قطاع تكنولوجيا المعلومات العربي
عصر تكنولوجيا المعلومات الذي نعيشه صار مذهلا، وأذهل معه الكثير من الراغبين في الدخول الى هذا المجال والعمل فيه، للشهرة أو جني المال أو لحبهم لهذا المجال، ولكن حتما جني المال والربح الوفير هو ما يدعو الكثير لاقتحام هذا المجال منتجين وعاملين ومستثمرين.
ومع دخول الكثيرين الى هذا المجال دون خبرة كافية أو دون معرفة مسبقة أصبحت كل الأمور في تكنولوجيا المعلومات معقدة، ولم تعد بتلك البساطه منذ خمس أو سبع سنوات فقط.
في منطقتنا العربية تعامل المجتمع مع تكنولوجيا المعلومات فجأة وبدون مقدمات، ففجأة أصبح الكمبيوتر في كل بيت، وفجأة أصبح كم هائل من الشباب يدخل الانترنت، وفجأة أيضا قررت شركات كثيرة الانتقال من العمل الورقي الى العمل الحاسوبي، وكل هذا تطلب وجود قطاع عريض من خدمات تكنولوجيا المعلومات لخدمة كل هذه الطلبات المفاجئة، بدءا من الهاردوير والصيانة مرورا بالتطبيقات والحلول البرمجية المتكاملة سواء عبر الشبكات المحلية أو عبر الويب، وصولا الى مراكز المعلومات وإدارة الخوادم العملاقة لشركات الاتصالات والقطاعات الاقتصادية العملاقة. ولأن الحاجة الماسة لهذا الكم من الخدمات التقنية جاء فجأة وفي عدد محدود من السنوات، تعذر وجود شركات ذات خبرة عريضة في تقديم الحلول الاحترافية وتعذر معها وجود كادر عريض من الموظفين والعاملين في المجال بالعدد الكافي لتلبية هذا الكم من الطلبات.
ومع ظهور هذه الأزمة اتجه الكتير الى (تعلم) تكنولوجيا المعلومات ككادر وظيفي وليس كمستخدم، لينضم الى قافلة العاملين في قطاع التكنولوجيا في المنطقة العربية، ومن هنا بدأت العشوائية في التعاطي مع هذا القطاع، ولم يعد قطاع تكنولوجيا المعلومات يقدم دوما ما ينتظره الكثير من الزبائن، وعلى نفس الوتيرة لم يتمكن الكثير من العاملين تلبية طلبات صعبه ومعقدة وغريبة أحيانا من الزبائن.
الكثير من العاملين في قطاع تكنولوجيا المعلومات الذين لم يلتحقوا بهذا المجال في أية مرحلة دراسية يتجه مباشرة الى طريق الشهادات وهو يعلم أن اسم الشهادة التي سيحصل عليها ستكون هي الباب الأول لالتحاقه بوظيفة في هذا المجال، ومع توالي الشهادات التي يحصل عليها (الكثير وليس الكل) يصبح عقله مجرد مستودع يحفظ مهام محددة لتطبيقها في برنامج أو نظام أو بنية شبكية. وتتلاشى مع هذا المستودع العقلي فرص الفهم والنمو طالما أن مستودع عقله صار أسيرا للشهادات. أعرف البعض ممن يعمل في مجال قواعد البيانات (وهو لم يدرس أصلا تكنولوجيا المعلومات في أي مراحل تعليمية) يقول أنه بدأ رحلته بشهادة ولا يعرف لماذا اختار قواعد البيانات تحديدا، رغم أنه كان يتمنى أن يعمل في الويب وتطبيقاته.
ولو أنك انطلقت الى مقاعد الادارة التي تديرها رؤوس الأموال التي ربما لا تعرف من الكمبيوتر أكثر من برنامج لحساب الربح والخسارة، فستجد أن هناك الكثير من القصور والضعف، يقف على قمة هذا القصور هو الاعتماد الدائم على ما يمكن أن يحقق ربحا وفيرا فقط، دون النظر الى ما يمكن أن تجنيه حلول أخرى من نجاح متميز على المدى الطويل أو تحسينا للبنية التحتية المعلوماتية والهاردويرية للمنطقة. حتى في اختيارات الكوادر العاملة، تبقى بعض الشركات اسيرة لأسماء الشهادات دون تجربة حقيقية للمتقدمين وما يمكن أن تحمله عقولهم من مواهب تستحق الدفع.
وأخيرا السوق، وهو المحرك الأهم للقطاع، حيث تعتمد طلباته وتوجهاته على توجيه دفة الحلول المقدمة من الشركات، وتوجيه طاقات كبيرة من الموظفين الى احتراف واتقان تخصص معين لتزايد الطلب عليه. ولكن حتى السوق له هفواته بل وغباواته أحيانا عندما تجد أنك مرغما على الجلوس والتحدث مع شخص بالكاد يتعامل مع هاتفه المحمول ويطلب منك أن تصمم له برنامجا متطورا ليحسب له عدد الأنفاس التي يلتقطها الموظف مضروبا في جذر راتبه الشهري مقسوما على عدد أيام الأسبوع ليعطيه في النهاية تقييما شهريا لآداء الموظف بطريقة الكترونية مطبوعه.
سأتحدث عن كل محور من المحاور الثلاثة على مدار الصفحات القادمة ان شاء الله معتمدا على قراءات كثيرة في هذا الصدد وعلى خبراتي المتواضعه كعامل في هذا القطاع.
قطاع تكنولوجيا المعلومات العربي – الموارد البشرية
أصبح قطاع تكنولوجيا المعلومات في وطننا العربي أكبر بكثير مما نملكه من موارد بشرية مدربة، ورغم أن القطاع لم يصل بعد الى حد التشبع الا أن آثاره صارت أوضح من أن نغفلها، وأبسط مثال على ذلك أنه صار من المألوف أن تشاهد متاجر وصيدليات تدير أعمال البيع والتخزين باستخدام حلول وأنظمة برمجية. إن الأمر في بعض الأحيان وصل الى حد التقليد ليس أكثر دون معرفة حقيقية بالجدوى الاقتصادية لتطبيق تكنولوجيا معلوماتية في احد الأماكن التجارية. ومع هذا الانتشار (بوعي وبدون وعي) لتقنيات وحلول برمجية، صارت حاجات السوق ماسة الى مبرمجين ومطورين ومصممين ومهندسي شبكات… الخ ولم تعد طاقات كلية الهندسة تكفي لتزويد السوق بالكوادر المدربة (بل معظمهم يتخرج أصلا دون وعي حقيقي بمتطلبات السوق والقطاع عموما)، وعلى اثر هذه الرغبة الملحة لكوادر قادرة على الانتاج، ظهرت معاهد متخصصة، و(مئات) من مراكز التدريب والتأهيل (لمنح) الملتحقين شهادات تقنية تفيد تخصصهم في مجال معين. وتستمر هذه الحلقة، فلا يتوقف العمل ولا يتوقف العاملون عن جمع المزيد من الشهادات.
كليات الهندسة تعمل على شحن طلاب قسم الحاسب الآلي بكم هائل من المعلومات التي تمثل حجر أساس لهم يساعدهم على أن يبنوا قاعدة عريضة من المعرفة الهندسية لاحقا في مجال نظم المعلومات، وهذا الكم من المعلومات الذي يبدأ من الصفر والواحد وينتهي بالشبكات العصبية والذكاء الصناعي، يبدو أنه يصنع عباقرة، لكن الحقيقة أنه لا يصنع شيئا تقريبا، فمعظم الطلاب يدرسون للحصول على الشهادة والمجموع العالي دون وعي أو فهم للمواد فيما بعد، والأساتذة يدرسون موادهم بعيدا عن واقع العمل والسوق (حقيقة الا ما ندر)، وتصبح النتيجة مأساوية أن يفقد الطلاب كما هائلا من المعلومات والوقت كان يكفي ليصنع عباقرة تستحق التقدير، ولو أضفت الى هذا أن النظام التعليمي في بلداننا يعتمد على الامتحان في المقام الأول ولا يعتمد اطلاقا على تنمية المواهب بالبحث والتشجيع، يصبح لديك في النهاية كوادر تبدأ حياتها بعد التخرج من تحت الصفر.
في المعاهد والكليات المتخصصة (مدة الدراسة بها سنتين أو أربع سنوات) تعتمد على تدريس مواد برمجية بشكل مكثف وتقترب موادها من واقع السوق أكثر من المباديء الهندسية والمعادلات الرياضية، فالطالب لا يدرس الكيمياء الهندسية ولا الفيزياء الهندسية وبعض المعاهد لا تدرس مواد المحاكاة أو لغة الأسمبلي مثلا، وهكذا تختلف المنهجية الدراسية من مكان لآخر. ولكن الواضح أن خريجي المعاهد يكونون أقرب الى السوق ومتطلباته، لكن قدرتهم على النمو يتكون أبطأ إلى حد ما من دارسي الهندسة لسبب بسيط، وهو أنهم لم يدرسوا المباديء، بل درسوا المواصفات.
النوع الثالث هم كوادر لم تحصل على أية دراسات تخص قطاع التكنولوجيا في مراحل دراسية حتى المرحلة الجامعية، لكنهم اتجهوا بعد التخرج الى اتقان مجال محدد من التقنية للعمل فيه، ويكون طريقهم محدد بمراكز التدريب البسيطة أو المتطورة، وبطبيعة الحال تكون الشهادات المتخصصة هي التحدي الأول الذي يواجههم. وبعضهم دون وعي أو حسابات لقدراته العلمية أو الذهنية يتجه الى مجال معين كالشبكات مثلا، رغم أنه لو توجه الى اتقان البرمجة لحقق نجاحا باهرا. أحيانا تخضع هذه الاختيارات الى ميول عاطفية للتواجد مع الأصدقاء في فصل ومجال واحد.
هذه المسارات الثلاثة التي ذكرتها توضح الطريق الذي يسلكه أي موظف أو عامل في مجال التقنية، ولكن هناك نقاط هامة تهم موظفي تكنولوجيا المعلومات أو الراغبين في الالتحاق بهذا المجال، يبرز أولها في اختيار الطريق الصحيح لعملك، فقطاع تكنولوجيا المعلومات واسع ومليء بالتخصصات الدقيقة والمعقدة، ومن الصعب أن يجمع شخص واحد بمعرفة كافة دقائق وعلوم هذا القطاع مالم يبلغ من العمر ما يكفي للحصول على هكذا خبرات، ولذا فإن الخطوة الأولى تعتمد على اختيارك للتخصص الصحيح الذي سيسمح لك بالنجاح وتحقيق المزيد من الطموحات بداخلك، ويتوافق مع قدراتك. فقطاع البنية التحتية يختلف عن قطاع البرمجيات، وفي قطاع البرمجيات تختلف برمجة قواعد البيانات عن برمجة التطبيقات عن برمجة الويب، وقطاع الأمن والحماية يرتبط بالبنية التحتية وبالبرمجة وهكذا. فكر كثيرا في هذا الأمر فالسير في طريق ثم العودة لاختيار طريق آخر قد يكلفك الكثير من الوقت والندم.
كما وأن الطريق قد لا يختلف بين خريجي كلية الهندسة وبين أي معهد أو حتى غيرهم ممن لم يحصل على تعليم تقني جامعي، ففي ظل ما يحويه نظامنا التعليمي قبل الجامعي يصبح من الظلم بمكان أن نقيم العقول بمجموع الثانوية العامة، ويصبح من الأصعب أن يلفظ السوق الكثير من المواهب والعباقرة فقط لأنهم لم يتمكنوا من تحصيل شهادة جامعية تقنية. إننا لو نظرنا إلى الكثير من الرسامين والأدباء وكتاب الروايات وحتى لاعبي كرة القدم، لوجدنا أن معظمهم لم يتخرج من كلية فنية أو معهد لتعليم فن الرواية أو لعب الكرة، بل أن القاسم المشترك بين هؤلاء جميعا هو الموهبة التي وظفها صاحبها في المكان الصحيح (ووجدت من يرعاها).
النقطة الهامة الأخرى هي تطوير الذات، فأيا كان الطريق الذي سلكته لتصبح عاملا في مجال تقنية المعلومات، فأنت تحتاج باستمرار الى تطوير قدراتك وتوسيع معرفتك بمجالك. بعض الجهات تحتاج منك أن تحصل على شهادة معينة لتحصل على ترقية، والبعض الآخر يتطلب منك الالتحاق بدورات خاصة في نفس الشهادة ولا يشترط منك الحصول عليها بقدر اشتراطه معرفتك التامة بمحتويات هذا المسار وقدرتك على تطبيقه عمليا. لذا احرص دائما على تطوير نفسك قبل أن تحصل على (اسم شهادة)، فالفارق كبير بين أن تخدع الناس وبين أن تخدع نفسك.
هناك (أيضا) نقطة أخرى تتعلق بالقراءة والاطلاع التقني، فبالاضافة الى الشهادة والقراءة المتخصصة في غياهب الأكواد وحسابات المعادلات، يحتاج العاملون في القطاع إلى الإطلاع الدائم على أخبار ومستجدات قطاع التكنولوجيا بشكل عام، ومتابعة أخبار مجالهم بشكل خاص ودون انقطاع. ان جهلك بأخبار المنتجات والشركات، وتوجهات السوق هو أحد أهم نقاط الضعف التي ستقف دوما أمام سلم الصعود في هذا القطاع، والعكس، فاطلاعك العام على مفردات وأخبار قطاع التكنولوجيا قد يكون هو المفتاح الوحيد الذي يزيد من أسهمك في الحصول على وظيفة جيدة من المقابلة الأولى.
عزيزي القاريء، قيم نفسك وضع خطتك بنهاية كل عام، اكتب أو استرجع ما حققته خلال العام المنصرم من مشاريع وانجازات في عملك، ما الجديد الذي أضفته الى موسوعة عقلك, وما هي الشهادات التي حصلت عليها، وطبعا السؤال التقليدي، هل حان الوقت للانتقال الى وظيفة أعلى أم ما زلت بحاجة للمزيد من الخبرات. وعلى ضوء كل هذا لابد من أن تضع في حسبانك خطتك للعام الجديد، ما هي نقاط الضعف التي تحتاج الى تقويتها، وما هي الجوانب المعرفية التي تحتاج منك الى مزيد من الخبرة، وما هي الدورات التي تحتاجها لتخطو خطوة جديدة في سلم هذا القطاع.
إن كل عامل أو موظف في قطاع التقنية في عالمنا العربي يمكنه أن يتجاوز كل السلبيات والإحباطات المتناثرة في قطاع التكنولوجيا العربية ويحول نفسه إلى جوهرة ثمينة تتنافس عليها الشركات ويبحث عنها قاصدي الربح قبل قاصدي التميز. وليس أدل على أهمية الموارد البشرية في قطاع التكنولوجيا عموما من الصراع الدائر بقوة الآن بين عملاق الشبكات الإجتماعية فيسبوك وعملاق الإنترنت جوجل. وكلاهما يقتنص المواهب والعقول، لأنها سلاح الإستمرار، ليس تقنيا بل في كل مجالات الحياة.
نصائح للقاريء:
- أيا كان طريقك للدخول لهذا المجال، لا تفقد الثقة في نفسك وقدراتك.
- حدد وجهتك التخصصية وفقا لقدراتك ورغباتك أنت وحدك.
- لا تتوقف عن تطوير ذاتك بالدراسات المتخصصة.
- اقرأ واطلع واستزيد من المعلومات والأخبار العامة عن التكنولوجيا.
- قيم نفسك باستمرار، وارسم لنفسك طريقا واضحا للنمو وتحقيق الطموح.
- تذكر دائما أن طموحك من طموح وطنك وأسرتك ومجتمعك، وكلما نجحت فهو شرف لهم جميعا.
قطاع تكنولوجيا المعلومات العربي – الجامعات والمعاهد
تمثل الكليات والمعاهد المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات العصب الأساسي الذي يبني عليه القطاع كثيرا من موارده واعتماده، وهو أشبه بأحد عناصر البنية التحتية لمدينة ما، يتوقف العمل بها وتتعطل الحياة بتعطل هذا العنصر. وبالعكس فان تطوير هذا العنصر بشكل احترافي هو أول خطوة على سلم تطوير هذا القطاع الهام والحيوي. ولعل تطوير التعليم برمته بشكل جدي كفيل بحل أكثر مشاكلنا تعقيدا، بدءا من الثقافة والعلم والاقتصاد وصولا الى تكوين مجتمع ديمقراطي حقيقي، ولكن ليس تطوير التعليم كله هو مجال الحديث الآن.
عند الحديث عن التعليم الجامعي المتخصص في تكنولوجيا المعلومات فاننا سنتحدث عن ثلاثة محاور أساسية، الطلاب، الكادر التعليمي، المنهج التعليمي. وكل من هذه المحاور له دور يؤثر بشدة على مجمل القطاع التكنولوجي في وطننا العربي بشكل أو بآخر.
الطلاب، هم التجربة الحقيقية لنظام التعليم، والمستقبل الذي تعكف كل الجهات على صناعته (وأحيانا تدميره)، وتستقبل عقول الطلاب المئات من المعادلات والحلول البرمجية والتطبيقات المختلفة والأكواد الغريبة وكثير من الأفكار الأخرى عن المشاريع وتبسيط الحلول المعلوماتية. ودوما منذ اللحظة الأولى التي يطرق فيها الطالب أبواب جامعته، فهو يبحث عن النجاح فقط، والحصول على اسم مهندس كمبيوتر، حتى طريقة الاستذكار البعيدة كل البعد عن التعليم الحقيقي، تتحول الى عملية بسيطة للحفظ والتلقين، ومراجعة الأسئلة والامتحانات السابقة، حتى أنني أذكر سؤال تم توجيهه لأحد الأساتذة عن فكرة معينة، بكيف ستأتينا في الامتحان، وهو سؤال يكرره كل الطلاب تقريبا، وكأن الطالب هدفه الأساسي قبل أن يعرف ما يدرس وأهمية ما يدرس ولماذا هو يدرس، أن يعرف كيف يجتاز الامتحان. ولو أنك انتقلت الى سلوك الطلاب خلال فترات تعليمهم فستجد أن نسبة قليلة من يرتادون (مكتبة الكلية الفقيرة المعدمة) للبحث عن أمور أخرى اكثر عمقا، أو حتى خارج نطاق تعليمهم وموادهم، وكأن دخول المكتبة كان وقتها للطالب المعتوه الغبي الذي يضيع أجمل لحظات حياته بالفرفشة والضحك ويعيش حياة كئيبة من المعادلات والقراءة. وأحيانا تكون رمز للطالب (الدحيح) الذي يريد أن يكون الأول بأي شكل، فمثلا تسمع زملاءه يتضاحكون (ارحم الكتب شوية حرام عليك) أو (كفاية دح عقدتنا في المذاكرة)… وستجد من بين كل هذا الركام المتناثر قلة قليلة من يتخرج وفي جعبته شيء محترم من المعلومات، وليس مجرد شهادة على ورق.
الكادر التعليمي… هم من بيدهم الكثير ليقدموه لقطاع تكنولوجيا المعلومات، لكن العديد من الظروف المحيطة بهم تقف عائقا ضدهم، فقليل من بلداننا من يقدر الأستاذ الجامعي، فاستثناء دول الخليج التي تحترم أستاذ الجامعه، فان دولا مثل مصر تمنح أستاذ الجامعه أقل درجات الاحترام في المجتمع، فلا هي تمنحه راتبا محترما، ولا مكانة اجتماعية جيدة، ولا اهتمام اعلامي لائق، بينما كثير ممن لا يعرف حتى كتابة اسمه يمكنه أن يكون ذا أهمية عالية جدا، لمجرد أنه لاعب كره أو مطرب أو ممثل. باختصار أحد أهم أسباب انحدار مستوى التعليم في كثير من أوطاننا العربية هو اننا لم نحترم علماءنا، ومعلمينا، فلم يحترمنا العالم كله. ومع مثل هذه الظروف ستجد أن عددا كبيرا من الأساتذة لا يمنح كل ما لديه من علم، أو يعمل بدون حماس واجتهاد، أو لا يجد ما يكفي لتطوير أبحاثه وعلومه، وتقديم مزيد من المؤلفات… والنتيجة في أغلب الأوقات أن أستاذ المادة في وادي والعلم والسوق في وادي آخر. وبعض الأساتذه يخلع عباءة المسئولية ويعطي درجة النجاح للكل، وبعضهم الآخر يبيع النجاح اعتمادا على بيع الكتب. اذا لم تنصف الدولة اساتذتها ومعلميها وصناع مستقبلها فانها تحولهم الى وحوش يدمرون مستقبل أجيال كاملة. أعرف الكثير جدا من الأساتذة الذي ما زال يقبض على الضمير والعلم كالقابض على الجمر، ويعطي أكثر مما لديه ولكن دوما كان هذا يصيب طلابنا بالملل، حتى أنهم تذمروا من أحد الأساتذة الذي يدرس بعدد ساعات أكثر مما هو مقرر ليعطينا المزيد من العلم، فقرر الرجوع الى الطريقة الحديثة في التدريس (خير الكلام ما قل وأنجح).
الكتاب الجامعي… هو أحد مفاتيح التقدم والتطور، وأيضا أحد الكوارث الحقيقية في قطاع التعليم الجامعي المتخصص. فبعض كتب الدراسة ما زلت أحتفظ بها حتى الآن لأهميتها وغزارة علمها، وبعضها هو مرجع لا أستغني عنه أبدا، والبعض الآخر فقدته منذ يوم شرائه ولم أبحث عنه اصلا. وغالبا كتب الجامعات والمعاهد لا تخضع للكثير من الرقابة العلمية، بل هي تعكس ثقافة وعلم وطريقة الأستاذ المؤلف. وهذا الكتاب أو المنهج هو معيار هام للدارسين وطريق واحد في فرع متخصص من علوم تكنولوجيا المعلومات يبني عليه الدارسون معرفة كاملة. ولعل تصنيف المناهج وتأليف الكتب هو أحد أهم الثوابت التي يجب أن تخضع لتقييم وتخطيط عالي المستوى ومتجدد باستمرار, ويراعي أصول التطور وحاجات السوق ومواكبة جديد التكنولوجيا باستمرار, لا ان يخضع للجنة منبثقة عن لجنة أخرى وفي النهاية تجد أن الطالب يدرس لغة FORTRAN بينما لا أحد يعمل بها منذ السبعينات، ومعاهد وكليات أخرى تدرس نسخ قديمة جدا من اصدارات جافا ولينوكس. ان صياغة المناهج وطريقة اعداد الكتاب بطريقة علمية متطورة لهو أحد أهم العوامل التي يمكنها أن تزيد من قوة قطاع تكنولوجيا المعلومات وربما تنسف قاعدته البشرية من الأساس.
هناك بعض النقاط الواجب ذكرها عند الخوض في غياهب التعليم الجامعي المتخصص، منها مثلا مشاريع التخرج. فكثيرا ما نسمع عن مشاريع تخرج صارت رمزا لحديث العالم كله أو شركة من أضخم شركات العالم، فمثلا ياهوو بدأ كمشروع تخرج، أو فيس بوك FaceBook, أو غيرها من أكثر العلامات التجارية الشهيرة أو المشاريع البحثية العملاقة. وكثيرا ما أقرا في مجالات متعددة عن بعض نظريات أو معادلات وأجد أنه قد تم تطويرها على يد مجموعة من الطلاب في جامعة كذا بكندا أو أمريكا أو انجلترا. اترك هذه الدول المتقدمة وارجع بخيالك الى الشرق الأوسط ستجد أن غالبية (وليس كل) مشاريع التخرج هي أفكار تدخل الى الأدراج وتتحول الى كتاب يحمله الطالب في بيته كذكرى. وكثير من الطلاب يختار أصلا مشروع سهل وبسيط حتى لا يعقد نفسه، هو يريد دكتور ممتاز ليعطيه تقدير ممتاز. ماذا ستكون النتيجة لو اخترعنا روبوت يتكلم؟ في النهاية (تقديرك ايه في مشروع التخرج؟). وأنا أوجه سؤالي لكل الدارسين في الكليات والجامعات المتخصصة، ألم يخطر ببالك أن مشروع التخرج هو بداية تعلمك كيفية العمل كفريق؟ ألم تخطط أن تلتحق بمشروع تخرج يفتح آفاقك العلمية على مجال تحبه بشكل كبير وتنوي التخصص فيه؟ ألم تنوي أن تلتحق بمشروع تخرج فيه فكره مبتكره؟ حتى لو لم يتم تطبيقها بشكل عملي، فحتما لها انعكاسات على مستقبلك المهني.
يتبقى من هذا المقال جزء ثالث وهو يتحدث عن السوق ودورها الهام في هذا القطاع، وسيأتي هذا الجزء الأخير بشكل منفصل لاحقا بإذن الله.
بقلم: محمد الكومي
?xml>