17 سبتمبر اليوم الأول للانتخابات البرلمانية الروسية، خضعت كل من أبل وجوجل لمطالب الحكومة الروسية بإزالة تطبيق التصويت الاستراتيجي الذي طوره زعيم المعارضة أليكسي نافالني Alexei Navalny من متاجر تطبيقات iOS و Android.

وقامت أبل بعد ذلك بتعطيل ميزة Private Relay التي تعزز خصوصية تصفح الويب للمستخدمين في روسيا، وعلى الجانب الأخر قامت جوجل أيضًا بإزالة مقاطع فيديو على يوتيوب التي تقدم نصائح حول كيفية التصويت استراتيجيًا في الانتخابات. في الماضي تجاهلت شركات التكنولوجيا الكبيرة عمومًا طلبات الرقابة من الحكومة الروسية. فلماذا استسلم عمالقة التكنولوجيا الأمريكية للضغط؟

الإنترنت السيادي في روسيا!

للإجابة على هذا السؤال يجب الإقرار بأن روسيا هي قوة عظمى إلكترونية متطورة، وتحاول الآن بناء شبكة الإنترنت السيادية الخاصة بها، للحفاظ على السيطرة، لكن دون عزل نفسها عن الإنترنت الأوسع، وربما تسعى روسيا إلى ما يسمى الديمقراطية الرقمية!

وضعت كل من أبل وجوجل القيم الديمقراطية كقيمة عليا تسمو فوق كل شيء، حيث اعتادت جوجل استخدام عبارة "لا تكن شريرًا" كشعار غير رسمي لها ضمن قواعد السلوك الخاصة بها، أما الآن فهي تعلن أن مهمتها هي "تنظيم المعلومات في العالم وجعلها مفيدة ومتاحة عالميًا، بل وعندما يختلف القانون الوطني والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، فإننا نتبع بالتأكيد المعايير الأعلى". تعتمد مثل هذه الادعاءات التسويقية على لغة اليوتوبيا السيبرانية، وهو مفهوم يرى الإنترنت كقوة للديمقراطية في العالم.

وعلى الجانب الأخر يرى بعض الخبراء وعلى رأسهم الباحث الأمريكي "يفجيني موروزوف" وصف اليوتوبيا الإلكترونية بـ "الوهم"، ازدادت هذه الشكوك في السنوات الأخيرة، مع تزايد الأدلة على وجود تضارب بين القيم الديمقراطية وما تفعله الشركات التكنولوجيا الربحية.

إضافة إلى ذلك، بدأت الحكومات الاستبدادية في تطوير طرق لتجنب آثار التحول الديمقراطي للإنترنت، حيث تتمثل إحدى الإستراتيجيات الرئيسية في بناء إنترنت "سيادي" يعزل نفسه عن بقية الويب. يأتي النموذج الرائد من الصين، التي أسست بنية تحتية للإنترنت، وعليه حذرت منظمة هيومن رايتس ووتش من أن نهج روسيا يقوم على نفس مبدأ "العزلة المتزايدة عن شبكة الويب العالمية".

لسنوات عديدة، كان الإنترنت قوة ديمقراطية نسبيًا في روسيا، التي تضم أكبر عدد من مستخدمي الإنترنت في أوروبا، لهذا تزداد أهمية الإنترنت في السياسة الروسية، حيث تتجاهل الأجيال الشابة وسائل الإعلام التي ترعاها الدولة وتنخرط من خلال منصات التكنولوجيا الغربية، واعتمد نافالني بشدة على هذا، لبناء حركته السياسية.

حتى وقت قريب ، كافحت الدولة الروسية لتنظيم هذا النشاط، مما سمح لنافالني بجمع عدد كبير من الأتباع. في الواقع، بدت الجهود المبذولة لتنظيم منصات التكنولوجيا غير فعالة. على سبيل المثال في عام 2018 انهارت محاولة الحكومة لحظر تطبيق المراسلة Telegram وتحول الأمر إلى مهزلة. كما اتضح لم يكن الروس يفتقرون فقط إلى القدرة التقنية لحظر التطبيق، بل كانت تستخدمه أيضًا أجهزة الأمن الروسية بشكل متكرر.

كيف خضع عمالقة التقنية للدب الروسي؟

ومع ذلك فإن الانتخابات البرلمانية التي أجريت الشهر الماضي لها بعض التداعيات المقلقة على الاستخدام الديمقراطي للإنترنت في روسيا. بالنسبة لنظام يعتمد بشكل كبير على الصورة، كانت نتائج هذه الانتخابات حاسمة في إظهار كل من الروس والجمهور الدولي أن فلاديمير بوتين وحزبه الحاكم وكأنهم لا يزالون يتمتعون بشعبية.

وجاءت تلك الصورة بعد سيطرة وهمية حيث رد الحزب الحاكم أولاً بقمع شرس للمعارضة السياسية في فبراير، تم إرسال نافالني إلى السجن في وقت لاحق، كما تم إعلان تنظيمه بالكامل "متطرفًا"، الأمر الذي ساعد في حجب مواقعه على شبكة الإنترنت وسجن العديد من أعضائه أو نفيهم.

إضافة إلى ذلك، شحذت الدولة الروسية أدواتها للرقابة على الإنترنت، من بين أحكام أخرى، صدر قانون في يوليو يلزم شركات وسائل التواصل الاجتماعي الأجنبية التي لديها أكثر من 500 ألف زائر روسي يوميًا بأن يكون لديها موظفين في روسيا. وفي الوقت نفسه، تم تطوير تقنيات لإبطاء الوصول إلى المنصات المستهدفة.

وعلى الجانب الأخر واصل فريق نافالني، الاعتماد على الإنترنت للتأثير على الانتخابات البرلمانية الروسية، في قلب هذا الجهد كان تطبيق Smart Voting الخاص بالفريق المصمم لتقويض احتكار الحزب الحاكم من خلال توحيد المعارضة. تم توفير التطبيق في البداية من خلال متاجر تطبيقات Apple و Google، لكن الدولة الروسية ضغطت على عمالقة التكنولوجيا لإزالتها في الأيام التي سبقت الانتخابات، مهددة باتخاذ إجراءين رئيسيين إذا فشلوا في الامتثال.

أولاً: ستقاضي الدولة موظفي Google و Apple المقيمين في روسيا.

ثانيًا: وعدت بإبطاء حركة مرور الإنترنت إلى منصات Apple و Google في روسيا، وإغلاق خدمات Apple Pay و Google Pay. وفي النهاية تراجع عمالقة التكنولوجيا وأزالوا التطبيق.

نموذج جديد للإنترنت السيادي؟

حقق النظام الروسي فوزًا ساحقًا في محاولته بناء إنترنت سيادي من ناحية امتلاك الدولة الآن تقنية اللازمة لحذف المواد الحساسة على الإنترنت التي تهدد سلطتها. ومن ناحية أخرى لا يزال لديها اتصالات بشبكة الإنترنت الرئيسية بما في ذلك Google و Apple والتي يمكنها التلاعب بها لتحقيق أهدافها الخاصة. تعد هذه العمليات الإلكترونية السوداء - الأكثر شهرة التي ظهرت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، جزءًا أساسيًا من السياسة الخارجية لروسيا.

لبناء هذا الإنترنت السيادي، تستغل روسيا حقيقة بسيطة لا مفر منها: عمالقة التكنولوجيا هم في نهاية المطاف شركات هادفة للربح، لهذا الأولوية هنا للأرباح وقيمة المساهمين.

وهذا يطرح سؤالين مقلقين: هل تحذو دول استبدادية أخرى حذو روسيا والصين؟ وهل يمكن أن يشكلوا حلف سياسي في المستقبل؟ وكيف يمكن لحركات المعارضة التي تعتمد على التكنولوجيا العملاقة في تنظيمها الديمقراطي أن تستجيب؟ والسؤال الأخير والأهم: هل لكل ذلك علاقة بالعطل الذي استمر لست ساعات على مستوى العالم وأدى إلى توقف تطبيقات فيسبوك؟