في أواخر القرن الثامن عشر، شجعت حركة المطالبة بإلغاء العبودية الشعب البريطاني على الابتعاد عن شراء السلع التي ينتجها العبيد، وتوقف نحو 300 ألف شخص عن شراء السكر، مما زاد من الضغط لإلغاء العبودية.

حملة مقاطعة الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي Stop Hate for Profit هي آخر الحركات التي تستخدم المقاطعة الاقتصادية كأداة سياسية. وهي تذكر أن موقع فيسبوك لا يقدم ما يكفي لإزالة المحتوى العنصري والكراهية من على المنصة.

لقد أقنعت الحملة سلسلة من الشركات الكبرى بسحب إعلاناتها من على موقع فيسبوك وبعض شركات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.

لكن السؤال هنا: هل يمكن لهذه المقاطعة أن تضر بشركة فيسبوك حقًا؟ الإجابة المختصرة قد تكون نعم، ببساطة لأن أغلب عائدات الشركة تأتي من الإعلانات. لكن إن نظرنا للأمر بشكل أعمق، فإن فقدان الثقة في فيسبوك بجانب غياب قانون أخلاقي للعمل يمكنه أن يدمر الأعمال التجارية. وعلى المدى القصير بدأ تأثير هذه الحملة في الظهور، حيث انخفض سعر سهم فيسبوك بنسبة 8%، مما جعل الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج، نظريًا على الأقل، يفقد 7 مليارات دولار من ثروته.

ولكن ما إذا كانت ستمثل هذه المقاطعة تهديدًا وجوديًا لمستقبل فيسبوك على المدى الطويل فهو أمر أقل وضوحًا بكثير، وقد لا تؤتي ثمارها ولا تؤثر في المنصة بأي شكل من الأشكال، وهو على الأرجح ما سوف يحدث.

مارك زوكربيرج

هل يمكن أن تتأثر شركة فيسبوك بالمقاطعة الإعلانية؟

بالطبع، هذه ليست المقاطعة الأولى لشركة وسائل تواصل اجتماعي؛ في عام 2017، أعلنت العديد من العلامات التجارية الرئيسية أنها ستتوقف عن الإعلان على موقع يوتيوب، بعد أن تم وضع إعلاناتها داخل مقاطع الفيديو العنصرية. هذه المقاطعة ذهبت أدراج الرياح تقريبًا، ولن يتذكرها أحد الآن حتى وإن قام يوتيوب بتعديل سياساته الإعلانية.

على الرغم من بعض أوجه التشابه بين الحملتين، إلا أن فيسبوك أقل عرضة للضغوط الخارجية من معظم الشركات. وهناك المزيد من الأسباب للاعتقاد بأن المقاطعة الحالية ليست ضارة لشركة فيسبوك أو لمستقبله.

فيسبوك

أولًا، قيادة الشركة تقع تحت أيدي رئيسها التنفيذي، مارك زوكربيرج، والذي يمارس سيطرة كاملة على عملية التصويت في مجلس الإدارة، ولا يمكن للمساهمين إزالة أو تخطي هذه السيطرة. وهذا الأمر يمكن أن يعقد الحملة إلى حد بعيد، ولن يكون هناك ضغطًا يُذكر على فيسبوك ورئيسه التنفيذي من أجل فرض التغيير.

ثانيًا، نظرًا لأن حملة المقاطعة تطالب الشركات بإيقاف الإعلانات مؤقتًا فقط خلال شهر يوليو الجاري، فإنها ستحرم فيسبوك من إيرادات الإعلانات لمدة أسابيع فقط. وهو ما قد يظهر أنه مجرد تعثر بسيط للغاية، أو قد لا يظهر من الأساس، في دفاتر فيسبوك عند احتساب الأرباح الفصلية، وفي هذه الحالة ستكون أرباح الربع الثالث من هذا العام.

ثالثًا، وربما بشكل أكثر أهمية، يأتي جزء كبير من عائدات الإعلانات على موقع فيسبوك من آلاف وآلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة، وليست العلامات التجارية الكبرى.

مثلًا من بين الشركات التي انضمت إلى المقاطعة حتى الآن، هناك ثلاث شركات فقط، وهي Unilever وVerizon وشركة تجارة التجزئة REI، تدخل ضمن قائمة أعلى 100 معلن على موقع فيسبوك، وفقًا للبيانات التي جمعتها شركة Pathmatics، وهي شركة بحثية في مجال التسويق. وفي عام 2019، احتلت Unilever المرتبة 30، حيث أنفقت ما يقدر بـ 42.4 مليون دولار على إعلانات فيسبوك. كما كانت شركة Verizon في المركز 88 وشركة REI في المرتبة 90، وأنفقوا ما يقدر بنحو 23 مليون دولار لكل منهما.

كما أنفقت القائمة بأكملها لأعلى 100 علامة تجارية نحو 4.2 مليار دولار على إعلانات فيسبوك العام الماضي، أو نحو 6% فقط من العائدات الإجمالية للإعلانات بالنسبة لمنصة فيسبوك.

ومن أجل أن يحدث تأثير واضح في صافي أرباح شركة فيسبوك، من المحتمل أن يحتاج الأمر لعشرات الآلاف من الشركات الصغيرة والمتوسطة وسوف يحتاجون إلى المقاطعة على مدار فترة زمنية كبيرة، وهو أمر صعب للغاية بالطبع، لأن معظم هذه الشركات تبني حاليًا جزءًا كبيرًا من حملاتها الإعلانية اعتمادًا على فيسبوك، بعكس الشركات الكبرى التي يمكنها الاتجاه إلى قنوات ومصادر أخرى للإعلانات، مثل الإعلانات التلفزيونية.

في نهاية المطاف، كل هذه المطالب شرعية وستحمل معها فائدة عظيمة إذا تم نفيذها. لكن وهنا المشكلة، فيسبوك أصبح يغذي العنصرية والكراهية أكثر، بل وأصبحت خوارزمياته تنشر هذا المحتوى البغيض وكذلك المعلومات المضللة والكاذبة أكثر من نشر المعلومات الصحيحة والمهمة.

وعلى ما يبدو أن حتى هذه المقاطعة لن تؤثر في إيرادات الشركة، وهي للأسف الطريقة الوحيدة التي يمكن بها التفاهم مع فيسبوك، وسياساته المالية الواسعة، ولكن مع السيطرة المطلقة التي يفرضها مارك زوكربيرج على المنصة، فإن الحل يبدو في إقناع رجل واحد ليغير من سياسات وتعامل منصته مع خطاب الكراهية والعنصرية!