محركات الأقراص الصلبة HDD بين الحاضر والمستقبل، إلى أين ؟
بالرغم من أن تقنيات مُحركات الأقراص الصلبة أو ما يُعرف بالـ HDD وهي إختصار لكلمة Hard Disk Drive ظهرت بمفهومها الحالي منذ ما يقرب النصف قرن من الزمان، إلا أن عمليات تخزين البيانات بشكل تقني بدأت منذ ما يزيد عن القرنين من الزمان. فقد كانت الثورة الصناعية هي في الحقيقة الفترة الأولى التي بدأ فيها العالم في غرس بذرة عمليات التخزين الميكانيكي للنور، وهو ما أدّى بعد ذلك بمرور الوقت لظهور المفاهيم الأساسية التي تم على أساسها بناء وحدات التخزين التي نراها اليوم.
وحتى يكون السرد أكثر سلاسة، دعني آخذك عزيزي القارئ في رحلة بسيطة للماضي، وتحديداً في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، حيث إنتفض العالم ليتخلص من نمط الحياة التقليدي ويُشيح بناظره عن نظام الحياة المُعتمد على الزراعة بشكل رئيسي. ولأن الثورة الصناعية برُمّتها ليست مجال حديثنا اليوم، فسنُركّز حديثنا عن الأمر الخاص بنا هذه المرة فحسب، إلا وهو البطاقات الورقية التي قام بإختراعها عالم فرنسي يُدعى Basile Bouchon ، والذي ساعد في أتمتة النول الذي ينسج الحرير ، مما يجعل عملية التصنيع أكثر قابلية للتكرار.
ومع مرور الأيام وبعد حوالي 80 عامًا، تعود فرنسا للساحة، حيث أنتج فرنسي آخر وهو جوزيف ماري جاكارد ، آلة تستخدم البطاقات المُثقبة للتحكم في أنوال حياكة الحرير وجعل الأنماط المعقدة أسهل في التركيب. وفي الحقيقة، فقد أثبت ابتكار البطاقة المثقوبة أو الـ Punched Cardsقيمته بمرور الوقت. ففي ثمانينيات القرن التاسع عشر على سبيل المثال، طور الأمريكي هيرمان هوليريث طريقة لاستخدام البطاقات المثقبة لتخزين البيانات التي تم استخدامها في حساب تعداد السكان في الولايات المتحدة لعام 1890. تم استخدام البطاقات جيدًا أيضاً في القرن العشرين للتحكم والأتمتة الأساسية في أجهزة الحوسبة الأولى.
إقراً أيضاً : مصطلحات تقنية: وحدات التخزين.. القطعة التي لا يُمكنك الاستغناء عنها!
وفي الواقع ، فلقد ساعد ابتكار هوليريث في تأسيس شركة International Business Machines (IBM) العريقة، وهي شركة حددت توجّه عالم الحوسبة برُمّته على مدى عقود. في الواقع ، في عام 1956 ، كانت شركة IBM هي التي ابتكرت تقنية محركّات الأقراص الثابتة ، مع حاسوبها RAMAC أو"Random Access Method of Accounting And Control" والذي قدم مساحة تخزين بيانات تبلغ 5 ميجابايت يتم تشغيلها بواسطة مجموعة ضخمة من الأجهزة، والذي كان بشكل أساسي موجّه لخدمات القوات الأمريكية.
ومع استمرار شركة IBM في الابتكار باستخدام تقنية HDD في العقود التالية ، قامت شركة Seagate العملاقة للتخزين ، التي أسسها Al Shugart في أواخر السبعينيات ، برفع مستوى إنتاج محركات الأقراص الصلبة ، وسرعان ما أصبحت أكبر مُنتج عالمي مستقل لمحركات الأقراص الثابتة. ولعل الأهم من ذلك هو الذكرى الذي تركتها وسيلة التخزين الأولى، حيث أن البطاقة المثقوبة المتواضعة كانت تلقي بظلالها دائماً على كل هذه الابتكارات. فقد كانت طريقة البطاقة المثقوبة في التعامل مع البيانات هي التي أدّت بعد ذلك إلى إختراع النظام الثنائي Binary system من الآحاد والأصفار التي تم على أكتافه بناء الحوسبة الحديثة وتطوير تقنيات القراءة / الكتابة المركزية لتاريخ محركات الأقراص الثابتة.
التطورات التي حدثت لوحدات التخزين HDD على مر الزمن
استغرق الأمر 51 عامًا قبل أن تصل محركات الأقراص الصلبة إلى حجم 1 تيرابايت (الواحد تيرابايت تساوي 1000 جيجابايت "مجازاً")، وقد حدث هذا في عام 2007. وفي عام 2009 ، وصل أول قرص صلب بسعة 2 تيرابايت من المساحة التخزينية. لذلك ، وبينما استغرق الوصول إلى أول تيرابايت 51 عامًا ، استغرق الأمر عامين فقط للوصول إلى الثانية. ومع تسريع الزمن قليلاً للأمام، وتحديداً لمدة 10 سنوات أي في عام 2019 ، أصبح من الممكن لأكبر محركات الأقراص الصلبة المتوفرة تجاريًا تخزين ما لا يقل عن 15 تيرابايت من البيانات، وفي عامنا الحالي وصل الأمر حتى 20 تيرابايت.
التطورات في الحجم المادي
كان أول محرك أقراص صلبة ، مثل العديد من الابتكارات في مجال الحوسبة ، من شركة IBM. وقد كان يسمى IBM Model 350 Disk File ، ومن ناحية الحجم الخاص به فقد كان جهازًا ضخمًا للغاية. حيث كان يحتوي على 50 قرصًا مقاس 24 بوصة داخل كابينة كانت كبيرة مثل الخزانة أو شيء من هذا القبيل وكانت تتمتع بوزن ثقيل للغاية . وقد كان من الممكن لهذا الهيكل الضخم من وحدات التخزين تخزين 5 ميجا بايت فقط من البيانات !.
وعلى الرغم من استمرار التحسينات في مجال محركات الأقراص الصلبة ، فقد تم إنشاء أحدث الأقراص وفقًا لمفهوم "الأكبر هو الأفضل" في الثمانينيات. حيث كانت محركات الأقراص الصلبة تُستخدم عادةً مع أجهزة الكمبيوتر الكبيرة ، لذا لم يكن هذا أمرًا بالغ الأهمية. حيث كان يتم بالفعل تخصيص غرف كاملة لأجهزة الكمبيوتر. بعد ذلك، طرحت شركة IBM أول محرك أقراص صلبة لكسر حاجز 1 جيجابايت في عام 1980. وكان يُطلق عليه IBM 3380 وويُمكنه تخزين 2.52 جيجابايت( " أي 2.52 مليار حرف من المعلومات" ، وفقًا لشركة IBM) . وقد كانت الخزانة الخاصة بهذا القرص الصلب بحجم الثلاجة تقريبًا، وكان وزنها 550 رطلاً (250 كجم). وقد أتاح للمستخدمين الوصول السريع إلى كمية كبيرة من البيانات ، وذلك بفضل سرعة نقل المعلومات بمعدل ثلاثة ملايين حرف في الثانية.
بعد ذلك وفي أوائل الثمانينيات ، وتحديداً بعد ظهور أول كمبيوتر صغير Altair 8800 ، بدأت محركات الأقراص الصلبة الأصغر حجمًا "الاستهلاكية" المصممة للاستخدام مع أجهزة الكمبيوتر الشخصية التي بدأت في الإنتشار بشكل متزايد (المعروفة الآن باسم أجهزة الكمبيوتر الشخصية) في ذلك الوقت. وقد كانت سعة أقدم محركات الأقراص المثبتة في هذه الأجهزة ، والمتوفر منذ عام 1980 ، هو 5 ميجابايت وكان عامل الشكل هو 5.25 بوصة، وكان يُسمّى (Seagate ST506).
في الصورة التالية يُمكنك رؤية مقدار التغير الحاصل في أحجام محركات الأقراص الصلبة منذ الثمانينيات وحتى اليوم ، بداية من محرك أقراص قديم مقاس 8 بوصات وصولاً إلى 3.5 بوصة و 2.5 بوصة و 1.8 بوصة اليوم.
التغيرات في مساحة التخزين
كان أول محرك أقراص صلبة ((RAMAC 305 والذي أنتجته شركة IBM في عام 1956 قادرًا على تخزين 5 ميجا بايت من البيانات ، والتي كانت كمية هائلة في ذلك الوقت. وقد كان من قبيل الصدفة أيضًا أن هذه كانت أيضاً مساحة أول محرك أقراص صلبة "صغير" بحجم 5.25 بوصة الذي وصل عام 1980. فقد انتقلنا في الفترة التالية لتلك المذكورة من الحاجة إلى غرفة خاصة لوضع محرك الأقراص الصلبة وجهاز الكمبيوتر الخاص بها، إلى غرفة يمكننا وضعها داخل جهاز كمبيوتر مكتبي. وبعد عشر سنوات من هذا التطور، أي في عام 1990 ، كان محرك الأقراص الصلبة "العادي" (مثل تلك التي تنتجها شركة ماكستور) يُمكنه الإحتفاظ بحوالي 40 ميجا بايت من البيانات، مع خيارات أكثر تكلفة قادرة على تخزين أكثر من 100 ميجا بايت.
ومع التقدّم السريع إلى يومنا هذا ، يمكنك الآن شراء محرك أقراص صلبة مقاس 3.5 بوصة مع مساحة تخزين تبلغ 15 تيرابايت، أو حتى 18 تيرابايت. ولتوضيح الزيادة الهائلة في مساحة التخزين التي شهدناها في الـ 38 عامًا الماضية (بشكل أساسي منذ ولادة الحواسيب الشخصية) ، فقد قام موقع pingdom بعمل مُخطط مقارنة جنبًا إلى جنب بين أعوام 1980 و 2010 و 2019. الجدير بالذكر أن هذا المقياس أو الرسم البياني يستخدم مقياس لوغاريتمي، أي أن كل خطوة على المحور Y أكبر بعشر مرات من التي تحتها. لذا فإذا استخدم الرسم مقياسًا خطيًا منتظمًا ، لكانت أعمدة 1980 أقل من ارتفاع بكسل واحد .
وكما ترى ، أصبحت الفجوة بين محركات الأقراص الصلبة العادية مقابل محركات الأقراص الصلبة الأعلى من حيث مساحة التخزين أصغر بكثير مما كانت عليه في الماضي. ومن المثير للاهتمام ، أن كلاً من حلول التخزين الفائق و "العادي" اليوم قد يكون لهما نفس الحجم المادي ، والذي لم يكن كذلك بالتأكيد في عام 1980،ـ حيث لم يعد أحد يُصنّع محركات الأقراص الصلبة بحجم الثلاجة xD . هذا لا يمنع بالطبع أننا لدينا في الوقت الحاضر أجهزة تخزين خاصة بها عدد كبير من محركات الأقراص الصلبة العادية المزدحمة بالداخل ولكنها باهظة الثمن بكل تأكيد.
وبالحديث عن الثمن، دعونا نتكلم أخيراً عن تطور وحدات التخزين من حيث الأسعار...
كما هو الحال دائماً مع أي سلعة نادرة أو جديدة، فقد كانت محركات الأقراص الصلبة الأولى باهظة الثمن وتُستخدم مع أجهزة كمبيوتر كبيرة وباهظة الثمن أيضاً. فقد كان أول محرك أقراص صلبة، وهو IBM Model 350 Disk File الذي ذكرناه في الأعلى ، لم يكن شيئًا يمكنك الحصول عليه كوحدة قائمة بذاتها، بل دعنا نقول أنه لم يكن حتى شيئًا يمكنك شراؤه. وبدلاً من ذلك ، فقد كان يمكنك استئجار كمبيوتر IBM 305 RAMAC الذي يأتي مع 350 Disk File مقابل 3200 دولار شهريًا !!. وبالعودة إلى الخمسينيات من القرن الماضي -وكما هو الحال مع باقي العملات حول العالم- فقد كانت قيمة هذا المبلغ من الأموال أكثر بكثير مما هي عليه الآن.
وبالرغم من ذلك، فقد ظلت محركات الأقراص الصلبة الأكبر والأفضل تمثل عروضًا مُكلّفة، حتى عندما بدأ البيع أخيرًا في عام 1981 بعد بعض المشاكل الأولي في التسليم ، بدأ سعر "ثلاجة" IBM 3380 التي كانت تتوافر بحجم 2.52 جيجا بايت عند 81000 دولار. هذا بالطبع سعر وحدة التخزين فحسب، لذا فأنت لازلت بحاجة بالطبع إلى جهاز كمبيوتر لاستخدامها معه ...
بعد ذلك توافرت أول محركات أقراص صلبة مقاس 5.25 بوصة والتي كانت بحجم 5 ميجابايت (تلك الخاصةبالمستهلكين) في الثمانينيات، وكانت تكلف أكثر من 3000 دولار. وقد إستمرت نفس الأسعار مع محركات الأقراص الصلبة التالية التي كان يبلغ حجمها 10 ميجابايت والتي سرعان ما حلت محل الأولى. وربما يفسر هذا سبب بيع معظم أجهزة الكمبيوتر في البداية بدون محرك أقراص صلبة ، وبدلاً من ذلك فقد اعتمدت على محركات الأقراص المرنة Floppy .
وبمرور الوقت مع زيادة مساحة التخزين ، أصبحت أيضًا أسعار وحدات التخزين معقولة بشكل أكبر. فقد انتقل متوسط تكلفة الجيجابايت - على مدار الثلاثين عامًا الماضية - من أكثر من 100000 دولار إلى بضعة سنتات فقط. فعلى سبيل المثال، محرك أقراص صلبة بحجم 5 ميغابايت من Apple كان يُكلّف 3500 دولار في عام 1981. وهذا يعادل 700000 دولار لكل جيجابايت. في الوقت الحاضر ، ستدفع حوالي 18 دولارًا مقابل 1 تيرابايت من مساحة القرص الصلب. وبالطبع ، قبل 38 عامًا ، لم يكن أحد يسمع عن التيرابايت من الأساس.
نظرة إلى المستقبل
وبالعودة مرة أخرى للوقت الحالي، فإن حلول التخزين القديمة مثل البطاقات المثقبة ليست سوى بقايا أثرية. حيث تتخذ حلول تخزين البيانات الآن أشكالًا عديدة ، بما في ذلك الشريط الممغنط (وليس الورقي) ومحركات الأقراص الصلبة المغناطيسية وأجهزة التخزين من الحالة الصلبة ، وفي العقد الماضي صعود التخزين السحابي ، والذي يستخدم ، حسب الحاجة ، مزيجًا من كل هذه التقنيات .
وعلى الرغم من وجود محركات الأقراص الصلبة لبعض الوقت الآن، إلا أنها مازالت في مقدمة القطيع من حيث التكلفة المنخفضة والتخزين الموثوق به. محركات الأقراص الصلبة هي محركات ذات أداء مُثبت ، وهي أجهزة معروفة ومُقدّرة من الجميع، سواء كبار المسؤولين الماليين أو كبار المسؤولين الفنيين وفرقهم، نظرًا لعائد الاستثمار الراسخ لديهم.
وبالنظر إلى التطورات المستقبلية في هندسة الأقراص الصلبة ، فإن رائدي هذا المجال في الوقت الحالي وهما شركتيّ Seagate و Western Digital (WD) ، يبدوان متحمّسين تجاه تقنية HAMR (التسجيل المغناطيسي بمساعدة الحرارة heat-assisted magnetic recording) . والتي توقّع الكثيرين أن توفّر حلولاً للتخزين قد تصل في وقت ما إلى 100TB من البيانات بحلول عام 2025 (قد تستغرق أكثر من ذلك بقليل).
وبينما في الوقت نفسه تحمل WD شمعة الأمل لتقنية لـ MAMR (التسجيل المغناطيسي بمساعدة أشعة الـmicrowave). وفي الوقت نفسه ، تشير Seagate إلى إهتمامها بتقنية المُشغّل المزدوج dual actuator كوسيلة لتوفير عمليات الإدخال / الإخراج إضافية في الثانية الواحدة، وذلك لتحسين أداء القراءة / الكتابة، والسرعة العامة لوحدات التخزين. ثم هناك أيضاً التوجه الجديد بإعتماد ما يُسمّى بنظام أو تقنية التسجيل المغناطيسي المتشابك (SMR) ، الذي تم استخدامه لزيادة القدرات التخزينية والسرعات الخاصة بوحدات التخزين. ولعلنا نتحدث عن التقنيات المُستقبلية لوحدات التخزين بالمزيد من الإستفاضة في مقال قادم.
لذا فحتى مع التطور الرهيب لوحدات التخزين من الحالة الصلبة من ناحية المساحة والسعر الخاص بها، وفي خضم التطورات في بروتوكول NVMe-oF وظهور الكثير من التقنيات الجديدة الداعمه لها، فإن وحدات التخزين الصلبة التقليدية لا تزال هي المُسيطر من ناحية القيمة السعرية للجيجابايت الواحدة والعمر الإفتراضي أيضاً. إنه بحق لوقت مثير بالنسبة لمحركات الأقراص الصلبة.
?xml>