وعي وثقافة مستهلكي التقنية
هناك من يختار نظام تشغيل لجهاز الكمبيوتر الخاص به، وهناك من (وجد) نظام تشغيل على جهازه فبدا يتعلم عليه وانطلق، وآخرون يتركون عملية الإختيار لمهندس أو فني الصيانة كلما قام بتجديد أو اصلاح الجهاز. وبطبيعة الحال فإن كل مستخدم يدافع عن نظام تشغيله لأنه بشكل أو بآخر مرتاح مع هذا النظام ومتآلف وربما صاروا أصدقاء.
وهذا الكلام يقود إلى نقطتين هامتين سأتحدث عنهما اﻵن. اﻷولى عن ثقافة المستخدم تجاه ما يستخدمه على الكمبيوتر، والثانية مباديء التقييم والحكم على المنتجات.
ثقافة المستخدم:
قبل أن أتحدث عن التقنية والتكنولوجيا التي قد تكون عائقا أمام فهم البعض فإنني سأتناول مثال بسيط لهذا الأمر، وهو السيارات. ولو افترضنا أنك “نويت” أن تشتري سيارة جديدة، فالطبيعي والمنطقي أنك ستبدأ بتحديد رغباتك وميزانيتك للسيارة الجديدة، ثم تبدأ بالسؤال وأخذ الإستشارة من ذوي الخبرة والمعرفة والمجربين، وستتعرف على مميزات موديلات وأنواع السيارات وعيوبها واستهلاك البترول وأسعار الصيانة وقطع الغيار… إلخ. بعدها ستبدأ مرحلة البحث الفعلي في السوق والوقوف على الاسعار والعروض واخيرا الشراء. هذه العملية قد تاخذ يومان، وقد تستغرق شهور، لكنه تدرج طبيعي لكل من يريد شراء سيارة أو هاتف محمول أو حتى حذاء. وهذه تسمى عادة بثقافة المستهلك ووعيه تجاه ما يباع من منتجات في الأسواق. لكن يبدو أن ثقافة المستهلك العربي في مجال تقنية المعلومات ما زالت في بداياتها، فشراء حاسوب يمر بعديد من الأمور التي يعتبرها الخبراء خاطئة. وأولها أن الغالبية يبحث عن (أعلى وأغلى مواصفات) رغم أن الجهاز سيتم استخدامه ﻷعمال مكتبية بسيطة أو لترفيه منزلي لا يزيد عن مشاهدة الفيديو وتصفح الإنترنت. فما بالك بعملية اختيار البرمجيات وبدء التعلم على استخدامها.
لقد استخدمت في بداية هذا المقال (مثال أنظمة التشغيل) ﻷنه الأقرب إلى الواقع بشكل لا يمكن إنكاره من أحد. فغالبية مستخدمي أجهزة الكمبيوتر في وطننا العربي لم تختر نظام تشغيل بحد ذاته، بل جاء النظام إجباريا على الجهاز، وحتى بعد عودة الجهاز من رحلة الصيانة، يأتي محملا بنظام تشغيل ومجموعة برمجيات تعكس ثقافة وربما ميول فني الصيانة. ولم يتم اختيار مشغل صوتيات محدد، أو السؤال عن ما هو مشغل أقراص DVD المفضل. ستجد في منتديات النقاش المنتشرة في فضاء الإنترنت الكثير من الاسئلة حول مواصفات العتاد الأفضل والأسرع، لكن من النادر أن تجد من يسأل عن عتاد مناسب لبيئة عمل مكتبية يحقق السعر الجيد والمواصفات (المثالية لهذه البيئة). كما أن الأندر من ذلك هو الإستفسارات والأسئلة عن أفضل البرمجيات التي تحقق ما أريد في بيئة عمل محددة، بدلا من أن تجد مئات التطبيقات على جهاز واحد وكلها لا تتعدى الإستخدامات المنزلية.
في مجال الأعمال تكون الكوارث أكثر، والهفوات أشد وقعا، فشراء عشرات أو مئات الأجهزة للشركات قد يتسبب في كارثة مالية بسبب تقييم خاطيء للاحتياج الحقيقي للمؤسسة والموظفين، تماما مثلما يكون التقييم الخاطيء لاحتاجاتها من البرمجيات ونظم التشغيل هو أحد البنود التي تلتهم ميزانيات خيالية لا داعي لها.
إن ثقافة المستهلك للمنتجات التكنولوجية تعني (بحثه) عن أفضل ما يناسبه من عتاد وأنظمة تشغيل وتطبيقات. كما تعني (استخدامه) ﻷقل الموارد تكلفة، وأكثرها بساطة وسهولة، وتعني أخيرا (وعيه) بتطورات السوق ومعرفته بالجديد الذي يناسب تطور أعماله ونموها.
مباديء التقييم والحكم على المنتجات:
لا أعني أن يكون كل مستخدم لجهاز الكمبيوتر هو مقيم رائع، أو محلل نظم متميز، بل أعني أن تكون لك القدرة على الوقوف على الحياد دوما. هناك محبوا Intel و AMD، وفي بطاقات الشاشة هناك محبو Nvidia و ATI، وفي نظم التشغيل هناك محبو Microsoft و Linux و Mac. وهناك كثيرون من هؤلاء ممن يتحيز لمنتج على حساب منتج آخر، بل ويخصص بعض الوقت للهجوم على المنتجات اﻷخرى، (في بعض الأوقات هاجمت أنا بصفة شخصية منتج Windows Vista من شدة ما عانيت منه، خاصة في بيئة جهاز مخصص للتطوير البرمجي). كان هذا خطأ، ﻷني سمحت للعاطفة بأن تلعب دورها في الحكم على منتج محدد، ورغم أنه سيء بدرجة أو بأخرى، لكن هذا جعل تقييمي له على أنه اسوأ اختراعات القرن الحادي والعشرون. هذا مثال شخصي بالنسبة لي، وستجد تكرار كثير له، ناهيك عن الكره الشخصي لمنتجات بعينها بسبب وبدون سبب من البعض اﻵخر.
لكي تكون مقيما حقيقيا، يجب أن (تجرب). ببساطة لا تحكم على لينوكس بأنه صعب بدون تجربة، ولا تحكم على ويندوز بأنه غبي دون تجربة، ولا تحكم على تطبيق محدد بأنه سيء دون أن تجرب التطبيقات المنافسه له. وفكرة التجربة الشخصية نابعه من النقطة الأولى، وهي (احتياجاتك الخاصة). وإلا فلماذا تجد لكل شخص مشغل المالتيميديا الخاص به والذي لا يرتاح إلا باستخدامه؟ ﻷنه ببساطة يناسبه، ربما في السهولة وربما في واجهة التطبيق، وربما في الإمكانيات التي جاءت بالمقاس على ما يريد.
إن الحكم من وجهة نظر المستهلك العادي للتكنولوجيا تأتي تبعا لاحتياجاته الخاصة، مما يعني بالتبعية أنه ليس حكما مطلقا على المنتجات. وهذه نقطة أخرى يهملها وربما ينساها البعض اﻵخر. فكم من موقع أو مدونة يشتكي صاحبها من برنامج معين ويطلق العنان لكلماته، لكنه ينسى أن يقول أن هذا رأيا شخصيا بحكم تجربة شخصية. وهذه النقطة تحديدا نلمسها كثيرا في المواقع المتخصصة كعرب هاردوير مثلا.
إذا، اعتمد على (التجربه) في الحكم على المنتجات، وانظر إلى المنتج (بنظرة شخصية) تعبر عن رغباتك أنت، ولا تطلق (أحكاما وتقييمات عامة) عن منتج مالم تكن خبيرا بهذا المجال.
الخلاصة: خبرتك كمستهلك للتكنولوجيا هي تماما مثل خبرتك في مجال الأطعمة والسيارات والملابس، كلها تحتاج إلى تعاون مجتمع المستهلكين في وضع تقديرات ومعلومات صحيحة عن كل منتج، وتحتاج إلى البحث والتجربة ومشاركة النتائج باستمرار.
وإلا فلن ينمو وعي السوق الإستهلاكي إعتمادا على قلة قليلة من المستخدمين المثقفين.
بقلم: محمد الكومي
?xml>