
تابلت الوزارة: حكاية قاسية لتحديث لا يتوافق مع ما حوله في التعليم!
إذا تحدثنا عن التعليم بشكل علمي، سنقول أن التعليم هو عملية إعطاء عمليات للطلاب في الجامعات والمدارس بجميع مراحلها لضمان قدرتهم على العمل بعد تلك السنوات والعديد من الأشياء التي نعرفها أنا وأنتم. لكن عندما تحدث عن كل العمليات، فهي تجربة...تجربة لوضع أساس الشخصية لكل فرد في تلك المنظومة لتجعلها قادرة على إنتاج شيء ما ينفع المجتمع، وأحدث تجربة هي " تابلت الصف الأول الثانوي " في مصر تحت إشراف وزارة التربية والتعليم.
في مصر، يستطيع معظم الطلاب في السن الثانوي أن يقوموا بإستخدام الأجهزة الذكية، سواء كانت هواتف أو أجهزة لوحية مثل Samsung Galaxy Tab A6 الذي تم توزيعه على طلاب الصف الأول الثانوي بشكل كامل لاستخدامه كأداة تعلم أساسية في المدارس وكأداة لكتابة الإجابات داخلها في الإمتحانات الخاصة بنصف وأخر العام. ولكن السؤال هنا: كيف أثر هذا في عملية التعليم بشكل كامل بدون النظر إلى المنفعة التي درستها وزارة التربية والتعليم قبل بدء هذا المشروع؟
نظرة عامة لما قبل تطبيق هذا النظام
في شتاء عام 2017، قررت وزارة التربية والتعليم القيام بتوزيع مليون جهاز تابلت لطلاب الصف الأول الثانوي، وبالطبع اضطر أيضاً إلى إعطاء كمية مناسبة أيضاً للمدرسين ومديري المدارس من أجل العام القادم في تلك الفترة، وقرر أيضاً بعدم إرجاع تلك الأجهزة بعد نهاية العام لتكون مجانية وملكية خاصة للطلاب والمدرسين أيضاً. ولكن تلك لم تكن أول مرة، بل كانت هناك محاولة فاشلة من نفس العيار في عام 2013.
في عام 2013، تم توزيع 250،000 جهاز تابلت على الطلاب في ستة محافظات -بالمجان أيضاً- بتكلفة وصلت إلى 400 مليون جنيه مصري تحت إشراف وزارة التربية والتعليم لطلاب الصف الأول الثانوي. وكانت المحافظات المعنية بهذا الشأن هي: مطروح، شمال سيناء، جنوب سيناء، الوادي الجديد، البحر الأحمر، وسيناء.
لكن الفكرة لم تنبع في الأساس من حب التعليم الإلكتروني، بل نبعت من باب التوفير لأن الحكومة إكتشفت بأن الأمر سيكون أرخص بكثير إن قامت بشراء تلك الأجهزة وتوزيعها على الطلاب عوضاً عن طباعة الكتب المدرسية -التي لا يكترث لها أحد في مصر- والتي تكلف مبلغ مليار ومائتان مليون جنيه مصري بشكل سنوي.
بدأت الحكومة بتلك المحافظات ومدارسها بسبب تعدادها السكاني القليل، ومع العلم بأن العديد من أهالي تلك المدارس من البدو الذين لا يعطون التعليم أية إهتمام من قبلهم ولا يدخلون أولادهم فيه من الأساس. لكن التجربة فشلت فشل ذريع في النهاية بعد أن قرر الطلاب إستخدامه في كل شيء عدا السبب الأساسي. فكانوا يلعبون ألعاب الفيديو عليه ويشاهدون الأفلام والمسلسلات أثناء الحصص، يخربون تلك الأجهزة أو يبيعونها على مواقع الشراء الإلكتروني مع العلم أنهم كانو يأخذون تلك الأجهزة معهم للمنزل، لكنهما لم يسلموها بعد نهاية العام الدراسي عندما كان هذا الأمر إلزامياً.
ماذا حدث لنظام التعليم الثانوي في المحاولة الحالية
تم تسليم أجهزة من فئة تابلت في أخر مرة من وزارة التربية والتعليم للطلاب الملتحقين بالصف الأول الثانوي تحت نظام "كامل متكامل من جميع أنحائه" في جميع أنحاء الجمهورية، وتم وضع نظام جديد أمن لكي يجعل الطلاب قادرين على إستخدام الأجهزة فيما لا ينافي النظام التعليمي والآداب العامة. ومع العلم بأنها تجربة جديدة، فكما قلنا بأن معظم الشباب في سن المراهقة- الذي استهدفته الوزارة لإعطاء تلك الأجهزة- يستطيعون إستخدام الأجهزة الذكية بشكل سلس وسهل، لكن الحكومة أعربت وبكل صراحة عن قلقها من الإستخدام الخاطيء لتلك الأجهزة وكأنهم لا يعطون أي ثقة للطلاب، فبأي فكر يمكنك إعطاء أجهزة بهذا الكم والتكلفة لطلاب لا تستطيع الثقة بهم؟
ولكن ماذا نقول؟ تم بالفعل تسليم تلك الأجهزة وقد فات الأوان. وصلت شحنات الأجهزة لكل مدرسة حكومية تعمل تحت مظلة التربية و التعليم في مصر وبدأت في حمل المناهج التعليمية على هيئة ملفات PDF على كل الأجهزة لإستخدامها مع المدرسين في كل حصة لمتابعة المناهج الدراسية معهم. وفي الناحية الأخرى يمتلك المدرسين أجهزة مصممة لهم تحمل الكتب والمواد العلمية بإجاباتها التي يتم تصحيح كل شيء على أساسها.
ولكن مصير تلك الأجهزة لم يكن بعيد جداً عن أخر مسار، فالصف الأول الثانوي في مصر ليس بالأهمية الكبرى بالنسبة للطلاب، فنسب الحضور متفاوتة للغاية بسبب عدم أهمية السنة نفسها وعدم وضع مجموعها مع مجموع الصف الثالث الثانوي -وهو أهم صف في مصر- الذي يتطلب مجهود جبار للحصول على درجات جيدة فيه للوصول إلى ما يسمى بـ"كليات القمة" في مصر. مما يجعل الطلاب غير مهتمين بالدراسة أو الحصول على مجموع عالي، كل ما يهمهم هو المرور من تلك السنة بدون الرسوب في أي مواد في الصيف.
فنحن الآن نتحدث عن عام دراسي لا يهتم أحد بالحضور فيه، فبالتالي لن يهتم أحد بالأجهزة التي تم توزيعها. فيتوجه العديد إلى إعطاء تلك الأجهزة لفني ما في أحد الأحياء لفك النظام الخاص بالجهاز وإستخدامه إستخدام شخصي بالكامل، وقد تم. وقد تم إستخدام تلك الأجهزة في العديد من الأشياء التي لم يصمم الجهاز من أجلها، لكن هل توقف الأمر هنا؟ لا. بل أنكرت الحكومة أي مشاكل خاصة بالأجهزة وأنكرت قابلية كسر الحماية الخاصة بها لأي سبب كان بسبب الحماية القوية التي طورتها الأجهزة المعنية بهذا الشأن.
ماذا حدث عند نهاية الفصل الدراسي لأجهزة التابلت
[caption id="attachment_250980" align="alignnone" width="1920"] جهاز Samsung Galaxy Tab A6 المستخدم في مصر.[/caption]
جاءت نهاية الفصل الدراسي كمنقذ للمدرسين والطلاب. لا، بل للوزارة بأكملها التي إمتلأت رسائل حسابها على الفيسبوك بالشكاوي من الأهالي. لم تكن الرسائل فقط هي الشكل الوحيد في الشكاوي، بل بدأت بعض المظاهرات الصغيرة مع التغريدات على تويتر التي لم تسفر عن أي نتائج، فأخذ كل طالب جهاز " تابلت الوزارة " كما يسميه الأهالي معه وإتجه لمدرسته، وبالطبع أي طالب قام بكسر الحماية أو أضاع الجهاز لن يستطيع المرور من تلك الإمتحانات وبالتالي سيرسب أوتوماتيكياً بالنسبة لجهاز وزارة التربية والتعليم . لكن من الواضح أن تلك الحالات لم تكن وحدها في هذا الأمر.
يجلس الطلاب جميعاً في لجانهم الإمتحانية….تخيل معنا بأنك قمت بالمذاكرة وضمان الأسئلة، شحنت ما يسمى بـ " تابلت الوزارة " ونمت جيداً لتستعد للإمتحان، تعلم بأنك قادر على حل تلك الأسئلة بشكل جيد. لكن من الواضح أن وزارة التربية والتعليم رفضت أمنيتك بعدما تعطلت منصات الإمتحان في جميع أنحاء الجمهورية بعد مرور ساعة على الامتحان. والتي قابلها الوزير قائلاً: "لقد رفعنا سعة السيرفر الخاص بالامتحانات خمسة عشر مرة".
المشاكل الكارثية مثل تلك تستمر ليوم واحد-على حسب ما نرى في الدول المتقدمة والنامية مثل مصر-لكن هذا الأمر لم يحدث في إمتحان مادة الأحياء للصف الأول الثانوي، لا. فتخيل معي أنك تدخل نفس اللجنة مرة أخرى ليتم امتحانك، فتجد أنك لازلت في نفس المعضلة مرة أخرى. لا تستطيع الدخول على امتحانك بسبب عدم تفعيل شريحة الإنترنت الخاصة بك، أسئلة الإمتحان لم يتم تحميلها على الجهاز. حتى بنك المعرفة لم يعرف طريقاً لجهازك اللوحي، كارثة بكل المقاييس. لكنك كطالب لست المتضرر الوحيد لأن المدرسين يعانون من أزمة مشابهة تمنعهم من تحميل أكواد الإمتحان على أجهزتهم أيضاً.
لكن من حسن الحظ، العديد من الطلاب لم تواجههم تلك المشاكل. ومن سوء الحظ، السبب كان في شبكة الإنترنت في مدارسهم والتي لم تكن موجودة بشكل كافٍ ليغطي المنطقة التعليمية كلها. كم هي فكرة سديدة أن يتم توزيع تلك الأجهزة على مناطق لا تتمتع بشبكة الإنترنت. لكن لا مشكلة، يستطيعون أخذ الأجهزة معهم إلى المنزل لكي يقومو بحل الإمتحان وتقديم إجاباتهم لمدة 12 ساعة من بدأ الإمتحان.
وفي نهاية الأمر، ينجح جميع الطلاب في امتحاناتهم في الفصل الدراسي الأول ويرسب 8.6% منهم في الفصل الدراسي الثاني.
ما الأسباب الحقيقية لفشل تلك العملية؟
إختيار فئة عمرية خاطئة
سن المراهقة سن متأخر للغاية لتزويده بتلك التجربة، كان من المفترض أن تبدأ في الصفوف الإبتدائية لكي توفر لهم أسس من البداية ليلتزمو بها، ففي النهاية لن يستطيع طالب مدرسة إبتدائية القيام بأخذ تابلت وبيعه على موقع مثل OLX أو ما شابهه. ولن يستطيع طفل أخذ هذا الجهاز إلى فني ما ليكسر حمايته، بل فكره أصغر من هذا بكثير، وبالطبع سيكون خائف من تخريب الجهاز بسبب المدرسة والهيئة التعليمية ككل إن تم تحذيرهم بشكل صائب بدون اللجوء للعنف.
تقديم خدمة معتمدة على خدمة ليست متاحة
هل تستطيع أن تشغل الـ ADSL في منزلك بدون إمتلاك خط أرضي؟ بالطبع لا. هل يمكنك أن تستخدم تابلت للإمتحانات بدون شبكة إنترنت لاسلكية في منطقتك السكنية لكي يتم إختبارك من الأساس؟ بالطبع لا.
لم تكن فكرة ذكية غلى الإطلاق، كان من الممكن -على الأقل- أن تؤجل المشروع إلى أن تعلم إمكانيات الدولة في تغطية جميع المدارس بشبكة إنترنت جيدة كفاية للبقاء على الشبكة لمدة ساعة بدون إنقطاع، لكنك لم تستطع توفير الخدمة من الأساس.
إعتماد الخطة لمكاسبها المادية عوضاً عن التعليمية
مهما قالت وعادت الهيئات التعليمية في أهمية التعليم الإلكتروني، فجميعنا نعلم بأنها خطوة تم دراستها من الناحية المادية لتوفير أموال الطباعة الخاصة بالكتب والتي كما ذكرنا وصلت لـ 1.2 مليار جنيه في السنة الواحدة.
الردود المثيرة للجدل
«هذا هو المشروع الأكبر في مصر، ونخطو فيه بخطى ثابتة إحنا قلنا ده تجربة يا جماعة، بنجرب مع بعض، إحنا مش بنجرب فيكم، لأن مفيش حاجة نخسرها خالص، وعشان نؤكد إن التجربة مش مؤثرة على الطلاب، لدرجة إننا قلنا إللي ملوش مزاج ييجي، ميجيش».
كان هذا هو تعليق الوزير على الإمتحانات الإلكترونية على أجهزة التابلت، التعليم أصبح مجرد تجربة مع بعضنا البعض ولم يصبح علينا الذهاب للإمتحان، أصبح الطلاب مجرد تجربة لنظام ليس بمثمر مع العلم بأنهم أضاعوا مجهودهم لمدة ستة أشهر في لا شيء يعتبر.