أحد الأمور الهامة التي تقوم بها شركات التقنية الكبرى، مثل أمازون وأبل وجوجل ومايكروسوفت وفيسبوك، هي دورها في وضع نماذج البيانات وعملية تتبعها. كما يُطرح حاليًا سؤال مهم: كيف يمكن لشركات التقنية أن تستخدم الذكاء الاصطناعي في مواجهة وباء فيروس كورونا الحالي؟

وأين اختفت القوة الخارقة التي نسمع عنها دائمًا حول الإمكانيات الهائلة لخوارزميات الذكاء الاصطناعي؟ ولماذا لم ينقذنا حتى الآن من قبضة هذا الوباء الشرس؟

خوارزميات تشخيص المرض وتوفر البيانات!

لماذا لم ينقذنا الذكاء الاصطناعي من وباء فيروس كورونا المستجد؟

ذكر تقرير لمنظمة الصحة العالمية إن الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة كانت جزءًا رئيسيًا من استجابة الصين لتفشي الوباء ومحاولة السيطرة عليه.

حيث في أواخر شهر يناير الماضي، قبل أكثر من أسبوع من إطلاق اسم المرض كوفيد-19، بدأت المستشفيات في مقاطعة ووهان بالصين في اختبار طريقة جديدة للكشف عن المرض، وكان ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي. تضمنت الخطة إجراء أشعة مقطعية على الصدر، وهي مسح ثلاثي الأبعاد للرئتين يظهر على شرائح تحمل الكثير من التفاصيل الدقيقة، ومن خلال دراسة الآلاف من هذه الصور المقطعية، ستتعلم خوارزمية ما إذا كان المريض بالتهاب رئوي يأتي بسبب مرض كوفيد-19، أو مرض أخر معروف مثل الإنفلونزا.

وفي الولايات المتحدة، وبينما ينتشر الوباء في شهر فبراير، بدت الفكرة وكأنها تبشر بالخير؛ فمع نقص الاختبارات التقليدية بالفعل، كانت هذه الفكرة تمثل وسيلة لفحص المزيد من الأشخاص، وبسرعة. على أي حال، لم يكن المتخصصون في مجال الصحة على يقين من ذلك.

بالرغم من أن بعض الخوارزميات التشخيصية المختلفة كانت قد حصلت على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA بالفعل، مثل خوارزميات تشخيص كسور المعصم، وأمراض العيون، وسرطان الثدي، لكنها بشكل عام تحتاج إلى أشهر أو ربما سنوات في مرحلة التطوير والتعلم. حيث يتم تشغيل تلك الخوارزميات في عدّة مستشفيات مختلفة ومليئة بأنواع متنوعة من المرضى، كما يتم فحصها من أجل البحث عن العيوب والتحيزات، ثم تدخل لمراحل أكثر من الفحص قبل أن يتم الاعتماد عليها في التشخيص.

وهذا يطرح سؤالًا مهمًا: هل كانت هناك بيانات كافية عن فيروس كورونا المستجد حتى تُميز خوارزميات الذكاء الاصطناعي بينه وبين التهاب رئوي من نوع آخر؟ ماذا عن الحالات المعتدلة، حيث قد يكون ضرر المرض أقل وضوحًا؟ المشكلة أن الوباء لم يكن ينتظر الأجوبة، ولم يمنحنا الوقت الكافي لذلك، لكن الطب يجب أن ينتظر هذه الأجوبة كي يعتمد على هذه الخوارزميات.

الذكاء الاصطناعي يتخلف عنا بخطوة!

الذكاء الاصطناعي

في أواخر شهر مارس، أصدرت الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية تقريرًا يبحث في خوارزميات فحص الرئة، ومجموعة أخرى من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يمكن استخدامها لمكافحة مرض كوفيد-19. وجاء التقييم أن عددًا قليلًا من المشاريع قد حقق "النضج التشغيلي".

كانت القيود على استخدام الذكاء الاصطناعي أقدم من الأزمة نفسها، ولكنها تفاقمت بسبب الأزمة. حيث يعتمد الذكاء الاصطناعي الموثوق على قدرتنا البشرية في جمع البيانات، ثم أن نجعل الأمر يبدو منطقيًا، وأن نخرج بنتائج منطقية من خلال تلك البيانات. وبالتأكيد يصعب القيام بهذا الأمر في منتصف الأزمة.

كما أن البيانات والمعلومات تتغير باستمرار، مثلًا المعلومات حول ارتداء قناع الوجه، وحول الأدوية، وحول ما نعرفه عن الفيروس نفسه، والكثير غيرها. حتى تحركاتنا اليومية تمليها علينا توقعات غير مؤكدة عمّن يمكن أن يصاب أو يموت بسبب الفيروس، وكم الأعداد التي يمكن أن تموت إذا فشلنا في عزل أنفسنا في منازلنا.

بينما نرتب نحن تلك الأدلة ونحاول أن نفهم منها أي شيء مفيد، فإن الذكاء الاصطناعي يتخلف عنا بخطوة دائمًا. ومع ذلك، ما زلنا نتوهم أنه يتمتع ببصيرة أكثر منّا، أو أنه يملك قوى ذكاء خارقة، ستمكنه من إيجاد الحل والعلاج فجأة!

ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي؟

لماذا لم ينقذنا الذكاء الاصطناعي من وباء فيروس كورونا المستجد؟

هناك إمكانية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المساعدة على إيجاد علاج لمرض كوفيد-19؛ حيث يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تكمل تقنيات أخرى لتعدين البيانات التي تساعدنا في الفحص الدقيق خلال حزم المعلومات التي نملكها بالفعل. على سبيل المثال، البحث داخل العلاجات القديمة والتي تحمل أمل في علاج المرض الحالي. وهناك بعض الأدوية التي تم التعرف عليها بهذه الطريقة فعلًا، والتي سوف يتم اختبارها الآن في التجارب السريرية.

وهناك أمل آخر هو أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من معرفة كيف يهاجم مرض كوفيد-19 جسم الإنسان؛ حيث يمكن لخوارزمية أن تبحث داخل الكثير من سجلات المرضى، وتحدد من الأكثر عرضة لخطر الموت، ومن يمكنه أن ينجو بحياته. ولكن مرة أخرى، كل هذا مسألة البيانات التي نملكها، والتي جمعناها بالفعل، وما إذا كنا قد نظمناها بطريقة مفيدة لهذه الآلات أم لا!

ربما ستدفعنا هذه الأزمة إلى إعادة التفكير في كيفية تخزين البيانات ومشاركتها، وربما سوف نستمر في دراسة هذا الفيروس حتى بعد أن تنتهي هذه الفوضى، مما يعطينا قواعد بيانات صلبة يمكن الاعتماد عليها، وذكاء اصطناعي أفضل، ليتمكن حينها من مواجهة أي وباء قادم. ولكن في الوقت الحالي، لا يمكن أن نُفاجئ بأن الذكاء الاصطناعي لم ينقذنا من وباء فيروس كورونا المستجد حتى الآن!