شرنقة التحول الكبري، Intel تتحول من المعالجات المركزية CPUs الي المعالجات الشمولية XPUs
مرحبا بكم في أكبر تحول ستعرفه تاريخ الشركات التقنية المعاصرة! إن Intel العملاق الأضخم والأكبر في تاريخ المعالجات ستتخلي عن المعالجات المركزية التقليدية CPUs، ستقول لها وداعا لنستقبل معا جميعا ما ستطلق عليه الشركة مصطلح المعالجات الشمولية XPUs!
وكي ندخل في صلب الموضوع سريعا، فان المعالج المركزي Central Processing Unit (أو CPU اختصارا) هو كما يشير اليه اسمه، معالج يقبع في مركز الحاسب، له مهمة التحكم مركزيا في البيانات .. لكن Intel لم تعد تري هذا التعريف صالحا لهذا العصر، لم تعد تري هذه الوظيفة وحدها مهمة بما فيه الكفاية، إن Intel تريد السيطرة علي كل شئ، الي درجة أن مركزية معالجة البيانات لم تعد كافية بالنسبة للشركة، هي تريد التحكم حتي في طرفية وتشعبية البيانات، تريد التحكم في كلمة البيانات منذ المبتدأ وحتي المنتهي، مرورا بالمنتصف والمركز!
لذا أيها السيدات والسادة، فلنرحب جميعا بالمعالج الشمولي eXtended Processing Unit (أو XPU اختصارا)، المعالج الذي سيشمل نفوذه كل شئ. المعالج الذي تنتوي Intel تصنيعه بدءا من 2021 بالفعل.
ولقد أعلنت Intel عن هذه الخطة في جرأة تحسد عليها في مؤتمر للمستثمرين، عرضت فيه كل ما تنتوي الشركة فعله في صراحة صادمة! عرضت فيه منطقها ومبرراتها لهذا الاتجاه الجديد الذي ستسلكه، ومن المهم أن نعرف كل شئ عن هذه التبريرات قبل أن نخوض في أية تفاصيل تخص المعالجات الشمولية XPUs نفسها.
وأول ما أعلنت عنه الشركة أن منصة الحاسب الشخصي PC لم تعد وحدها كافية لاستمرارية الشركة! لقد تحدثنا كثيرا عن هذه النقطة هنا في عرب هاردوير، ونوهنا ان الشركة ستقلل اعتمادها علي معالجات الحاسب الشخصي لصالح مناحي أخري في عالم التقنية!
والسبب الرئيسي في ذلك أن الشركة فشلت بقوة في زيادة حصتها في سوق الحاسب الشخصي، فلقد فشلت كثيرا في دخول سوق الرسوم Graphics، بسبب المنافسة الحادة مع NVIDIA، ثم فشلت في دخول سوق الحوسبة Compute بسبب سيطرة بطاقات NVIDIA علي هذا السوق، ثم فشلت في دخول سوق المعالجات المحمولة Mobile بسبب سيطرة معالجات ARM و Apple و Qualcomm علي هذا السوق، ثم فشلت من جديد في دخول سوق الذكاء الاصطناعي AI بسبب سيطرة NVIDIA الكاملة علي هذا السوق، ثم هاهي الآن تتعرض للمزاحمة في سوق المعالجات المركزية CPUs نفسه بسبب تزايد منافسة AMD لها.
كل هذا وأكثر كان يعني أن اعتماد الشركة علي المعالجات المركزية وحده لا يكفي! تحتاج الشركة الي الدخول لأسواق أخري، ربما كان سوق المحمول ميئوسا منه في الفترة الحالية، لكن أسواق الحوسبة Compute و الرسوم Graphics و الذكاء الاصطناعي AI متاحة للدخول فيها ومتاحة للمنافسة الناجحة كذلك. لذا كان اعلان الشركة أنها ستهتم بالنواحي التقنية الأخري وتقلل اعتمادها الرئيسي علي معالجات الحاسب الشخصي PC.
ولقد بينت الشركة هذا في وضوح وصراحة، ففي عام 2013 كان 70% من أرباح ودخل الشركة من سوق الحاسب الشخصي، انخفضت هذه النسبة تدريجيا بمرور كل عام، حتي وصلت الي 50% فقط في 2018، والشركة تتوقع أن تواصل النسبة انخفاضها حتي تصل الي 30% فقط مستقبلا!
إن منصة الحاسب الشخصي نفسها تتعرض للهجوم الشرس من الحواسيب المحمولة في صورة الحواسيب اللوحية Tablets والهواتف الجوالة Mobile Phones، والتي أكلت من مبيعات الحواسيب الشخصية، فالمستخدمين العاديين يفضلون شراء حاسب لوحي أو هاتف جوال عن شراء حاسب محمول laptop أو حاسب مكتبي desktop .. مما أثر علي مبيعات الحواسيب الشخصية بشكل عام.
إن Intel تملك غالبية الحصة السوقية من أسواق المعالجات المركزية CPUs سواء كان ذلك في سوق الخوادم Servers، أو الحواسيب الشخصية (المكتبية desktop أو المحمولة laptop). بحصة سوقية تبلغ ما يفوق الـ 90%، وهي حصة رهيبة، لكنها لا تترك للشركة مجالا كبيرا للنمو، فحتي لو تفوقت Intel بشكل حاسم وقاطع في أداء المعالجات المركزية CPUs علي AMD فانها لن تحقق أكثر من هذه النسبة! ربما تنمو الي 95%، لكن ما فائدة 5% أخري علي 90% لدي الشركة بالفعل، انها نسبة نمو صغيرة وضئيلة للغاية مقارنة بما حققته الشركة بالفعل!
تقول Intel أن أقصي ما يمكن جمعه من دخل في سوق المعالجات المركزية لا يتعدي الـ 52 مليار دولار سنويا، وهي قيمة سوق المعالجات المركزية كله (متضمنة الخوادم Servers)، تتنافس علي هذه القيمة كل من Intel و AMD، وتحتل Intel نسبة الـ 90% منها، أي أنها وصلت الي حد التشبع بالفعل.
بمعني آخر، لقد وصلت Intel الي أقصي آفاق السيطرة علي سوق الحاسب الشخصي والمعالجات المركزية بالفعل، لقد تربعت الشركة علي عرش القمة بالفعل، ولم يعد هناك مكان أخر يمكن ان تذهب اليه سوي المنافسة في أسواق أخري جديدة.
لهذا فان خطة Intel ستشمل التمدد الي أسواق جديدة تستطيع فيها كسب أرض جديدة بأرباح هائلة، ستذهب Intel الي سوق الرسوم Graphics وسوق الحوسبة Compute وسوق الذكاء الاصطناعي AI وسوق الشبكات Networks وسوق الذواكر Memory وسوق الاتصالات 5G وكل ما يمكن أن يشمل معالجة البيانات بشتي أشكالها.
وبدلا من 52 مليار دولار فقط، ستوسع Intel سوق الحاسب الشخصي الذي تستطيع المنافسة فيه الي 68 مليار دولار، ثم ستدخل سوق البيانات الشاملة الذي يبلغ 220 مليار دولار!
ولقد استعدت Intel لهذا التوسع جيدا باستثمارات ضخمة للغاية، فلقد اشترت في الخمسة سنوات الأخيرة العديد من الشركات الصاعدة كي تتمكن من المنافسة في الأسواق الجديدة، اشترت شركة Altera لتصنيع معالجات الحوسبة Compute بمبلغ 17 مليار دولار، واشترت شركة MobileEye لتصنيع معالجات الذكاء الاصطناعي بمبلغ 16 مليار دولار، ثم شركتي Nervana و Movidius للذكاء الاصطناعي بمبلغ مليار دولار. ثم أنقفت عشرات المليارات من الدولارات لتطوير معالج رسومي GPU خاص بالشركة .. وكل هذا كي تضمن مكانة تنافسية أقوي في هذه الأسواق التي تسيطر عليها NVIDIA بالفعل، كل هذا لمنافسة NVIDIA في كل هذه الأسواق! لقد قررت Intel انفاق عشرات المليارات من الأموال في كل حدب وصوب كي تناطح NVIDIA بشكل أكثر فعالية.
ولقد تحدثنا عن هذا الأمر كثيرا هنا في عرب هاردوير .. كيف كبدت NVIDIA الخسائر تلو الخسائر لـ Intel وأزاحتها عن أسوق مهمة للغاية .. وكيف ترهب سيطرة NVIDIA طموحات Intel وكيف تسعي Intel دوما لازاحة NVIDIA جانبا .. إن Intel تري NVIDIA التهديد الأكبر لبقائها أكثر بكثير من AMD!
ولقد حانت اللحظة التي تعترف بها Intel رسميا بكل هذا، ففي المؤتمر الخاص بالمستثمرين صرحت الشركة رسميا عن منافسيها في خطتها في شرائح عرض رسمية، ومثلت NVIDIA الدائرة الخضراء بالبطاقات والمعالجات الرسومية GPUs التي تصنعها، أما AMD فقد مثلت الدائرة الحمراء بالمعالجات المركزية CPU و الرسومية GPU التي تصنعها! لكن حجم الدائرة الخضراء الخاصة بـ NVIDIA بلغ أربعة أضعاف حجم الدائرة الحمراء الخاصة بـ AMD! في اشارة الي خطر NVIDIA الأكبر علي Intel وتهديدها الأكثر خطورة علي انتشار وتوسع Intel .. إن Intel تري NVIDIA بالفعل مصدر القلق الرئيسي لها.
لكن NVIDIA تنافس Intel من خلال المعالجات الرسومية GPUs فقط .. لقد حققت NVIDIA كل هذه السيطرة باستخدام نوع واحد من المعالجات، وهو أمر يثير الاعجاب، فمن خلال هذا النوع نجحت NVIDIA في السيطرة علي سوق الحوسبة Compute و الذكاء الاصطناعي AI جنبا الي جنب مع الرسوم Graphics. إن انجاز NVIDIA في هذه المجالات لا يمكن وصفه الا بالمذهل، وهذا علي خلاف AMD التي فشلت في تحقيق أي نوع من السيطرة حتي وهي تملك نوعين من المعالجات: المركزية CPUs و الرسومية GPUs. لهذا تري Intel في NVIDIA التهديد المباشر لها.
لذا فان خطة Intel ستشمل الاعتماد علي جميع أنواع المعالجات، المركزية CPUs و الرسومية GPUs و معالجات الذكاء الاصطناعي AI و معالجات الحوسبة Compute واستخدام كل هذا في القضاء علي سيطرة NVIDIA في كل سوق ممكن.
ستدخل Intel في سوق الرسوم بمعالجات Xe الرسومية التي تطورها .. وستنافس في سوق الحوسبة بمصفوفات الحوسبة FPGAs التي طورتها تحت اسم AgileX و StratiX، وستنافس في سوق الذكاء الاصطناعي بمعالجات EyeQ التي طورتها، وكل هذا جنبا الي جنب مع معالجات Xeon الخاصة بالخوادم Servers.
ثم إن Intel لن تكتفي بهذا وحسب، بل ستدمج كل هذه المعالجات في نوع واحد جديد ستسميه الشركة المعالج الشمولي XPU. وهو المعالج الذي سيشمل كل أنواع البيانات الممكنة تحت سقف واحد وشريحة واحدة!
سيحوي المعالج الشمولي XPU معالجا مركزيا CPU تقليديا، حنبا الي جنب مع وحدات معالجة الذكاء الاصطناعي AI جنبا الي جنب مع معالج رسومي GPU حديث ومتطور، يستطيع القيام بمهام الرسوم والحوسبة معا، اضافة الي ذواكر متطورة ووحدات تواصل شبكي Modem ولا سلكي WiFi حديثة. ستدمج Intel كل هذا في شريحة واحدة، كي تنافس في جميع الأسواق معا في وقت واحد!
وبدلا من معالج مركزي CPU تقليدي، سيصبح لدي Intel حقا معالج شمولي XPU متطور تقتحم به Intel ليس فقط سوق الحاسب الشخصي، ولكن أيضا سوق القيادة الذاتية للسيارات، وسوق الخوادم، والحواسيب الخارقة، وتوليد الطاقة والمصانع المتطورة وأنظمة المراقبة الذكية، والبيوت الذكية والآلات الذكية Robots وكل ما يمكن أن يخطر علي بالك من مجالات تحتاج الي معالجات حديثة.
باختصار ان خطة Intel تشمل السيطرة الحوسبية علي العالم التقني بأكمله، باستثناء الهواتف المحمولة بالطبع! وستبدأ الشركة في تحقيق هذه الرؤية قريبا للغاية، بحلول عام 2021 .. و بعد أن كان قلب أعمال الشركة يتمركز حول الحاسب الشخصي حتي عام 2013، ستنطلق Intel لتشمل العالم كله، وهو طموح هائل للغاية.
وبسبب هذا الطموح الهائل فان الآية ستنعكس، وستصبح Intel التهديد الأكبر علي مستقبل كلا من NVIDIA و AMD .. ستحتاج NVIDIA الي تطوير معالجاتها الرسومية بشكل أكبر وأكبر، لتشمل وحدات مختلفة لمعالجة أنواع البيانات الجديدة .. وستحتاج الي تقوية تفوقها الرسومي أكثر وأكثر .. أما AMD فستحتاج الي التوقف عن الاعتقاد أن المنافسة في قطاع المعالجات المركزية CPUs وحده كاف لمناطحة Intel، فهو بالقطع غير كاف، وسرعان ما ستجد AMD نفسها مهمشة .. وستحتاج AMD أيضا الي ان تستفيق من غفوة الاكتفاء بمنافسة NVIDIA رسوميا في سوق اجهزة الالعاب المنزلية Home Consoles وحده، ستحتاج الي الاهتمام بسوق الرسوم علي الحاسب الشخصي نفسه، فمن خلاله سيمكنها المنافسة في سوق الحوسبة والذكاء الاصطناعي وغيره.
باختصار أمام AMD معركة شاقة أكثر، وتحديات بالغة الصعوبة، أما NVIDIA فأمامها مناورات عسيرة مع Intel أيضا، لكنها مناورات تعودت عليها NVIDIA، وتأقلمت عليها.
إننا الآن أمام تحول نوعي فريد لشركة Intel، فهي الآن تتطور الي مرحلة ما بعد المعالجات المركزية، ومرحلة ما بعد نوع المعالجات الواحد، الي مرحلة شمولية المعالجة، ومن المعالج المركزي الواحد الي المعالجات المتعددة في اطار شمولي موحد.
بالطبع ستحتاج Intel الي التنفيذ المحكم في كل مجال، ستحتاج الي معالجات رسومية قوية لا تقل شأنا عن ما لدي NVIDIA، وستحتاج معالجات ذكاء اصطناعي سريعة لتنافس NVIDIA، ومعالجات حوسبة ذات كفاءة .. وستحتاج بيئة برمجية Software تشمل تطبيقات وتعليمات ومترجمات وملقنات كي تستغل كل العتاد الجديد من Intel .. ستحتاج كل هذا معا والا فستكون منافستها لـ NVIDIA محض عبث لا طائل منه .. وهو ما تنتوي الشركة تحقيقه بالفعل .. تقول Intel أنها تعمل بقوة من أجل اتقان كل هذه المتطلبات.
ان Intel الآن في طور شرنقة التحول الي المعالج الشمولي XPU، واذا ما نجحت في الخروج من الشرنقة عفية وقوية، فإن امامها مستقبل واعد تسيطر فيه علي مجالات حوسبة أكثر وأكثر .. وتتحول فيه من شركة معالجات مركزية الي شركة معالجات شمولية XPU .. تنتشر في كل مكان وتحكم العالم حوسبيا.
فهل تتحقق رؤية Intel كما تريدها الشركة؟ هل سيأتي الزمان الذي يشتري فيه المستخدم معالجا شموليا XPU ليستبدل به معالجه المركزي CPU العتيق؟ هذا ما سنراه جميعا ونحن نشاهد تحول Intel، وما سيحكم عليه الزمن والتاريخ.
?xml>