منذ ما يقرب العقد من الزمان، وكما هي العادة دائماً، ظهرت في الآفاق التقنية وعالم الحواسيب تقنية جديدة للعيان. وقد كانت هذه التقنية الجديدة تعد بالمزيد والمزيد من التجديد لعالم الحواسيب، بل وعالم التقنية القريب والبعيد. ولا شك أن التطبقات العملية للتقنية -والتي كانت لا تزال في مهدها الأول- أدهشت القاصي والداني بما يُمكن أن توفره من الفرص وتحقيق الأحلام، التي كانت من قبلها ضرباً من الخيال. إنها تقنية الواقع الإفتراضي، التقنية التي كانت حديث الساعة في ذلك الوقت. ولكن ألم تتسائل يوماً ما الذي حل بهذه التقنية في وقتنا الحالي، ولماذا لم نعد نسمع عنها الكثير من الأخبار -وخصوصاً مع الألعاب- كما كان الوضع في السابق ؟ فما الذي حدث يا تُرى ؟..

في الحقيقة، وعند النظر بتمعُّن في الوضع الحالي لعالم الألعاب والتقنية، سنجد أن تقنية الواقع الافتراضي لم تُحدث تلك الثورة في صناعة الألعاب إطلاقاً، أو حتى غيّرت -إلى الأبد- الطريقة التي نتفاعل ونتواصل بها مع بعضنا البعض، أو حتى قامت بتغيير طريقة مُشاهدتنا للأفلام والتلفزيون، أو طريقة عقد الاجتماعات، أو القيام بوظائفنا، أو أي من التوقعات الأخرى التي ظهرت عندما بدأت تقنية VR في أخذ الصيت والشهرة الواسعة التي حازت عليها لدرجة أن الجميع رأى أنها ستُصبح الاتجاه السائد في أوائل عام 2010 وحتى منتصفه.  

ولكن للأسف، وكما هو الحال غالبًا مع الضجيج الذي يحدث مع أي تقنية جديدة، فإن ذلك لم يتطابق مع الواقع إطلاقاً. فالحقيقة هي أن هذه التقنية، إذا كانت ستحظى بهذا الرواج أصلاً في أي وقت من الأوقات، فنحن بالتأكيد لا نزال على بُعد سنوات قبل أن تُصبح تقنية الواقع الإفتراضي VR ميسورة التكلفة حقًا ومريحة بما يكفي لتكون عنصرًا يُمكن الحصول عليه بسهولة من قبل المُستخدمين، عوضاً عن كونها رفاهية للطبقة الأريستوقراطية !.

ولكن هذا لا يعني أيضاً أنها تقنية فاشلة كما قد يعتقد البعض من كلامي السابق، فالناظر بعين فاحصة في عالم التقنية جيداً سيعرف أن التقنية لا تزال موجودة ويتم إستخدامها، بل ومن الواضح أن تقنية الواقع الافتراضي لن تختفي من الساحة كما ظن البعض أيضاً. والسبب المُباشر والبسيط في الحقيقة هو أن مقدار الأموال التي تم ضخها في تطوير تقنية الواقع الافتراضي، والتي تُقدّر بالمليارات من شركات مثلFacebook و Valve و Sony وغيرها من الشركات المستثمرة في تصنيع معدات وبرامج الواقع الإفتراضي VR ، يعني أننا وبكل تأكيد سنستمر في رؤية المزيد من المعدات المتقدمة التي يتم إطلاقها سنوياً، كما اننا سنرى بالتأكيد انخفاض في الأسعار، والمزيد من الراحة وسهولة الاستخدام، و الكثير والكثير (والكثير!) من ألعاب الواقع الافتراضي (ولكن) في المستقبل.

 لذا فمن ناحية، فالدعم الذي حصلت وستحصل عليه هذه التقنية في حد ذاته سيمنع بكل تأكيد إندثارها "قريباً" إن كان هذا الأمر سيحدث أصلاً. إلا أنه ومن الجانب الآخر وواقعياً،فهؤلاء الذي قاموا بتجربة التقنية مع خوذة الرأس المناسبة واللعبة المناسبة،  يعلمون يقيناً أن تقنية الواقع الإفتراض VR تستطيع بالفعل توفير تجربةلعب مختلفة تمامًا عن تلك التي تحصل عليها على الشاشة التقليدية.  لذا فلا يزال من الممكن أن يكون للواقع الافتراضي مستقبل مشرق ومثير، إلّا أن هذا المستقبل أبعد قليلاً مما توقعه بعض الناس في الماضي.

ما هو الجديد في عالم الواقع الإفتراض إذاً ؟

في حال لم تكن مُتابعاً للتقنية بشكل كبير، فقد تتفاجئ عزيزي القارئ عندما تعلم أن عام 2020 كان عاماً حافلًا بالواقع الافتراضي!  فعلى الرغم من أنه لا يوجد حتى الآن "تطبيق قاتل" واحد للواقع الافتراضي (ومُصطلح تطبيق قاتل يعني تطبيق مميز إلى حد الإبهار) حتى الآن، فقد رأينا إطلاق بعض أكثر ألعاب الـ VR إثارة للإعجاب على الإطلاق حى الآن في تلك الفترة،  بالإضافة إلى إطلاق خوذة رأس جديدة ممتازة من Oculus وهي Quest 2 . إلا أن هذه الألعاب الجديد بجانب خوذة الرأس التي ذكرناها للتو جلبت معها بعض خيبات الأمل الكبرى أيضًا.  

فبالرغم من مرور عشر سنوات تقريباً على ظهور التنقية، فإن أفضل ما تم الإعلان عنه العام الفائت هو إطلاق لعبة Half-Life: Alyx ، وهي لعبة VR كاملة الطول من Valve ، وهي أول لعبة Half-Life منذ عام 2007.  وحتى لا يظن البعض أنني أُقلل من شأن اللعبة، فقد كانت Half-Life: Alyx لعبة رائعة وعودة مظفرة للسلسلة.  الجانب السلبي الوحيد (وهو عيب كبير إلى حد ما) أن غالبية عشَاق Half-Life لم يتمكنوا من تشغيل اللعبة من الأساس، وذلك لأنها ببساطة كانت لعبة واقع إفتراضي VR فقط. ولا يزال معظم اللاعبين لا يمتلكون خوذة رأس للواقع الإفتراضي.

الجدير بالذكر أن الفترة التي تلت إصدار Half-Life: Alyx لم تكن خالية من المشاكل أيضًا.  فقد كان هناك طلب كبير على معدات الواقع الافتراضي (Index VR) باهظة الثمن و(فائقة الجودة) من  Valve، والتي بيعت بسرعة عبر الإنترنت وفي المتاجر. ولا يزال من الصعب جدًا الحصول على خوذة  Indexحتى اليوم بسبب مشاكل الإمدادات الخاصة بأشباه الموصلات، والناتجة بشكل رئيسي بسبب الوباء العالمي. ولكن من الجانب المُشرق فأولئك الذين لعبوا لعبة Alyx حتى على خوذة الرأس Quest أو  Vive) فقد انغمسوا بشكل كبير في العودة المُثيرة والمميزة للعالم المميز الذي توفره لعبة Half-Life ، هذا العالم الذي جعل العديد من المعجبين يقومون بشراء معدات الواقع الافتراضي لأول مرة فقط للعب هذه اللعبة.  

وفي الحقيقة وبرغم كونها الأفضل كما ذكرنا، إلا أن لعبة Alyx هي لعبة الواقع الإفتراضي VR الرائعة الوحيدة في العام الماضي، فقد كانت لعبة Phasmophobia التعاونية لصيد الأشباح هي عنوان آخر متميز للغاية لعالم الواقع الإفتراضي، أيضاً لعبةThe Walking Dead: Saints and Sinners  وهي لعبة البقاء على قيد الحياة الصعبة مع الكثير من التفكير. لعبة Population: One وهي لعبةVR battle royale كانت أحد العناوين المُميزة أيضاً، كما هو الحال مع لعبة Star Wars Squadrons التي كانت تدعم الواقع الإفتراضي أو الـ VR . كما وقد أضافت لعبة Microsoft Flight Simulator الدعم للواقع الإفتراضي في ديسمبر من نفس العام. ومع ذلك،  فقد كانت هُناك بعض العناوين المُخيّبة للآمال أيضاً، فلعبة  Medal of Honor: Above and Beyond وهي لعبة واقع إفتراضي VR كاملة الطول كانت مُنتظرة للغاية، لسوء الحظ، لم تحقق النجاح المتوقع لها من قبل النقاد أو المشجعين.

أما من حيث الأجهزة ، فقد كان لدى سلسلة Oculus عامًا رائعًا أيضًا، أو على الأقل دعونا نقول لم يكن عاماً سيئاً.  ففي البداية تم إصدار خوذة الواقع الإفتراضي Oculus Quest 2 والتي وجد المُراجعون أنها خذوة رأس ممتازة، حيث أنها أخف وزنًا وأسرع وأقل تكلفة من إصدار خوذة Quest الأصلية (والتي لا تزال جيدة هي الأُخرى أيضاً). المميز في هذه الخوذة هو أنها وبالرغم من عدم تمتعها بالدقة والقوة أو المرونة التي تتمتع بها أجهزة مثل Index  Valve أو Vive Pro ، إلا أن خوذة The Quest كانت تتميز بكونها سهلة الاستخدام للغاية،  خصوصاً عند مقارنتها بالإعدادات الكثيرة والمُملة التي تحتاج إليها عادة مع خوذات الواقع الإفتراضي الأخرى. فقط كل ما عليك فعله هو تشغيلها ويمكنك أن تلعب أي لعبة في غضون ثوان.

ولكن ولأن "الحلو ميكملش" فقد أسقطت Facebook قنبلة على تلك الحفلة مرة أخرى في أغسطس عندما قامت بمُطالبة مستخدمي Oculus بأن يكون لديهم حساب على Facebook لاستخدام خوذة الرأس الخاصة بهم. كانت هذه أخبارًا غير مرحب بها للغاية في وقت يواجه فيه Facebook انتقادات شديدة بسبب انتشار المعلومات المضللة وخطاب الكراهية، واستمرار مخاوف الخصوصية،  كما وقد كانت تخضع للتدقيق من قبل لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) بسبب سلوك الشركة المناهض للمنافسة (للمزيد من المعلومات حول هذا الأمر، هناك صفحة طويلة على ويكيبيديا حول مدى سوء استخدام Facebook في هذا الصدد.

وعلى كل حال، فإن الحاجة إلى حساب Facebook لمجرد استخدام خوذة الرأس Oculus للألعاب لم يستقبلها مجتمع الواقع الإفتراضي VR بأي نوع من الترحيب،  خاصة أنه حتى إذا كان لديك حساب على Facebook ، فقد لا تزال هناك مشاكل في تشغيله، وهو ما عانى منه البعض آنذاك. وبالطبع فقد كان هذا الأمر مُخيباً كبيرًا للآمال بالنسبة للكثيرين، حيث أن هذه الخوذة في حد ذاتها كانت رائعة وغير مكلفة نسبيًا مُقارنة بأجهزة الواقع الافتراضي الأخرى، ولم يكن هُناك حاجة لإفساد هذه التجربة بهكذا تحكمات لا حاجة لها. وعلى الرغم من الضجة من المجتمع الخاص باللاعبين، إلا أننا لم نرى -للأسف- أي مؤشر على أن Facebook سيتراجع عن هذا المطلب.

هل يعني هذا أن استخدام الواقع الافتراضي يتزايد ؟

قد يبدو الأمر غير ذلك للمستخدم العادي، ولكن في الحقيقة ومن -المؤكد- أن الأمور تبدو على هذا النحو. وذلك بدون حتى الأخذ في الاعتبار القفزة التي أحدثتها لعبة  Half-Life: Alyx، حيث تقول شركة Valve إن مبيعات ألعاب الواقع الإفتراضي VR نمت بنسبة 32٪ في عام 2020 ، ويمكنك إضافة 39٪ أخرى عند تضمين لعبة Alyx . حيث أفادت Valve أيضًا أنها شاهدت 1.7 مليون مستخدم جديد للواقع الافتراضي على Steam العام الماضي فحسب، وما مجموعه 104 مليون جلسة لعب للواقع الإفتراضي  VR، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 30٪ في إجمالي وقت اللعب مقارنة بالعام السابق 2019.  وتجدر الإشارة إلى أن جلسات لعب VR هذه -وفقًا لـ Valve- يبلغ متوسطها 32 دقيقة فقط، والتي قد تكون بسبب مشاكل الراحة والتأقلم التي لا تزال قائمة أثناء استخدام أي مُنتج للواقع الإفتراضي  VR. حيث لا يزال العديد من المستخدمين يعانون من دوار الحركة أو الصداع بعد جلسات VR القصيرة.

وفي المُقابل، لم يكن Facebook صريحًا تمامًا في إحصاءاته مثل  Valve، ولكن تم بيع Quest 2 بأكثر من خمسة أضعاف ما بيعت به خوذة الرأس Quest الأصلية.  الجدير بالكذر هُنا أن خوذة الرأس Quest الأصلي نفسها لا تزال مطلوبة حتى وقتنا الحالي هذا، وفي بعض الأحيان قد يكون من الصعب العثور عليها في المخازن. وقد واجهت The Rift and Quest 2 أيضًا تأخيرات عرضية لبعض الطلبات خصوصاً في أيام العطلات الرسمية بسبب قلة المخزون وإرتفاع الطلب. أما بالنسبة لمنصات الألعاب المنزلية مثلاً، فقد أعلنت سوني عن خوذة الرأس الخاصة بجهاز PS5، بل وعن جهاز PSVR 2 القادم قريباً على ما يبدو.

ومع كل ما سبق ذكره، كيف يُمكننا توقّع مستقبل الواقع الإفتراضي ؟

لا شك أن تقنية الواقع الإفتراضي في السنوات الأربعة الماضية تحديداً حصلت على الكثير من الإهتمام. وهو في الواقع أمر غريب بالنسبة لتقنية ظهرت منذ عشر سنوات تقريباً، ثم إختف قليلاً لفترة من الزمن، لتعود مرة أُخرى بعد ذلك للظهور والتقدم تدريجياً ببطء نسبي. ولكن وبشكل عام، فتقدّم بسيط خير من لا شئ أليس كذلك؟

والكثير من العناوين الأُخرى والقادمة.

 تدعم لعبة Hitman 3 في الوقت الحالي تقنية الواقع الافتراضي على أجهزة الـ PlayStation ، ولكن ليس على الكمبيوتر الشخصي حتى الآن - حيث ستحصل على دعم VR في وقت ما في المستقبل. ناهيك عن التدفق اللامتناهي للألعاب المستقلة الصغيرة وألعاب الألغاز وتجارب الواقع الافتراضي التي تتدفق على Steam بشكل يومي. ولكننا لا نزال في الحقيقة ننتظر على أحرّ من الجمر ذلك التحول الكبير، التغير الواضح الذي سيُقنع غالبية اللاعبين بالحصول على خوذة واقع إفتراضي  VRتُحوّل هذه التجربة من تجربة جانبية لأمر رئيسي في عالم الألعاب. وهذا التحول على الأرجح لن يأتي في عام 2021 أو 2022 ، بل ويُمكنني القول ولا حتى في السنوات العديدة القادمة.

فكما اشرنا في البداية فالأمر لا يقتصر أبداً على إطلاق تطبيق أو لعبة فائقة الجودة لجلب المستخدمين من كل مكان (فليس الجميع مهووسين مثل عُشّاق لعبة Half-Life). وستظل التكلفة في المقام الأول، ثم الراحة والملاءمة هي أكبر العقبات التي تواجه تجربة الواقع الافتراضي والتي تجعلها -حتى الآن، ولفترة لا يعملها إلا الله- بعيدة عن أن تُصبح الواقع الجديد مثل تقنية تسريع تتبع الأشعة مثلاً. لذا ففي الوقت الحالي الذي لا يزال عالم التقنية يأخُذ فيها الخطوات البسيطة نحو هذا الحلم البعيد، لا يزال أمامنا بعض الوقت لننتظره حتى تقفز تلك التقنية هذه القفزة الفارقة. وحتى يحدث هذا التحول، لا نملك سوى الإنتظار !!..