تُعد تقنية OLED أفضل تقنية للشاشات في عالمنا بلا منازع، ما لم تظهر تقنية أرضية كانت أو فضائية تضاهيها. حيث إن ميزاتها العديدة، مثل ألوانها المذهلة، وحركتها السلسة، وتباينها الفائق، وسطوعها الهائل، واستجابتها اللحظية، ومرونتها العالية، ونحافتها الكبيرة، وزوايا رؤيتها الواسعة للغاية؛ ساعدت في انتشارها سريعاً مثل النار في الهشيم خلال العقدين الأخيرين. وأصبحت التقنية المفضلة لمشاهدة المحتوى، واللعب، والعمل عبر مختلف الأجهزة.

LED vs OLED
Image Credit: infinityPV

توجد أنواع عديدة من شاشات OLED من مصنعين مختلفين أبرزهم Samsung، وLG، وBOE وبتسميات مختلفة، جميعها تنتهي بالمقطع OLED؛ إذ تحكمها جميعاً تقنية واحدة ولو اختلفت مكوناتها أو طريقة تصنيعها. قد تظن أن هذه التقنية حديثة العهد، ورغم أنها أحدث تقنيات الشاشات في السوق، فإن تقنية OLED أقدم بكثير مما تتخيل، بل قد تكون أقدم من دول بحد عينها. لذا، وقبل التعمق في هذه التقنية، من الأجدر معرفة تاريخها العريق أولاً، وهو ما سنبدأ بسرده قبل استعراض التفاصيل الأخرى.

لمحة تاريخية عن تقنية OLED: عمرها يفوق السبعين عاماً!

يمتد تاريخ تقنية OLED لخمسينيات القرن الماضي، عندما اكتشف فريق بقيادة العالم الفرنسي André Bernanose ظاهرة الانبعاث الكهروضوئي لمركب عضوي يُعرف باسم أكريدين أورانج، الذي بدأ في التوهج فور تطبيق جهد كهربائي عليه. خلال السنوات التالية، لوحظت نفس الظاهرة مع العديد من المركبات الأخرى بواسطة علماء آخرين مثل Roger Partridge، الذي أضاء شريطاً من البوليمر وضع مسبقاً بين قطبين من المعدن، وهو ما مهد الطريق لتقديم أول شاشات OLED في التاريخ.

OLED
Image Credit: FLUXiM

بعدها، شهد مطلع الثمانينيات والتسعينيات تطوير أول نماذج أولية لشاشات OLED، بفضل مساهمات كبرى من علماء مثل Ching Wan Tang وSteven Van Slyke، والذين قدموا نموذجاً أولياً لشاشة OLED. بينما شهدت نهاية الثمانينيات انطلاق "الضوء الأخضر" لمزيد من التطوير في تقنيات OLED، حيث تمكن العالم Jeremy Burroughes من إضاءة مركب بولي فينيلين فينيلين باللون الأخضر بمجرد تطبيق جهد كهربائي عليه، مما مهد الطريق لتوليد الألوان المتعددة.

مع ذلك، استغرقت التقنية سنوات عديدة لاحقة لتطوير شاشات OLED ناضجة توفر انبعاثاً كهروضوئياً مناسباً للاستخدام العادي. بيد أن الألفية الثانية قد شهدت الانطلاقة الحقيقية لتقنيات OLED مع إنشاء أول مصنع لإنتاج تلك الشاشات، ليُقدم بعدها أول أجهزة من نوعها بشاشات OLED، مثل الهاتف الخلوي Motorola Timeport P8767، وكاميرا Kodak EasyShare LS633، وتلفاز Sony XEL-1.

الثنائيات العضوية: الخلطة السرية لتفوق تقنيات OLED عما سواها

جميع شاشات OLED مصنوعة من مكون سري واحد يُعرف باسم Organic Light Emitting Diodes، وهو ما يُختصر لتسمية OLED، أي الثنائيات العضوية الباعثة للضوء، بدلاً من الثنائيات غير العضوية المُستخدمة في شاشات LED العادية. هذه الثنائيات عبارة عن أشباه موصلات قائمة على الكربون، تحول الجهد الكهربائي لضوء. يتمثل السر وراء تقنية OLED في وضع سلسلة من الأشرطة العضوية بين موصلين كهربائيين، بحيث تُحول الطاقة الكهربائية لطاقة ضوئية، وهذه فكرة مشابهة لتسخين أسلاك التنجستين داخل المصباح الكهربائي.

OLED
Image Credit: Unisystem

وعمومًا، ما يميز شاشة OLED وشاشات LED عن الشاشات التقليدية مثل شاشة الكريستال السائل LCD، هو أن الثنائيات العضوية تبعث الضوء ذاتياً، أي أنها لا تتطلب إضاءة خلفية، مما يجعل شاشات OLED أنحف وأكثر كفاءة من شاشات LCD التي تتطلب إضاءة خلفية بيضاء اللون. ليس هذا فحسب، حيث توفر شاشات OLED أفضل تجربة بصرية، بل ويمكن أن تكون شفافة ومرنة وقابلة للطي وحتى قابلة للتدوير والسحب، وهو ما يفسر هوس شركات التكنولوجيا والمستهلكين بهذه التكنولوجيا.

طريقة عمل شاشات OLED: شطيرة إلكترونية بنكهة ملونة

نظراً لوجود ثنائيات بكلتا الشاشتين، تعمل شاشات OLED بطريقة مشابهة لشاشات LED، ولكن بدلاً من استخدام طبقات من أشباه الموصلات من نوع n-type وp-type، تستخدم شاشات OLED جزيئات عضوية لإنتاج الإلكترونات سالبة الشحنة والفجوات موجبة الشحنة. شاشات OLED البسيطة تتكون من ست طبقات مختلفة، بما يشمل الطبقتين الخارجيتين البلاستيكية أو الزجاجية، وهما الغطاء "Seal" والقاعدة "Substrate"، وبينهما الكاثود السالب والأنود الموجب واللذان يمر الجهد الكهربائي من خلالهما. بين الكاثود والأنود، توجد طبقتان عضويتان هما الطبقة الموصلة "Conductive" التي تنقل الفجوات الموجبة للطبقة الباعثة. والطبقة الباعثة "Emisive" التي تمتص الفجوات من الطبقة الموصلة والإلكترونات من الكاثود لتوليد الضوء.

OLED
Image Credit: ArabHardware

لإضاءة شاشة OLED، يُطبق جهد كهربائي عبر الكاثود والأنود. ومع بدء تدفق الكهرباء، يستقبل الكاثود الإلكترونات السالبة من مصدر الطاقة، بينما يستقبل الأنود الفجوات الموجبة. تجعل الإلكترونات الطبقة الباعثة سالبة الشحنة، بينما تجعل الفجوات الطبقة الموصلة موجبة الشحنة. تتمتع هذه الفجوات بقدرة كبيرة على التنقل مقارنة بالإلكترونات، حيث تقفز من الطبقة الموصلة للطبقة الباعثة. بمجرد التقاء الفجوات الموجبة بالإلكترونات السالبة، فإنهما يلغيان بعضهما ويطلقان شحنة من الطاقة على شكل جسيم من الضوء، ألا وهو الفوتون. تستمر هذه العملية مع تدفق المزيد من الجهد الكهربائي. أما عن الألوان، فإنها مبنية على مرشحات لونية مكونة عادة من ثلاثة ألوان رئيسية هم الأحمر، والأخضر، والأزرق، والذين ينتج عنهم جميع الألوان وتدرجاتها، باستثناء اللون الأسود الناتج عن تعطيل التدفق الكهربائي.

أنواع شاشات OLED: المسميات مختلفة والتقنية واحدة

توجد أنواع عديدة من شاشات OLED في السوق، التي تشير أسمائها المختلفة لطريقة تنظيم مصفوفة البيكسلات، أي نمط توزيع مجموعات البيكسلات داخل الشاشة أو ألوان البيكسلات أو بعض خواص الشاشة نفسها. من أمثلة الشاشات التي تشير أسمائها لنوع المصفوفة شاشات Active-matrix OLED أو AMOLED للمصفوفات النشطة، التي تتحكم بكل بيكسل منفرداً، وشاشات Passive-matrix OLED أو PMOLED للمصفوفات غير النشطة، التي تتحكم بمجموعة من البيكسلات مما ينعكس على معدل التحديث، وبالتالي وقت استجابة المصفوفة.

Image Credit: Samsung Display

أما عن أمثلة الشاشات التي تشير أسمائها لألوان البيكسلات شاشات WOLED أو White OLED للبيكسلات المكونة من اللون الأبيض، بجانب ألوان الأحمر والأخضر والأزرق، مما يحسن بشكل كبير من جودة الألوان، وبالأخص اللون الأبيض الذي ينتج ابتداءً وليس من اندماج الألوان الثلاثة الأخرى، وهو ما يفسر استخدام هذه التقنية مع شاشات التلفاز. أخيراً، من أمثلة الشاشات التي تشير أسمائها لبعض خواص الشاشة نفسها شاشات TOLED أو Transparent OLED للأقطاب الشفافة، حيث تستخدم أنود وكاثود شفاف، مما يولد الضوء من كلا اتجاهي الشاشة. تُعرف هذه الشاشات باسم HUDs أو Head-Up Displays ووظيفتها الأساسية عرض المحتوى دون إلهاء المستخدم كما في وسائل النقل العام.

ميزات شاشات OLED: تجربة مشاهدة مثالية

توفر شاشات OLED تجربة أقل ما يُقال عنها أنها مثالية، ما لم تظهر تقنية أفضل، متمثلة في عناصر مثل السطوع، والتباين، والألوان. أبرز ما يميز تقنية OLED أنها لا تتطلب إضاءة خلفية، مما يؤثر بقدر كبير على سمكها ووزنها، ولكن لا يعني ذلك بالضرورة أنها موفرة للطاقة بالكامل، حيث يعتمد استهلاك الطاقة على لون المحتوى المعروض. يرتفع استهلاك الطاقة مع المحتوى الساطع القريب من اللون الأبيض، بينما ينخفض مع المحتوى المظلم القريب من اللون الأسود، وهو ما فسرناه سابقًا عند الحديث عن عرض الألوان في شاشات OLED.

OLED
Image Credit: Sony Electronics

أيضاً، تتميز شاشات OLED بوقت استجابتها فائق السرعة، والذي يصل إلى 10 ميكروثانية، أي 0.01 مللي ثانية، فقط عند درجة حرارة 25 درجة مئوية، مما يمكنها من عرض المحتوى بسلاسة مهما بلغ معدل إطاراته ولو تجاوز المئات في الثانية يبقى عرض المحتوى بنفس السلاسة ومعدل تأخير شبه منعدم. يفسر ذلك انتشار شاشات OLED في صناعة الألعاب، فلم تعد مجرد رفاهية أو خياراً أول لألعاب القصة والعالم المفتوح فحسب، بل أصبحت ضرورية للألعاب التنافسية والرياضات الإلكترونية.

عيوب شاشات OLED: عمر افتراضي قصير

نظراً لأنه لا يوجد شيء دون مقابل، فإن أبرز عيب في شاشات OLED هو عمرها الافتراضي القصير أو بالأحرى عمر الثنائيات العضوية المصنوعة منها. المثير للاهتمام أن عمر شاشات OLED يعتمد بدرجة كبيرة على الألوان التي تعرضها، أي نوع المحتوى المعروض، فمثلاً يُفضل استخدام شاشات OLED أحادية اللون مع الأجهزة المُتوقع أن تصمد لسنوات عديدة، وخاصة تلك ذات الشاشات الصغيرة التي لا يزيد حجمها عن خمس بوصات، فقد يصل عمر هذه الشاشات إلى 100 ألف ساعة. ومع ذلك، يعمل مصنعو الشاشات على رفع العمر الافتراضي لشاشات OLED، لدرجة أن بعضهم يعلن أن أجهزة التلفاز خاصتهم تصمد إلى 100 ألف ساعة أو ما يوازي 11.5 عاماً من التشغيل!

OLED
Image Credit: ZDNET

تُعرف شاشات OLED بالاحتراق "Burn-in" أو ما يُعرف بالتطبيع، وهو احتراق بيكسلات بألوان معينة قبل الأخرى، مما يترك علامات دائمة في الشاشة مثل شريط مهام Windows. أضف إلى ذلك أن الثنائيات العضوية المُستخدمة في تصنيع شاشات OLED نفسها حساسة للظروف البيئية مثل الرطوبة، لدرجة أن الأضرار الطفيفة والرطوبة التي تخترقها قد تؤدي لتلف لا يمكن إصلاحه للمصفوفة. لذا، يجب تغليف سطح شاشات OLED عبر إضافة طبقة حماية زجاجية أو بلاستيكية، وخاصة إذا كانت لأجهزة كبيرة الحجم مثل شاشات الحاسوب والتلفاز. بجانب ما سبق، يُعاب على شاشات OLED تكلفة تصنيعها المرتفعة مقارنة بأنواع الشاشات الأخرى؛ بسبب تعقيد المواد العضوية والدقة المطلوبة خلال عملية التصنيع، مما يفسر ارتفاع أسعارها الملحوظ.

ختاماً

في النهاية، توجد أجناس عديدة من شاشات OLED بمسميات منفصلة، ومواصفات متفاوتة، وميزات متنوعة، ولكنها تشترك جميعاً في نفس الحمض النووي الموروث الممتد لما يزيد عن سبعة عقود مع اكتشاف خصائص الثنائيات العضوية الباعثة للضوء. يعتقد البعض أن ميزات شاشات OLED تأتي على حساب عيوب كبيرة في نظرهم، وأبرزها العمر الافتراضي الذي يظل أقل من الشاشات الأخرى، والسعر الذي يظل أعلى من الشاشات الأخرى. ومع ذلك، تبقى شاشات OLED أفضل نوع عرفته البشرية حتى إشعار آخر.