هل سمعت عن عملة رقمية جديدة خاصة بمسلسل لعبة الحبّار Squid Game؟ يقولون أنها تجاوزت أكثر من 2000% خلال الأيام القليلة الماضية، مما دفع مواقع إخبارية شهيرة، مثل بي بي سي وCNBC، للكتابة عن تلك العملة.

المهم، في خلال يومين من ظهور عملة سكويد الرقمية، بدأ سعرها يتضاعف بصورة جنونية، إن قررت مثلًا استثمار 100 دولار، عندما كان سعر عملة Squid يعادل دولارًا واحدًا، فستجد أنك تملك نحو 286 ألف دولار، في ظرف يومين فحسب، مع وصول سعر العملة إلى ذروته بما يعادل 2861 دولار. ولكن هنا الخدعة: لن تستطيع أن تسحب أموالك، أو تحولها لأي عملة رقمية أخرى، ببساطة لأنك دخلت بإرادتك الحرة إلى عملية احتيال كاملة!

عملية الاحتيال هنا بسيطة، ولكنها تحتاج إلى بعض الحيل والخدع المتقنة السريعة، وبالطبع لثقة المستثمر الذي يبحث عن أي ثرا ء سريع، والمشاركة في أي عملة جديدة قد يرتفع سعرها فجأة ويكسب من وراءها الملايين، كما حدث مع عملات مشفرة سابقة. فكيف حدث ذلك تحديدًا؟ دعنا نرى!

كيف سحبت عملة لعبة الحبّار البساط؟

عملة لعبة الحبار

بعد مشاركة الآلاف ووضع أموالهم الحقيقية في عملة لعبة الحبّار، فجأة يتضح أنها عملية احتيال كاملة متقنة للغاية. من الشائع حاليًا بالنسبة للمحتالين في عالم العملات الرقمية استخدام أسماء المسلسلات أو الأفلام الشهيرة، وبما أن مسلسل لعبة الحبّار هو الأكثر شعبية في العالم الآن، لذا من المنطقي أن يُستخدم اسمه في عمليات الاحتيال، لكن دون أي رابط رسمي للمسلسل الكوري الشهير على نتفليكس.

عملة Squid Game الرقمية من أنواع العملات المعروفة بنوع "العب كي تربح" (play-to-earn). تلك العملات الرقمية من نوع "العب كي تربح" ببساطة، كما يشير اسمها، تطلب منك أن تلعب على الإنترنت لتكسب المزيد من رموز تلك العملة، أو الـ (توكين – Token)، ثم يمكنك مبادلتها بعملات رقمية أخرى أو حتى بعملات ورقية كالدولارات.

استغل صانعو العملة هنا الزخم الجاري حول مسلسل لعبة الحبار، عبر استغلال الأشخاص المهووسين بهذا النوع من الألعاب في العملات المشفرة. ولكن الاحتيال حدث بما يُعرف بعملية "سحب البساط" من تحت أقدام المستثمرين.

عملية "سحب البساط" (rug pull) هي حيلة خبيثة في صناعة العملات المشفرة، حين يهرب مطور العملة بأموال المستثمرين، ويتخلى عن المشروع فجأة دون سابق إنذار، كمن يسحب من تحت قدميك البساط فجأة.

عادةً ما تحدث عملية "سحب البساط" في الأنظمة المالية اللامركزية (DeFi)، خاصةً على مواقع التداول اللامركزية (DEXs)، لأنها تسمح للمستخدمين بإدراج رموز العملات مجانًا وبدون أي تدقيق أو فحص، حيث يضع المطور رمز العملة على الموقع، ثم يربطها بعملة رقمية شهيرة مثل الإثيريوم Ethereum.

وبمجرد أن يتداول مبلغ كبير من المستثمرين مقابل رمز العملة المدرج على الموقع، حينها يسحب مطور العملة كل شيء من مجمّع السيولة (liquidity pool)، مما يهبط بسعر العملة إلى الصفر.

عملة لعبة الحبار

الفكرة هنا أن صانع تلك العملة يخلق ضجيجًا مؤقتًا حولها على قنوات تليجرام، وحسابات تويتر، ومنصات التواصل الأخرى، ويضخ بنفسه مبلغًا كبيرًا من السيولة لينال ثقة المستثمرين في عملته المشفرة. وعندما تكتب عنك منصات إخبارية ضخمة مثل BBC، و Yahoo News و Business Insider، وغيرها، فإن المحتال يعرف هنا أنه نجح في الحصول على الاهتمام والضجيج الذي كان يسعى وراءه.. وهذا تحديدًا ما حدث مع عملة لعبة الحبّار!

حتى من كان خبيرًا في التداول، وألقى نظرة على موقع BscScan، الذي يسجل جميع المعاملات على منصة Binance، قبل أن يستثمر أمواله، وجد بعض التعليقات التي تحذر من عملة لعبة الحبار، وأنها قد تكون عملية احتيال فعلًا، ببساطة لأنها ظهرت من العدم وفجأة، ويبدو كل شيء رائع لدرجة يصعب معها أن تصدق أنه حقيقي، خاصةً أن المنحنى البياني للعملة لم يتحرك مرة واحدة للأسفل، ولكنه ظل يرتفع باستمرار. لكن مع جنون السوق وإثارة عملات "الميم" تجاهل الجميع تلك التحذيرات، وأرادوا الدخول سريعًا للحصول على جزء من المكاسب المنتظرة!

إذًا كيف تكسب ثلاثة ملايين دولار في بضعة أيام؟

ببساطة تحدث عمليات الاحتيال عندما يملك حسابًا واحدًا جزءًا كبيرًا من العملة يمكنه تداولها بسهولة، في حين يكون سوق تلك العملة سطحي ولا يملك سيولة كافية، وهو ما يحدث مع العملات المشفرة الجديدة غالبًا التي بدأت تظهر فجأة من العدم.

في حالة عملة لعبة الحبار، توجد ثمانية محافظ، من أصل أكثر من 48 ألف عنوان، تملك أكثر من 1% من رموز عملة لعبة الحبّار، كما تظهر بيانات موقع BscScan. واحد من تلك العناوين هو من قام بعملية الاحتيال، وسحب البساط من تحت المستثمرين، وهو يملك نحو 5% من مجموع رموز العملة. نفس هذا الحساب حوّل 3.36 مليون دولار إلى محفظة أخرى. وكانت تلك هي الجائزة الكبرى التي خرج بها صانعو تلك العملة الوهمية!

خدعة عملة Squid.. الدلائل كانت هناك طوال الوقت!

لكن الدلائل كانت هناك أمام أعين الجميع، ولم يصدقها أحد: أولًا تم تسجيل موقع العملة على الإنترنت في أقل من شهر، تحديدًا في 12 أكتوبر الماضي. وما يُعرف بالورقة البيضاء، وهي ورقة تشرح طريقة عمل وتقنية العملة المشفرة، التي شاركتها منصات الأخبار الشهيرة مثل بي بي سي دون تدقيق، تمتلئ بالأخطاء اللغوية والنحوية وحتى أخطاء إملائية غريبة، بالإضافة إلى مجموعة ادعاءات وتوقعات من المستحيل التحقق منها. وكانت بعض التحذيرات الأخرى مثل أن قناة تليجرام، التي أنشأها من يقف وراء الاحتيال، لا تسمح بالتعليقات لأي شخص، وحتى حساب تويتر كان يغلق التعليقات على الأشخاص.

حتى أن الموقع الخاص بالعملة كان يحتوي على تأييد مزيف من الملياردير إيلون ماسك، ولكنه في الواقع لم يرشح تلك العملة أبدًا ولم يذكرها، ولكنه كان يتحدث عن المسلسل نفسه المعروض على نتفليكس. لكن بوجه عام، غالبًا ما تستهدف عمليات الاحتيال جمهور إيلون ماسك على تويتر، الذي يبدو أنه من بعض أسهل الأهداف على الكوكب، بجانب استعداده لتصديق أي شيء يقوله إيلون ماسك، دون حتى التأكد من صحة ما يُنسب إليه حقًا!

عملة لعبة الحبار squid coin

لكن علامة التحذير الأكبر، التي جاءت بعد فوات الأوان، أن من استثمروا أموالهم في تلك العملة لم يتمكنوا من سحبها. فلم يتمكنوا من شراء أو بيع عملة لعبة الحبار على منصات التداول المعروفة، مثل Coinbase و Binance، ولكنهم احتاجوا شراءها عبر خدمة تُسمى Pancake Swap التي لا تضمن أيًا من المعاملات التي تحدث على المنصة.

في عالم العملات المشفرة.. تعيش بالسيف وتموت بالسيف!

مسلسل لعبة الحبار Squid Game

تلك العملة نالت من اسمها الكثير، فهي تشبه حقًا ما يمثله مسلسل لعبة الحبار، بمعنى أن هناك مجموعة صغيرة من الأشخاص الغامضين تحكموا بكل شيء وكسبوا كل الأموال، بينما كل شخص آخر من المتسابقين، أو المستثمرين في حالة العملة الرقمية، خسروا كل شيء!

وتلك إحدى مشاكل سوق العملات المشفرة، لأنه ببساطة يدور حول السوق الحرة دون تنظيم من السلطات، وهنا لا أعتقد أن الأشخاص الذين يرغبون في إلغاء القيود الحكومية يمكنهم أن يشتكوا عندما تحدث عمليات احتيال مثل عملة لعبة الحبار وغيرها.

في عالم العملات المشفرة، أنت تعيش بالسيف وتموت بالسيف!

كل العملات المشفرة غير مستقرة، والاستثمار بها يعتبر مخاطرة بأموالك، لكن إن كنت ستخاطر فهناك مصطلح معروف باسم الحرص الواجب، أو العناية الواجبة، وهو أن تقوم بإجراء تحقيق أو تدقيق أو مراجعة بيانات للتأكد من الحقائق حول مسألة ما أو عقد جديد بين طرفين. وفي عالم المال والاقتصاد، تتطلب العناية الواجبة مثلًا فحص السجلات المالية قبل الدخول في صفقة مقترحة مع طرف آخر.

لا تحاول الاندفاع سريعًا وراء أي عملة رقمية جديدة دون أي دراسة وبحث دقيق، لا تجعل حلم الثراء السريع يعمي عينيك عن الحقيقة، لأن هذا تحديدًا ما يلعب عليه أي نصاب، حلم الثراء السهل دون بذل أي مجهود!