فيسبوك.. من شبكة اجتماعية إلى "آلة نهاية العالم"!
آلة نهاية العالم.. لم يكن من المفترض أن توجد مثل تلك الآلة.. من المفترض أن تكون مجرد تجربة فكرية..
تخيل جهازًا صُمم لغرض واحد فحسب، وهو تدمير كل أشكال الحياة على كوكب الأرض.. لنفترض الآن أن تلك الآلة مدفونة داخل أعماق الأرض، ولكنها تتصل بجهاز كمبيوتر يتصل بدوره بأجهزة استشعار تنتشر في المدن والبلدان بجميع أنحاء العالم.
صُممت تلك المستشعرات لاكتشاف علامات نهاية العالم، لكن ليس لمنع تلك النهاية الوشيكة، بل للتأكد من اكتمالها!
فمثلًا، إن كانت مستويات الإشعاع تشير إلى حدوث انفجارات نووية في ثلاث مدن كبرى في وقت واحد، فإن المستشعرات تُرسل إنذارًا إلى "آلة نهاية العالم"، لتقوم بتفجير عدة رؤوس حربية نووية ردًا على ذلك..
في تلك المرحلة، لا مجال للعودة.. يبدأ تفاعل الانشطار النووي المتسلسل الذي ينتج عنه انفجار نووي هائل يكفي لإنهاء كل أشكال الحياة على الكوكب الأزرق.. وميض ضوء رهيب.. ضوضاء مدوية عظيمة.. ثم طنين مستمر.. هل هناك كلمة تصف حجم الدمار الذي ستطلقه آلة نهاية العالم؟
ربما.. "الموت الهائل" “Megadeath”!
ليس كل هذا الموت وحده ما يجعل آلة "نهاية العالم" مرعبة.. الرعب الحقيقي يكمن في استقلاليتها، فكرة أنها تمت برمجتها لاكتشاف سلسلة من المدخلات البيئية، ثم تعمل وتقرر إنهاء الأمر دون تدخل بشري..
في كتابه "حول الحرب النووية الحرارية"، عام 1960، وضع الخبير العسكري هيرمان خان النظرية الافتراضية لآلة "نهاية العالم"، وكان المفهوم حينها هو إظهار أن الحرب النووية لن ينتصر بها أي شخص، وبالتالي لا يمكن تصور حدوثها!
لقد صنع السوفييت بالفعل نسخة من آلة "نهاية العالم" خلال الحرب الباردة، أطلقوا عليها اسم "اليد الميتة".. لكن حتى الآن، وبأعجوبة، اكتشفنا كيفية التعايش مع القنبلة، كما أشار ستانلي كوبريك في فيلمه "Dr. Strangelove".. والآن، يبدو أننا بحاجة إلى تعلم كيفية البقاء على قيد الحياة على شبكات التواصل الاجتماعية..
فيسبوك.. من شبكة اجتماعية إلى "آلة نهاية العالم"!
يميل معظمنا إلى الشكوى من فيسبوك كما لو أن شيئًا ما قد تخثّر مؤخرًا وظهرت رائحته الكريهة.. هناك فكرةً مفادها أن الشبكات الاجتماعية كانت مفيدة في يوم من الأيام، أو على الأقل كانت من الممكن أن تصبح أفضل، ربما بقليل من التنظيم والقوانين ومكافحة الاحتكار، لكن تلك نظرة متفائلة للغاية، لأن تصميم تلك الشبكات الاجتماعية اليوم، وعلى رأسها فيسبوك، يشجع الأشياء التي تجعلها ضارة للغاية.. هذا الأمر محفور بعيدًا جدًا داخل هيكلها الأساسي..
في السنوات الأخيرة، مع تفاقم أخطاء فيسبوك وتراجع سمعته، أصبح من الواضح أن الإهمال ليس سوى جزء من المشكلة.. لا يوجد شخص، ولا حتى مارك زوكربيرج نفسه، يمكنه التحكم في المنتج الذي صنعه.. ويبدو أننا سندرك شيئًا فشيئًا أن فيسبوك لم تعد مجرد شبكة اجتماعية.. إنها "آلة نهاية العالم"..
الشبكات الاجتماعية تنفذ ما صُنعت من أجله بالضبط.. لا تحاول خوارزميات فيسبوك البحث عن الحقيقة وإظهارها، أو محاسبة المخطئ، أو تمثيل مصالح مستخدميها.. كانت المهمة الأولى للشركة هي "منح الأشخاص القدرة على المشاركة وجعل العالم أكثر انفتاحًا وتواصلًا"، لكنها بدلًا من ذلك أخذت مفهوم "المجتمع" واستنزفته من كل المعاني الأخلاقية!
في مرحلة ما، قررت فيسبوك أنها لا تحتاج إلى قاعدة مستخدمين كبيرة جدًا، بل إلى قاعدة هائلة بحجم غير مسبوق على مستوى العالم.. هذا القرار وضع فيسبوك على طريق الإفلات من سرعة الجاذبية، إلى درجة أنها يمكن أن تسبب الضرر للمجتمع بمجرد وجودها فحسب!
هل ترى أن المقارنة بـ "آلة نهاية العالم" غير عادلة؟
ربما هذا صحيح؛ لا يمكن لـ فيسبوك مثلًا أن تحول مدينة إلى أنقاض كما تفعل القنبلة النووية.. لكن هذا الحجم الهائل يمثل تقريبًا التهديد الوجودي الذي يمثله "الموت الهائل".. لا ينبغي أن تملك أي آلة القدرة على التحكم بمصير سكان الكوكب بهذا الشكل.. وهذا ما صُممت من أجله "آلة نهاية العالم" وفيسبوك!
الانتشار والمشاركة بأكبر قدر ممكن يمثلان قيمة مهمة للغاية بالنسبة لشبكات التواصل لأنهما يمثلان قيمة للمعلنين.. وتؤدي هذه الحوافز إلى تنفيذ خيارات التصميم التي تجذب المستخدم أكثر، مثل أزرار التفاعل التي تشجع المستخدمين على المشاركة بسهولة وكثيرًا، والتي بدورها تشجعهم على مشاركة أفكار مثيرة أكثر للجدل وتحفز استجابة قوية للآخرين..
في كل مرة تضغط فيها على زر تفاعل داخل فيسبوك، أو يوتيوب أو باقي الشبكات، تسجله خوارزمية، وتشحذ صورتها عنك.. الاستهداف المفرط للمستخدمين، الذي أصبح ممكنًا بفضل أطنان من بياناتهم الشخصية، يخلق بيئة مثالية للتلاعب، من قبل المعلنين والحملات السياسية ومن يقدم المعلومات الكاذبة والمضللة، وبالطبع من فيسبوك نفسها التي تتحكم فيما تراه وما لا تراه على الموقع بنهاية المطاف..
اقرأ أيضًا: عاركني: لماذا تتقاتل أبل وفيسبوك حول خصوصيتك؟
تحت رحمة خوارزميات التواصل الاجتماعي!
في الأيام التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام الماضي، قرر مارك زوكربيرج تعديل خوارزمية فيسبوك بحيث تحصل مصادر الأخبار عالية الدقة على أفضلية الظهور في صفحات المستخدمين الرئيسية على الموقع، مع دفن الصفحات شديدة الحزبية والتطرف، وفقًا لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز، وهو ما يقدم دليلًا واضحًا على أن فيسبوك يمكنها، إن أرادت، تقليل انتشار المعلومات المضللة والكاذبة، ويقدم دليلًا أكبر على أن فيسبوك تملك القدرة على التحكم وتغيير ما يراه المليارات من الأشخاص على شبكة الإنترنت!
المشكلة أن هذا القرار لم يكن سهلًا بالنسبة لـ فيسبوك، فكر في الأمر بهذه الطريقة: اكتشفت مستشعرات آلة نهاية العالم شيئًا ضارًا في البيئة واختارت عدم السماح لخوارزمياتها بتفجيره تلقائيًا على الإنترنت كالمعتاد.. هذه المرة تدخل الإنسان لتخفيف الضرر..
المشكلة الوحيدة هي أن الحد من انتشار المحتوى الذي يصفه فيسبوك بأنه "ضار للعالم" يقلل أيضًا من تفاعل الأشخاص مع المنصة.. وهنا اضطرت الشبكة أن تضبط تدخلها البشري بحيث يبقى جزءًا من المحتوى الضار يظهر في صفحات المستخدمين ويكفي لعودتهم والبحث عن المزيد!
في النهاية، إن حاولت البحث عن بديل مناسب، فلن تجده للأسف.. ببساطة، لأن فيسبوك قررت أن تقضي على أي منافس لها في مجال التواصل الاجتماعي!
نحن نخشى أن تكون نهاية العالم بسبب تطور الذكاء الاصطناعي، وربما سيطرته على كوكبنا، لكننا الآن وبالفعل تحت رحمة تلك الخوارزميات، على الأقل من جهة تحكمها وسيطرتها على المحتوى!
لا نعرف ما الذي سيحدث في المستقبل.. لكن نتمنى ألا تتحول شبكات التواصل الاجتماعي إلى "آلة نهاية العالم"..
?xml>