
من سمكة شيطان البحر إلى مركبة عسكرية: تقنية متطورة لدى الجيش الأمريكي!
في أعماق المحيط، حيث يسود الظلام وتخفت الأصوات، تسبح كائنات غريبة لا تزال تثير فضول العلماء والمهندسين على حدٍ سواء. من بين هذه الكائنات، تبرز سمكة شيطان البحر أو "مانتا راي"، وهي تنساب في الماء بجناحيها المفرودين في هدوء وسلاسة تكاد تلامس الخيال. مشهدها المهيب ألهم البحّارة قديمًا...واليوم، يُلهم المهندسين العسكريين في أحد أكثر المشاريع جرأة وغموضًا في عالم الدفاع البحري الحديث.

من وحي هذه السمكة الغامضة، خرجت إلى النور مركبة غير مأهولة تُعرف باسم "مانتا راي"، وهو مشروع طموح تطوّره البحرية الأمريكية بالتعاون مع شركة نورثروب غرومان، وتدعمه وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة "داربا" (DARPA). لكنها ليست مجرد آلة تغوص تحت الماء، بل تجسيد لفكرة لطالما انتمت إلى عالم الخيال العلمي: آلة ذكية تشبه الكائنات البحرية، قادرة على أداء مهام معقدة تحت سطح البحر دون أي تدخل بشري، ولفترات طويلة قد تمتد إلى شهور.

تخيل مركبة تنزلق بهدوء في قاع المحيطات وتتجاوز العواصف والتيارات، وتتجسس وتراقب، وتجمع المعلومات بصمت قاتل، دون أن يشعر بها أحد. "مانتا راي" ليست فقط خطوة إلى الأمام في تكنولوجيا الغواصات، بل تمثل ثورة كاملة في كيفية خوض الحروب البحرية والتجسس تحت الماء. تصميمها الأنيق المستلهم من الطبيعة، وقدرتها على التحمل والتخفي يفتحان الباب لعصر جديد من الاستخبارات البحرية والمهمات السرية.
هكذا، أصبح شيطان البحر الذي كان يثير دهشة الغواصين، قدوة لمركبة قد تغير موازين القوى في البحار، بصمت وبذكاء؛ لذلك دعنا نستعرض هذا الإنجاز عزيزي القارئ.
كيف تحاكي مركبة "مانتا راي" سمكة شيطان البحر؟
تحاكي المركبة سمكة شيطان البحر في عدة أمور:
- الشكل الانسيابي والأجنحة العريضة: تتميز المركبة بجناحين واسعَين يشبهان أجنحة سمكة المانتا، مما يقلل مقاومة الماء ويزيد من كفاءة الانزلاق تحت الماء. هذا التصميم يسمح للمركبة بالتحرك بهدوء وسلاسة مع تقليل استهلاك الطاقة، وهو أمر حيوي لمهام الاستطلاع الطويلة التي تتطلب بقاء المركبة لفترات ممتدة دون الحاجة لإعادة الشحن.
- نظام الدفع القائم على تغيير الطفو: بدلاً من الاعتماد على الدفع التقليدي بالمراوح، تستخدم "مانتا راي" تقنية دفع مبتكرة تعتمد على تعديل طفو المركبة للصعود والهبوط في عمود الماء، ثم الانزلاق باستخدام شكلها الانسيابي. كما أن هذا الأسلوب يقلل كثيرًا من استهلاك الطاقة، ويمنح المركبة قدرة على قطع مسافات طويلة بكفاءة عالية، تمامًا كما تفعل سمكة المانتا في محيطاتها.
- المرونة والمناورة العالية: تمامًا مثل سمكة شيطان البحر التي تتمتع بقدرة عالية على المناورة والانعطاف السلس، صُممت "مانتا راي" لتتمكن من تنفيذ مناورات معقدة في بيئات بحرية متغيرة وصعبة، مع الحفاظ على استقرارها ودقة تحكمها، مما يجعلها مثالية للمهام الاستخباراتية والاكتشاف في أعماق البحار.
- التمويه وتقليل الضوضاء: يقلل تصميم المركبة من الضوضاء والاهتزازات التي قد تكشف موقعها، وذلك بفضل حركة الانزلاق الهادئة التي تحاكي حركة السمكة، مما يجعلها شبه غير مرئية للأجهزة الكاشفة، ويعزز من قدرتها على تنفيذ مهام سرية دون رصدها.
- الهيكل المعياري والتكيف مع البيئات المختلفة: مثلما تتكيف سمكة المانتا مع بيئات بحرية مختلفة، صممت المركبة بشكل معياري يسمح بتركيب حاويات تحميل متعددة لأجهزة استشعار أو ذخائر، مما يمنحها مرونة عالية في أداء مهام متنوعة، من الاستطلاع إلى الدعم اللوجستي.

القدرات التقنية: منصة متعددة المهام ذات استقلالية عالية
المركبة البحرية "مانتا راي" تمثل قفزة نوعية في تكنولوجيا الغواصات غير المأهولة، حيث تجمع بين تصميم مبتكر وقدرات تقنية متقدمة تجعلها منصة متعددة المهام ذات استقلالية عالية، قادرة على تنفيذ مهمات طويلة الأمد تحت الماء دون تدخل بشري.
- استقلالية تشغيلية فائقة: تعمل "مانتا راي" بشكل مستقل بالكامل، ما يلغي الحاجة إلى وجود طاقم بشري على متنها أو دعم لوجستي مستمر في موقع العمليات. تعتمد على أنظمة ذكاء اصطناعي متطورة تمكنها من اتخاذ قرارات ميدانية ذكية، مثل تحديد السفن والغواصات الأخرى، والتكيف مع التهديدات المتغيرة في البيئة البحرية.
- توفير الطاقة والسبات البحري: من أبرز قدرات "مانتا راي" نظام توفير الطاقة الذي يسمح لها بالرسو في قاع البحر والدخول في وضع "السبات" عند انخفاض مستويات الطاقة، مما يقلل استهلاك البطاريات بدرجة كبيرة ويطيل مدة المهمة. كما تعمل البحرية الأمريكية على تطوير تقنيات لجمع الطاقة من البيئة البحرية نفسها، مثل استغلال تيارات المياه أو الفوارق الحرارية، لتزويد الغواصة بالطاقة بستمرار، ما يجعلها قادرة على العمل لفترات غير محدودة عمليًا.
- منصة متعددة المهام وقابلية التكيف: صُممت "مانتا راي" بهيكل معياري يسمح بتركيب حاويات تحميل مختلفة (payload bays) يمكن تجهيزها بأجهزة استشعار متنوعة مثل السونار، والكاميرات، وأجهزة الحرب الإلكترونية، وحتى الذخائر. هذا التصميم المرن يجعلها قادرة على أداء مهام متعددة تشمل الاستطلاع، والكشف عن الألغام، ودعم العمليات البحرية، ورسم خرائط قاع البحر بدقة عالية.
- سهولة النقل والنشر: بفضل تصميمها المعياري، يمكن تفكيك "مانتا راي" إلى أجزاء تُنقل في حاويات شحن قياسية، مما يسهل نقلها بسرعة إلى أي مكان في العالم وتجميعها ميدانيًا دون الحاجة إلى مرافق موانئ متخصصة. هذه الخاصية تعزز من قدرة البحرية الأمريكية على نشرها سريعًا والاستجابة للتهديدات البحرية المتغيرة.
- تقنيات متقدمة للكشف والملاحة: تتمتع الغواصة بأنظمة دفع منخفضة الطاقة تتيح لها التنقل بهدوء لتجنب الكشف، مع أجهزة استشعار متطورة للكشف عن التهديدات وتصنيف المخاطر تحت الماء. كما تحتوي على أنظمة ملاحة وتحكم عالية الكفاءة تضمن دقة في تنفيذ المهام والقدرة على المناورة في بيئات بحرية معقدة.

التطبيقات العسكرية
1- مهام الاستطلاع والمراقبة البحرية
تُستخدم "مانتا راي" في مراقبة المحيطات لمسافات طويلة تصل إلى 6200 ميل، مع إمكانية الانزلاق بهدوء تحت الماء لفترات تمتد لأشهر دون الحاجة لإعادة التزود بالوقود، مما يجعلها أداة مثالية لجمع المعلومات الاستخباراتية في مناطق استراتيجية بحرية دون كشفها. يمكنها رسم خرائط دقيقة لقاع المحيط، ونشر أجهزة استشعار في مواقع حساسة، ما يدعم العمليات البحرية ويعزز من قدرة القوات على التحكم بالمجال البحري.

2- دعم العمليات البحرية واللوجستية
تتيح المركبة للبحرية الأمريكية إمكانية توجيه الغواصات الهجومية عالية القيمة دون الحاجة لتحويل مسارها، مما يحسن من كفاءة العمليات ويقلل المخاطر على السفن المأهولة. بفضل حمولتها المعيارية، يمكن تجهيزها بأجهزة استشعار متقدمة أو ذخائر، ما يجعلها منصة متعددة الاستخدامات قادرة على تأدية مهام هجومية ودفاعية.
3- مهام الحرب الإلكترونية واكتشاف الألغام
تُعد "مانتا راي" منصة مناسبة لتنفيذ مهام الحرب الإلكترونية تحت الماء، حيث يمكنها نشر أجهزة تشويش أو جمع المعلومات الإلكترونية، بالإضافة إلى الكشف عن الألغام البحرية وحماية الممرات البحرية الحيوية، مما يساهم في تأمين خطوط الإمداد وحماية الأساطيل البحرية.
4- الاستقلالية والقدرة على التكيف
بفضل أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، تتمتع المركبة بقدرة عالية على اتخاذ القرارات الميدانية، والتكيف مع التهديدات المتغيرة، والعمل في بيئات بحرية معقدة وصعبة، مما يجعلها أداة استراتيجية فعالة في الحروب الحديثة.
اقرأ أيضًا: هل مازال العقل البشري قادرًا على هزيمة الذكاء الاصطناعي في الحرب؟
5- أهمية "مانتا راي" في الاستراتيجية البحرية الأمريكية
تمثل "مانتا راي" جزءًا من استراتيجية "أسطول الأشباح" الذي يضم أكثر من 100 مركبة غير مأهولة، ما يعزز من قدرة البحرية الأمريكية على مراقبة المحيطات والسيطرة عليها دون تعريض القوات البشرية للمخاطر. كما تتيح هذه التكنولوجيا للولايات المتحدة الحفاظ على تفوقها البحري في مواجهة تحديات متزايدة من قوى بحرية أخرى مثل الصين.

التطبيقات المدنية
لا تقتصر المركبة البحرية "مانتا راي" على مهامها العسكرية فقط، بل تمتلك تطبيقات مدنية واسعة تُحدث ثورة في مجال استكشاف المحيطات وفهم البيئة البحرية. تصميمها المعياري وقدرتها على العمل لفترات طويلة تحت الماء دون تدخل بشري يجعلها أداة مثالية لمجموعة متنوعة من الاستخدامات المدنية التي تتطلب جمع بيانات دقيقة ومستدامة في أعماق البحار.
- استكشاف ورسم خرائط قاع المحيطات: تستطيع "مانتا راي" رسم خرائط دقيقة لقاع المحيطات بصمت تام، باستخدام أجهزة استشعار متطورة مثل السونار والكاميرات تحت الماء، مما يساعد العلماء والباحثين على دراسة التضاريس البحرية، وتحديد مواقع الشعاب المرجانية، والتعرف على البيئات البحرية المختلفة. هذا يساهم في تحسين فهمنا للنظم البيئية البحرية وحماية التنوع البيولوجي.
- مراقبة الحياة البحرية والبيئة: بفضل قدرتها على البقاء لفترات طويلة في قاع البحر، يمكن للمركبة مراقبة الحياة البحرية بستمرار دون إزعاج الكائنات البحرية. لذا يوفر بيانات قيمة حول سلوك الحيوانات البحرية، وهجراتها، وتأثيرات التغير المناخي على المحيطات.
- دعم جهود حماية البيئة البحرية: تستخدم "مانتا راي" في مراقبة جودة المياه، واكتشاف التلوث، ورصد التغيرات البيئية مثل ارتفاع درجات حرارة المياه أو تلوث النفط. هذه المعلومات تساعد في اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة للحفاظ على صحة المحيطات والحد من الأضرار البيئية.
- البحث العلمي والتكنولوجيا المتقدمة: تمثل "مانتا راي" منصة متقدمة للبحث العلمي، حيث يمكن تجهيزها بأجهزة متخصصة لجمع بيانات فيزيائية وكيميائية عن المياه، مثل ملوحة الماء، والتيارات البحرية، ومستويات الأكسجين. كما تتيح التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة فيها اختبار تقنيات جديدة في الدفع والطاقة المستدامة تحت الماء.
- سهولة النقل والنشر في المواقع البعيدة: تصميمها المعياري يسمح بتفكيكها ونقلها في حاويات شحن قياسية، مما يسهل نشرها في مواقع بحرية نائية أو يصعب الوصول إليها، مثل المحيطات القطبية أو المناطق البحرية المحمية، دون الحاجة إلى بنية تحتية بحرية متطورة.
الاختبارات والنجاحات العملية
حققت المركبة البحرية "مانتا راي" نجاحًا باهرًا في سلسلة من الاختبارات التجريبية التي أجريت قبالة سواحل جنوب كاليفورنيا في فبراير ومارس 2024، مما يؤكد جاهزيتها للانتقال إلى مرحلة التشغيل الفعلي. هذه الاختبارات كانت شاملة وصارمة، حيث قُييم الأداء الهيدروديناميكي للمركبة في مختلف أوضاع التشغيل، بما في ذلك الغوص، والصعود، والانزلاق باستخدام التحكم في الطفو، والمناورات باستخدام المراوح وأسطح التحكم القابلة للتحريك.
نجاح هذه التجارب سمح للمهندسين بفهم دقيق لقدرات المركبة في التنقل المستقل تحت الماء، وتبديل الحمولات حسب نوع المهمة، مما يعزز من مرونتها في أداء مهام متعددة مثل الاستطلاع، المراقبة، ورسم خرائط قاع المحيط.
من الناحية اللوجستية، أثبتت المركبة سهولة نقلها وتفكيكها، حيث شُحن النموذج الأولي من موقع التصنيع في ماريلاند إلى موقع الاختبار في كاليفورنيا، مع إمكانية تجميعها سريعًا في الميدان دون الحاجة إلى مرافق موانئ متخصصة، ما يعزز من سرعة نشرها واستجابتها للتهديدات البحرية المتغيرة.
وأكد الدكتور" كايل وورنر" مدير برنامج "مانتا راي" بوكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة (DARPA)،: أن نجاح الاختبارات يمثل خطوة حاسمة نحو إدخال المركبة في العمليات الحقيقية، مشيرًا إلى الإمكانات غير المسبوقة لهذه الغواصة البحرية الضخمة غير المأهولة في تعزيز القدرات البحرية الأمريكية.
هذه النجاحات العملية تعكس تقدمًا هائلًا في تكنولوجيا المركبات البحرية غير المأهولة، وتفتح آفاقًا جديدة في مجالات الاستطلاع البحري والأمن البحري والعمليات السرية تحت الماء.
التحديات الهندسية الكبرى
- الحجم الضخم والتصميم المعياري: بسبب حجمها الكبير نسبيًا طول حوالي 10 أمتار وجناحيها يمتدان لحوالي 14 مترًا، كان من الضروري تصميم المركبة بشكل معياري يسمح بتفكيكها إلى أقسام فرعية لنقلها بسهولة عبر الحاويات القياسية، ثم تجميعها بسرعة في الميدان. هذا التصميم المعقد تطلب دقة هندسية عالية لضمان سلامة الهيكل واستقراره أثناء العمليات البحرية.
- أنظمة الدفع والطاقة المبتكرة: استخدام نظام دفع يعتمد على تغيير الطفو (buoyancy-driven propulsion) بدلاً من الدفع التقليدي الذي يمثل تحديًا تقنيًا كبيرًا، حيث يجب تحقيق توازن دقيق بين القوة الدافعة واستهلاك الطاقة، مع ضمان قدرة المركبة على الانزلاق بهدوء وكفاءة تحت الماء. كما طُورت تقنيات توفير الطاقة لتقليل استهلاك البطارية في قاع البحر، إضافة إلى العمل مع شركات طاقة متجددة لتطوير أنظمة توليد طاقة مستدامة أثناء المهمة.
- التحكم والاستقلالية: تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة تسمح للمركبة باتخاذ قرارات ميدانية ذكية، التنقل في بيئات بحرية معقدة، والتكيف مع التهديدات المتغيرة، كان من أكبر التحديات، خاصة مع الحاجة لضمان أمان الاتصالات المشفرة والتحكم عن بعد.
- مقاومة الظروف البحرية القاسية: تصميم الهيكل لمقاومة التآكل، والضغوط العالية في الأعماق، وتراكم الكائنات البحرية (biofouling)، مع الحفاظ على الأداء الهيدروديناميكي. إذ تطلب المركبة استخدام مواد وتقنيات متطورة لضمان استمرارية العمليات لفترات طويلة دون الحاجة لصيانة متكررة.
التطوير المستقبلي
تعمل DARPA وشركة نورثروب غرومان على تحسين قدرات "مانتا راي" عبر:
- تعزيز أنظمة الطاقة لتصبح أكثر استقلالية باستخدام مصادر طاقة متجددة مثل طاقة الأمواج أو الفوارق الحرارية في المحيط.
- تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لزيادة قدرة المركبة على العمل ضمن أسراب ذكية من المركبات البحرية غير المأهولة، مما يعزز من فعالية المهام العسكرية والاستخباراتية.
- تحسين أنظمة الاستشعار والاتصالات لضمان تغطية أوسع ونقل بيانات أسرع وأكثر أمانًا.
- تقليل الوزن وزيادة مرونة الهيكل لتمكين نشر أسرع وأسهل في مواقع مختلفة حول العالم.
أهمية "مانتا راي" في مستقبل الحروب البحرية
المركبة البحرية "مانتا راي" تمثل نقطة تحول حاسمة في مستقبل الحروب البحرية، حيث تعيد تعريف كيفية تنفيذ العمليات تحت الماء من خلال دمج تقنيات متقدمة وتصميم بيونيكي مستوحى من الطبيعة تجلعها قادرةً على أداء مختلف المهام العسكرية في أعماق البحار دون الحاجة إلى الصعود للسطح أو الحصول على أي دعم خارجي مثل التزود بالوقود. وذلك بسبب قدرتها المتقدمة على توفير الطاقة.
- تعزيز السيطرة البحرية والاستخبارات: "مانتا راي" تمنح البحرية الأمريكية قدرة فريدة على مراقبة المحيطات العالمية بشكل مستقل، مما يسمح برصد تحركات الأعداء، وحماية طرق الشحن البحرية الحيوية، وجمع معلومات استخباراتية دقيقة دون كشف وجودها. بفضل نظام الدفع القائم على الطفو، تستطيع الانزلاق بهدوء تام، مما يقلل من فرص اكتشافها ويمنحها ميزة استراتيجية في بيئات بحرية معقدة.
- منصة متعددة المهام ومرنة: تصميمها المعياري يسمح بتبديل الحمولات حسب نوع المهمة، سواء كانت جمع بيانات بيئية أو نشر أجهزة استشعار أو دعم الغواصات الهجومية أو حتى حمل ذخائر. هذه المرونة تجعل "مانتا راي" أداة فعالة في تنفيذ مهام متعددة داخل نطاق واسع، مما يعزز من قدرة البحرية على التكيف مع التهديدات المتغيرة بسرعة.
- سهولة النقل والنشر السريع: ميزة التفكيك إلى أجزاء فرعية ونقلها في حاويات شحن قياسية تتيح نشر "مانتا راي" بسرعة في أي منطقة بحرية حول العالم، دون الحاجة إلى مرافق موانئ متخصصة. هذا يعزز من سرعة الاستجابة للتهديدات ويقلل من التكاليف اللوجستية المرتبطة بنشر الأساطيل التقليدية.
- الابتكار في إدارة الطاقة والبيئة البحرية: تتميز "مانتا راي" بقدرتها على الرسو في قاع البحر وتفعيل وضع توفير الطاقة في أثناء استخلاص الطاقة من البيئة المحيطة، ما يطيل من مدة المهام ويقلل الحاجة إلى الدعم اللوجستي. كما طُور تقنيات للحد من التلوث البيولوجي والتآكل، مما يضمن استمرارية العمليات لفترات طويلة في بيئات بحرية قاسية.
من وجهة نظري أرى وكأنها خرجت من قلب أسطورة بحرية، تبحر “مانتا راي” عبر المحيطات ككائن حي لا يكل ولا يمل، وتجمع في جسدها الانسيابي عبقرية التصميم البيونيكي وروح التكنولوجيا المتقدمة. هذه المنصة البحرية غير المأهولة ليست مجرد آلة، بل خطوة عملاقة تعيد كتابة قواعد اللعبة في ساحة المعارك البحرية والاستخباراتية تحت سطح الماء.
وبقدراتها المستقلة ومهامها المتعددة، تنسج “مانتا راي” مستقبلًا جديدًا للسيطرة البحرية، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي والتكيف مع بيئات القتال المعقدة هو معيار القوة الحقيقية. ومع استمرار عجلة الابتكار بالدوران، ستظل هذه المركبة علامة فارقة تذكرنا بأن القرن الحادي والعشرين لم يعد يقاس فقط بعدد السفن أو حجم الأساطيل، بل بمدى براعتنا في تطويع التقنية لخدمة السيادة والهيمنة على أعماق البحار.
?xml>