أعلنت فيس بوك يوم 18 يونيو الماضي عن عملتها الرقمية الجديد Libra لتقتحم الشركة عالم الأموال مُعتمدة على انتشارها الواسع وبرؤية واضحة وهي أن يكون تبادل الأموال بسهولة تبادل الصور كما أشار مؤسس الشركة Mark Zuckerberg خلال كلمته في مؤتمر F8 الأخير قبل أسابيع قليلة من الإعلان الرسمي عن العملة الجديدة.

دخول فيس بوك هذا المجال وبهذه الرؤية الحالمة أثار أسئلة كثيرة حول العملة الرقمية المرتقبة وما الفارق بينها وبين العملات الرقمية الأخرى؟ ولماذا قد تدخل فيس بوك هذا المجال؟ كما أن ردود الفعل الحكومية والمالية لم تكن بالمرحبة, فلماذا؟

أسئلة كثيرة ظهرت خلال الأسبوعين الماضيين وأسئلة أكثر ستظهر مع اقترابنا من موعد الإطلاق الرسمي ما دفعنا اليوم أن نجيب معكم على تلك الأسئلة لربما يأتي اليوم الذي تستبدل فيه هذه العملة الرقمية أموالنا.

ما هي Libra؟

ليبرا هي عملة رقمية جديدة تطورها فيس بوك بالتعاون مع شركة Calibra التابعة لها وهي عملة تعتمد على تقنية Block Chain المستخدمة في باقي العملات الرقمية الأخرى. ستكون إدارة العملة الرقمية الجديدة تحت إدارة Libra Association وهي مؤسسة تضم أكثر من 20 شركة ومؤسسة عالمية في مختلف المجالات اتخذت من سويسرا مقراً لها وستكون مسؤولة عن إدارة العملة وتشغيلها كما ستستثمر كل من الشركات 10 مليون دولار على الأقل قبل أن يزداد عددها إلى 100 شركة بحسب خطط فيس بوك المعلنة قبل الإطلاق الرسمي خلال العام المقبل.

[caption id="attachment_247381" align="aligncenter" width="1200"]Libra المؤسسات والشركات الأعضاء في Libra Association[/caption]

إدارة Libra لن تكون حكراً على فيس بوك فاتخاذ القرارات سيتم من خلال تصويت الدول أعضاء المؤسسة والتي تمتلك فيس بوك صوتاً واحداً ما يجعلها كبقية الأعضاء.

ما هي طريقة عمل Libra ؟ وكيف سيحصل عليها المستخدمين؟

عند إطلاق Libra العام المقبل سيتم تحديد قيمة للعملة الجديدة (سنشرح هذا الجزء لاحقاً) ليتمكن المستخدمين من تحويل عملاتهم النقدية الحالية مستخدمين أي عملة محلية إلى Libra لتبدأ عملية تبادل الأموال في البداية وتمتد خلال السنوات المقبلة إلى الاستثمار إما عن طريق الشهادات الاستثمارية أو الاقتراض.

Libra

لاستخدام عملة فيس بوك الجديدة سيتطلب الأمر إنشاء محفظة للعملة عن طريق تطبيق Messenger أو محفظة Calibra المستقلة عبر إرسال مستندات حكومة تثبت هوية المستخدم. بعد إنشاء المحفظة سيكون بإمكان المستخدمين شراء Libra من خلال المؤسسات المالية الأعضاء في Libra Association مثل Visa, MasterCard و PayPal أو من خلال المؤسسات المالية التي ستدعم العملة في المستقبل.

إنشاء المحافظ لن يقتصر على فيس بوك أو Calibra بل ستتيح فيس بوك الكود البرمجي اللازم بصورة مفتوحة المصدر حتى تنشأ يتم إنشاء محافظ أخرى يمكن أن تستخدم في تبادل العملة.

ما الفارق بين Libra والعملات الرقمية الأخرى المتاحة حالياً؟

Libra

أول الفوارق الجوهرية بين Libra وأي عملة رقمية أخرى مثل Bitcoin و Ehtherium هو أنه لا وجود للتعدين أي أن الطريقة الوحيدة لامتلاك تلك العملة هو من خلال شرائها عبر تبديلها بأي عملة حالية تعترف بها حكومات العالم المختلفة. ثاني الفوارق هو أن Libra لن تتوافر سوي على شكل عدد صحيح من العملات على عكس باقي العملات الرقمية التي يمكن أن يمتلك المستخدمين أجزاء منها.

ثالث فارق وهو الأهم في رأي هو أن Libra ستعتمد في قيمتها على غطاء نقدي حيث سيحدد قيمة العملة عند إطلاقها ولن تترك للعرض والطلب كما هو مع باقي العملات الرقمية. ولفهم هذه النقطة دعونا نشرح آلية العملات في الأساس.

تعود فكرة إنشاء العملات النقدية والبنوك إلى استبدال العملات المعدنية (الذهبية والفضية والبرونزية) بأوراق مالية, أي أن البنك سيأخذ من المواطنين عملاتهم المعدنية ويضعها في خزائنه ويقدم لهم ورقة نقدية تساوي حجم الذهب على سبيل المثال الذي أودعوه في البنك لتسهل عملية التداول ليظهر مفهوم استخدام الذهب كمعدن له قيمة كغطاء نقدي للعملة. وكلما زاد الذهب المُخزن مع الإبقاء على نفس عدد الأوراق المالية ازدادت قيمتها وكلما حدث اختلال بتلك المعادلة اختلفت قيمة العملة إما الانخفاض أو الارتفاع.

الغطاء النقدي الذهبي تم استبداله بالدولار بعد الحرب العالمية الثانية في العديد من الدول لأسباب سياسية واقتصادية عديدة لن نتطرق إليها ولكننا فقط أردنا أن نشرح ما معني الغطاء النقدي وهو أن الورقة أو العملة التي تمتلكها في يدك يساويها قيمة أخرى في البنك

وجود غطاء نقدي لعملة Libra سيساهم في تحديد قيمتها أمام العملات الأخرى مثل الدولار, اليورو, الجنية الإسترليني, الفرنك السويسري والين الياباني ما سيجعل قيمتها مستقرة لجذب المستخدمين لتداولها بشكل آمن دون مخاوف من أي صعود أو هبوط مفاجئ في قيمتها مثلما حدث مع Bitcoin خلال العامين الماضيين

ما الفارق بين Libra والعملات النقدية الحالية؟

Libra

مثلها كمثل باقي العملات الرقمية سيكون مستخدمي Libra غير معروفي الهوية ما سيسهل لهم عملية تبادل الأموال بصورة سرية بعيداً عن أعين الحكومات على عكس ما هو الحال مع الأموال النقدية الحالية التي يسهل معرفة أطراف تعاملاتها وكذلك التحكم فيها بل ومنعها في بعض الأحيان.

من المميزات التي تمتلكها Libra أيضاً مقارنة بالعملات النقدية الأخرى هي سهولة تبادل العملات بدون قيود مادية أو قانونية, فبالنسبة للأولى فمن المتوقع أن تكون رسوم تحويل الأموال بين المستخدمين مهما كانوا في أماكن متفرقة حول العالم لا تذكر أو غير موجودة على عكس العملات النقدية التي يتطلب الأمر رسوماً لتحويل الأموال من مكان لآخر وكذلك من عملة إلى أخرى. أما بالنسبة للقيود القانونية فدولة مثل الصين تضع قيود أمام تحويل الأموال خارجها ويتطلب الأمر شروط وحدود معينة للأموال التي تخرج من البلاد, مع Libra سيمكن لأي شخص إرسال أي مبلغ مهما كان لأي دولة دون أي قيود.

ماذا ستستفيد فيس بوك من Libra ؟

Libra

بالتأكيد لن تتجه شركة فيس بوك إلى مشروع جديد دون أن تضع أعينها على مكاسب على المدى القصير أو البعيد أو كليهما كما هو متوقع ان يحدث مع Libra. من مكاسب الشركة على المدى القصير هو أن تجارة الأموال لا تخسر وهو أمر يمكن ملاحظته في البنوك بكل سهولة (بعيداً عن الأزمة التجارية العالمية التي حدثت خلال عام 2008), الأموال التي سيتم جمعها من Libra سيتم إعادة استثمارها لتكوين أرباح يتم إنفاق جزء منها في تشغيل العملة الرقمية, باقي أرباح الأموال غير معروف مصيرها لأنه وبحسب المعلن فإن Libra Association هي مؤسسة غير هادفة للربح ولكني أشك أن هذا الأمر سيستمر طويلاً.

المكسب الحقيقي لفيس بوك سيكون هو المكسب على المدى البعيد ولفهم هذه النقطة دعونا نعود إلى تاريخ تعاملات فيس بوك النقدي. استمرت فيس بوك لسنوات في الاعتماد على العملات المتداولة بشكل عالمي مثل الدولار, اليورو, إلخ.. في جمع أموالها من أجل تقديم الخدمات الإعلانية. الاعتماد على تلك العملات كان عقبة أمام الكثيرين في الدول التي تعاني من انخفاض قيمة عملتها أمام تلك العملات بخلاف القيود المفروضة للحصول عليها في الأساس.

خلال السنوات الأخيرة فيس بوك حلت تلك المشكلة من خلال دعم عدم ضخم من العملات المحلية ولكن هذا لم بعد كافياً لأن الشركة الأمريكية تسعي لأن تحول تطبيقاتها إلى متاجر إلكترونية مفتوحة ليتمكن المستخدمين على سبيل المثال الشراء مباشرة من Instagram أثناء تصفح صور المنتجات.

الوصول لهدف فيس بوك أن يكون بإمكان الجميع الشراء مباشرة من خدماتها أثناء التصفح أمر مستحيل لأن أكثر عامة المستخدمين لا يمتلكون حسابات بنكية ولا بطاقات ائتمانية خاصة في الدول النامية ما دفع فيس بوك أن تبحث عن حل بديل وسهل أن يصل له الجميع دون أي من المشاكل السابقة وهو Libra.

هل ستستفيد فيس بوك من Libra بصورة تنتهك خصوصية المستخدمين؟

فيس بوك أكدت خلال مؤتمرها للإعلان عن Libra أن حسابات العملة الرقمية الجديدة ستكون مستقلة تماماً عن حسابات فيس بوك وخدمات التواصل الاجتماعي ليطمأن المستخدمين خاصة وسط الاتهامات الكثيرة الموجهة لموقع التواصل الاجتماعي الأشهر على الإطلاق. فيس بوك وكما ذكرنا ستتيح أيضاً إنشاء محافظ أخرى للتعامل بتلك العملة ولن يكون الأمر حكراً لها.

وبعيداً عما ذكرته فيس بوك ففي رأيي الشخصي فإنها مسألة وقت قبل ان تضيف فيس بوك أموالك إلى مجموعة المعلومات التي تجمعها عنك لتصبح الإعلانات والمنتجات التي تشاهدها ليست فقط مبنية على اهتماماتك بل على إمكانياتك المادية. قد يعارضني البعض في رأيي ولكن سجل الفيس بوك السيء يرجح هذا الاحتمال بشكل كبير.

لماذا لم ترحب الحكومات والمؤسسات المالية بعملة Libra ؟

فور الإعلان عن عملة Libra بشكل رسمي خرجت الأصوات الرسمية للحكومات والمؤسسات المالية معارضة للمشروع الجديد والذي وفي أعين الكثيرين سيُغير من السوق المالي العالمي إذا نجح في تحقيق أهدافه.

المؤسسات المالية من جانبها تخشي أن يتجه عامة الناس لإيداع أموالهم في Libra والاستثمار بها فيما بعد ما سيجعل البنوك خاوية من الأموال على المدى البعيد. المؤسسات المالية العاملة في تحويل الأموال ستكون هي الخاسر الأكبر فتواجد بديل لا يكلف المستخدمين النسب الكبيرة التي تفرضها تلك المؤسسات سيحول مئات المليارات من الدولارات بعيداً عنها نحو العملة الرقمية الجديدة.

الحكومات تُعتبر أشد معارضة من المؤسسات المالية التي قد تنخرط في العمل مع Libra في المستقبل. أولاً اتجاه مستخدمين Libra يعني أن الطلب على العملات النقدية الحالية سينخفض ما سيقلل من قيمتها وقدرتها الشرائية فيما بعد وهو ما سيفقد الحكومات هيمنتها على الاقتصاد المحلي والدول الكبرى على الاقتصاد العالمي وهو ما قد يعصف أيضاً بعملة مثل الدولار التي تعتمد في قيمتها على كونها العملة الأكثر طلباً في العالم.

اختفاء هوية المتعاملين بعملة Libra سيكون من المشاكل التي تواجه الحكومات فهي لن تكون قادرة على التحكم في الأموال التي تخرج من الدول كما لن تتمكن من منع المجرمين من التصرف في أموالهم أو استرداد الأموال المنهوبة. في النهاية الحكومات تكره كل ما لا يمكنها أن تسطير عليه أو تنظمه بقانون وهو أمر يمكن ملاحظته بسهولة في محاولة الحكومات إيقاف التشفير من الجهتين End-to-End Encryption في الرسائل النصية.

في النهاية وما لم يحدث أي تغيير حتى العام القادم فنحن أمام تغيير مالي وتقني سيغير عالمنا إلى الأبد فربما نستيقظ في يوم لنجد أن تداول الأموال والحصول عليها أصبح من الماضي وربما نستيقظ لنجد مصيرنا بيد مجموعة من المستثمرين المتحكمين في الأموال عالمياً.

ما رأيك في مشروع عملة Libra الرقمية؟ هل ستستثمر أموالك به؟ كيف ترى تأثيره على الأسواق المادية والتقنية خلال الفترة المقبل؟
شاركنا برأيك في التعليقات!