لماذا قد تدمر السنوات القادمة في صناعة الألعاب السنوات الماضية في الرسوميات؟
الإبداع صفة تأتي بعد العمل الشاق، أو تأتي بموهبة. موهبة بنيت على قدرات لم نكن نتخيل أن نراها في وقتها، ولا كنا نتخيل أن نراها تطور لتصل إلى ما رأيناه في وقتنا الحالي من ثورة في عالم الرسوميات التي تبدأ من يد رسام الشخصيات على لوحة الجرافيكس الخاصة به ليعطي الحياة لبعض الأشكال ثلاثية الأبعاد لينتهي الأمر بها لتعمل تحت معالجات أخرى تتم من قبل الـ GPU الخاص بك داخل الكمبيوتر أثناء تشغيلك مختلف الالعاب في عامنا هذا.
الإبداع الذي ازدهر في الجيل الأخير والذي قبله في الألعاب لم يدع لنا أي شيء جديد لكي نراه، بدأ الأمر بالنظر في أعين وتعبيرات وجه الشخصيات في لعبة مثل LA Noire لكي نعلم ما إذا كانت الشخصية على حق فيما تقوله أثناء التحقيقات التي تحدث في وسط القصة الشهيرة للعبة حتى ينتهي بمظهر Arthur Morgan في لعبة Red Dead Redemption 2 -التي ستصدر للحاسب الألي في الشهر القادم- لكي نرى تأثره بالأحداث التي تجري في اللعبة حتى لو لم يكن مقطع سينمائي.
ثم جائت تقنيات تحسين الصورة وتقريبها للواقع عن طريق تقنيات تتبع الضوء التي طورتها NVIDIA لكي تقوم بمحاكاة الضوء الحقيقي لكي تعطي صورة أفضل للمشهد بشكل عام على صعيد ما يحيط الشخصية والمشهد السينمائي في اللعبة، لكن هذه ليست تطوير للرسوم مثل ما هي تطوير ليخدم المنظر العام لتقريب اللعبة إلى مرحلة الواقعية التي تجلبها التجارب السينمائية على صعيد الأفلام التي تحتوي على أشخاص حقيقيين مثل فيلم Once Upon a Time in Hollywood أو أفلام الرسوم المتحركة مثل Toy Story 4 التي تحتاج إلى سنوات من أجل رندرة رسومياتها، وفي النهاية تخرج كفيلم عادي جداً تشغله على أي GPU لأن الأمر لن يختلف نظراً لأن هذا مقطع مرندر مسبقاً.
إختراق حاجز الزمن لا يحدث إلا في عوالم الالعاب
كل ما قلناه كان مجرد نظرية العمل على رسوميات أي لعبة وأخر صيحاتها، لكن الناتج النهائي يعود لجهاز الكمبيوتر الذي سيقوم بتشغيلها. هذه هي الحقيقة التي لا يغفل عنها أي لاعب نظراً لوجود قدرات جيدة لرندرة رسوميات دقيقة مع وجود معالجات متعددة النواة بأداء عالٍ في الأسواق مثل معالجات الجيل الثالث من AMD Ryzen أو مع وجود بطاقات قادرة على رندرة الرسوميات بأضوائها الخلابة مثل بطاقات NVIDIA RTX، وأفضل مثال يمكننا الحديث عنه اليوم هو لعبة مثل Cyberpunk 2077 التي تمتاز برسوميات قوية لمحاكاة أضواء الليل في المدينة.
لكن دعونا نتكلم بحقائق، التطور سيقف عند نقطة ما في الأغلب لن يستطيع عبرها لسبب ما. حتى لو قلت لي أن Red Dead Redemption 2 ما هي إلا محاكاة للواقع مثلها مثل Grand Theft Auto V وأن العالم أجمع يجتمع على أن الرسوميات صارت واقعية بشكل صعيب لا يجعلنا نستطيع التفريق بينها وبين الواقع، فلن أوافق على هذا الأمر.
إذا قلت لي أن إضاءات الـ RTX التي تعمل على سلسلة RTX GPU هي المستقبل، فأتفق معك في أنها هي المستقبل، لكن هذا المستقبل أيضاً له حدود لا يمكن كسرها. حدود الواقع التي تفصل بين مجرد رسمة وبين الواقع. عندما تحدثني عن الواقع حدثني عن فيزيائيات متكاملة لا يمكن محاكاتها في لعبة، حدثني عن صورة لنفسي مرسومة من قبل رسام لشخصيات الالعاب وضعها بجنب صورتي ودعني أحدد عن ما إذا إستطاع رسمة كاملة لي وأرسلها إلى أحد المسئولين عن تحريك النماذج بداخل الالعاب ليحاكي حركاتي.
الإنسان إنسان والرسمة….رسمة؟
مع الأسف، سيفشل. هذا أمر غير قابل للنقاش لأنك لا تستطيع محاكاة الواقع، شعلة الإنسانية التي تظهر على وجوهنا حينما نرى ما يفرحنا وما يزعجنا لن تحاكيها بطاقة GPU ولن تقوم لعبة بمحاكاة فيزيائيات الإنفجار بشكل كامل مثل ما نرى في Grand Theft Auto V عندما تضرب صاروخاً في مبنى يظل صامد ولا يتحرك. بالطبع ستقول لي أن الأمر موجود في Battlefield 4 وسأرد عليك قائلاً: هل ستقارن خريطة Los Santos بخريطة Siege of Shanghai؟ وسأرد لك، لا بالطبع سيدي! حتى كل المباني لم تكن قابلة للإنفجار من الأساس في هذه الخريطة. وإن حدث هذا، فقل على الـ GPU خاصتك السلام كما نقول في مصر.
لكنني لست بعالم لكي تصدقني، لست بعالم أو بمطور لألعاب الفيديو، أنا مجرد كاتب يعطيك الخبر والفكرة ويجعلك تعلم المزيد عن التقنية يوماً بعد ما. هذه هي مهمتي، ولكني سأترك النظرية للبروفيسور Masahiro Mori الباحث في الروبوتات، والذي تحدث عن هذه الظاهرة التي تسمى بالوادي الغريب في العلم.
في وصفه، والذي جاء في القرن الماضي، أن تطويرات الإنسان لكل شيء تبدأ بالاقتراب من الواقعية، لكن كل ما سيعطلها هو الأخطاء الصغيرة التي ستكون أزمة. يظهر الأمر في شخصيات ألعاب الفيديو التي تبدو واقعية إلى حدٍ ما، لكنها ليست حقيقية بالشكل الكافي. أنت بعيد كل البعد عنها، وهذا ما يميزك كإنسان. ما يميزك أنك فريد من نوعك ولا يوجد أي شيء مثلك، هذا أمر يدعوك للسرور لأن 10 بطاقات من RTX 2080Ti لن تستطيع أن تصل لمرحلتك يا سيدي!
ما الذي يزال عائقاً أمام رسوميات البشر في الالعاب :
هناك لحظة ما من النشوة تأتيك عندما ترى Keanu Reeves وهو يقول لك "إنهض يا ساموراي" في Cyberpunk، هذا هو جون ويك الذي تراه في الأفلام! نفس الشكل، لكن هذه اللحظة تذهب بعد لقطة ما كان من المراد أن تحظى بإهتمامك. تلك اللقطات تتكرر في ألعاب مثل Uncharted عندما ترى Nathan Drake في أزمة من أمره فيبدأ بالجز على أسنانه عند فعله عمل شاق ما قد تتوقف حياته عليه، ولكنك لن ترى لقطة مماثلة لها إلا بعد ساعات من اللعب.
من إحدى الأزمات هي صعوبة محاكاة الجلد، لأن الجلد يقوم بإستقبال الضوء من الطبيعة ثم يقوم بتوزيعه حول أول مليمترات من الجسد لوجود الضوء. ثم يقوم هذا الضوء بالخروج من الجسد بلون ما قد تعرض له، مثل لمبات الأفراح "البلدي" التي يتم تغطيتها بأوراق بلاستيك لونها أحمر -لا شك أنها تنفجر في النهاية- لكي تعكس اللون الأحمر. لكن في الالعاب، بدأ تطوير هذا الأمر من فترة ليست بقريبة في محاولة ما من NVIDIA للعمل على هذه الفكرة أيضاً.
الشعر هو الأزمة الثانية، الأزمة التي تحتاج إلى محاكاة حركة أكثر من 110 الف جسم في أنٍ واحد لمحاكاة حركة الشعر بشكل واقعي حتى لا يبدو وكأنه قطعة من البلاستيك المطاط التي ترتج فوق جسد الأندرتيكر وأنت تلعب WWE 2K20 أو شعر لارا كروفت وهي تقفز من فوق جبل ما.
بالتأكيد لن يتم وضع شخصيات صلعاء في اللعبة بشكل كامل حتى يتهرب المطور من هذا الأمر، لا تفكر أرجوك في هذا الأمر لأنه لن يحدث إلا إن كنت معبد شاولين في لعبة في الصين(فكرة جيدة، أليس كذلك؟).
الأزمة الثالثة هي حركة العين، والتي تغنى فيها محمد منير من كثر تفاصيلها التي تعطي العديد من الأحاسيس في الحية قائلاً: "عنيك حلوين هاديين صافيين مليانه حنين حنين بيخطفني.". لم يفني محمد منير أوقاته في أستديو ما ليغني هذه الأغنية لأن العيون لا تقوم بإعطاء وتوصيل أحاسيس الشخصية. فالعيون في حد ذاتها وسيلة تواصل بين البشر لا يمكن أن تقلل من أهميتها في أي شيء.
تأتي الأزمة بسبب تفاعل العين مع الضوء، والذي من الصعب أن تحاكي إنعكاسات الضوء وتوزعه بداخل عدسة العين، وهذا إختبار لتقنيات تتبع الضوء التي من الممكن أن تكون قادرة على محاكاة هذا الأمر في الالعاب القادمة.
أستنصف التقنيات الرسوميات "الواقعية" في المستقبل مع وحدات الـ GPU الجديدة؟
هذا سؤال في علم الغيب، لكن نتوقع أننا في مرة من المرات أنه في يوم من الأيام قد نرى عيناً كاملة تعكس أحاسيس شخصية من شخصيات الالعاب لكي نفهم أحاسيسها من نظرتها مع ضوء الشمس الذي سينعكس من عليها. من الممكن أن نرى نظام من أنظمة الذكاء الإصطناعي ليحاكي الأحاسيس بداخل الالعاب لنحس ما تحسه الشخصية من حزن أو سعادة.
لكن هل سنرى في يومٍ من الأيام مقطع من لعبة لا نستطيع التفرقة بينه وبين الحقيقة؟ سيكون هذا الأمر صعب للغاية، صعب لدرجة أن Tim Sweeny، أحد مؤسسي Epic Games، قال أنه من الممكن أن يحدث هذا بعد عشرة سنوات لأننا بعيدين كل البعد عن الواقعية في الصور في مجال الرندرة.
الفكرة في الأمر أنه سيستهلك وقت كبير لتحليل كل إطار تظهر فيه الصورة، مما يجعل لعبة من طراز AAA تأخذ سنوات طويلة للغاية لكي تخرج بالشكل الذي نتوقعه في العشر سنوات القادمة -أنا لا أحدثك يا Duke Nuke'em- لأن صناعة الالعاب تختلف بشكل كبير عن صناعة الأفلام، لأن هذه اللقطة تظهر مرة واحدة في سياق تم رندرته على مدى سنوات طويلة.
الفكرة أن الصناعة لازالت بعيدة كل البعد عن الواقع، فيا ترى هل سنعيش لكي نرى تطور في الواقعية على قطع الـ GPU ونظرنا ما زال بسلامته؟ نتمنى هذا! وبالطبع سنكون أول من يعلق على هذا الأمر، فنحن لن نذهب إلى أي مكان إلا عرب هاردوير.
?xml>