في ليلة وضحاها تحولت ثقة اللاعبين في دار تطوير Blizzard المخضرمة الي رماد .. بدأت القصة عندما صعد ممثلين للشركة في مؤتمر BlizCon الي منصة المعرض وأعلنوا عن نسختهم الجديدة القادمة من لعبة Diablo.
وعلي عكس توقعات اللاعبين، الذين اشتاقوا وانتظروا الاعلان عن Diablo 4 للحاسب الشخصي PC، تسمر الجميع في أماكنهم عندما أعلن ممثل الشركة ان اللعبة الجديدة هي للهواتف الجوالة بالأساس واسمها Diablo Immortal.

ولقد وقع هذا الاعلان كالصاعقة علي رؤوس الحاضرين، منذ متي و Blizzard تهتم بألعاب الهاتف الجوال mobile phone؟ ليس هذا من عادتها ولا طبيعتها! وليس الي حد تخصيص فقرة رئيسية كاملة من المؤتمر للاعلان عنها! وفي غير تصديق بدأ الحاضرون يتململون ويتسائلون في دهشة عن ما اذا كان هذا الاصدار سيوجه للحاسب الشخصي أيضا؟ وعن ما اذا كان الأمر مزحة ثقيلة، أو كذبة إبريل جاءت في غير ميعادها! لكن ممثل الشركة نفي هذا وذاك، ليس الأمر مزحة وليست اللعبة مخصصة للـ PC، هي مخصصة فقط للهواتف، أليس الجميع يملك هاتفا؟! سيكون الأمر رائعا، سوف ترون أيها القوم! لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، ففيما بدا وكأنها صفعة مباشرة لمحبي الشركة، أنهت Blizzard المؤتمر دون أن تنطق حرفا عن Diablo 4 المنتظرة. وما أن انتهي المؤتمر، الا وأبواب الجحيم وقد انفتحت علي مصراعيها لتصب الحمم الغاضب علي رأس Blizzard. عشرات الآلاف من اللاعبين الغاضبين ينسالون من كل حدب وصوب علي مواقع التواصل الاجتماعي مرددين العبارات الغاضبة والسباب والانتقادات الحادة، لما رأوه من تغير جذري في طريقة عمل شركة Blizzard .. إن الأمر يشبه ما ارتكبته EA من جرم مماثل عندما أعلنت عن لعبة جديدة في سلسلة Command and Conquer بعد انقطاع دام العشرة سنوات، لكن بدلا من أن تكون لمنصات الألعاب الرئيسية، فوجئ الجميع أنها للهواتف الجوالة فقط! لقد كانت صدمة وخيبة أمل اللاعبين لكلا الحدثين طوفانا هائلا نسف سمعة اللعبتين تماما قبل حتي صدورهما! لقد انهالت تفاعلات عدم الاعجاب dislikes علي مقاطع اللعبتين علي Youtube و Facebook و Twitter، وتظاهر الآلأف من اللاعبين في التعليقات مرددين عبارات موحدة تتهم Blizzard بالجشع والطمع والانسياق وراء اللهفة في جمع الأموال دون اية اعتبارات لجودة المنتج!

وفوق كل هذا فلقد اكتشف اللاعبون أن Blizzard لن تطور اللعبة بنفسها، ولكن ستفعلها بالتعاون مع شركة أخري مخضرمة في العاب الهواتف، مما ينذر بأن اللعبة ستكون تقليدا مباشرا لألعاب أخري صدرت للهواتف بالفعل، إن معايير جودة المحتوي ضحلة للغاية في سوق الهاتف، والتكرار بل والنقل المباشر أمر لا غضاضة فيه هناك، و المحتوي الهزيل يصول ويجول في سوق الهاتف وكأنه الحاكم هناك، وفضلا عن ذلك فان العاب الهاتف تعج بانظمة المشتريات الرقمية micro-transactions، وصناديق القمار والحظ loot boxes.. وكل الممارسات القميئة التي يكرهها اللاعبون علي منصات الألعاب.
ولقد زاد كل هذا اللاعبين غضبا، واستشاطوا حنقا أكثر وأكثر علي الشركة التي اعتبروها قد خانت مواثيق العهد بينها وبين محبيها.
الي هنا والقصة يمكن أن تنتهي نهاية سعيدة رغم كل هذا، إن الشهر الذي يمر دون ثورة غضب من اللاعبين علي شركة ما لهو شهر غريب، في المعتاد تنتهي تلك الثورات بتصريح من الشركة بان الامور ستعود الي نصابها، وان الشركة ستقوم بتصحيح الامر وارضاء الغاضبين. لكن ما زاد في صدمة الجميع، اللاعبون منهم والمراقبون، أن Blizzard لم تفعل أيا من ذلك، بل ساقت في امعان الأذي وتأجيج النار المستعرة لدي اللاعبين. لم تتحمل Blizzard النقد، وبدأت في حذف تعليقات التظاهر علي مواقع التواصل، كما حذفت بعض مقاطع العرض التي نسفها عدم الاعجاب، واعادت رفعها من جديد. وبالطبع زاد هذا من ثورة اللاعبين أكثر وأكثر، وانهالت التعليقات المسيئة أكثر وأكثر، وتعرضت المقاطع الجديدة لنفس سيل عدم الاعجاب dislikes الذي تعرضت له القديمة.
لكن الطامة الكبري أتت عندما صرحت Blizzard أن اشتراكها في سوق الهواتف الجوالة هو أمر لا رجعة فيه، وأنها تسعي لعمل ألعاب أخري له غير Diablo، بل وأنها نقلت مطورين متمرسين لديها من مواقع مهمة في الشركة الي هذا السوق كي يساهموا في تطوير العاب للهواتف بمعدل سريع وجودة عالية! ولقد كانت صدمة الجميع من هذه التصريحات مروعة! منذ متي و Blizzard تقدر سوق الهاتف من الأصل؟ إن الشركة معروف عنها الاهتمام بالحاسب وبالمنصات المنزلية بالأساس، ومعروف عنها التمهل والاتقان في عمل العابها، الي حد استغراقها سنوات طويلة من اجل عمل لعبة واحدة فقط! إن سمعة الشركة ناصعة البياض الي حد مذهل في كل شئ، كيف يتوافق هذا كله مع الرغبة في عمل العاب لسوق الهاتف؟ من اين اتت هذه الرغبة من اًلأصل؟
لكن السبب في كل هذا كان واضحا للعديد من المراقبين، هم فقط نسوه او تناسوه خلال السنوات الماضية .. إن Blizzard هي جزء لا يتجزء من Activision منذ مدة ليست بالقصيرة، ربما لم يكن هذا ظاهرا في البداية بعد أن تركت Activision لـ Blizzard حرية الابداع والادارة في اصدار الالعاب، لكن هذا الأمر لم يكن ليستمر للأبد واقعيا، إن سعي Activision للسيطرة الكاملة علي Blizzard لهو أمر محتوم حدوثه آن عاجلا أو آجلا.

إن الاهتمام بسوق الهواتف لهو من شميم صفات Activision، التي تسعي لجمع المال بشتي الطرق، ولا يضيرها تكرار الأفكار او المحتوي، أو جودة الالعاب المهتزة، يظهر هذا في اصدارات Call Of Duty السنوية التي لا تتوقف، ويظهر في ادخال Activision لأنظمة مشتريات رقمية سيئة السمعة في Destiny و Call Of Duty، وفي تجاوبها السخيف والمتعالي مع انتقادات وتساؤلات اللاعبين وفي خداعها لهم في أكثر من مناسبة وفي اصرارها علي تقسيم محتوي الالعاب الي محتويات اضافية DLC مكلفة.. لقد دمرت الشركة عمليا سمعة لعبة Destiny 2 بممارسات المشتريات الرقمية والمحتوي الاضافي .. وبضعف وتكرار افكار اللعبة!
والآن تنقل Activision عدوي هوس جمع المال كاملة لـ Blizzard، بما فيها الصلف في الردود علي مخاوف اللاعبين.
وفور إدراك اللاعبين لهذه الحقيقة الظاهرة الخفية، فوجئوا بالستار ينكشف عن مسرح الحدث! وكأنه كان ينتظر اشارة فهم اللاعبين للموقف كي ينكشف كاملا!
بدأت Blizzard في اتخاذ خطوات لم تكن لتتخذها من قبل، أعلنت الشركة عن تقليل موارد التطوير للعبة Heroes Of The Storm، ونقل العديد من المطورين منها الي ألعاب أخري، كما ألغت كل مباريات التنافس الاحترافي E Sports المخصصة للعبة! وسط إحباط وذهول محبي اللعبة!
وقبل ذلك أوقفت الشركة تحسين محتوي Diablo 3 مبكرا، علي غير عادتها في دعم الألعاب ما بعد الاصدار لفترات طويلة!
كما بدأت التقارير والتحقيقات الصحفية تخرج حاملة أنباء غير سارة، الشركة تخفض من نفقاتها بشكل عام، وعلي جميع الأصعدة، بل وتسعي الي طرد موظفين كثيرين لديها، لكن بطرق غير مباشرة، بأن تعرض عليهم بدلات وتعويضات مغرية في حالة اختيارهم مغادرة الشركة. كما تواردت الأنباء عن تدخلات طاقم الموظفين الاداريين والماليين في أسلوب عمل الشركة وتطوير الألعاب، الآن يحضر هؤلاء الموظفين اجتماعات الألعاب لأول مرة، ويعطون توصيات متكررة بتخفيض النفقات والحرص في صرف الأموال. بل إن الشركة الآن تسعي لتسريع وتيرة اصدار الالعاب عدة أضعاف، بحيث يكون للشركة عددا من الالعاب ثابتا في كل عام (مثلما تفعل Activision)، مما يعني أن عهد التأني والتمهل في تطوير الألعاب لدي Blizzard قد ولي الي غير رجعة، وأتي بدلا منه عهد اصدار الالعاب مهما كلف الأمر. حتي لو كانت جودة اللعب ناقصة أو محتوي اللعبة غير كاف.
وما اصرار Blizzard علي تطوير العاب للهواتف الجوالة الا عرض مباشر لسيطرة سياسات Activision علي الشركة، حتي إن الشركة الآن تسعي لاعادة اصدار العاب قديمة في صورة جديدة، أو remake كما يطلق عليها في أوساط الصناعة، وهو عرض اخر لسيطرة سياسات Activision التي تسعي لزيادة اصدارات Blizzard من الألعاب كل عام، ولو حتي عن طريق تدوير العاب قديمة لتقليل النفقات .. وبدلا من أن نحصل علي وعود او خطط لتطوير اجزاء جديدة كليا، ننبش الماضي القديم من أجل كسب الأموال السريع.

وليت الأمر يتوقف عند هذا وحسب، بل سيمتد أيضا لسياسات زيادة الكسب عن طريق المشتريات الرقمية micro-transactions والمحتويات الاضافية مدفوعة الثمن paid DLC، نتوقع أن تحوي جميع العاب Blizzard من الآن فصاعدا ممارسات من هذا القبيل. لقد توقع الكثيرون أن يحدث هذا الأمر بعدما اندمجت Blizzard مع Activision منذ عدة سنوات، لكن الشركتين طمئنا الجميع أن هذا لن يحدث، لكنه حدث برغم كل شئ، والسبب في ذلك أن Activision تمر حاليا بضائقة مالية نتيجة انخفاض شعبية سلاسل ألعابها، فالشركة لا تنتج الا لعبتين فقط في الوقت الجاري: Call Of Duty و Destiny، وكلاهما لا يحقق الأرباح التي تتمناها الشركة نتيجة عزوف اللاعبين عنهم بسبب احتوائهم علي العديد من الممارسات المالية الجشعة: كسوق المشتريات والمحتوي الاضافي مدفوع الثمن.

وهي في هذا علي النقيض تماما من Blizzard التي تملك أفكارا وألعابا كثيرة تعمل عليها جميعا، مثل Warcraft و Starcraft و Diablo و Heroes Of Storm و OverWatch و Hearthstone .. وغيرهم، والشركة تحرص دوما علي الابتكار والتجديد فيهم جميعا. وهي تحرص ألا تطرح اصدارات لمجرد الطرح، بل لتقديم الجديد سواء علي مستوي القصة أو الرسوم و طريقة اللعب أو التنافسية ..الخ
لذا فان طريقة Blizzard المتمهلة هذه في تعارض محوري مع طريقة Activision التي تسعي لاصدار ألعاب أكثر وأكثر لتعظيم دخلها السنوي .. تريد Activision أن تضغط Blizzard من نفقاتها وان تسرع من وتيرة الطرح، وان تدمج سياسات تسويقية ومالية تزيد من مكاسب اللعبة بأقل التكاليف، لذا تجبرها علي تطوير العاب للهواتف الجوالة وعلي الغاء المؤتمرات المخصصة للمحبين واللاعبين المحترفين، ونقل المطورين من دعم الالعاب الحالية، الي عمل العاب جديدة بسرعة.
إن Blizzard الآن في طور التحور الي ذراع من أذرع Activision الطويلة، يحدث هذا فعليا وسط ذهول واسف واحباط محبي الشركة .. ولا سبيل لايقاف الأمر للأسف.
إن واحدة من آخر قلاع جودة الألعاب تنهار الآن، وتقتحمها جيوش الطمع والجشع والممارسات الخاطئة في الصناعة .. ولا نملك الا مشاهدة هذا التحول في حسرة .. وفي ألم، وفي أمل أن المنجرفين وراء المال قد يعودون الي صوابهم يوما، نتمني فقط أن يعودوا قبل فوات الأوان، وقبل أن ينفض الجميع عنهم!
?xml>