ملفات أوبر السرية: عنف وفوضى، تجنيد سياسيين، وخداع للسلطات!
ينظر أغلب الناس لأوبر على أنها الشركة الناجحة التي أتت بفكرة المليون دولار أو ربما يجب أن نقول المليار دولار. تطبيق للهواتف الذكية سيوصل الراكب بالسائق وسيحدد الأجرة على أن يأخذ نسبة منها. فكرة تعكس دخول التقنية لمجال جديد ستحوله تماماً مثلما فعلت التقنية في باقي المجالات.
للأسف الوضع مختلف مع أوبر، ففكرة التطبيق لم تكن شيء لم نره من قبل، بل كان هناك عدد مهول من التطبيقات التي توفر هذه الخدمة. الفارق أن الخدمات المتاحة كانت توصل الراكب بسائق للسيارات الأجرة أو "التاكسي"، بينما أوبر سعت لتحويل كل شخص يمتلك سيارة إلى سائق ضاربة بعرض الحائط قوانين كل الدول التي تجرم هذا الأمر.
نجاح أوبر في تنفيذ فكرتها لم يكن لتفردها أو لسهولة تطبيقها بل من خلال استخدام العنف، وتجنيد السياسيين وخداع السلطات. بالأحرى كانت أوبر عصابة منظمة استخدمت كل الطرق الممكنة حتى فرضت نفسها كأمراً واقعاً!
ما أقوله ليس رأياً شخصياً بل حقائق كشفها تحقيق جديد لصحيفة The Guardian البريطانية بعد حصولهم على أكثر من 124 ألف مستند مسرب يكشف لنا حقيقة أشهر عصابة في القرن الواحد والعشرين!
خداع السلطات
كما ذكرنا وكما تعلم بالتأكيد فإن تأجير السيارات العادية هو أمر يجرمه القانون أو كان يجرمه القانون. يجب أن تكون سائق محترف لديك ترخيص لمزاولة هذه المهنة وأن تمتلك سيارة أجرة مرخص لها بممارسة هذا النشاط ويجب أيضاً أن تدفع الرسوم والضرائب المطلوبة للسلطات.
ضربت أوبر بكل هذا عرض الحائط واعتمدت على تقديم تسعير لا يمكن منافسته. في النهاية السائق يؤجر سيارته الخاصة ولا يضطر لدفع أي رسوم للجهات الحكومية، والركاب سيبحثون عن أرخص وسيلة مهما كانت. ستتكبد الشركة بعض الخسائر في بداية مشوارها ولكن هذا طريق كل شركة ناشئة.
لم يعجب هذا الأمر السلطات المحلية في تلك المدن وبدأت في شن الحملات الأمنية عبر مسارين. الأول ملاحقة السائقين المخالفين للقانون والثاني مداهمة مقرات الشركة التي تمارس نشاطاً مخالفاً للقانون.
للرد على هذا الأمر بدأت أوبر في بناء نظام يفصل بين قاعدة بياناتها وبين الأجهزة في مقراتها بمجرد حدوث مداهمة أمنية. فور وصول الشرطة تصبح الأجهزة بلا فائدة فهي منفصلة عن قاعدة البيانات. لا دليل إذاً على ممارسة نشاط غير قانوني.
في الوقت ذاته طورت الشركة نسخة وهمية من التطبيق لتحل مكان النسخة الحقيقة على هواتف رجال الأمن. عند استخدام أحد الأفراد العاملين لدى السلطات للتطبيق سيُسمح له بطلب سيارة كأي مستخدم ولكن لن يصل له أي شيء. سيعيش في دوامة تغيير السائقين. بهذه الطريقة ضمنت أوبر الحماية لموظفيها.
شراء السياسيين
كيف ستتخلص من مداهمة أمنية وتحقيقات وأنت تخفي المستندات وتضلل السلطات؟ ستحتاج بالتأكيد لظهير سياسي فاسد ليساعدك في المرور من تلك العقبات.
كان مدراء أوبر مدركون تماماً لهذا الوضع بل أن الرسائل المسربة بينهم كانت تقول نصاً: "علينا اللعنة، عملنا غير قانوني بالمرة".
اتجهت أوبر لكبار السياسيين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. أناس مثل الرئيس الفرنسي الحالي ماكرون والرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن كانا من أكبر الداعمين لهذه العصابة قبل أن يصبحا رؤساء لدولهم.
في فرنسا كان ماكرون وزيراً للاقتصاد في وقت صعود أوبر وكان حامي حمى الشركة في السطات الفرنسية. في عام 2015 وبحسب المستندات المسربة تدخل ماكرون بشكل مباشر لإعادة الخدمة في مدينة مرسيليا بعدما نجحت السلطات في إيقافها. رسالة مسربة قال فيها ماكرون لأحد مديرين أوبر: "سأتخذ هذا الأمر بشكل شخصي".
نجح ماكرون سريعاً في إعادة الخدمة ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي يتدخل فيها لصالح الشركة. في رسالة أخرى مسربة أخبر ماكرون أحد ممثلي الشركة أنه توصل لاتفاق هام وسري من وزراء مع أحزاب معارضة داخل الحكومة الفرنسية.
التواصل بين أوبر وماكرون كان تواصلاً مباشراً، تعامل وزير الاقتصاد السابق والرئيس الحالي لفرنسا مع أوبر كان أشبه بكونه موظف لديهم أو مساهم في الشركة. تخيل أنك شركة مخالفة للقانون ووزير الاقتصاد يعمل لديك، هل تظن حقاً أنك ستعجز عن مواجهة السلطات المحلية؟
مع جو بايدن الوضع لم يختلف كثيراً. لا تحتوى التسريبات على وقائع بعينها قام فيها بايدن بمساعدة أوبر مباشرة ولكن المستندات المسربة صادمة حول ما كان يحدث معه.
في هذا الوقت كان بايدن نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وفي مؤتمر دافوس الاقتصادي كان هناك اجتماعاً مرتقباً بين بايدن و Travis Kalanick المدير التنفيذي لأوبر. تأخر بايدن بضعة دقائق وهو ما أثار غضب Travis ليرسل لأحد زملائه في أوبر قائلاً: "لقد أرسلت له أناس ليخبروه بأن كل دقيقة سيتأخرها ستكون دقيقة أقل يقضيها معي".
هل تتخيل عزيزي القارئ كم وصل نفوذ Travis Kalanick حتى يبعث برسالة كتلك لنائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية؟
لم ينته الوضع هنا، فبعد انتهاء الاجتماعي خرج بايدن في كلمة قال فيها أنه كان للتو في اجتماع مع المدير التنفيذي لشركة تعطي الحرية لموظفيها للعمل عدد الساعات الذي يريدونه ويمكنهم إدارة حياتهم كما يشاؤون.
أجرى ممثلوا أوبر أيضاً اجتماعات مع وزراء بريطانيون، أيرلنديون، وكذلك عدد من السياسيين من بعض الدول الأوروبية.
واجهت الشركة أيضاً الكثير من الدعاوى القضائية التي طالبتها بتقديم حد أدنى للأجور للسائقين أو تأمين صحي أو عطلات مرضية مدفوعة. لا أحتاج بالتأكيد لأخبركم كيف واجهت تلك الدعاوى.
العنف والفوضى
مع انطلاق أوبر حدثت العديد من الاحتجاجات في مختلف المدن الكبرى من قبل سائقي السيارات الأجرة ضد التهديد الجديد الذي يواجه مهنتهم. خدمة لا تحتاج لأي متطلبات ولا تدفع الرسوم وأجرتها أقل من الأجرة التي تفرضها الحكومة.
تخيل ماذا كانت خطة أوبر لمواجهة تلك الاحتجاجات؟ دعت الشركة السائقين لديها للنزول في احتجاجات أيضاً. ظاهرياً كان الهدف من تلك الاحتجاجات هو دعم الشركة والفكرة الجديدة وحرية العمل التي تعطيها للموظفين، ولكن الهدف الحقيقي كان محاولة حدوث اشتباكات بين المتظاهرين من الجهتين لأن العنف سيجلب التعاطف وسيضع الشركة في موقف أفضل عند التفاوض مع الحكومات.
في أمستردام عاصمة هولندا حدثت بالفعل اشتباكات استغلتها أوبر في للحصول على تنازلات وتسهيلات من الحكومة. حرضت أوبر سائقيها المتضررين من تحرير محاضر بالتعدي ونشرتهم في الصفحة الأولى لجريدة De Telegraph التي تعد واحدة من أشهر وأكبر الصحف الهولندية.
"سنحافظ على رواية العنف لعدة أيام قبل أن نخرج بحل للأزمة" هكذا كان الحديث بين مسؤولي الشركة في أوروبا.
لم يكن العنف وحيداً فكما ذكرنا تم نشر المحاضر في الصحف ضمن جزء من حملة دعائية كلفت الشركة 90 مليون دولار كان الهدف تحسين صورة الشركة والترويج لها.
بعد سنوات من تلك الممارسات تمكنت أوبر من توفيق أوضاعها في كل الدول التي تعمل بها لتكون واحدة من أنجح العصابات التي ولولا تلك التسريبات لظن الجميع أنها الشركة التي لا مثيل لها.
?xml>