عانى موقع فيسبوك من انقطاع عن الخدمة لمدة 6 ساعات والذي تسبب أيضًا في تعطيل كلا من واتساب وإنستجرام، وبالنسبة للبعض في دول قليلة كان الإنتقال إلى تويتر والتغريد أمرا سهلا ولكن كان الإنقطاع أكثر ترويعا في أجزاء أخرى من العالم.

عندما توقف فيسبوك وإنستجرام وواتساب عن العمل لمدة ست ساعات يوم الاثنين، كان رد فعلك الفوري على الأرجح مبنيًا على شيئين: المكان الذي تعيش فيه وأين تعيش عائلتك.

بالنسبة لأولئك الذين يقيمون في ما يسمى الشمال العالمي (يُقصد به دولًا مثل الولايات المتحدة وكندا) من المحتمل أن تكون الأخبار مصدر ارتياح. قد تعرف فيسبوك على أنه موقع سيء بتصميم أسوء ويضم الكثير من الأشخاص السيئين وكلما قل الوقت الذي يقضيه أي شخص عليه كان ذلك أفضل. ولكن إذا كنت تعيش في مكان مثل البرازيل أو أوغندا أو أي بلد آخر في الجنوب العالمي (يُقصد به الدول النامية أو العالم الثالث)، فإن خدمات فيسبوك ليست مجرد تطبيقات، إنها مرافق عامة مثل الإتصالات أو المواصلات وغيرها لا يمكن الإستغناء عنها، لذلك عندما تتعطل تطبيقات فيسبوك مرة واحدة لن تشعر بالارتياح، أنت مذعور وكأن هناك شيء أصابك بالهم والقلق، ويمكنني أن أصف حالتك بكلمات بسيطة " عندما تكون حياتك بأكملها معتمدة على حزمة من التطبيقات، فإن استبعاد هذه التطبيقات من حياتك يشبه الجراحة الافتراضية".

عائلة فيسبوك

هناك سؤال يحيرني ويربما يرغب العديد منكم أيضا في معرفة إجابه له، لماذا نشعر أننا لا نستطيع العيش بدون تطبيقات فيسبوك؟

الإجابة ربما تكون معقدة ولكن لأحاول تبسيطها، يشمل الجنوب العالمي عشرات البلدان عبر قارات متعددة، وبالتاليهناك العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي أدت إلى تقييد كل منها بعدد قليل من التطبيقات. ولكن إذا تراجعت خطوة إلى الوراء وأمعنت النظر بشدة بما فيه الكفاية، فإن ما يتضح هو أن فيسبوك لم يكن السبب أو الشرير الذي فعل هذا، بل شركات الهاتف هي السبب.

غالبًا ما يصف باحثو السوق في أمريكا الشمالية الجيل زد (الجيل الذي يلي جيل الألفية) بأنه جيل "الهاتف أولاً" وهي ط ريقة مهذبة للقول إن المراهقين ملتصقون بهواتفهم طوال الوقت. ولكن في العالم النامي، لا يتعلق الأمر بمقولة الهاتف أولاً، إنه الهاتف فقط. في بلدان مثل الهند وإندونيسيا والبرازيل، غالبًا ما تكون الهواتف المحمولة هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى الإنترنت. وينطبق الشيء نفسه على الغالبية العظمى من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يتمتع ما يقرب من 50٪ من المواطنين بإمكانية الوصول إلى نوع من الأجهزة المحمولة بينما لا يملك سوى جزء ضئيل الأمل في امتلاك جهاز كمبيوتر في المنزل من أي نوع. في استطلاع أجرته مؤسسة Pew Research لعام 2019 على 11 سوقًا ناشئًا مختلفًا بما في ذلك كينيا وكولومبيا والفلبين، قال 54٪ من متصفحي الويب الذين شملهم الاستطلاع إنهم يستخدمون الإنترنت دون أي وصول إلى جهاز كمبيوتر أو جهاز لوحي في المنزل. في نفس العام، تصدّر عدد الشباب الذين يستخدمون الهاتف المحمول فقط في الولايات المتحدة نسبة 22٪.

ولعل ذلك يرجع إلى عدة أسباب ومنها الهواتف المحمولة أرخص عمومًا من أجهزة الكمبيوتر المحمولة وتميل إلى الشحن بشكل أفضل كما أن الكهرباء تنقطع بشكل متكرر مما يعني أنك بحاجة إلى بطارية يمكنها أن تعمل دون أي مشكلة.

لن تكون هذه مشكلة إذا قدمت شركات الهاتف في هذه المناطق للمواطنين خططًا للهاتف ميسورة التكلفة لكن العديد منهم لا يفعل ذلك حيث وجدت أحدث التقارير الصادرة عن مؤسسة الشبكة العنكبوتية وهي منظمة غير ربحية مكرسة لسحق الفجوة الرقمية على مستوى العالم، أن 1جيجابايت من بيانات الهاتف المحمول يمكن أن تكلف الشخص من 2.7٪ من دخله الشهري إلى 7٪ اعتمادًا على أين يتواجد في الجنوب العالمي. وعندما تعيش في فقر مدقع بالفعل، يكفي أن تقول إن متوسط ​​خطة الهاتف سيكون بعيدًا عن متناول يدك.

كيف هيمن واتساب على العالم

ولهذا كانت التطبيقات هي الشيء الوحيد الذي أخرج المستهلكين من هذه الفوضى. في عام 2004 وهو نفس العام الذي قدم فيه سكايب القدرة على الاتصال بالهواتف المحمولة والخطوط الأرضية للأشخاص، بدأت أنشطة شركات الإتصالات الدولية في التقلص. واستمرت هذه الأنشطة في التقلص مع دخول المزيد من التطبيقات المخصصة للتراسل الفوري بما في ذلك واتساب في 2009 و فيسبوك ماسنجر في 2011 وهذه كانت المرة الأولى التي يكون لدى المستخدمين في العديد من هذه المناطق أخيرًا طريقة موثوقة وبأسعار معقولة للبقاء على اتصال محليًا ومع العائلة التي تعيش في الخارج، كل ما يحتاجونه هو هاتف رخيص يمكنه الاتصال بالإنترنت.

بطبيعة الحال، كانت شركات الاتصالات خائفة من كل هذا. بعد بضع سنوات من إدراك أنه لا توجد طريقة للتنافس مع تلك التطبيقات، انفتحوا على مضض وأقاموا شراكات مربحة مع مزودي تلك التطبيقات. بناءً على هذه الصفقات، توقفت بعض شركات الاتصالات عن احتساب تطبيقات مثل واتساب وسكايب كجزء من استخدام بيانات عملائها أو من خلال إتاحة وصول هؤلاء العملاء إلى عدد كبير من التطبيقات (المعروفة باسم "الحزمة") مقابل سعر محدد كل شهر. استمرت هذه الأنواع من الشراكات في الازدهار في السنوات التي تلت ذلك وفي بعض الحالات تجاوزت تطبيقات التراسل الفوري خدمات الرسائل القصيرة النموذجية باعتبارها الطريقة المفضلة لدى الأشخاص للدردشة.

ونظرًا لأن واتساب كان له السبق لمدة عامين على فيسبوك ماسنجر، بالإضافة إلى التوافق مع الكثير من الأجهزة المحمولة المختلفة، تمكن واتساب من انشاء المزيد من الشراكات بشكل مخيف. لذا فيسبوك فعل ما يفعله عادة عندما يلمع نجم أحد التطبيقات، لقد استحوذ على واتساب في عام 2014 مقابل 16 مليار دولار (بالإضافة إلى 3 مليارات دولار من الأسهم للمؤسسين والموظفين) واستمر في إقامة المزيد من هذه الشراكات في السنوات التي تلت ذلك. وبذلك، اشترى فيسبوك قاعدة مستخدمين تتكون من جزء كبير من جنوب الكرة الأرضية.

لذلك في السنوات التي تلت ذلك الاستحواذ، رأينا ببطء التطبيق الذي تستخدمه في التواصل مع العائلة والأصدقاء، تحول إلى أداة تعتمد عليها في حجز خدمة أو التواصل مع السباك أو ربما الإنضمام لجروب للبحث عن الوظائف وفي الصيف الماضي، أضاف فيسبوك ميزات التسوق داخل تطبيق الرسائل تليها ميزة دليل الأعمال المحلية الشهر الماضي. هذه ليست التحديثات الأولى الملائمة للأعمال التي حاول فيسبوك معالجتها في تطبيق المراسلة الخاصة به وبالتأكيد لن تكون الأخيرة ويستخدم واتساب حاليا أكثر من 2.5 مليار شخص وهو التطبيق الأكثر شعبية في أكثر من 100 دولة كما أن سبع دول وهم كينيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا والأرجنتين وماليزيا وكولومبيا والبرازيل، أكثر من 90٪ من سكانهم يعتمدون على التطبيق. ولهذا عندما يتعطل واتساب يخسر الأشخاص أكثر من الرسائل، انهم يفقدون البنية التحتية الحيوية.

أكثر من مجرد تطبيق للرسائل

بياناتك مشاع..ما هي البيانات التي يشاركها واتساب وإنستجرام مع فيسبوك ؟

يقدم واتساب خدمات مهمة ومختلفة لدول حول العالم كالتالي:

  • في لبنان، يمكن طلب إجراء اختبارات الإصابة بكورونا من التطبيق
  • في الأرجنتين، يربط المرضى بالأطباء للإبلاغ عن أعراض كورونا
  • البعثة الدبلوماسية الفلبينية، تعتمد عليه في الإمارات كخط ساخن لمواطنيها العاملين هناك
  • في البرازيل، يستخدم المواطنون دليلًا داخل التطبيق يضم آلافًا من تجار التجزئة
  • الهند، 390 مليون مستخدم  مع أكثر من 15 مليون شركة صغيرة تستخدم واتساب بيزنس

خسائر واتساب جراء إنقطاع الخدمة

كان انقطاع الخدمة عن تطبيقات فيسبوك مكسبًا كبيرًا لتطبيقات المراسلة المشفرة المنافسة كالتالي:

  • قفز تيليجرام 55 مركزًا إلى المرتبة الأولى في تنزيلات متجر الآيفون
  • اكتسب سيجنال ملايين المستخدمين بعد التوصية على استخدامه من قبل مؤسس تويتر جاك دورسي وإدوارد سنودن)

وهكذا، كان انقطاع الخدمة يوم الاثنين بمثابة تذكير جيد لمدى إحداث هذه التطبيقات ثورة في الطريقة التي تعمل بها الاقتصادات الناشئة، فعلى عكس الأشخاص المتواجدون في الشمال العالمي الذين لديهم خيارات أخرى، لديهم بنوك يمكنهم الدخول إليها وقتما يريدون و متاجر بيع بالتجزئة ومحلات بقالة مستقلة، الأشخاص في كثير من دول العالم النامي، لديهم تطبيق يذهبون إليه من أجل فعل ذلك، والأرجح أن هذا التطبيق مملوك لشركة فيسبوك حيث باتت التجارة الإلكترونية ومعظم المجالات التي تتحول للرقمنة تعتمد على خدمات وتطبيقات عملاق التواصل الإجتماعي.

ماذا عنك، كيف كان شعورك عندما توقفت تطبيقات فيسبوك عن العمل، أخبرنا في التعليقات بتجربتك.