ازداد موقف المشتريات والسلع الافتراضية في العاب الفيديو سوءا بعدما وصل الامر الي اللجان البرلمانية في العديد من الحكومات الاوروبية وبعدما اصبح حديث وسائل الاعلام بشكل شبه متواصل طوال الفترة الماضية.

ويرجع السبب في ذلك لحكايات ادمان الاطفال المتواصل لممارسات القمار والمضاربات الرقمية المسماه ببطاقات الحظ loot cards او صناديق الحظ loot boxes او العديد من المسميات الاخري الكثيرة.

فمن القصص الشهيرة التي انتشرت في المملكة المتحدة (بريطانيا) هي قصة الوالدين الذين استيقظا صباح يوم ليجدا أن ابنهم الصغير قد صرف كل اموالهم ومدخراتهم علي بطاقات اللاعبين Player Cards في لعبة FIFA خلال ليلة واحدة! والأسوأ من ذلك أن شركة EA قد رفضت اعادة تلك الاموال الي الوالدين بعدما قاما بتسجيل شكوي رسمية لدي خدمة عملاء الشركة، فما كان من الوالدين الا ان قاما بابلاغ السلطات الرسمية، والتي تولت اصلاح الموقف. لكن بعدما تلوثت سمعة شركة EA ولعبة FIFA و موقف السلع الرقمية كله بشكل عام.

وفي دول اخري ايضا تناثرت حكايات كثيرة للغاية عن الاطفال والمراهقين الذين ينفقون الالاف وعشرات الالاف من الدولارات علي مشتريات رقمية في الالعاب، وهو انفاق وصفه الكثير من المراقبين بادمان المقامرة علي تلك السلع. لقد صار من الواضح ان ممارسات السلع الافتراضية والقمار قد خرجت عن السيطرة، وانها اصبحت تشكل تهديدا علي مستقبل الشباب في العالم المتحضر.

وليس اكثر وضوحا علي هذا من قيام مطوري لعبة Grand Theft Auto V Online باصدار محتوي اضافي جديد يتم ممارسة القمار الصرف فيه بصورة علنية في ملهي افتراضي مخصص للقمار في عالم اللعبة الجماعي Online، هذا وعلي الرغم من امتلاء اللعبة حتي النفس الاخير بانظمة شراء سلع رقمية وافتراضية وانظمة صناديق حظ! الا ان كل هذا لم يكن كافيا لشركة Take Two حتي وهي تربح مليارات الدولارات من طور اللعب الجماعي في GTA V، رغم كل ذلك تجرأت الشركة واصدرت انظمة قمار صريحة في عالم اللعبة!

وازداد الموقف سوءا أكثر، مع التسريبات التي خرجت من عدد من مطوري الالعاب عن كيفية تصميم السلع الرقمية بحيث تشجع المزيد من الشراء وانفاق الاموال والمزيد من مضاربات الحظ والمقامرة من قبل اللاعبين، بعض المطورين تحدث عن جعل تلك السلع تثير الحسد والغيرة بين اللاعبين حتي يتنافسوا ويتفاخروا بشراء المزيد منها. وتحدث بعضهم عن جعل تلك السلع اساسية للعب اللعبة (مثل شراء بطاقة تزيد من حجم الذخيرة اثناء التصويب)، كي لا يكون امام اللاعب حلا الا شراء تلك السلع كي يتمكن من لعب لعبته بشكل تنافسي لائق!

ولقد تحقق هذا بوضوح في لعبة Destiny 2، فقد لاحظ اللاعبين أن مقدار اكتسابهم لنقاط الخبرة Experience Points يقل كلما زاد وقت لعبهم للعبة، في محاولة لدفعهم لشراء بطاقات حظ تسرع من اكتساب النقاط .. وفي Assassin's Creed Odyssey لاحظ اللاعبين أيضا أن اكتسابهم لنقاط الخبرة وزيادة المستوي يكون بطئ للغاية بسبب عالم اللعبة المتفوح بشكل شاسع .. أيضا لاحظ اللاعبين أن اللعبة توفر بطاقات حظ تسرع من اكتسابهم لنقاط الخبرة بشكل كبير، مما يعني أن تصميم اللعبة بهذا الشكل مقصود وعن عمد كامل، لتحفيز اللاعبين علي شراء بطاقات الحظ!

بل إن الامر وصل الي كذب بعض المطورين الصريح، فبعد ان وعدوا بعدم دمج تلك الممارسات في عدد من الالعاب، واصدارهم تلك الالعاب دونها بالفعل، الا انهم حنثوا بوعودهم واخلفوا تصريحاتهم السابقة، ودمجوا تلك الممارسات في تلك الالعاب بعد الاطلاق عن طريق تحديثات جديدة new patches، مثلما حدث في عدد من العاب شركة Activision في العاب Crash Team Racing و أيضا في Call Of Duty Black Ops 4 و في Call Of Duty Modern Warfare Remastered. وحدث أيضا مع شركة EA في لعبة Plants Vs Zombies Garden Warfare 2، وحدث أيضا مع شركة Besthesda ولعبة Fallout 76، ومع لعبة Rocket League.

وقد ادت كل تلك القصص الفاضحة الي تنبيه السلطات القضائية والتشريعية في الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الي خطر ما يسمي بممارسات القمار في الالعاب الرقمية العصرية، وأدي هذا الي بدا المناقشات التشريعية لسن قوانين لتحجيم اخطار تلك الممارسات او علي الاقل تنظيم دمجها في الالعاب.

ولقد حاولت شركات الالعاب الدفاع عن حقها في عمل ممارسات شراء سلع رقمية عن طريق المضاربة والحظ باستماتة شديدة، ووصل بهم الامر الي اتهام اللجان التشريعية بانها تناقش قضايا غير قانونية، وانه لا يوجد قانون يمكن سنه كي يحظر تلك الممارسات، لانها حق مشروع للجميع. وقد وصل الامر بتلك الشركات الي الدفاع عن تلك الممارسات في سياق تبريرات غريبة مثل انها تحسن من تجربة اللعب وتجعلها ممتعة اكثر، بل وانها تفاجئ اللاعبين بمفاجئات سعيدة وغير متوقعة اثناء لعبهم!

باختصار تريد شركات الالعاب ان تبرر وجود صناديق القمار في الالعاب بانها تلعب علي عامل المفاجأة والترقب والانتظار بلهفة، وهي نفس الحجج التي يذكرها مدمني القمار لتبرير ادمانهم له. الا ان اللجان القانونية والتشريعية في برلمانات العالم اصرت علي مناقشة الامر تحت ضغوط الرأي العام وتحت ضغوط كارهي القمار في الالعاب من اللاعبين، والذين وصل بهم الضيق مبلغه. وقد تسبب هذا في قيام دولة بلجيكا بحظر تلك الممارسات كلية، بقانون كامل تحت طائلة العقاب ضد القمار .. وعلي الرغم من ذلك فقد تهربت شركة EA من تنفيذ هذا القانون في البداية ورفعت ضده عدد من القضايا، لكنها استسلمت في النهاية بعدما تلقت تحذيرات شديدة اللهجة من الحكومة البلجيكية، وانتهي الحال بـ EA و هي تنزع صناديق القمار من لعبة FIFA تماما في دولة بلجيكا.

وكانت تلك مجرد البداية، فقد تبعت بلجيكا العشرات من الحكومات حول العالم، والتي اطلقت كلها تحقيقات عاجلة بشان ممارسات القمار في العاب الفيديو، تلك التحقيقات التي هي علي وشك سن تشريعات صارمة لمنع وتحجيم هذه الظاهرة التي خرجت عن السيطرة.

وازادا موقف صناديق القمار سوءا بقيام حكومة كوريا الجنوبية بتغريم عدد من شركات الالعاب ملايين الدولارات علي اثر قيامهم بدمج ممارسات قمار وسلع رقمية افتراضية استغلالية في العابهم.

والان فان هيئة التجارة الفيدريالية بالولايات المتحدة قد قررت التدخل في الامر وتقصي حقائقه تمهيدا لسن قوانين او فرض ضرائب وغرامات علي شركات الالعاب التي تمارس صناديق المقامرات في الالعاب. وتحت هذه الضغوط قامت شركات أجهزة الألعاب  الكبيرة مثل Sony و Microsoft و Nintendo بتعديل سياسات عمل المشتريات الرقمية في الالعاب علي اجهزتها، فبدلا من كون الصناديق والبطاقات مجهولة القيمة، حيث لا يعرف اللاعب نسبة احتمال فوزه بالسلعة التي يرغب فيها، ستصدر تلك الصناديق بنسب معلومة مسبقا للفوز بالسلع.

وقامت هيئة التقييم العمري للالعاب ESRB بوضع شعارات سلع رقمية In Game Purchases علي اي لعبة تحوي ممارسات صناديق الحظ، جنبا الي جنب مع شعار التقييم العمري .. وقد يؤدي هذا فيما بعد الي ان تصدر العاب صناديق الحظ بتقييم عمري للبالغين فقط Adult Only، اذا ما وجدت تحقيقات حكومات العالم ان تلك الصناديق تمثل قمارا صريحا.

وعلي إثر ذلك، قامت العاب كثيرة بالغاء صناديق الحظ منها تماما، مثل لعبة Forza 7 و Shadow Of War و Rocket League و Dawn of War 3 و PayDay 2 و Dirty Bomb و غيرهم، وعدلت العاب اخري من حدة تلك الممارسات الي الحد الادني، مثل Star Wars Battlefront 2 و Need For Speed Payback و NBA 2K18 و Destiny 2، وغيرهم.

وقامت شركة EA أيضا بتغيير سياساتها تماما في الاصدارات الجديدة من العابها الجديدة، فقد خلت ألعاب Need For Speed Heat و Star Wars Jedi Fallen Order تماما من أي نوع من المعاملات التجارية أو المشتريات الرقمية .. وكذلك فعلت Call of Duty Modern Warfare و Forza Horizon 4 وغيرهم .. وكذلك جاءت العاب Gears 5 و Rage 2 بمستويات مخفضة للغاية من المشتريات. وصارت الالعاب تتسابق يمينا ويسارا في الاعلان عن هجرها لسياسات الحظ والمشتريات الرقمية، وكان اخر هذه الاعلانات هو إعلان Microsoft عن خلو Age of Empires 4 من اي نوع منها.

وحتي الالعاب التي تحدت الموج العالي وجاءت بسياسات مشتريات رقمية غزيرة مثل NBA 2K20 أو Ghost Recon Breakpoint و Apex Legends، فقد تلقت انتقادا عنيفا وعزوفا شديدا عنهم من قبل اللاعبين، مما أجبر شركة UbiSoft مثلا علي تخفيض حدة انظمة المشتريات في لعبتها Ghost Recon Breakpoint و تأجيل العابها القادمة لمراجعة سياسات تحصيل الأموال فيها تجنبا لتكرار ما حدث. وكذلك فعلت EA مع Apex Legends.

بمعني اخر، فان الصناعة كلها تجهز نفسها كي تغير من طريقة تعاملها مع ممارسات الحظ والمقامرة بشكل جذري، يرضي الجميع، سواء الحكومات او اللاعبين، ويخفف من ضررها علي الصغار والمراهقين من اللاعبين. وينطبق عليهم في هذا المثل الشهير: مجبر اخاك لا بطل، فاما الانصياع لضغوط الرأي العام واما الحظر القانوني بشكل كامل.

ويوما بعد يوم فان موقف سياسات القمار والحظ والمشتريات الرقمية في الألعاب يزداد تأزما أكثر وأكثر، في ظل رفض واسع النطاق لها من قبل الأغلبية، وفي ظل رأي عام يؤمن بأن تنظيم وتحجيم تلك الممارسات في الألعاب سيؤدي الي ازدهار أفضل لصناعة الألعاب.