كيف تتمكن من إقناع الشخص العنيد النرجسي الذي لا يمكن إقناعه، الأمر صعب للغاية لأن بالنسبة للشخص العادي حيث تصبح طرق تفكيرنا عادات لا نزعج أنفسنا بمحاولة تحديثها، ويقودنا الكسل إلى تفضيل الروتين القديم لسهولته على صعوبة العادات الجديدة، نفشل في تحديث المعتقدات التي شكلناها في الماضي لمواجهة التحديات التي نواجهها في الحاضر، ولكن تخيل أن بالإمكان أن تجعل الشخص الأكثر ثقة بنفسه وعنادا ونرجسية يفتح عقله لتقبل فكرتك، هذا ما فعله الأشخاص المحيطين بمؤسس أبل ستيف جوبز، وخلال السطور التالية سوف نتعرف على السؤال المهم كيف تتمكن من إقناع الشخص الذي لا يمكن إقناعه.

 مؤسس أبل ستيف جوبز

ستيف جوبز

يقول آدم جرانت "بعض القادة واثقون من أنفسهم لدرجة أنهم يرفضون الآراء والأفكار الجيدة من الآخرين، وهذا يجعلم يرفضون التخلي عن آرائهم حتى لو كانت خاطئة" وأحد هؤلاء الأشخاص هو ستيف جوبز مؤسس أبل والذي استطاع تحقيق كل تلك النجاحات بفضل المحيطين به الذين استخدموا فن الإقناع لإقناع شخصية مثل جوبز والذي كان يتميز بالعند وعدم تقبل الآراء الأخرى بجانب النرجسية والغطرسة والثقة بالنفس، بتقبل رأي مخالف لرأيه وهذا ما جعل جوبز يبدو هكذا، رجل كان قادر على ثني العالم وفقا لتصوره ولكن الفضل يعود لأشخاص حول مؤسس أبل الذين عرفوا كيف يقنعونه بالرأي الآخر بشكل رائع ليظهر لنا جوبز بالأسطورة التي لن ننساها في عالم التكنولوجيا.

اطلب من شخص يعتقد أنه يعرف كل شيء.. أن يشرح كيف تعمل الأشياء

العقبة الأولى لتغيير وجهة نظر شخص ما هي الغطرسة، لقد واجهنا جميعا قادة لديهم ثقة زائدة، يحاولون أن يظهروا كما لو كانوا على داراية بكل شيء، إذا صرحت بجهلهم فسوف يتحولون للدور الدفاعي ولهذا يرى آدم جرانت أن الطريقة الصحيحة لإقناع هؤلاء من خلال السماح لهم بمعرفة الأشياء التي يجهلونها.

 قبل بضعة سنوات، إلتقي ويندل ويكس الرئيس التنفيذي لشركة كورنينج المعروفة بتصنيع زجاج الهواتف مع ستيف جوبز وكان مؤسس أبل محبطا للغاية بسبب تعرض شاشة الإصدار الأول من الآيفون للخدش بكل سهولة، وكان جوبز يرغب في زجاج متين يمكنه التحمل إلا أن فريقه أخذ عينات ووجد زجاج كورنينج هشا للغاية، وهنا أشار ويكس لإمكانية تطوير شيء مناسب وأفضل ولكن طلب الرئيس التنفيذي لشركة كورنينج من جوبز شخص من أعضاء فريق جوبز الذي يتمتع بالتقنية الكافية لمناقشة مسألة تطوير الزجاج معه وهنا كانت إجابة جوبز بأن خبرته التقنية تكفي.

وعندما شرع جوبز في إخبار ويكس بكيفية صنع الزجاج، بدا واضحا تماما أن ستيف جوبز لا يعرف بكيفية صنع الزجاج القوي الذي لا ينكسر وهنا مشى ويكس إلى السبورة وقال لجوبز دعني أخبرك بعض الأشياء حول الزجاج وبعدها نستطيع أن نشرع في مناقشة حول كيفية تطويره وهنا وافق جوبز وتم استخدام فكره ويكس وفي حدث إطلاق الآيفون، تلقى ويكس رسالة من جوبز سوف تجدونها إلى الآن بمكتبه "لم نكن لنفعل ذلك بدونك".

اسمح للشخص العنيد أن يتولى زمام الأمور

ستيف جوبز

 

العقبة الثانية والتي ستواجهها عند تغيير أفكار الآخرين هي العناد، بمجرد اتخاذ هؤلاء الأشخاص القرار، تتجمد عقولهم ولا تستطيع فعل أي شيء لتغييرهم ولكن يرى آدم جرانت أن بالإمكان جعلهم أكثر مرونة إذا سمحت لهم بتولي زمام الأمور وجعلتهم يشعرون بأنهم المسيطرين على الأمر.

منذ وقت ليس ببعيد، قال جرانت أنه تعرّف على مهندس سابق في شركة أبل يدعى مايك بيل، والذي كان يعرف كيف يلعب لعبة catch مع ستيف جوبز، وفي أواخر التسعينيات، كان بيل يستمع إلى الموسيقى على جهاز الماك الخاص به وكان منزعجًا من فكرة الجهاز من غرفة إلى أخرى، حينها اقترح بناء صندوق منفصل لتدفق الصوت، ضحك جوبز عليه،  وعندما أوصى بيل ببث الفيديو، رد جوبز، "من الذي يرغب في بث الفيديوهات؟"

وأوضح جرانت أن بيل أخبره أن عند تقييم أفكار الآخرين، غالبًا ما كان جوبز يتراجع لتأكيد سيطرته ولفرض هيمنته ولكن عندما كان جوبز هو من يُطلق الأفكار، كان مستعد للتفكير في بدائل آخرى،  تعلم بيل أن يزرع أفكار جديدة، على أمل أن يتقبل جوبز الأمر ويعطيه الموافقة.

إقرأ أيضا : نهاية صناعة الإعلانات الرقمية بفضل أبل

ولعل نجاح بيل يرجع إلى ما أظهرته الأبحاث، حيث أن طرح الأسئلة بدلاً من إعطاء إجابات يمكن أن يتغلب على دفاع الناس. أنت لا تخبر رئيسك في العمل بما يفكر فيه أو يفعله؛ أنت تمنحه بعض التحكم في الحوار وتدعوه لمشاركة أفكاره، من خلاله أسئلة مثل "ماذا لو؟" و "هل يمكننا؟".

وهذا ما فعله مايك بيل والذي عمل على تحفيز الإبداع من خلال إثارة فضول جوبز حول ما هو ممكن، ولهذا وبعد فترة، سأل بيل جوبز، ماذا لو أنشأنا صندوقا يتيح تشغيل المحتوى، كان جوبز متشككا بعض الشيء ولكنه شعر بأن جزء من ملكية الفكرة يعود إليه ولهذا أعطى الضوء الأخضر وفي النهاية كان يطلب من الناس الابتعاد من أمامي حتى اُنهي المشروع وساعد هذا المشروع في تمهيد الطريق لظهور تلفاز أبل.

ابحث عن أفضل طريقة لمدح قائد نرجسي مثل ستيف جوبز

العقبة التالية في طريق تغيير العقول هي النرجسية، يعتقد النرجسيون أنهم مميزون وبالطبع متفوقون على الآخرين، ولهذا احذر من اخبارهم بأنهم مخطئون لأنهم يقدرون الذات بشكل كبير ويصبحون عدوانيين عندما يحاول أحد زحزحة غرورهم لأن هذا يشعرهم بالإهانة والخزي ولنرى مثال على ذلك من خلال ستيف جوبز، والذي بعد فترة من عودته ليتولى زمام الأمور في أبل عام 1997، كان جوبز يتحدث عن بعض التقنيات الجديدة في مؤتمر المطورين العالمي وفي مرحلة الأسئلة والأجوبة للجمهور، انتقد أحد الحضور بشكل شديد البرنامج ووظائفه وقال "يبدون أن لا تعرف ما تتحدث عنه" هذا ما قاله لمؤسس أبل ستيف جوبز.

بالطبع أي شخص سيكون رد فعله إما هجوما على المنتقد أو دفاعيا أو حتى طرد الشخص من المكان، ولكن ما فعله جوبز أنه كان متواضعا وقال "محاولة التغيير هو أمر صعب ولكن الرجل على حق وأعترف بأن هناك أشياء عديدة في الحياة أقوم بها ولكن لا يكون لدي فكرة عنها، سنجد الأخطاء. سنصلحها" وهنا صفق جميع من بالقاعة.

 ولكن لماذا كان رد الفعل المتواضع والهاديء من قبل ستيف جوبز، لأن الآخر بدأ إنتقاده قائلا "السيد جوبز، أنت رجل ذكي ومؤثر" وحينها قال جوبز "ولكن"، إشارة لوجود إنتقادات قادمة.

المفتاح هنا هو مدح الناس في منطقة مختلفة عن تلك التي تأمل في تغيير رأيهم فيها، إذا كنت تحاول إقناع قائد نرجسي بإعادة التفكير في خيار سيئ، فمن الخطأ القول إنك معجب بمهاراته في اتخاذ القرار؛ من الأفضل لك الثناء على ذكائه أو إبداعه لدينا جميعًا مهارات مختلفة، وعندما نشعر بالأمان بشأن إحدى نقاط قوتنا، نصبح أكثر انفتاحًا لقبول عيوبنا في مكان آخر، يجد علماء النفس أن النرجسيين أقل عدوانية وأقل أنانية بعد تذكيرهم بأنهم رياضيون أو مرحون.

رفض التغيير

ستيف جوبز

لماذا نقوم بتحديث دواليب الملابس لدينا كل عام، ونقوم بتجديد مطابخنا كل عقد، لكننا لا نقوم بتحديث معتقداتنا وآرائنا، لماذا نضحك على الأشخاص الذين يستخدمون أجهزة كمبيوتر عمرها عشر سنوات، لكنهم ما زالوا متمسكين بآراء شكلناها قبل عشر سنوات، رفض التغيير هو العقبة الأخيرة هنا حيث يقاوم الأشخاص أي تغيير عليهم وهذا ما حدث مع جوبز والذي أصر لسنوات على أنه لن يصنع هاتفا أبدا، ولكن استطاع فريقه بعد معاناة طويلة أن يقنعوه أخيرا بتصنيع الآيفون الذي وصلت عائداته إلى تريليون دولار وهل تصدق أن محاولة الحصول على موافقة ستيف جوبز لإنشاء متجر تطبيقات استغرق عاما وفي غضون فترة قصيرة حصل متجر أبل على مليار عملية تحميل والفضل يرجع للأشخاص المحيطين بجوبز الذين نجحوا بالفعل في تحفيزه على التفكير مرة أخرى.

أخيرا، في عام 2005، أجبر ستيف جوبز على أن يتخلى عن شركته الخاصة وحينها قال كنت مريضا وكان هذا الأمر هو الدواء سئ المذاق الذي كانت بحاجة إليه، لماذا يقول مؤسس أبل هذا، لأنه تجرع مرارة الهزيمة وأدرك أنه مهما كان ذكائه وبصيرته لايزال هناك أوقات عليه فيها إعادة التفكير في معتقداته وقناعاته وأنه بحاجة لأشخاص محيطين به مستعدين لتحديه والتغلب على أسوء صفاته وهذا ما حدث بعدما عاد جوبز إلى شركته مرة أخرى ومن هنا بدأت أبل تسير على طريق النجاح لتصبح أحد أفضل وأقوى الشركات في العالم.