد حل بكثير من الكتب والأرفف, ناهيك عن هروب كثير من رواد المكتبة المحترمين لأنهم لم يتحملوا تلك الضجة التي حدثت ولا الصراخ الذي ملأ المكان.
ثقافة السؤال وأدب الرد, يختلف من منتدى لآخر, وتختلف معه الطباع والتقاليد, وتختلف معه ردود أفعال كل ادارة. تماما وكأنك تذهب الى قسم الشرطة في دولة الامارات أو قسم الشرطة في مصر مثلا, الفارق شاسع جدا بين الاثنين.
ان المنتديات الآن لا تمثل فقط علما لا يمكن حصره في مقال أو دراسة مصغرة…
بل هي مجتمع كامل له عاداته وتقاليده…
وأدبه
لغتنا العربية
ما أكثر مواقع الانترنت العربية, وما أكثر أنواعها من منتديات ومواقع ومدونات, لكن ما أقل المواقع التي تتحدث اللغة العربية الصحيحة. لو ألقينا نظرة على المدونات العربية تحديدا سنجد أن غالبيتها يتحدث بلغة عامية بسيطة جدا, ليس هذا عيبا أبدا وليس ضد اية قوانين, فالمدونات تعمل بدون قواعد, ولا يمكن تطبيق قواعد عليها والا فقدت طابعها ورونقها الخاص. لكن أليس حريا بنا أن نحاول أن نقترب أكثر من لغتنا العربية الفصحى بقدر ما نستطيع؟
ان هذه النقطة هي أحد أهم النقاط التي ستجد عليها خلافات كثيرة ونقاشات أكثر, منهم من يطالب المدونين بأن (يلتزموا) باللغة ومفرداتها, وآخرون يرون أن بقاء المدونات بهذا الأسلوب المفتوح هو أحد أهم عوامل انتشارها ونجاحها.
لعل المطالبة بالتمسك بلغتنا العربية في طرح أفكارنا ومشاعرنا وحواراتنا هو أمر جيد من عدة زوايا, فهو يحافظ على تقاليدنا وهويتنا, (تلك الهوية التي نفقدها رويدا رويدا), ويجعلك تشعر بأنك تنتمي الى ثقافة أصيلة مبدعة في لفظها وكناياتها وتعبيراتها المجازية, ويزيد من استشعار أنوف الجيل الجديد لمصطلحات لغتهم التي حيرت علماء اللغة عندما وقفوا في تفسير المقصود من حرف (الواو) فمرة هو للجمع ومرة هو للعطف ومرة حرف استئناف. بينما هم الآن لا تستشعر أنوفهم من حرف الواو الا كلمة (الواوا). واستخدام لغتنا العربية الأصيلة يفتح علينا بابا في الابداع الأدبي والعلمي على السواء, فتشعر وكأن لديك كنز تحتار في اختيار أي جوهرة من جواهرة لتعبر بها عما تريد.
أما الداعون الى التحرر في استخدام اللغة, فهم يدعون الجميع ليكتب كما يشاء, وبدون اية قيود, حتى لو كانت لغة شوارع سيئة الألفاظ (كما أقرأها للأسف في مدونات عربية), المهم أن تكتب وأن تعبر عما يدور بداخلك أو حولك أو في أي مكان تزوره. ان هذه القيود التي سقطت, ساعدت بلا شك في زيادة الحصيلة العربية المكتوبة, وبلا شك شجعت شباب صغار أن يكتب ويدون بكل حرية وانطلاق.
لكننا في المجمل العام نسير من لغة عامية الى لغة أكثر منها بساطة وسطحية, بل والأعجب من هذا أن كثير من المدونين يقوم بوضع مصطلحات انجليزية معربة وسط مدونته بشكل يزيد عن العشر كلمات في بعض التدوينات, كلنا الآن نتحدث الانجليزية بطلاقة, لكن ليس كونك تضع تسعين كلمة انجليزية بين مئة كلمة عربية تعني أنك من الجيل المثقف (المودرن) كما يقولون, بل هو يعني ببساطه أنك عار على اللغة العربية, ولو أنني أنا اللغة العربية لحرمتك من التحدث بحروفي, فهي أعلى وأرفع وأجمل من أن تدمج كتابع وسط لغات أخرى.
أن ندعو الى استخدام العامية شيء, وأن ندعو كتاب المحتوى العربي أن (يهتموا) قليلا باللغة العربية الفصحى شيء آخر, حاول أن تكتب بلغة عربية فصحى (قدر استطاعتك), وصدقني اللغة العربية سهلة جدا, ولن تجد في العالم كله لغة تحمل كل هذا الكم من المرادفات قدر ما تحمله لغتنا العربية.
يجب أن ندعو أجيالنا الجديدة أن تقترب من لغتنا العربية, لا أن تبتعد عنها, يكفي أن المدارس الأجنبية التي انتشرت في كل مكان لم تعد تمنح بذور الجيل الجديد شيئا عربيا حقيقيا, وصارت كل المناهج بلغة انجليزية بحته.
يجب أن نقترب من هويتنا ومن تراثنا ومن كل ما يربطنا بأصولنا الممتدة عبر شجرة تاريخ راسخة,,,
لو جاء علينا يوم وفقدنا لغتنا العربية, فسنفقد اشياء كثيرة أقلها الهوية والتاريخ.
الدعم الإلكتروني
الدعم الإلكتروني هو أحد أهم موارد الانترنت للكثير من البشر، فهو يقدم بعدة صور دعما مكتوبا أو مصورا لكافة الأنشطة الحياتية التي نمارسها، بدءا من المطبخ ووصولا الى صنع الأدوات والتعديل على المحركات. وقلما تجد مجالا من مجالات أنشطتك لا يحوي دعما الكترونيا على الانترنت حتى لو كنت عمل على مشروع روبوت عملاق. وهذا الدعم الالكتروني هو نتاج الثورة المعلوماتية في محتويات المواقع ونتيجة طبيعية لافراز المحتويات الذهنية والعقلية عبر صفحات الويب الهائلة العدد، مهما كانت هذه الافرازات الذهنية من خبرات أو معلومات أو حتى بذور أفكار يطرحها البعض بانتظار من ينمو بها لينتج شيئا يفيد البشرية.
ولو أننا تعمقنا في غياهب الدعم وصوره فسنجد أننا نغوص في عالم عميق لا قاع له، وتلتهمنا مواقع عملاقة وتسبح بجانبنا مواقع أخرى صغيرة… وهذا ما دعاني أثناء البحث عن دعم تقني لاحدى المشاكل البرمجية التي واجهتني الى التوقف والنظر بين كل تلك المواقع عن سمكة عربية، وكيف تبدو وما هي أحجامها.
الحقيقة الواقعه تقول أننا كمحتوى عربي على الانترنت، مازلنا بحاجة الى الكثير من الخطوات الهامة والقوية لنتواجد على ساحة الدعم الالكتروني لأنشطتنا الحياتية كافة. وأنا أتحدث عن أنشطة حياتية أعني الدعم الالكتروني لمشاكل الحاسوب ومشاكل البرمجيات والتطبيقات والمواقع الرسمية للشركات المنتجة العملاقة، ومشاكل السيارات والمحركات والأدوات الكهربية، ودعم وتطوير أبحاث قطاعات الاتصالات والدوائر الالكترونية، والدعم الالكتروني للبنية التحتية الانشائية والكهربية والمائية، والدعم الالكتروني لمربي الحيوانات والمزارعين وأصحاب الثروات المائية، والدعم الالكتروني البسيط للهوايات المنزلية وأنشطة المشاريع المنزلية والصغيرة، بل وحتى الدعم الموجه الى الباحثين في مجالات الطاقة والتنقيب.
الأمر لا يبدو صعبا كما يمكن أن يتخيله الانسان البسيط، بقدر ما هو زرع ثقافة تبادل الخبرات بين الأجيال الحالية والقادمة من المستخدمين العرب، فمع انتشار المدونات الواسع صار لدى الجيل الحالي ثقافة الكتابة والنشر، وهي ثقافة كان من الصعب زرعها في أجيال سابقة، مما يعني بالتبعية أن الخطوة القادمة يجب أن تكون بزرع ثقافة تبادل الخبرات والمواهب، فليس منا من يولد عالما، وليس أعلمنا بعالما في كل الفنون، بل ان الأمر برمته يحتاج منك أن تتحدث وتكتب عن أشياء ومهارات وخبرات تتراكم في عقلك، وستموت بموت هذا العقل، ان لم يكن قبل هذا، فلماذا تظل أفكارنا ومواهبنا (حتى لو كانت مهارة الطهي واعداد الحلويات) أسيرة في عقولنا ومحصورة على قطاع من البشر ربما لا يتجاوز أفراد أسرتك؟
أنا أتحدث بكل واقعية عن ثقافة (الإعطاء)، أن تكون شخصا معطاءا، أن تهب ما تعرفه حتى لو كان تافها لبحر الانترنت، وستتولى محركات البحث الباقي. لقد أثرت هذه النقطة قبل فترة في احدى نقاشاتي الثقافية، وكانت النتيجة (الخيالية) التي تخيلناها، أن ملايين الأفكار والخبرات والترجمات العربية ستملأ بحر الانترنت العربي، فستقرأ شعرا، وستتعلم طريقة طهي جديدة، وستعرف طريقة جديدة لاصلاح عطل ما في سيارتك، وستجد أكثر من حل لاصلاح جهاز التلفاز دون أن تغادر منزلك، وستعرف أفضل الطرق لتربية الدواجن دون عناء البحث عن شخص يفقه مثل تلك الأمور.
انها تقافة الاعطاء وتبادل الخبرات التي يعمل بها ملايين من مستخدمي الانترنت في الدول الغربية والآسيوية، حتى أنني عندما أبحث عن دعم الكتروني سريع أحصل على نتائج باللغة الانجليزية تفوق المليون نتيجة.
الى كل من يقرأ،،، ابحث في ذاتك عن تميزك، ابحث في داخلك عن ابداعك، وتوجه به الى الموقع الالكتروني العربي الصحيح وفجر ما بداخلك،،
ولا تتردد أو تتأخر في هذا،،
فهناك كتيرون يبحثون عنك.
بقلم: محمد الكومي
?xml>