ما نشهده الآن ليس له سوي معني واحد: Intel تحت حصار لم يسبق له مثيل في تاريخها كله. والأمر يزداد سوءا كل عام. وفي هذا تناقض صريح وعنيف مع تاريخ الشركة التي اعتادت حصار الشركات كلها! حتي صديقتها الصدوق Microsoft! وقد يبدو من الظاهر فقط أن Intel و Microsoft هما شركتين شقيقتين، منذ أن اتحد مصيرهما معا بعد اعتماد Windows علي طقم تعليمات Instruction Set X86. لكن الحقيقة أن Microsoft كانت تخشي سيطرة Intel عليها! لقد كان هناك قلق حقيقي لدي Microsoft أن Intel لديها النية الكاملة لجعل Windows نظاما افتراضيا/ظاهريا Virtual وأن تسمح للأظمة الناشئة الأخري أن تستخدم طقم X86 أيضا. بل إن Intel كانت لديها النية أن تجعل كل الملحقات الطرفية (كالصوت والشبكات) ظاهرية Virtual أيضا، وأن تدمجها كلها في معالجاتها المركزية CPUs، باستخدام تعريفات حصرية لها كذلك. ولقد وصل مسعي Intel أقصي مداه عندما أعلنت عن مكتبة 3DR عام 1994 التي هدفت منها الي السيطرة الكاملة علي سوق الرسوم ثلاثية الأبعاد 3D Graphics. داخليا اعتبرت Microsoft أن Intel قد تجاوزت حدودها .. وأنها بالفعل تريد أن تجعل Windows نظاما افتراضيا ظاهريا وأن تتحكم هي في كل مقدراته. الأمر الذي دفع Microsoft في اتجاه الرد العنيف والسريع بانشاء مكتبة DirectX الشهيرة في أواخر 1995. وقد جاءت مكتبة DirectX بتصميم فريد، جمع الرسوم ثلاثية الأبعاد مع الصوت المجسم ووحدات التحكم والادخال والاتصال الشبكي أيضا، باختصار سعت Microsoft الي جعل DirectX مكتبة شاملة لكل الطرفيات، الهدف منها اشعال نار المنافسة بين شركات الطرفيات لكي ينمو سوق الطرفيات ويزدهر تحت مظلة Microsoft ويكون محكوما بمصير Windows وتعريفاته المخصصة التي هي بيد Microsoft، لا أن يضمحل ويصبح ظاهريا Virtual علي معالجات Intel المركزية. وفي هذا المسعي كانت Microsoft محقة، شمولية مكتبة DirectX مكنت سوق الطرفيات من الازدهار كما لم يسبق من قبل، كما أفقدت Intel القدرة علي التحكم فيه. وبرز الي الوجود عشرات من شركات الطرفيات، وفي مقدمتهم مصنعي المعاجات الرسومية GPUs. DirectX ومنذ ذلك الحين، وبعد نقطة التحول المحورية تلك، فان مصير الشركتين الشقيقتين/المتنافستين Microsoft و Intel قد صار متلاحما أكثر من أي وقت مضي، وتعلمت الشركتين الاعتماد علي بعضهما البعض، ذلك الاتحاد الذي سار بالشركتين طوال عقود ليصيرا الرقم واحد في معادلة الحوسبة. لقد انتشر طقم X86 انتشارا واسعا وصال وجال في البقاع ليبتلع PowerPCو IBM، ويخترق Apple ويصير الخيار الأساسي في خوادم الشبكة الدولية، والحواسيب العملاقة والخارقة، مدفوعا بأداء ذو اعتمادية عالية، وتوافقية رجعية Backward Compatibility محكمة. لكن اتحاد طقم X86 و Windows لم يكن منيعا الي هذا الحد، فقد فشل فشلا ذريعا في الألفية الجديدة في الولوج الي سوق المحمول، الذي طغت عليه طقم تعليمات ARM وحلفاءها. ففي ليلة وضحاها تحولت نقطة قوة اتحاد Windows و X86 الي ثغرة ضعف، التوافقية الرجعية Backward Compatibility هي سلاح ذو حدين، فهي عامل جذب واعتمادية عالية يٌقدرها المستهلك، لكنها عبأ ثقيل في التلقين Programming و العتاد Hardware، يمنع هذا المزيج من أن يحشر نفسه في شقوق سوق المحمول الضيقة. أتت معالجات ARM بلا اي اعتبار للتوافقية الرجعية، وباستهلاك طاقة صغير وأحجام ضئيلة، وأنظمة تشغيل جديدة رشيقة (من Google و Apple)، فصارت الخيار الوحيد في سوق المحمول، بينما كان نظام Windows عجوزا ثقيل الحركة، ممتلئا بالشحم والدهون، وكانت معالجات Intel ضخمة الحجم، شرهة في استهلاك الطاقة، وتلك ليست عيوبا، لكنها كانت متطلبات أساسية للوصول لتوافقية رجعية Backward Compatibility محكمة وأداء عال معا، لقد أتقنت Intel الوصول لأداء مذهل بطريقة معينة، لكن المشكلة أن تلك الطريقة لا تصلح لسوق المحمول الذي لا يهمه الأداء العالي، بقدر استهلاك الطاقة والحجم الضئيلين. ARM حاولت Intel كسر اللعنة التي حلت بها، بتحقيق انجازات في دقة التصنيع Manufacturing Process تمكنها من القفز فوق عوائق الحجم واستهلاك الطاقة، ولقد نجحت في ذلك بنسبيا، وتقدمت بفارق علي منافسيها من المصنعين، لكنها نسيت أن كونها رأس حربة التقدم يعني ان اصطدامها بحائط قوانين الطبيعة يكون أسرع، ولن يمنع هذا منافسوها من اللحاق بها حينها. وهو ما حدث بالفعل. فتطور دقات التصنيع تعرض لعثرات قاسية أبطئت من تسارعه فلحقت باقي المسابك Foundries بـ Intel، وسرعان ما وجدت Intel نفسها هي و Microsoft خارج نطاق المنافسة في سوق المحمول تماما. لكن حبكات القدر لم تتوقف عند هذا الحد، فبعد نجاح مسعي DirectX بعقود عديدة، تسلق من فوضي شركات الطرفيات منافس وحيد اعتلاهم جميعا ليقرر مناطحة Intel في اتجاه جديد، في تطور لم تكن Microsoft نفسها تتصور حدوثه. فمن رحم المنافسة الشرسة قاطعة الرقاب في بيئة Windows، تسلقت NVIDIA الي السطح، ثم كشرت عن أنيابها، فمنذ نجاحها في تحجيم/ابتلاع منافسيها من سوق الرسوميات كله، لم يتوقف طموحها عن النمو الي أفاق بعيدة، ولقد بدأت النزال مع العمالقة، بتسليح كل معالجاتها الرسومية بأسس المعالجة الحرة Compute لتصير بديلا عن معالجات Intel في المجالات التي تحتاج لحوسبة مكثفة، ولقد كان هذا المسعي مدعوما بتفوق عنصري في غاية الأهمية. فالمعالجات الرسومية التي تصنعها NVIDIA غير مربتطة بإرث التوافقية الرجعية Backward Compatibility الضخم، الذي يلجم معالجات Intel، كما انها تزداد اداء باستمرار ويمكن تحجيم استهلاكها للطاقة في يسر كما ان كم الابتكارات الهندسية فيها كبير .. فضلا عن القوة الحوسبية الهائلة بها التي شحذها الصراع المتواصل مع الرسوميات المعقدة. باختصار كانت المعالجات الرسومية خير منافس للمعالجات المركزية في تلك الاستخدامات الصاعدة. الآن Intel يتم محاربتها من جبهتين في وقت واحد، وبعد أن خسرت المباراة في ملعب الخصم بالفعل، تحاربها NVIDIA في ملعبها هي، وتكسب أرضا جديدة كل يوم. حتي وصلنا الي مرحلة تضخم NVIDIA عدة مرات في غضون 3 سنوات، الي حد اعتبارها المورد الأساسي لأغلب أنظمة الذكاء الاصطناعي AI والحواسيب الخارقة Super Computers، الي جانب أنظمة تصميم الرسوم والتخطيط الهندسي والعلمي Workstations. وفي كل يوم يتوسع استخدام المعالج الرسومي ليحل محل المعالج المركزي. وهو ما تعتبره Intel خطرا محدقا بها، فاذا استمر الأمر علي هذا المنوال، فان المعالج المركزي سيتحول في نهاية المطاف الي مجرد مٌنظم controller للادخال والاخراج، بينما يتولي المعالج الرسومي جلّ عبأ المعالجة في مجالات الحوسبة الفائقة، وهو ما يعني أن Intel ستخسر جل مبيعاتها. NVIDIA AI Chips لكننا لم نصل لهذه المرحلة بعد، فحتي هذا الحين فان المعالجات الرسومية تعتمد في عملها علي المعالجات المركزية، فالخادم Server او محطة العمل Workstation، يحتاج الي معالج مركزي CPU واحد علي الاقل حتي لو احتوي علي العشرات من البطاقات الرسومية، ولقد احسنت Intel استغلال هذه الحقيقة فقامت بتقييد عدد نواقل PCI Express في لوحاتها الأم، بحيث يقبل كل معالج مركزي CPU عدد محدودا من البطاقات الرسومية، مما يجبر المستهلك علي شراء عدد اكبر من معالجاتها اذا أراد استغلال عدد كبير من البطاقات الرسومية. لكن NVIDIA لم تلبث أن تحايلت علي هذه الحقيقة، بعد أن لجأت الي خصيم Intel الذي أذاقها الهزيمة السابقة في سوق المحمول، لجأت NVIDIA الي ARM لتدمج معالجاتها الرسومية مع معالجات ARM المركزية في عدد من حلولها القوية! لقد قررت NVIDIA أنها ليست في حاجة لـ Intel و لا طقم X86 ولا Windows بعد اليوم، وإن معالجات ARM ستعمل كمتحكمات controllers للأجهزة بينما تتولي بطاقات NVIDIA الحمل كله، بل إن الشركة اشتركت مع IBM في تطوير حلول مماثلة مع معمارية PowerPC. ولقد اضطرت Intel الي الرد بشكل عاجل علي هذه الأحداث المتسارعة، فحاولت تقليد NVIDIA بصناعة معالجات رسومية قوية، لكنها فشلت فشلا ذريعا، وحاولت الكرة تلو الكرة لتفشل في كل مرة! لتدرك حينها الحقيقة المفزعة! إن تطوير معالج رسومي قوي أصبح مكلفا الي الحد أن القاء مليارات الأموال عليه من كل حدب وصوب هو نفسه أمر غير كاف. رغم ضرورته القصوي! الأمر يتطلب أيضا مهارة في التلقين Programming لكتابة تعريفات Drivers شمولية في غاية التعقيد. لقد تضخمت تعريفات البطاقات الرسومية لتصير أكثر تعقيدا من نظام تشغيل Windows كله! لكن Intel لم تستسلم وقررت في يئس الاستعانة بتقنيات المصفوفات البدائية FPGAs، لكي تدمجها في معالجاتها المركزية كي تعطيها ما تحتاجه من قوة معالجة تشعبية Parallel Processing حتي تنافس المعالجات الرسومية. بل أن Intel لم تنس خطتها القديمة بجعل كل الطرفيات ظاهرية، فبعد فشلها في ابتلاع معالجة الرسوميات، لجأت قديما الي تصنيع معالجات رسومية ضعيفة مدمجة بداخل معالجاتها المركزية لتصير بديلا عن الشق الأعظم من معالجات NVIDIA و AMD الرسومية من الفئة الدنيا، ولقد اتخذت من الخطوات حديثا ما قد يمكن لها المنافسه مع شرائح رسومية أعلي، فهي الآن تعين مهندسين تقنيين من AMD لبناء بطاقة رسومية قوية، كما تتعاقد مع AMD نفسها للصق معالج رسومي من AMD مع معالج مركزي من Intel! وكل هذا لتحاول تحجيم تمدد NVIDIA. ولم يكن هذا هو التغيير الوحيد الذي تتعرض له Intel، فمنذ وقت قريب و Microsoft تحاول فك الارتباط بينها وبين Intel لصالح بقاء وتمدد Windows، وبعد أن كانت الشركة تخشي أن تُمكن Intel انظمة التشغيل الأخري من طقم X86، قررت Microsoft بنفسها عدم الاعتماد حصريا علي طقم X86 كمشغل للـ Windows وقررت الاستعانة بطقم ARM، خصيم Intel، لكي يصبح نظام Windows فيما بعد نظاما شموليا علي أجهزة الهاتف المحمول Mobile Phones والحواسيب اللوحية Tablets، وهي طريقة ذكية لضمان استمرارية Windows في عقول المستهلكين. الذين سيحبون تشغيله لتوافقيته الرجعية الممتازة. بل أن Microsoft وصلت الي حد اعلان ان معالجات ARM ستصدر في حواسيب محمولة Laptops لتشغل نظام Windows بدون اقلاع Boot وبعمر بطارية يصل الي يوم بأكمله فأكثر وبأداء مماثل لمعالجات Intel! وهو ما يعني أن حواسيب Intel المحمولة قد صارت تاريخا في الحال! Windows ARM Intel Microsoft وبطبيعة الحال فإن Intel تشعر الآن بالقلق بعد أن تحولت ARM الي كابوس مفزع يسرق منها حلفائها، ويقتلها في سوق المحمول، بل وينافسها في سوق الحواسيب الشخصية والحواسيب العملاقة! الآن تتعالي الأصوات من جديد لإحالة طقم X86 الي التقاعد، أو حتي القاؤه في سلة المهملات، والبدء بطقم جديد كليا، وهو الأمر الذي يهدد وجود Intel من جذوره! يأتي هذا في وقت تستعيد فيه AMD نشاطها التنافسي وتنتوي القاء ثقلها كله خلف تحقيق سبق تقني علي Intel. وأمام كل هذا لم يكن لدي Intel من حل سوي الاعلان أن تركيزها لن يكون منصبا علي سوق المعالجات المركزية بطقم X86 وحده، بل سيمتد الي كل مجالات الحوسبة والمعالجة! ووصل الأمر بهم الي التأكيد علي أن طقم X86 لن يشغل سوي 50% من جهد الشركة، أما الـ50% الباقية ستكون من مجالات الحوسبة الأخري كالذكاء الاصطناعي، والقيادة الآلية والمصفوفات البدائية FPGAs، وتقنيات التخزين، وتقنيات الاتصال ..الخ! لقد أدركت Intel أن وقت التخطيط الآمن الحريص والاعتماد علي المضمون قد ولي، ولقد حان الان وقت الرهان والمخاطرة، وتنويع مصادر الدخل. إن القطع الحربية في مكانها الآن لحصار Intel من أغلب الاتجاهات، ARM و NVIDIA و Microsoft و AMD، كل يحاصر Intel بطريقته، وحركتهم تضيق يوما بعد يوم، فهل تنجح Intel في الفكاك؟ أم ينجح الحصار في دك الامبراطورية؟
Intel تحت الحصار