تخيل أنك تجلس الآن في غرفتك، وتملك بدلة لتصغير حجمك جدًا، مثل بطل الأفينجرز الرجل النملة "AntMan"، لا نتحدث عن تصغير عادي هنا، لكن يمكنك تقليص حجمك نحو 1500 مليون مرة! حسناً، إذا خرجت من غرفتك ودخلت غرفة المعيشة، فإن ما ستراه من حولك لن يكون المقاعد والطاولات والأجهزة المختلفة وحتى عائلتك، ولكنك سترى الذرات والجزيئات والبروتينات والخلايا!

إذا تمكنت من تقليص حجمك إلى مقياس النانو، فلن ترى الذرات التي يتكون منها كل شيء فحسب، بل ستتمكن بالفعل من تحريكها ونقلها والتحكم بها. والآن لنفترض أنك بدأت في تجميع هذه الذرات معاً بطرق جديدة ومثيرة للاهتمام، مثل قطع لعبة مكعبات LEGO، يمكنك حينها صُنع كل أنواع المواد الرائعة؛ كل شيء من الأدوية الجديدة إلى شرائح الكمبيوتر فائقة السرعة. ويعرف صُنع تلك الأشياء الجديدة على هذا النطاق الصغير للغاية بـ "تقنية النانو".

ما هو مقياس النانو؟

تقنية النانو

نحن نعيش على مقياس من الأمتار والكيلومترات، لذلك يصعب علينا أن نتخيل عالماً صغيراً للغاية لا يمكننا رؤيته. ربما قد رأيت صوراً مذهلة في الكتب أو المجلات العلمية لأشياء مثل الحشرات والذباب تم تصويرها باستخدام المجهر الإلكتروني. هذه الأدوات العلمية القوية التي تقدم صوراً مجهرية على مقياس صغير للغاية يصل حتى مليون من المتر.

بينما يتضمن مقياس النانو تصغير الأشياء إلى مستوى جديد تماماً؛ نانو تعني "مليار"، لذلك فإن النانومتر هو المليار من المتر. بمعنى آخر، المقياس النانوي أصغر بمقدار 1000 مرة من المقياس المجهري (1000 ميكرومتر)، وأصغر بمليار مرة (1000 مليون) من عالم المقاييس الذي نعيش فيه!

تبدو الأجسام العادية ضخمة للغاية عند قياس أبعادها على مقياس النانو؛ فعلى سبيل المثال، يبلغ سمك الورقة نحو 100 ألف نانومتر، ويبلغ سمك شعر الإنسان نحو 80 ألف إلى 100 ألف نانومتر، بل ويبلغ قطر الحمض النووي البشري نحو 2.5 نانومتر، كما يبلغ قطر ذرة واحدة من الذهب نحو ثُلث نانومتر.

إذا اعتبرنا قطر كرةً صغيرةً يساوي نانومتراً واحداً، فسيصبح قطر الكرة الأرضية في هذه الحالة نحو متراً واحداً فحسب!

كيف يمكن أن نستفيد من علم النانو؟

تقنية النانو

كل هذه الأرقام مثيرة للاهتمام وللإعجاب أيضاً، لكن ما الفائدة الحقيقية التي تقدمها لنا؟ قد تملك حياتنا بعض المعنى على مقياس من الأمتار، لكن من المستحيل أن نتخيل وجودنا بشكل يومي على مقياس أصغر 1000 مرة من عين الذبابة!

لا يمكننا التفكير في مشاكل مثل مرض الإيدز أو السرطان أو الفقر العالمي أو الاحتباس الحراري، لأنها تفقد كل معنى لها على المقياس النانوي. ومع ذلك، فإن هذا المقياس، العالم الذي تتحكم فيه الذرات والجزيئات والبروتينات والخلايا في زمام الأمور، هو المكان الذي يكتسب فيه العلم والتقنية معنى جديداً بالكامل!

من خلال التكبير والنظر على مقياس النانو، يمكننا معرفة كيف تعمل بعض الأشياء في عالمنا، التي طالما حيّرتنا، من خلال رؤية كيف تتسبب الذرات والجزيئات في حدوثها. ربما شاهدت من قبل في أحد برامج أو مسلسلات التلفزيون الخدعة التي تتعلق بصور الأقمار الاصطناعية؛ حين تبدأ من بعيد بصورةٍ للأرض بلونها الأخضر والأزرق، ثم يتم تكبير الصورة بشكل سريع للغاية، حتى تجد أنك تحدق فجأة في أرض الحديقة الخلفية لأحد البيوت!

تدرك أن الأرض خضراء لأنها مصنوعة من العشب الأخضر. استمر في التكبير وسترى البلاستيدات الخضراء في العشب، وهي الكبسولات الخضراء داخل الخلايا النباتية التي تنتج الطاقة من أشعة الشمس. قم بالتكبير أكثر وسترى في النهاية جزيئات مصنوعة من الكربون والهيدروجين والأكسجين يتم فصلها وإعادة تجميعها داخل تلك البلاستيدات الخضراء.

لذا فإن المقياس النانوي يتيح لنا استخدام علم النانو؛ فهو يساعدنا على فهم سبب حدوث الأشياء من خلال دراستها على أصغر نطاق ممكن. بمجرد أن نفهم علم النانو، يمكننا الاستفادة بالتقنيات التي يقدمها. يمكننا وضع العلم موضع التنفيذ للمساعدة في حل مشكلاتنا المحيّرة. هذا ما تعنيه كلمة التقنية في الأساس، وهي كيفية اختلاف التقنية (العلوم التطبيقية) عن العلوم البحتة، والتي تدور حول دراسة الأشياء من أجل دراسة الأشياء فحسب!

كيف يمكننا أن نعمل على مقياس النانو؟

تقنية النانو

قد يصل طول أصابع يديك إلى ملايين النانومتر، لذا بطبيعة الحال لن تتمكن من التقاط وتحريك الذرات والجزيئات بيديك فحسب، سيكون الأمر أشبه بمحاولة تناول العشاء عن طريق شوكة بطول 300 كيلومتراً! لذلك، طوّر العلماء مجهر إلكترون النواة، والذي يتيح لنا رؤية ومعالجة الأشياء على المقياس النانوي. يشمل هذا النوع مجهر القوة الذرية "atomic force microscopes"، ومجهر المجس الماسح "scanning probe microscopes"، والمجهر النفقي الماسح "scanning tunneling microscopes".

يستخدم مجهر الإلكترون، الذي طوّره المهندسان إرنست روسكا وماكس نول لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي، أشعة جسيمات الإلكترونات لإلقاء الضوء على عينة ما وإنشاء صورة مكبرة للغاية. يوفر مجهر الإلكترون دقةً وتكبيراً أكثر من المجهر الضوئي العادي؛ بإمكانه تكبير الصورة إلى مليون مرة، في حين أن أفضل المجاهر الضوئية يمكنه تكبير الصورة نحو 1500 مرة فحسب!

ما هي تطبيقات تقنية النانو؟

قد نرى تطبيقات كثيرة في مختلف المجالات لتقنية النانو في المستقبل، وهذه بعض الأمثلة:

  1. الطب: يطوّر الباحثون جزيئات نانوية مخصصة يمكنها إيصال الأدوية مباشرة إلى الخلايا المريضة في الجسم، التي ستساهم في الحد من الضرر الذي يسببه العلاج الكيميائي للخلايا السليمة للمريض.
  2. الإلكترونيات: تحمل تقنية النانو بعض الإجابات عن كيفية زيادة قدرات الأجهزة الإلكترونية مع تقليل وزنها واستهلاكها للطاقة.
  3. الطعام: تؤثر تقنية النانو على العديد من جوانب علم الأغذية، بدءاً من كيفية زراعة الغذاء إلى طريقة تعبئته. وتقوم الشركات بتطوير مواد متناهية الصغر من شأنها أن تحدث فرقاً ملحوظاً في مذاق الطعام، وكذلك في سلامة الأغذية والمزايا الصحية التي يوفرها.
  4. الخلايا الشمسية: طوّرت الشركات خلايا شمسية بتقنية النانو يمكن تصنيعها بتكلفة أقل بكثير من الخلايا الشمسية التقليدية.
  5. البطاريات: تقوم الشركات حالياً بتطوير البطاريات باستخدام مواد متناهية الصغر، والتي ستظل على حالتها كأنها جديدة حتى إذا تم تخزينها لعقود من الزمن. كما يمكن إعادة شحنها بصورة أسرع بكثير من البطاريات التقليدية.
  6. السفر إلى الفضاء: قد تحمل تقنية النانو الحل لجعل رحلات الفضاء عملية بصورة أكبر. كلما تطورت المواد النانوية أكثر، سنتمكن من صُنع مركبة فضائية خفيفة الوزن، وربما يصبح مصعد الفضاء ممكناً. من خلال تقليل كمية وقود الصواريخ المستخدمة، يمكننا أن نقلل من تكلفة السفر إلى الفضاء.
  7. الوقود: يمكن لتقنية النانو إيجاد الحل للنقص في الوقود الأحفوري مثل الديزل والبنزين، من خلال إنتاج الوقود من المواد الخام العادية بشكل اقتصادي وأكثر كفاءة، وكذلك زيادة كفاءة المحركات.
  8. النسيج: يساهم صُنع النسيج باستخدام جزيئات أو ألياف بحجم النانو في تحسين خصائص النسيج، دون زيادة كبيرة في وزنه أو سمكه أو صلابته، كما هو الحال مع التقنيات المستخدمة حالياً.

نميل دائماً إلى التفكير في تقنية النانو على أنها شيء جديد وغريب، ربما لأن كلمة تقنية تنطوي على شيء من صُنع الإنسان، ولكن لبنات الحياة الأساسية هي أكبر مثال على تقنية النانو؛ البروتينات والبكتيريا والفيروسات والخلايا كلها تعمل على هذا المقياس المتناهي في الصغر!