موسم الرياض للألعاب الإلكترونية، الدوري  السعودي الإلكتروني، وبطولة كأس العرب الأضخم والأكبر في تاريخها، كل هذه الفعاليات تعكس حجم التطور والتقدم في مجال الرياضات الإلكترونية في منطقة الوطن العربي.

بدأت الرياضات الإلكترونية بالانتشار في الوطن العربي بحلول عام 2020 ومُنذ ذلك الوقت والصناعة تقفز قفزات عملاقة نحو العالمية بالفعل، خصوصًا التطورات التي حدثت في المملكة العربية السعودية.

لكن بعد كل هذه الخطوات الكبيرة لا يمكننا أن نقول الرياضات الإلكترونية وصلت إلى ذروتها في الوطن العربي، مازال يوجد الكثير من الخطوات والمراحل التي يجب تحقيقها في الصناعة خلال الفترة القادمة.

إلى أين وصلت الرياضات الإلكترونية في الوطن العربي؟

تطوير الرياضات الإلكترونية

لنجاوب على هذا السؤال يمكننا النظر إلى جدول ترتيب الموسم الاول من كأس العرب 2022، لنرى أن الفرق الأربعة الأولى في ترتيب الجدول، سنلاحظ أن الفارق بين كل مركز هو مباراة واحدة!

فريق رعد المصري يمتلك في رصيده 14 فوز بينما يأتي فريق VSLASHGNG من تونس المركز الثاني برصيد 13 فوز، أما المركز الثالث فكان من نصيب Geekay من السعودية برصيد 12 فوز، والمركز الرابع من نصيب أنوبيس من مصر برصيد 12 فوز أيضًا.

حتى المراكز الأخيرة من الجدول شهدت نفس المنافسة، المراكز الثلاثة الأخيرة الفارق بينها مباراة واحدة تقريبًا، وكذلك فرق المنتصف يوجد بينها منافسة كبيرة جدًا.

لماذا نتحدث عن جدول كأس العرب؟

نتحدث عن جدول كأس العرب لأنه ببساطة يعكس حجم التطور في مشهد الرياضات الإلكترونية، في الموسم الأول من البطولة كانت المنافسة محدودة جدًا ومقصورة على أنوبيس وفريق EGZ السعودي.

أما الموسم الثاني فكان الوضع أسوأ لأن فريق Geekay كان مسيطر على البطولة بشكل كامل ويفرق كبير عن أقرب المنافسين، لننظر الآن إلى جدول موسم 2022 لنرى حجم التنافس الكبير بين الفرق من جميع البلاد العربية تقريبًا، المراكز الأربعة الأولى تضم 3 بلاد عربية أصلًا.

أما فريق Geekay فهو الآن يحل في المركز الثالث والمنافسة عمومًا شرسة جدًا، فنحن لم نرى فريق بدون هزيمة هذا العام، حتى رعد خسر 4 مباريات، فمن الواضح أن الفرق العربية تطورت بشكل كبير جدًا وأصبحت أكثر احترافية وتنظيمًا.

كيف نطور الرياضات الإلكترونية في الوطن العربي؟

تطوير الرياضات الإلكترونية

على الرغم من تقدم الرياضات الإلكترونية بشكل كبير في وطنا العربي، إلا أنه مازال يوجد العديد من الخطوات التي يمكنها دفع الصناعة إلى الأمام وفي النقاط التالية نستعرض هذه الخطوات كما سنتطرق إلى بعض المشاكل التي حدثت في مشهد الرياضات الإلكترونية مؤخرًا.

دوري محلي في كل بلد عربية

أول ما قد يدفع الرياضات الإلكترونية في الوطن العربي، وجود دوري محلي في كل بلد، دوري يضم الفرق الموجودة ويقدم جوائز مالية قيمة للفريق الفائز.

وجود دوري محلي يعني قيام صناعة كاملة تدعم المواهب المدفونة في هذا المجال، الدوري يعني وجود رعاة لدعمه وبالتالي يعني شهرة أكبر للمشهد عمومًا وكذلك الفرق نفسها.

نفس الأمر يحدث مع كرة القدم أو أي رياضة لها انتشار، وإذا نظرنا إلى بعض الرياضات الأقل شعبية سنجد أنها لا تحظى بالاهتمام بسبب أنها لا تمتلك دوري محلي قوي يساعد اللعبة على الانتشار أكثر.

المزيد من الاستثمار، المزيد من الرعاة

خلال العام الماضي بدأت الشركات الكبرى اقتحام عالم الرياضات الإلكترونية، لننظر إلى بطولة كأس العرب لنجد أنها يتم رعايتها من قبل شركات كبيرة مثل هارديز، وكوكاكولا.

نفس الأمر على صعيد الفرق الرياضية، بالطبع لدينا فريق رعد المدعوم من شركة WE المصرية للاتصالات، وكذلك فريق أنوبيس المدعوم من مرسيدس مصر.

لكن هذه المحاولات ليست كافية، لدفع الصناعة يجب جذب الرعاة والشركات الكبرى لدعم الفرق الرياضية والبطولات، والحقيقة فإن المنفعة هنا متبادلة بشكل كبير، الأمر مشابه تمامًا لرعاة فرق كرة القدم حيث تحصل الشركة على دعاية كبيرة مقابل دعم الفريق.

توفير الرعاية للفرق بالتحديد يؤدي إلى توفير التفرغ، اللاعبين يحتاجون إلى التفرغ للتقدم في المسيرة الاحترافية، ولكن في وطننا العربي هذا التفرغ غير موجود للأسف، اللاعب يحاول دائمًا التركيز على دراسة أخرى أو حتى مهنة أخرى لكي يضمن مصدر دخل ثابت، وهذا الأمر يحدث بسبب غياب الرعاة، أما في حالة توافر الرعاية المالية اللازمة اللاعب سيكون قادر على التفرغ وبالتالي يتحسن المستوى تدريجيًا.

المزيد من الجرأة، واستقطاب شرائح جديدة

جميع الفعاليات والبطولات التي يتم تقديمها في المنطقة تحاول استقطاب الجيمرز بالطبع، فمثلًا تقدم هذه الفعاليات جوائز لمتابعيها وبرامج تفاعلية مع اللاعبين.

لكن ماذا عن الشرائح التي لا تعلم شيء حول الرياضات الإلكترونية أصلًا؟

تطوير الرياضات الإلكترونية

في الحقيقة نحن لا نحاول الوصول إلى هذه الشرائح بشكل صحيح، وهذه الشرائح بالمناسبة هامة جدًا لدعم مشهد الرياضات الإلكترونية في الوطن العربي فهي ما تضمن زيادة القاعدة الجماهيرية لهذه الصناعة وبالتالي نجاحها بشكل أكبر.

لنا مثال في موسم الجيمرز بالمملكة العربية السعودية، فهذه الفعالية تحاول تقديم الرياضات الإلكترونية ولكن بصورة جذابة تستقطب كل شرائح المجتمع، هذا الأمر يتحقق عبر مجموعة من الفعاليات والأنشطة الترفيهية البعيدة عن الرياضات الإلكترونية مثل وجود حفلات للمطرب الشهير عمرو دياب والكثير من الأيقونات الفنية العربية والعالمية مثل محمد حماقي ونانسي عجرم.

بالتأكيد هذه الحفلات والفعاليات ستجذب المزيد من الشرائح التي ستتعرف على الرياضات الإلكترونية لأول مرة، وهو ما يعني المزيد من الانتشار  وكما نعلم فإن الانتشار يعني النجاح لهذه الصناعة وانطلاقها نحو العالمية.

استكشاف المواهب الجديدة

في عصرنا الحالي أصبح العلم يتحكم في كل شيء تقريبًا، حتى كرة القدم نفسها أصبح يتدخل فيها العلم بشكل كبير جدًا، وهو ما نتج عنه انتشار مدارس التعليم واستكشاف المواهب.

نفس الأمر نتمنى أن يحدث مع الرياضات الإلكترونية، حيث نتمنى وجود مدارس تتبنى المواهب الصاعدة وتعليمها ودعمها، وبالطبع يمكن أن تكون هذه المدارس استثمار قائم بذاته.

الدخول إلى عالم الاحتراف!

من أبرز المشاكل التي تواجه الرياضات الإلكترونية في الوطن العربي هو عدم تطبيق نظام الاحتراف، العلاقة التي تربط اللاعب بالفريق غير محددة وليس لها نطاق احترافي.

هذا الأمر رأيناه العام الماضي بعد رحيل أعضاء فريق أنوبيس عنه إلى فريق رعد، وبدون الدخول في تفاصيل تابعنا المشاكل التنظيمية الكبيرة الموجودة داخل الفرق المصرية.

نحتاج إلى تطبيق نظام الاحتراف، وهنا يظهر دور الدولة المصرية وبالتحديد الاتحاد المصري للألعاب الإلكترونية، حيث يجب إصدار بطاقة احترافية من الاتحاد نفسه لكل لاعب، كما يجب على الفرق الارتباط مع اللاعب في علاقة عقدية تضمن حقوق اللاعب والفريق كذلك.

إذا حدث هذا الأمر سنجد أن اللاعب أصبح له قيمة سوقية إلى جانب المرتب الشهري الخاص به، وهنا سنرى أن عمليات الانتقال من فريق إلى فريق أصبحت أكثر احترافية وتدر الخير على الجميع، سواء اللاعب أو الفريق البائع أو حتى الفريق المشتري.

دعم المشاهد العربي

في الحقيقة المجتمع العربي للرياضات الإلكترونية يعتبر من أكثر المجتمعات الشغوفة، الجميع يتابع المباريات بحماس كبير والكثير لديه معلومات صحيحة حول طبيعة اللعبة نفسها.

لكن المشاهد العربي لا نقدم له برامج ترفيهية دسمة متعلقة بالرياضات الإلكترونية، يقتصر الأمر على المحاولات الفردية الخاصة بالفرق نفسها، فمثلًا لدينا الصراع الجمهوري بين رعد وأنوبيس، وكذلك العلاقة الإعلامية الممتازة بين اللاعب سايفر والجمهور العربي.

أما دون ذلك فالبرامج يتم تقديمها إلى المشاهد العربي عند إطلاق بطولة كبيرة فقط، فمثلًا عند انطلاق بطولة كأس العرب نجد الكثير من البرامج التي يتم بثها، وفي حالة عدم وجود بطولة يتم نسيان الرياضات الإلكترونية بشكل كبير.

هنا يجب العمل على تقديم محتوى مستمر للرياضات الإلكترونية باستمرار طوال العام، يجب أن توجد برامج تحليلية، برامج متعلقة بأخبار الانتقالات وبالطبع البرامج التي تغطي البطولات الموجودة حاليًا في مختلف الألعاب.

خوادم عربية وبطولات عالمية

حتى الآن الفرق العربية لا يمكنها بسهولة الوصول إلى البطولات العالمية، بل يوجد بعض الالعاب التي لا يمكننا أصلًا المشاركة في بطولاتها العالمية بغض النظر عن مستوانا الاحترافي في هذه الألعاب، والسبب هو عدم وجود خوادم عربية لهذه الألعاب.

وفي الحقيقة هذه النقطة هي النقطة الوحيدة التي تقع على عاتقنا كلاعبين، لأن الألعاب لن تنشئ خوادم عربية إلا في حالة وجود لاعبين عرب داخل اللعبة، ونحن نعلم أن معظم اللاعبين العرب يلجأون إلى استخدام الـ VPN للحصول على اتصال إنترنت أفضل، وبالتالي لا نظهر كلاعبين عرب على خوادم اللعبة.

أتفهم جدًا أن اللاعب العربي يلجأ إلى الت VPN بسبب أمور خارجة عن إرادته ولكن الوقوف إلى جانب صناعة الرياضات الإلكترونية في الوطن العربي يتطلب بعض التضحيات، ونحن بالفعل رأينا اهتمام بعض الشركات بالمنطقة العربية وبالطبع لنا مثال في Riot Games التي قدمت خادم عربي للعبة فالورانت.

نحتاج المزيد من الدعم الحكومي

تطوير الرياضات الإلكترونية

على الرغم من المجهود الكبير للحكومات العربية للرياضات الإلكترونية، إلا أنه مازال توجد علامات استفهام غير مبررة، ولنا مثال في ما حدث مع فريق فيفا لمؤسسة أوكيباي وكذلك رعد.

حيث تمكن اللاعب أحمد حلاوة من فريق رعد واللاعب محمد وائل من أوكيباي من الوصول إلى تصفيات كأس العالم للعبة فيفا المقامة في لندن يوم 30 يونيو، ولكن للأسف اللاعبان لم يتمكنا من السفر بسبب إجراءات التأشيرة.

في نفس الوقت قام وزير الشباب والرياضة أشرف صبحي بعقد اجتماع مع مؤسس فريق أوكيباي وممثل فريق رعد، وأوضح أن الوزارة حاولت التدخل بالفعل في الأمر ولكن بسبب ضيق الوقت وسفر السفير الإنجليزي حاليًا، فلم تتمكن الوزارة من تحقيق الأمر.

لذلك نتمنى دعم أكبر للفرق المصرية في المستقبل سواء المادي أو المعنوي والمزيد من التنسيق معهم، لأن الرياضات الإلكترونية بدأت تحل محل الرياضات العادية في الخارج وبالتالي لحاق دولنا العالمية بهذا الركب سريعًا يعني فرصة أكبر لتحقيق المزيد من النجاحات.

الخلاصة

مشهد الرياضات الإلكترونية تقدم بشكل كبير جدًا في الوطن العربي، لدينا الآن فرق أكثر احترافية والفكرة عمومًا أصبحت مستساغة بين مجتمعنا، لكن مازال يوجد بعض الخطوات الهامة التي يجب تحقيقها فهذه الخطوات هي التي ستنقل المشهد إلى مستوى العالمية بالفعل.

لا يمكن أن ننتقل إلى العالمية إلا بعد تحقيق بعض الخطوات الاحترافية أولًا، وفي الحقيقة المملكة العربية السعودية حققت الكثير من هذه الخطوات بفضل الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية، لدينا الآن دوري إلكتروني سعودي، واتحاد قوي ينظم علاقة اللاعبين بالفريق.

نتمنى أن تنتقل هذه التجربة إلى باقي البلاد العربية وأن نرى في المستقبل القريب دوري محلي في كل دولة عربية وبالتالي بطولة دوري أبطال عرب سنوية تدعم المشهد وتدفع الرياض1ات الإلكترونية إلى الأمام.