كن حذرًا، قد تسبب الألعاب أسوأ النوبات غضبًا
الغضب، الشر، والكراهية هل هي صفات مكتسبة بسبب الظروف والتنشئة، ام هي مجرد فطرة محفورة في جينات الجنس البشري ولكنها تتوارى أو تظهر للعلن بفعل الظروف؟
معضلة فلسفية وعلمية، نقشتها الأوساط العلمية والأدبية في أكثر من فرصة، كما حدث في الرواية الأيقونية أمير الذياب أو سيد الذباب للكاتب الشهير الحاصل على جائزة نوبل وليام غولدينغ.
تأخذنا رواية أمير الذباب إلى رحلة خيالية قاسية جدًا، قهي تدور حول مجموعة من الصبية يستقلون طائرة تتعرض لحادث لينتهي بهم الأمر على جزيرة مهجورة ونائية، وفي هذه اللحظة يبدأ الصبية في محاولة النجاة على الجزيرة متشبثين بالحياة وأمل العودة إلى المدينة من جديد.
الأولاد من بينهم قائد بالفعل وهو ذمي وماهر وطموح، لديه العديد من الأفكار التي قد تساعدهم على النجاة، ولكن للأسف كان يوجد صبي آخر يرى أنه الأحق في القيادة خصوصًا وأنه الأقوى والأكبر من بينهم، هنا يبدأ الصراع على القيادة، كل طرف يرى أنه الأحق وصاحب الأفكار الصحيحة، ولكن ليس هذا هو المؤثر في القصة.
أرتكب الصبية العديد من الأفعال التي لا يمكن تصورها، الخطايا كلها وعلى رأس الهرم جريمة القتل، نعم الصبية ارتكبوا جريمة القتل، وكأن الغضب والكراهية كانت فطرة متنحية في هؤلاء الصبية وكانت تحتاج فقط إلى الظرف لتظهر وتخرج إلى العلن.
على الرغم من أن رواية سيد الذباب كان لها بعد سياسي واضح يمكن تذوقه بسهولة مع الإسقاطات الواضحة على الأنظمة السياسية العالمية إلا أن القصة أحدثت جدلًا في الأوساط العلمية كذلك.
الفكرة جعلت الكثير من العلماء يفكرون في الصفات وكيف هي محفورة بالفعل داخلنا، فلا يوجد شخص شرير أو شخص طيب على الإطلاق وهنا اتحدث عن فرضية وليست معلومة علمية قاطعة، ولكنها فكرة مثيرة تستحق التفكير بالفعل.
هل كنت تقود سيارتك في يوم من الأيام وانفجرت غضبًا بسبب الزحمة؟
أو هل كنت تلعب الفيفا ورميت بيد التحكم بعد أن دخل في فريقك هدف غير منطقي في نوبة غضب عارمة لا تستحق كل هذا؟
لا أعرف إذا كنت مررت بذلك، ولمني شخصيًا اختبرت هذا الشعور كثيرًا، نوبات الغضب الغير مبررة والتي لا تعكس الشخصية الحقيقية - أو ربما كما أعتقد أن هذه ليست شخصيتي - ولكن على أي حال هذه الحالة تعرف بإسم نوبات الغضب العابرة، وإذا لم تكن النوبات عارضة ومتكررة الحدوث فيمكن أن نعتبرها خلل نفسي يعرف بإسم الاضطراب الانفجاري المتقطع.
نوبات الغضب بين الحدث العارض والمرض
على الرغم من أن نوبات الغضب حالة شائعة جدًا إلا أنه لا يمكن معرفة أسبابها بشكل دقيق وعلمي، ولكننا نعرف أن هذه النوبات قد تكون مصاحبة لظروف اجتماعية وبيولوجية معينة.
كذلك فهذه الموبات شائعة أكثر عند الأطفال حتى سن ٦ سنوات وكذلك فترة المراهقة - ألا يذكرك الأمر برواية سيد الذباب - كذلك هي شائعة بين الشباب بالمقارنة مع الكهول.
نوبات الغضب وطفلك والألعاب
كما هو ملاحظ نوبات الغضب شائعة أكثر بين الأطفال حتى سن المراهقة، وعلى الرغم من وجود العديد من الآراء الطبية التي تؤكد على مصاحبة نوبات الغضب لمشكلات نفسية أخرى، إلا أن المعظم يرى أن هذه الحالة عادية ومصاحبة لمراحل النمو وتندثر من تلقاء نفسها مع مرور الوقت.
مع ازدياد مساحة الألعاب الإلكترونية في جدولنا الترفيهي اليومي، لاحظ الكثير أن الألعاب قد تكون مسببة لنوبات الغضب أكثر من الوسائل الترفيهية الأخرى مثل مشاهدة الأفلام أو الاستماع إلى الموسيقى.
لذلك قد يلاحظ الأب أبنه وهو يدخل في نوبة غضب غير مبررة نتيجة الخسارة مثلا في أحد الألعاب، وهو بالطبع لا يكون سبب منطقي لهذه النوبة، وهنا يبدأ القلق ويفضل الأب منع الطفل عن الألعاب معتقدًا أنها السبب في هذه النوبات وهي قد تكون كذلك بالفعل.
خطورة نوبات الغضب
على الرغم من الاعتقاد السائد بأن هذه النوبات تندثر من تلقاء نفسها مع التقدم في العمر، ولكن في نفس الوقت يوجد إجماع على خطورة هذه النوبات وضرورة التعامل معها وعدم إهمالها.
في الحقيقة إذا لم يتم احتواء هذه النوبات ومراقبتها فيمكن أن يحدث تشوه نفسي لا نريده على الإطلاق وهو ما يعرف بإسم الاضطراب الانفجاري المتقطع كما ذكرنا.
هذا الاضطراب قد يؤدي إلى تشوهات سلوكية جسيمة تؤثر على علاقة الشخص بالجميع في عمله، دراسته، أو حتى مع المقربين له.
بل حتى قد يؤدي الأمر إلى مشاكل صحية وبدنية مثل الإصابة بمرض الضغط أو السكري، وربما قد يلجأ المصاب إلى تناول المواد المخدرة في محاولة للتهدئة وهو ما يصل بنا في النهاية إلى الإدمان.
هذه الفقرة بالتأكيد ليس الغرض منها تخويف القارئ من الألعاب أو من نوبات الغضب، بل الهدف منها هو توضيح أهمية معالجة الأمر وملاحظته خصوصًا وأن الطرق العلاجية تكون بسيطة في معظم الأوقات.
مشكلة الألعاب ونوبات الغضب
لدينا الآن مصطلح يصب هذه الحالة وهو غضب الألعاب "Game Rage" وهو مصطلح يدل على نوبات الغضب المصاحبة لجلسات الألعاب.
وعلى الرغم من وجود المصطلح إلا أن التوصيف الدقيق للحالة غائب ولكن يمكننا معرفة بعض الأسباب التي تدفع اللاعب إلى الدخول في هذه النوبات.
الخسارة الخارجة عن الإرادة
أحد المسببات الأولى لهذه النوبات هي الخسارة الخارجة عن الإرادة، فقد يخسر أحد الأشخاص مباراة بسبب تقطع في اتصال الإنترنت، أو عدم استجابة وحدة التحكم بشكل صحيح في لحظة معينة نتيجة خلل بها.
كذلك قد يخسر الشخص المباراة بسبب خطأ تقني في اللعبة نفسها، أو حتى بسبب سوء أداء باقي أعضاء الفريق، وهذه الحالات تظهر بشكل واضح أثناء لعب الألعاب التنافسية مثل League of legends أو مباريات FIFA.
الخسارة الناتجة عن سوء المستوى
أحد أبرز الأسباب المؤدية إلى نوبات الغضب هي الخسارة الناتجة عن سوء المستوى، في هذه الحالة يبدأ اللاعب في فقد الثقة بقدراته الشخصية.
هو يدرك أنه خسر بسبب سوء مستواه في اللعبة وليس لأي سبب خارج عن إرادته وهنا يبدأ اللاعب بفقد الثقة في ذكائه أو ردة فعله العصبية ويدخل في نوبة الغضب.
الخسارة المادية
في الكثير من الألعاب الموجودة حاليًا يمكن للاعب استثمار أموال حقيقية فيها، وقد يدخل اللاعب في نوبات الغضب بسبب خسارته أدوات قيمة داخل اللعبة أو خسارة المال، وهو نمط شائع الكثير من الألعاب التي تحتوي على مدفوعات مصغرة بداخلها.
متى يجب التدخل؟
لا نريد من هذا المقال أن يؤدي إلى نوع من الوسواس لدى الأباء، بل الغرض منه التوعية.
لذلك لا يمكن اعتبار أي ردة فعل على أنها نوبة غضب، وفي نفس الوقت يوجد بعض التصرفات التي إذا صدرت منك أثناء اللعب أو من طفلك ستكون دليل على نوبة الغضب.
إذا بدأ طفلك بالصراخ بصوت مرتفع نتيجة الخسارة، أو التلفظ بكلمات بذيئة يسب فيها صانع اللعبة أو شركاء اللعب فهذه إشارة قوية على وجود نوبة الغضب.
وقد تكون الإشارات أكثر وضوحًا كأن يقوم طفلك بتكسير يد التحكم أو رميها بعيدًا بعنف، وكذلك قد يصل طفلك إلى مرحلة البكاء نتيجة الخسارة.
كل هذه إشارات على سبيل المثال وليس الحصر، وإذا وجدت بعضها أو كلها أثناء جلسات اللعب فيجب استشارة الطبيب وعدم الاعتماد على المقال فنحن هنا نعرض مشكلة ليس أكثر، كذلك أذا شعرت بوجود إشارات أخرى غير المذكورة فيجب استشارة الطبيب وعرضها عليه.
أحد أبرز الأسباب
في الحقيقة نوبات الغضب يمكن التحدث عنها بشكل أكثر استفاضة ويمكن التحدث عن وسائل لتجنبها، ولكننا نفضل الحديث عن طرق تجنبها في مقال منفصل حتى لا يحدث نوع من التشتيت.
لكن في هذه الفقرة سنتحدث عن أكثر سبب شائع يؤدي إلى هذه الحالة، وهو الإتاحة.
للأسف الشديد يهمل الآباء في مراقبة الأطفال خصوصًا مع زيادة أعباء الحياة وقلة الوقت المتوفر لمتابعة الأطفال.
الكثير يترك طفله أمام الألعاب بدون رقيب في محاولة لتلهية الطفل عنه، لماذا نفكر كثيرا في التربية اشتري جهاز بلايستيشن والطفل سيجلس عليه طوال النهار.
كذلك لا يتقيد أحد بالأعمار المناسبة لكل لعبة، لعبة مثل GTA لها تصنيف عمري أكثر من 17 عامًا، والبعض يرى أنه يمكن النزول بهذا السن إلى أكثر من 12 عامًا، وعلى الرغم من وجود هذا التصنيف إلا أننا نجد مراحل سنية صغيرة جدًا تلعب اللعبة التي تحتوي على عنف، جنس، وعبارات خادشة.، حتى لعبة مثل League of legends لديها تصنيف أكثر من 13 عامًا فهي لعبة موجهة للمراهقين وليس للأطفال من سن السادسة.
الألعاب ليست سيد الذباب
بالعودة إلى روايتنا الرائعة سيد الذباب سنرى أن الألعاب ليست الوحش الموجود في الرواية، بل على الأغلب نحن هو الوحش الحقيقي.
المشكلة لا تكمن في الألعاب ولا الأفلام ولا الإنترنت، المشكلة تكمن فينا نحن وطريقة تعاملنا مع هذه الوسائل الترفيهية.
الألعاب ببساطة مثل أي منتج لها مميزات ولها أضرار، قد تكون الألعاب وسيلة ترفيهية ممتازة أو قد تكون حتى علاج لمرضى التوحد، وفي نفس الوقت قد تكون الألعاب سبب للأزمات النفسية أو حتى الإدمان.
الغضب غريزة إنسانية يمكن تنميتها وعندها سنكون ربينا الوحش الذي نخشاه ولا يمكن التعامل معه، وفي نفس الوقت يمكن تنحية هذه الغريزة وحبسها داخل النفس البشرية عن طريق الاستخدام الصحي لكل منتج حولنا.
لذلك إذا رأيت طفلك يدخل في نوبات الغضب فلا تلقي باللوم على الألعاب، لأن المشكلة لا تكمن في الألعاب بحد ذاتها بل تكمن في طريقة تعامل طفلك مع الألعاب ومدى متابعتك للأمر في الأساس.
?xml>