هل يمكن حقا الحصول علي رسوم تحاكي الواقع بشكل كامل في الوقت الحالي؟ نعم يمكن لكن بشرط توفر قدرة حوسبية computing power غير محدودة!!!

لكن بداية، لا يمكن الحصول علي قدرة غير محدودة من القوة الحوسبية، ليس بتقنيات الوقت الحالي علي الأقل! فالمسألة نسبة وتناسب، هل تريد رسوميّات معقولة وجميلة في نفس الوقت؟ (مثل الموجود حاليا)، أم تريد رسوميات فائفة الجودة، ولا تقل عن العالم الحقيقي في شئ؟

في الحالة الأولي، فان التقنيات الحالية تكفيها الي حد ما، والمقصود بالتقنيات هنا هو درجة التصنيع وعدد الدوائر الكهربية (ترانزيستور)، و سرعة استجابة الذواكر.

بالنظر مثلا الي منصّات الألعاب المنزلية، مثل Xbox و PS4، نجد أنها تنجح في الحصول علي قدر معقول من الرسوميات عن طريق تقديم تضحيات عديدة، مثل الاستغناء عن تنعيم الحواف Anti-Alisaing، أو تقليل دقة الكساءات والخامات Textures، أو استخدام ظلال ونماذج اضاءة غير دقيقة، ثم والأسوأ من كل ذلك، استخدام دقة عرض قليلة 1080p، وكثيرا أقل من ذلك أيضا 900p، وبعد كل ذلك، تحقق 30 اطارا بصعوبة!

رسوم تحاكي الواقع تماما، هل هي ممكنة حاليا أو في المستقبل القريب؟

بالمقارنة ، نجد أن بطاقات DX12 الحالية، يقع عليها أعباء مضاعفة، فهي أولا تعمل بضعفي دقة العرض : 1440p، وأحيانا أربعة أضعاف 2160p ، كما تعمل بتنعيم حواف Anti Aliasing عال: 4X ، ودقّة كساءات أكبر، ونماذج اضاءة وظلال أدق بمراحل، بالاضافة الي حسابات صعبة للمحاكاة الفيزيائية Physics، ثم وبعد كل ذلك، يطلب منها أن تعمل بما يفوق الـ60 اطارا.

اذا تخيلنا مثلا، دمج أقوي بطاقة رسومية متاحة، وهي بطاقة Titan RTX في منصة Xbox One، فاننا نحصل -مع بعض التحفّظ- علي ما يمكن تسميته بقدرة غير محدودة علي المعالجة الرسومية، فمواصفات Titan RTX التقنية هي عدة أضعاف معالج Xbox One الرسومي ، يتحقق ذلك بشرط أن تظل دقة العرض ومتطلبات الاطارات كما هي : 900p أو 1080p علي 30 اطارا، و هنا يمكن للمطوّرين الانشغال بتطوير كساءات textures و أنظمة اضاءة وظلال أكثر دقة وتفصيلا، كما يمكنهم اضافة تنعيم الحواف Anti Aliasing دون أن يؤثر ذلك علي الأداء كثيرا، (حيث تزيد غرامة تفعيل تنعيم الحواف بزيادة دقة العرض)، وسيتمكنون من الوصول الي مستويات عالية للغاية في المحاكاة الرسومية، أعلي حتي من الموجودة حاليا في ألعاب مثل Uncharted 4 و Metro Exodus و Red Dead Redemption 2 و غيرهم.

رسوم تحاكي الواقع تماما، هل هي ممكنة حاليا أو في المستقبل القريب؟

لكن مع زيادة دقة العرض ومتطلبات الاطارات، تبدأ تلك القدرة اللامحدودة -المفترضة- في الانكماش تدريجيا، حتي تعود محدودة من جديد، محدودة بدقة عرض عالية تأكل منها كتلا كبيرة (مثل 4K مثلا)، ليأتي عدد الاطارات العالي و يلتهم البقية الباقية منها.

ثم تأتي مسألة التطور البطئ لبعض الجوانب الرسومية لتعرقل من تقدم الرسوميات بتقنيات العصر الحالي، وأكثر الأمثلة وضوحا هو عدد المضلعات الكلي Polygons، والذي يحدد مقدار التفاصيل التي يمكن وضعها في الأشكال الثلاثية الأبعاد، أو عدد الأجسام علي الشاشة ..  فمعالج Xbox One يستطيع معالجة 1.7 مليار مضلّع، بينما يستطيع Titan RTX معالجة 11 مليار مضلع، وهي زيادة 6 أضعاف فقط، وبعد مرور ما يقرب من سبعة سنوات! بينما تضاعفت قوة الحوسبة الرسومية Compute (للاضاءة والظل) بمقدار 15 ضعف، فقوة حوسبة معالج Xbox One لا تتعدي الـ 1.3 مليار عملية حسابية، بينما يستطيع Titan RTX معالجة ما يوازي 20 مليار عملية حسابية! مما يعني أن تطور الرسوميات في جانب المضلعات لن يكون بنفس وضوح تطور الجوانب الأخري التي تحتاج الي قوة حوسبة رسومية كالاضاءة والظلال مثلا.

النقطة السابقة تبين لنا أن تطور المعالجة الرسومية، لم يكن شاملا وعلي كل الجبهات، حيث حصلت بعض الجبهات علي النصيب الوفير من التطوير، بينما تم اهمال جبهات أخري، فجبهة عدد وحدات الحوسبة علي سبيل المثال حصلت علي أكبر قدر ممكن من التطور، فهاهي تتضاعف في العدد في كل عام، والأرجح أن هذا التضاعف كان مدفوعا بمتطلبات دقة العرض العالية وعدد الاطارات الكبير والتي تميّز الحواسيب المكتبية PC، بينما تم اهمال جانب عدد المضلعات تماما، واقتصر تطوره علي التطور التلقائي مع ارتفاع ترددات المعالجات الرسومية، ولم يكن تطورا متعمّدا أبدا.

رسوم تحاكي الواقع تماما، هل هي ممكنة حاليا أو في المستقبل القريب؟

لم يطرأ تغيير مهم علي هذه الجبهة الا حديثا نسبيا، مع مقدم سلسلة GTX 400 من NVIDIA، والتي أتت بوحدات متعددة لمعالجة المضلعات، لتزيد من قدرة معالجة المضلعات بقدر كبير للغاية، ثم أتت بطاقات GTX 900 لتزيد من هذا القدر بعدة أضعاف، فبطاقات NVIDIA من هذ الجيل تميزت بالقدرة علي اخراج عدد هائل من المضلعات بفضل تقنية ضغط المضلعات، وهي التقنية التي لا تزال مستمرة حتي هذه اللحظة في بطاقات RTX 2000.

وفوق كل ذلك تعرضت جبهة معالجة المضلعات لقيود اضافية فرضها عليها سرعة المعالج المركزي CPU في اصدار اوامر تجهيزالمضلعات للرسم، وليس هذا فحسب بل كانت هناك قيود من المكتبات الرسومية APIs مثل DirectX و OpenGL والتي كانت لسنوات طويلة تفرض سقفا لا يمكن تخطيه في عدد المضلعات التي يمكن رسمها. لكن عجلة التطور لا تتوقف بسهولة، فالمعالجات المركزية ازدادت سرعة، وحصلنا أخيرا وبعد طول انتظار، علي مكتبات رسومية جديدة بلا سقف في رسم المضلعات، مثل DirectX 12 و Vulkan، والمتوقع أن يزيد تطور جبهة المضلعات في الأجيال الرسومية القادمة أكثر من ذلك، وأن يأتي معالج Xbox القادم بفارق محترم عن سلفه في هذا المجال.

رسوم تحاكي الواقع تماما، هل هي ممكنة حاليا أو في المستقبل القريب؟

وتطور الجبهات يدفعنا الي الكلام عن الحالة الثانية، أي الرسوميات التي لا تقل عن العالم الواقعي في الجودة، .. وبالنظر الي ما سبق، نجد أن الجبهات الحالية غير كافية للوصول الي هذه الدرجة من المحاكاة الرسومية، فعدد المضلعات لا يزال صغيرا، و دقة الاضاءة غير كافية، وسعة تخزين وتبادل الكساءات مخجلة.

والأدهي من كل ذلك، أن تقنيات العتاد الحالية لا تكفي للوصول لدرجة تطور الجبهات المطلوبة، حيث يلزم عدد رهيب من الدوائر الكهربية transistors للحصول علي دقة اضاءة قريبة من العالم الواقعي، والذي يمتاز بعدد كبير من مصادر الضوء، سواء المباشرة أو الناتجة عن انعكاس الضوء علي الأسطح المصقولة وشبه المصقولة، وهذا العدد الكبير من مصادر الضوء يتطلب قوة حوسبية هائلة، لن تتوافر الا بزيادة عدد وحدات الحوسبة الي مستويات مئات الأضعاف، وهو شئ لن يتحقق بمجرد تصغير دقة التصنيع الدوائر الكهربية، الا ربما عند الوصول الي دقة 1 نانومتر.

ولقد بدأ عالم الرسوم في أن يخطو خطواته الأولي نحو محاكاة العدد الكبير من مصادر الضوء من خلال تقنية تتبع الأشعة Ray Tracing .. والتي انتشرت في كل محركات الألعاب الرئيسية وفي أجهزة الألعاب المنزلية القادمة بالفعل، وبقدومها فان القدرة الحوسبية المطلوبة تزادا أكثر وأكثر. فالتقنية لا تحتاج قوة حوسبة اضافية وفقط، بل تحتاج أيضا الي وحدات تسريع جديدة ray tracing cores لتسريع تتبع الأشعة، مما يزيد من عدد الدارات الكهربية التي نحتاجها!

رسوم تحاكي الواقع تماما، هل هي ممكنة حاليا أو في المستقبل القريب؟

لكن ذلك لن يمثل شيئا أمام أخطر العقبات العتادية، والتي تؤثر علي سعة تبادل الخامات textures، و التعامل السريع مع البيانات، وهذه العقبة هي زمن الوصول للذاكرة Memory Access Time.

تلك العقبة هي مثال آخر للتطور الهائل لعتاد الحاسوب في جبهات معينة، والتطور المخجل له في جبهات أخري، فعلي الرغم من تطور معالجات الحاسوب تطورا متضاعفا في كل عام، الا أن زمن الوصول للذاكرة لا يتحسّن الا كل ثلاثة أعوام أو عامين، ويصل مقدار التحسن الي 25%، مع توقعات بالوصول الي حائط تقني ضخم بعد عدة أعوام، يوقف من عجلة التطوير علي هذه الجبهة نهائيا. إن عرض تبادل الذاكرة bandwidth في منصة PlayStation 4 يبلغ 176GB في الثانية، بينما في Titan RTX يصل الي 672GB في الثانية، وهي زيادة لا تتعدي الأربعة أضعاف فقط!

المشكلة تكمن في أن هذه الجبهة شديدة الأهمية، فمع زيادة عدد مصادر الضوء، و كمية الخامات textures و معدل ضخ المضلّعات، وما يصاحب ذلك من تضخم وانتفاخ في كمية البيانات الرسومية .. نجد أن الذاكرة -بحالتها الحالية- تعجز عن توفير هذا القدر الكبير من البيانات بالسرعة الملائمة، مما يخلق نقاط اختناق تعرقل من الحصول علي الاستغلال الملائم للقوة الحوسبية المتوافرة.

الذاكرة بحالتها الحالية تنجح في توفير معدل ضخ عال للبيانات بطرق معقدة، تشمل استخدام ذواكر مخبأة Caches و توقع Predictions و جلب مسبّق للبيانات Prefetch ، وكلها عوامل تقل كفائتها مع زيادة حجم الذاكرة و مع زيادة البيانات المطلوب التعامل معها، ليؤدي كل ذلك الي المصير القاتم المحتوم : أن زمن الوصول العشوائي للذاكرة سيظل مرتفعا مقارنة بقدرة المعالجات علي معالجة البيانات.

يبحث العلماء الآن في وسائل ابتكار تقنيات عتادية جديدة تماما لاستخدامها في الذواكر، وحتي تأتي هذه الأبحاث بثمار ناجحة، فان الوصول الي مستويات الحياة الواقعية الرسومية هو أمر بعيد المنال تماما حاليا. وليس بسبب الذواكر وفقط، نحتاج كما أسلفنا الي تطور جبهات الرسوم تطور سريعا، ونحتاج لزيادة عدد الدارات الكهربية عدة أضعاف. وأمامنا في عالم التقنية شوط طويل حتي يتحقق هذا. إما هذا وأما نكون قنوعين وان نرضي بدقة عرض متوسطة مثل 1080p و عدد اطارات لا يفوق الـ 30fps.