داخل دماغ إيلون ماسك، تتحول أكثر المشاكل المعقدة في العالم إلى أشياء بسيطة، هل هناك ازدحام مروري من حولك؟ حسنًا، يمكنك أن تأخذ الكبسولة التالية في الـ "هايبرلوب" الخارق تحت الأرض. انبعاثات الكربون تسبب الدمار لكوكب الأرض؟ إليك أسطول من السيارات الكهربائية، وأثناء جلوسك بها، ربما تدعها تقود نفسها بنفسها! لا تملك اتصالاً بالإنترنت؟ هذه مجموعة أقمار اصطناعية توفر لك اتصالًا سريعًا بالإنترنت. كوكب الأرض قد لا يصلح للحياة؟ حسنًا، يبدو المريخ لطيفًا لكي نبني عليه المستعمرة البشرية القادمة!

لا يمكن تشبيه ماسك بشخصيات مؤثرة في عالم التقنية مثل ستيف جوبر أو مارك زوكربيرج مثلًا، لأن ستيف جوبز ارتبط معنا بالآيفون، بينما الشيء الوحيد الذي يجعلنا نتحدث عن مارك زوكربيرج هو عندما نقول "الله يخرب بيتك يا مارك، ما الذي تفعله في فيسبوك؟".

تلك الشخصيات التقنية الشهيرة ارتبطت معنا بمنتجات نستخدمها يوميًا، وأثرت في حياتنا مباشرةً. بينما شخص مثل إيلون ماسك لا يبيع منتج مؤثر في حياتنا، حتى السيارات الكهربائية لم تنتشر بنفس درجة السيارات العادية، حتى إن انتشرت تسلا مثل انتشار سيارات مرسيدس أو بي إم دبليو أو حتى هيونداي "فيرنا"، فهل سنحب أو نتعلق بالرئيس التنفيذي لأي من تلك الشركات؟

ما يبيعه إيلون ماسك ليس منتجًا، لكنه يبيع أفكار، شخص يتخيل أننا سنحتل المريخ قريبًا، ويحاول إيجاد حلول ثورية كما يراها للمشاكل التي تواجهنا، شخص يملك شركة تنتج مركبات وصواريخ يستخدمها في أبحاثه وأحلامه لاحتلال الفضاء، وربما هذا تحديدًا ما يعطيه شخصيته المميزة لدى كثير من متابعيه. وربما يمثل لدى كثير منهم اليوتوبيا المستقبلية على كوكب المريخ!

الحالة المحيرة للسيد إيلون ماسك!

إيلون ماسك

قبل أسابيع قليلة من تحول إيلون ماسك ليصبح أغنى شخص في العالم، بفضل ارتفاع قيمة أسهم شركته تسلا، هاجم الملياردير ورجل الأعمال الطبيعة المتقلبة لأسواق البورصة العامة. وقال في مقابلة مع موقع Business Insider في شهر ديسمبر: "سوق الأسهم شيء غريب. إن الأمر يشبه أن يحدثك شخص مجنون مصاب بالهوس باستمرار عن قيمة شركتك. أحيانًا يكون يومهم جيدًا، وأحيانًا يكون سيئًا، لكن تظل شركتك في الأساس كما هي. الأسواق العامة جنونية".

بعد شهر واحد فحسب، اقتحم السيد إيلون ماسك واحدة من أكثر الأحداث الدرامية في سوق الأسهم منذ سنوات، وهي معركة بمليارات الدولارات على أسهم شركة الألعاب جيم ستوب GameStop، والتي تدور رحاها بين نخبة المستثمرين ورجال الأعمال بصناديق التحوط الخاصة بهم وبين صغار المستثمرين الذين يتواصلون على موقع Reddit.

وبينما ارتفعت أسهم شركة GameStop بشكل جنوني، وضع إيلون ماسك تغريدة من كلمة واحدة على حسابه بمنصة تويتر: "Gamestonk!!" وشارك رابط لمجموعة wallstreetbets على موقع Reddit الذي بدأ منها كل شيء. وهنا بدأ يُنظر إلى رسالة ماسك على أنها دعم من نوع ما من أحد أقوى الشخصيات على شبكة الإنترنت لمناصرة الصغار والحشود الغاضبة، وفي الأيام التالية، قام مزيد من المستثمرين برفع سعر أسهم GameStop إلى مستويات أعلى، لتستمر خسائر الأغنياء بالمليارات.

https://twitter.com/elonmusk/status/1354174279894642703

حسنًا، تشعر أن ذلك المشهد الملحمي صُمم خصيصًا لشخصية السيد إيلون ماسك على الإنترنت. شخصية مثيرة للجدل للغاية، وتثير تناقضات ضخمة؛ في مرة ستجد أنه بطل رأسمالي تظهر صورته على أشهر المجلات وفي الخلفية سيارة من تسلا أو صاروخ من سبيس إكس. شخص مؤثر على تويتر يملك 44 مليون متابع، يتحدث كرئيس تنفيذي لشركتين من أضخم الشركات لكن بشجاعة لا يحلم بها معظم قادة الشركات الكبرى حول العالم.

ومرة أخرى، ستجد أغنى رجل في العالم هو أيضًا، بطريقة ما، بطل شعبي لحشود الجماهير التي تهتف وتقاتل ضد المؤسسات والشركات العملاقة، بل ويؤجج مشاعر تلك الجماهير الرقمية بتغريدة واحدة من حسابه، ويقلب سوق الأسهم والبورصة بمجرد ذكر اسم الشركة!

اقرأ أيضًا: ماذا يحدث؟ كيف هدد GameStop الإقتصاد الأمريكي في يوم وليلة!

إيلون ماسك.. كأي "إنفلونسر" يحترم نفسه!

إيلون ماسك

الشخصيات المؤثرة في عالم الاقتصاد والتي تؤثر تصريحاتها على مصير الشركات وأسهم البورصة ليست بالأمر الجديد؛ التعليقات التي أدلى بها رجل الأعمال ج.بي. مورجان، الذي كان يملك أكثر البنوك في وقته، منذ أكثر من 100 عام، كان يمكنها أن تحرك الأسواق حينها. ولا تزال تصريحات عملاق الاستثمار الأمريكي وارن بافيت تساعد العديد من المستثمرين، مما أكسبه لقب "عرّاف أوماها" وهي المدينة التي يعيش بها.

لكن بالنسبة للسيد إيلون ماسك، تشعر أنه يقصد خلق نوع من الشخصية الخارجة عن القانون والمألوف، خاصةً على حسابه على تويتر! وفي مشهد مفتت وتشوبه الصراعات والحروب الرقمية، أتقن إيلون ماسك فن استخدام التكنولوجيا الجديدة لإثارة الأمور أكثر وأكثر!

بينما يعتمد رجال الأعمال العمالقة، مثل مؤسس أمازون جيف بيزوس، على سابقة أعمالهم وإنجازاتهم لتتحدث عنهم، إلا أن السيد إيلون ماسك ربما يكون أكثر نرجسية، ويبحث عن الاهتمام ولفت النظر، لأنه يعلم كيف تعمل وسائل التواصل الاجتماعي، كأي "إنفلونسر" يحترم نفسه!

خوارزميات تويتر تحب الردود المكونة من كلمة واحدة والتي تشعل غضب وحماس الجماهير، وإيلون ماسك أصبح يتقن هذا النوع من الردود، ببساطة السيد إيلون ماسك يعرف كيف يتحدث جيدًا بلغة الإنترنت!

لا يتعلق الأمر بدخوله إلى حرب GameStop والصراع الحالي مع صناديق التحوط، لأن ذلك يبدو أكثر شيء مبرر في الأحداث الأخيرة التي أثارها إيلون ماسك، على خلفية مراهنة تلك الصناديق على خسارة شركته تسلا خلال السنوات الماضية، رغم أنهم خسروا ما يقدر بنحو 38 مليار دولار، بسبب ارتفاع سهم تسلا.

لكن قبلها مثلًا، وأثناء اشتعال وسائل التواصل الاجتماعي على تطبيق واتساب، وتعديل قوانين الخصوصية ومشاركة بيانات أكثر مع فيسبوك، تدخل السيد إيلون ماسك ليكتب تغريدة من كلمتين: "استخدموا سيجنال"، في إشارة لمتابعيه باستخدام تطبيق سيجنال بدلًا من واتساب، بهدف حماية الخصوصية.

https://twitter.com/elonmusk/status/1347165127036977153

الغريب حينها كان ارتفاع أسهم شركة Signal Advance وهي شركة لم يسمع بها أحد من قبل، ولكن لمجرد أن بها كلمة سيجنال، وبما أن إيلون ماسك قد ذكر اسم التطبيق فمعنى هذا أنه سيساهم فيه بشكل ما، وهو ما يؤدي بالتبعية لارتفاع أسهم شركة سيجنال. لكن كانت المفاجأة بالنسبة لمن قام بشراء أسهم تلك الشركة أن تطبيق سيجنال الذي تحدث عنه ماسك خاص بشركة غير ربحية وليست مسجلة في البورصة من الأساس!

وهذا ما حدث أيضًا مع شركة Etsy عندما ذكرها ماسك، أو مع بيتكوين عندما أضاف اسم العملة إلى الجزء التعريفي لديه على حسابه بمنصة تويتر. وهنا تكمن المشكلة، وهي الاندفاع وراء ما يقوله ماسك بدون تفكير أو اعتباره رجل اقتصاد محنك أو أنه بمجرد أن يذكر اسم شركة فسوف يشتري أسهم بها!

إيلون ماسك.. رجل أعمال يعرف ما يتحدث عنه؟

تيسلا Tesla إيلون ماسك

في صيف 2018، غرّد إيلون ماسك بأنه يفكر في تحويل شركته تسلا إلى شركة خاصة وأعلن أنه حصل على تمويل لمثل هذه الصفقة. وفي المقابل، ارتفع سعر سهم الشركة لدرجة أن بورصة ناسداك أوقفت التداول على السهم تمامًا لفترة من الوقت.

بعد ذلك، حاول مجلس إدارة تسلا إصلاح الأمر، وأوضح أن ماسك تحدث إلى صندوق الثروة السيادية في السعودية بشأن بعض التمويل المحتمل، لكن ذلك لم يكن كافيًا، لأن لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية رفعت دعوى قضائية على إيلون ماسك بتهمة تضليل المستثمرين بتغريدته، وفي سبتمبر توصل الطرفان إلى تسوية، تطلبت من ماسك التنحي عن كرسي الإدارة في شركته تسلا، ودفع 40 مليون دولار كغرامات، واستعانت الشركة بمحامٍ لمتابعة ومراجعة تصريحات ماسك بما في ذلك تغريداته. وخلال العام الماضي ومع ارتفاع أسهم شركته، غرّد أن "سعر سهم تداول الشركة كان مرتفعًا جدًا"، وتغريدة أخرى ذكر بها أنه سوف يبيع كل ممتلكاته المادية تقريبًا، وأن صديقته غاضبة منه للغاية! وبسبب تلك التغريدات خسرت الشركة ما يقدر بنحو 14 مليار دولار من قيمتها السوقية بعد نزول سعر السهم.

https://twitter.com/elonmusk/status/1256239815256797184

وفي بعض الأحيان، انتقد السيد إيلون ماسك وسائل الإعلام، مما دفع أتباعه لمهاجمة خصومه بشراسة؛ ففي عام 2018 أيضًا، استخدم تويتر لانتقاد عدد من المنافذ الإعلامية الشهيرة، بما في ذلك رويترز وCNBC، ووجه هجمات شخصية على مراسل Business Insider الذي تعرض بعد ذلك للمضايقات من قبل جحافل أتباع السيد ماسك. وغير ذلك كثير من المواقف والأمثلة التي تدل على تهور إيلون ماسك، وعدم اهتمامه بالقوة التي يملكها على وسائل التواصل الاجتماعي!

لذا لا يبدو أن السيد ماسك يعرف ما الذي يقوله تحديدًا، وكل ما يحاول فعله هو استغلال التريند واستخدام قوته على وسائل التواصل الاجتماعي، كأي "إنفلونسر" يحترم نفسه أيضًا! لكن ربما ما جعله يؤثر هذا العام تحديدًا على أسهم الشركات وسوق البورصة هو ارتفاع سهم شركته تسلا الجنوني، والذي جعله أغنى شخص في العالم في غضون عام واحد فحسب!

الأسواق الآن في حالة من عدم اليقين والتخبط، بسبب الأزمات الاقتصادية الحالية، والإغلاقات التي سببها الوباء، رغم ذلك نرى إيلون ماسك يصعد إلى المرتبة الأولى، وأسهم شركته ترتفع حتى كادت تصل إلى المريخ نفسه! لذا، مع كل تلك الظروف، من المتوقع أن يصدق البعض أن ماسك يعرف ما الذي يفعله، وأنه إذا كتب اسم شركة على حسابه في تويتر، فلابد أنه سيستثمر بها، وهي رهان ناجح بكل تأكيد!

لا شك أن إيلون ماسك من الشخصيات المؤثرة حاليًا بوجه عام، سواءً على وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت، أو حتى في الحقيقة، حتى لو لم تظهر منتجاته في حياتنا اليومية. لكن كل هذا لا يمنع أنه يسعى دائمًا للفت الانتباه، وخطف "اللقطة" من الأحداث، ولكن لا يجعله هذا من يصنع الحدث أو يملك دورًا هامًا به، في النهاية هو مجرد رد فعل لكل هذا، كأي "إنفلونسر" يحترم نفسه أيضًا!