
مستقبل نوكيا مع مايكروسوفت ...
منذ حوالي عشر سنوات كانت نوكيا هي شركة الهواتف الأولى في العالم، ولم يكن بمخيلة أحد أن يخرج منافس ليزيل هذا الوحش بكل جبروته من على عرش السوق، وأن يصل بهذا العملاق في نهاية المطاف أن يباع بسبعة مليارات دولار وأن تصبح حصته ٣٪ فقط من السوق!
إنها حكاية شركة كبيرة يظن البعض أنها إنتهت، بينما يرى آخرون أنها ستبدأ من جديد. في هذا المقال سنلقي الضوء على تاريخ شركة نوكيا وكيف وصل بها الحال إلى هذه النقطة، ثم نتحدث عن مستقبل الشركة المتوقع تحت عباءة مايكروسوفت، وهل يمكن أن تغير هذه الصفقة من مستقبل الهواتف الذكية؟
تاريخ نوكيا
بدأت نوكيا تاريخها الصناعي عام ١٨٦٥ أي منذ حوالي ١٤٨ عاما! عندما أسس فريدريم إدستام (مهندس تعدين) مطحنة للب الاشجار لصناعة الورق، وفي عام ١٨٧١ وبمساعدة صديقه ليو ميشلين قام إدستام بتحويل الشركة إلى شركة شركة مساهمة بإسم (نوكيا Nokia ) وهو اسم الشركة الحالي حتى الآن. في عام ١٩٠٢ اضافت نوكيا توليد الكهرباء إلى أنشطتها. بعد فترة قصيرة من الحرب العالمية الاولى وتحديدا في عام ١٩١٠ أوشكت نوكيا على الإفلاس فقامت الشركة الفنلندية للصناعات المطاطية بشراء نوكيا لضمان إمداد الشركة بالكهرباء من المولدات التي تمتلكها نوكيا، ثم في عام ١٩٢٢ اشترت الشركة الفنلندية للصناعات المطاطية بشراء الشركة الفنلندية لصناعات الكابلات والتي تخصصت في صناعة كابلات الكهرباء والهواتف الأرضية والتيليجراف.
عام ١٩٦٧ دمجت الشركات الثلاث تحت اسم نوكيا، لتكون بذلك تكتلا صناعيا ضخما، وكانت الشركة (أو الشركات الثلاث مجتمعة) تنتج الورق وإطارات السيارات والكابلات وحتى الأحذية المطاطية وأجهزة التلفاز وآلات توليد الكهرباء والمعدات العسكرية والبلاستيك والألومنيوم والكيماويات.
قسم الإتصالات الذي تطور وأصبح العمود الفقري للشركة بدأ عام ١٩٦٠ كوحدة تابعة لشركة الكابلات وأنتج جهاز إلكتروني لتحليل النبضات واستخدم في محطات الطاقة النووية، ثم مع مرحلة الإندماج التي تمت في عام ١٩٦٧ والتي أشرنا إليها أصبح هذا القسم منفصلا بذاته وتخصص في الإتصالات، وكان من أشهر إنتاجاته في تلك الفترة وحتى السبعينات هو جهاز DX200 المحول الرقمي لبدالات الهواتف.
تطور صناعة الهواتف في نوكيا
منذ الستينات ونوكيا تنتج هواتف متنقلة (مرحلة ما قبل الهاتف الجوال) أو ما يسمى أحيانا 0G. وكانت بعض هذه المنتجات للإستخدامات العسكرية، وفي تلك الفترة طورت نوكيا بالتعاون مع شركة Salora OY عدد من الخدمات، فمثلا في عام ١٩٦٦ وضعت الشركتان معيارا قياسيا ARP الذي استخدم في إنتاج أول هاتف سيارة في العالم، ثم اندمجت شركة Salora OY مع نوكيا عام ١٩٧٩. وفي عام ١٩٨٤ اشترت نوكيا الشركة بالكامل لتكون بذلك أول شركة في العالم للهواتف النقالة.
في عام ١٩٨٧ التقطت صورة لرئيس الإتحاد السوفييتي ميخائيل جورباتشوف وهو يستخدم هاتف Mobira Cityman (الهاتف الذي كان وزنه ٨٠٠ جرام وسعره يعادل ٤٥٠٠ يورو) والذي استخدم الهاتف في الإتصال بموسكو من هلسنكي، وسمي الهاتف وقتها بجوبرا Gobra.
منذ عام ١٩٨٨ لعبت نوكيا دورا مهما في تطور نظام الإتصال GSM الذي غير العالم بعدها، ويكفي عزيزي القاريء أن تعلم أن أول مكالمة GSM في العالم للإستخدام الشخصي (أو التجاري) تمت في في هلسنكي بفنلندا يوم ١ يوليو عام ١٩٩١ باستخدام معدات شبكة من نوكيا. ثم كان أول هاتف GSM من نوكيا هو الهاتف Nokia 1011 وكان ذلك في ١٠ نوفمبر ١٩٩٢.
العشر سنوات الأخيرة في تاريخ نوكيا
بعد أن وجهت الشركة إهتمامها ومواردها لصناعة الهواتف، قدمت خلال السنوات العشر الماضية عددا هائلا من الموديلات، وحققت كذلك أرقاما (خزعبلية إن جاز التعبير) في مبيعاتها، فمثلا أنتجت نوكيا عام ٢٠٠٣ هاتف نوكيا Nokia 1100 الذي باعت منه ٢٠٠ مليون نسخة. (رقم قياسي). كذلك فنوكيا هي أول من دمج اللعب مع الهاتف الجوال من خلال هواتف N-Gage ، ورغم عدم نجاح تلك الهواتف وقتها، إلا أن هذا المبدأ الآن هو اللاعب الرئيسي في كل أنظمة تشغيل الهواتف الذكية الموجودة بالسوق حاليا.
عام ٢٠٠٧ كانت نوكيا تستحوذ على قرابة نصف سوق الهواتف المحمولة، إلى أن ظهر الراحل ستيف جوبز بهاتف آيفون لأول مرة في يناير من ذلك العام، ومنذ ذلك الوقت بدأ إنحسار نوكيا التدريجي وتركت سيطرة السوق لهواتف أبل وهواتف الشركات الأخرى التي تعمل بنظام أندرويد الذي تنتجه جوجل.
لماذا فشلت نوكيا؟
الكثير تحدث عن تراجع نوكيا ليس الآن ولكن منذ خمس أو ست سنوات، وكانت نوكيا قادرة على تعويض خسائرها وتراجعها سريعا إلا أنها كابرت في سوق يتطور سريعا ويتحرك وفق أهواء المستخدمين الباحثين عن التجديد، ولعلك مثلي قرأت كثيرا جدا عن أهم عشرة أسباب لتراجع نوكيا وأكثر خمسة أسباب وأكبر سببين، إلا أن مقالا مكتوبا بالعربية عام ٢٠١٠ للمدون رؤوف شبايك لخص الكثير في ستة أسباب واضحة وبسيطة هي كالتالي: (دخول نوكيا في مهاترات قضائية مع أبل - المدير التنفيذي لنوكيا لم يكن مخضرما أو خبيرا بما يكفي ليقود الشركة من كبوتها - السعي للتقليد وليس الإبتكار - تعدد المنتجات في السنة الواحدة كثير جدا - إهمال رغبات المستخدمين في أجهزة باللمس وذات نظام تشغيل متطور - الأسواق النامية يمكنها أن تقود الشركة لمزيد من الأرباح أو الخسائر).
من وجهة نظري المتواضعة أرى أن أهم أسباب تراجع نوكيا بهذا الشكل الدرامي يكمن في التالي:
- نوكيا لم تطور من نظام تشغيلها سريعا ليتماشى مع متطلبات المستخدمين والنمو السريع في تطبيقات الترفيه والإنترنت والموسيقى.
- لم تطور من أشكار هواتفها بالشكل الذي يمكن أن ينافس في ذلك الوقت ما وصلت إليه الهواتف الأخرى.
- نوكيا لم تستخدم أندرويد! وهذا وحده كان كفيلا بأن يضعها منافسا قويا لسامسونج.
- نوكيا تسيطر على الأسواق النامية والفقيرة، لكنها لم تطور من هواتف ذكية بسيطة يمكنها أن تحدث إنقلابا في تلك الأسواق، ولقد اشار إلى تلك النقطة الكثير من المحللين.
مستقبل نوكيا تحت عباءة مايكروسوفت
ليس خفيا على أحد أن الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية أصبحت تقود عالم الإلكترونيات الآن، وفي ظل تراجع الطلب العالمي على وحدات أجهزة الكمبيوتر فإن الشركات العالمية أصبحت تنظر الآن إلى الهاتف الذكي على أنه الكعكة التي يمكنها أن تحقق الأرباح على الأقل في الوقت الحالي. ومن هذا المنظور فإن صفقة شراء جوجل لشركة موتورولا للهواتف الجوالة لم يكن غريبا، كذلك فإن الصفقة الحالية لمايكروسوفت (محور حديثنا في هذا المقال) ليست كذلك بعيدة عن تلك الأهداف الإستراتيجية. ولهذا كله فسأعرض بشكل سريع ما يمكن أن تحققه.
مايكروسوفت مع نوكيا في الفترة القادمة
باستطاعة مايكروسوفت أن تحول عملاق الهواتف نوكيا من شركة على وشك الإنهيار إلى شركة ناجحة جدا إذا ما قدمت حلولا جديدة وأفكارا متطورة يمكنها أن تتماشى مع السوق وتطلعاته، ولو أننا لخصنا كل ما قيل عن مستقبل هذه الصفقة فإنه بوسعنا أن نضع تلك الأفكار والتوقعات في نقاط كالتالي:
- هواتف ذكية لقطاع الأعمال: يمكن لمايكروسوفت أن تطور نظامها ويندوز فون الحالي Windows Phone ليخدم قطاعا كبيرا من الشركات ورجال الأعمال معتمدة في ذلك على تطوير باقات أوفيس Microsoft Office لإنجاز الأعمال وتحرير الملفات وإدارة العروض التقديمية، مدعومة بمساحات تخزين كبيرة من خدمة Sky Drive. كما يمكنها أن تطور من خدمة البريد على الهواتف لتتكامل مع مزودات Exchange الأكثر استخداما في الشركات الكبيرة والقطاعات الحكومية. والنقطة الأهم من هذا هو تطوير حلول ذكية لإدارة تطبيقات مايكروسوفت الموجهة للشركات مثل SharePoint و Dynamics ما سيجعلها الهاتف الذكي الأكثر توافقا في العالم مع أنظمة ERP ودعم تدفق الأعمال Documents Workflow. ولو أضفنا لهذا خدمة Skype التي تمتلكها مايكروسوفت والتي يمكن أن تقدم حلولا أكثر تطورا (وإندماجا) لتوفير إجتماعات فيديو ومكالمات صوتية عبر إنترنت فائقة الجودة، فإننا بكل هذا سنكون بصدد هاتف أعمال من الطراز الأول ويمكنه أن يحقق ما عجزت بلاك بيري عن تحقيقه في العقد الماضي.
- أجهزة لوحية متطورة: الأجهزة اللوحية الحالية والتي تعمل بأنظمة iOS أو Android تقدم الكثير من الحلول، لكنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تغنيك عن الرغبة في إتمام بعض الأعمال الأخرى التي تحتاجها من جهاز الكمبيوتر الشخصي، ولعل رؤية مايكروسوفت بأن جهاز لوحي يعمل بنظام ويندوز يمكنه فعلا أن يعوضك عن استخدام جهاز شخصي ويمنحك متعة استخدام جهاز لوحي لم تلق التشجيع أو الإعجاب الكافي من المستخدمين، إلا أن تطوير هذه الأجهزة يحتاج لبعض الوقت والمزيد من الإبداع. ولا يفوتنا بأي حال من الاحوال أنه وحتى هذه اللحظة تبقى الهواتف وحتى الأجهزة اللوحية بحاجة إلى نظام تشغيل ويندوز أو ماك لإصلاحها أو إعادة تثبيت نظام التشغيل أو مزامنة الموسيقى والملفات معها، مع يعني أن زمام المبادرة ما زال في يد مايكروسوفت التي يمكنها أن تقدم لك جهاز لوحي بنظام تشغيل ويندوز ويصبح هو نقطة التوصيل لكل أجهزتك الذكية حتى وإن اختلفت الشركة المصنعة لها.
- التكامل مع السيارات: تعتمد ٨٠٪ من الشركات المنتجة للسيارات على خرائط نوكيا لتشغيل أجهزة الملاحة الخاصة بها، ولأنها تحقق هذا النجاح (البعيد عن الأعين)، فإنه باستطاعة مايكروسوفت أن تطور هواتفها (بشراكة مع شركات السيارات) لتتكامل مع أنظمة الملاحة في السيارات بل ولتقدم خدمات أعلى من ذلك كنداءات الطواريء والتنبيه بالحوادث وتتبع السيارات المسروقة ومواعيد الصيانة وأقرب مراكز الصيانة والتحكم المستقبلي بالسيارة نفسها كاستدعائها من الموقف (قدمت شركة أودي Audi تجربة لهذا)... الخ من الأفكار التي ستخرج هاتف نوكيا المدعوم بنظام ويندوز فون من مجرد هاتف ذكي تقليدي إلى أسلوب ونمط حياة.
- الاسواق النامية والفقيرة: ما زالت نوكيا تمتلك حصة لا بأس بها في الأسواق الفقيرة والنامية كأفريقيا والهند والشرق الأوسط، مما يلقي الكرة مرة أخرى في ملعب مايكروسوفت لتقدم ثورة في تلك الأجهزة رخيصة الثمن وتستحوذ على قطاع عريض من المستخدمين الفقراء الباتحثين عن هواتف ذات واجهات وأنظمة أكثر تطورا وتمكنهم من التصوير والإستمتاع بالموسيقى والإنترنت دون المساس بسقف الأسعار المتاح لهم.
الخلاصة
نوكيا شركة عملاقة، وذات تاريخ عريق جدا، ورغم أنها فقدت الكثير من بريقها في الفترة الأخيرة إلا أن صفقة مايكروسوفت يمكنها أن تغير من المسار التاريخي للشركة وتعيد صناعة العملاق من جديد، تماما كما أنه بوسع مايكروسوفت أن ترهق هذا العملاق بأفكار سطحية وهوجاء فيندثر هذا الإسم وتطويه صفحات التاريخ الصناعي التي لا تتوقف.
?xml>