الواقعية الفيزيائية Physics والتفاعلية التخريبية في الألعاب علي وشك الاختفاء
منذ بداية عالم الألعاب الرقمية والعاب الحاسب واللاعبون يتعرضون لقصف اعلامي شديد عن أهمية الواقعية الفيزيائية ومحاكاة البيئة Physics Simulation في الألعاب، فتلك الأشياء تمكنك من الانغماس بشكل أفضل في عالم اللعبة فيزيد استمتاعك بها وتزادا بها اعجابا وتقديرا.
وكيف لا يحدث هذا وانت تري كل ما حولك يتفاعل معك؟ كل الجمادات والنباتات والمياة والاتربة والأشخاص كلها تتأثر بأفعالك، برصاصك وضرباتك وقنابلك وصواريخك، بنوبة غضبك وفوضي المعارك وعشوائيتها، بحركة أعدائك وبردود أفعالهم عن قصد وعن غير قصد. إن مشهد دخولك الي غرفة ممتلئة بالأثاث ومرتبة و أنيقة لتشتبك بالأسلحة النارية مع عدد من الأعداء فتصير الغرفة ساحة حرب تتناثر فيها الشظايا وحطام الأثاث وآثار طلقات الرصاص علي الحوائط والجدران مع خليط من الأسمنت والخرسانة المتطايرة والأتربة والغبار .. لهو مشهد مبهر مهما كانت طبيعة اللعبة، إنه مشهد خاطف للانفاس ومؤثر .. انت تري اثار افعالك في الوقت الحقيقي! كيف لا يمكن أن تكون منبهرا؟!!
قارن هذا بمشهد جامد تكتفي انت فيه بقتل الاعداء بينما تبقي الغرفة سليمة منمقة باثار دمار محدودة للغاية؟ كيف ستقتنع أن ما تشاهده حقيقي وكيف ستتأثر به وانت لا تري أية آثار واضحة لما تقوم به!
ولقد كان هذا ديدن أغلب الألعاب للأسف، لقد كانت الصناعة تعاني من الفقر المدقع في تقنيات تفاعل البيئة مع اللاعب، كانت أغلب مشاهد الألعاب جامدة لا تتغير مهما فعلت، حتي لو فجرت فيها عشرات من الصواريخ!
لكن هذا الحال تغير بشدة مع مقدم لعبة Red Faction في عام 2001. لقد كانت أول لعبة علي الاطلاق تقدم بيئة قابلة للتحطيم شبه الكامل، لا يعجبك هذا الحائط؟ حسنا انسفه نسفا وتخطاه تماما! الأعداء يختئبون في غرفة مغلقة؟ اثقب حوائط الغرفة بالصواريخ واهدمها علي رؤوس الأعداء!
وكان الاصدار الثاني من اللعبة Red Faction 2 الذي صدر في عام 2002، مستمرا علي نفس النهج الثوري، تحطيم شبه كامل لبيئة اللعب ..
لكن الملاحظ أن عوالم لعبتي Red Faction كانت خاوية وخالية من الجمادات والتفاصيل، لم تخرج تلك العوالم عن مجموعات من المباني الخاوية التي تبدو وكأن بنائها قد انتهي توا، وسلاسل من الكهوف المحاطة بالصخور والجبال الصخرية، باختصار كانت بيئات مناسبة فقط لغرض واحد، التحطيم السريع المباشر للجدران الصخرية والأسمنتية، دون الالتفات لمحاكاة تاثر الجمادات بالدمار نفسه، لم نكن هناك جمادات أصلا ليتم تدميرها، ولا حتي نباتات أو خضرة! لم يكن لدينا قوة حوسبية كافية لعمل هذا.
ولأن بيئات Red Faction كانت جرداء مملة، فان عدوي هذا النهج في محاكاة الدمار لم تنتقل للأسف لغالبية ألعاب ذلك الوقت، لم يكن لدينا حقا القدرة الحوسبية لتحمل هذا في بيئات مزدحمة بالتفاصيل ومتنوعة!
لكن كل هذا تغير مع مقدم لعبة Max Payne 2 في عام 2003، لقد مثلت اللعبة نقلة حضارية في تفاعل اللاعب مع البيئة والموجودات حوله، أتت اللعبة في بيئة عصرية، داخل مباني وشوارع مدينة نيويورك المعاصرة، لذا كانت مشاهد اللعبة ممتلئة بالجمادات وقطع الأثاث والبناءات الخرسانية.
لقد كانت غالبية قطع الأثاث والجمادت في اللعبة قابلة للتحطيم والتشويه والتطاير اثر طلقات اللاعب، لقد حولت طلقات البطل Max كل ما في عالم اللعبة الي غبار متناثر في ما لا يمكن وصفه الا بمشاهد خاطفة للأنفاس، يدخل البطل Max الي غرفة ممتلئة بالأعداء فيتطاير الرصاص والقنابل في كل مكان ومعهم تتطاير قطع الأثاث والخشب والحديد والخرسانة والأوراق والزجاج في كافة الاتجاهات، وينقلب حال الغرفة رأسا علي عقب، ان المنضدة المتطايرة اثر انفجار قنبلة قد تقتل Max اذا ما اصطدمت به! لقد كانت هذه التجربة فريدة للغاية في عالم الألعاب، كانت تقدم لأول مرة للاعبين!
قارن ما قدمته لعبة Max Payne 2 من تطور في هذا الشأن بما تم تحقيقه في لعبة Max Payne الأولي التي صدرت قبلها بعامين في 2001، لتدرك حجم التطور الهائل في جبهة التفاعل مع البيئة والتحطيم! فارق هائل للغاية لصالح لعبة Max Payne 2.
ولقد تمني اللاعبون ان تكون كل الالعاب بنفس هذا القدر من التفاعلية والقدرة علي التخريب، لقد صار صعبا للغاية تصور لعب أي لعبة أخري بمستوي تخريب وتفاعل أقل من Max Payne 2، لقد أفسدت تلك اللعبة العبقرية ذوق اللاعبين الذين صاروا متعطشين للمحاكاة الفيزيائية أكثر من أي وقت مضي!
ولحسن الحظ، حصل اللاعبون علي أمنياتهم في العام الثوري التالي مباشرة، عام 2004 المهيب، الذي حقق فيه عالم الألعاب قدرا رهيبا من التطور والابتكار بصدور ثلاثة ألعاب عبقرية، مجددة و ثورية! وهم العاب Far Cry 1 و Half Life 2 و Doom 3 ..
لقد جاء هؤلاء الثلاثة بمستويات قوية للغاية من التفاعل مع البيئة والجمادات وتخريب كل ما حول اللاعب. كانت أقواهم في هذا الشأن لعبة Half Life 2 باستغلال التخريب في صالح اللاعب عن طريق سلاح الجاذبية Gravity Gun في يد اللاعب، الذي يستطيع من خلاله جذب أي جسم أو جماد في عالم اللعبة واستخدامه كقذيقة موجهة في وجه الأعداء! لقد اصبح عالم اللعبة ملعبا يجول اللاعب فيه ويصول كما يشاء تاركا دمارا وخرابا شديدا في طريقه!
وكانت أقل لعبة فيهم في قدر التفاعلية هي Doom 3، فاقتصر التفاعل فيها علي الجمادات الخفيفة، بينما أتت Far Cry 1 بمستوي متوسط من التفاعل! لقد أصبح عالم الرسوم مختلفا بعد هذه الألعاب الجديدة، أصبح من غير المقبول الآن صدور أي لعبة لا تحوي قدرا محترما من التفاعل والتخريب مع بيئة اللعب.
لقد غيرت هذه الألعاب الثلاث طبيعة محاكاة البيئة الي الأبد، مدفوعين بتقنيات محركاتهم الرسومية المتبكرة في ذلك الوقت أيضا، محرك المصدر Source في لعبة Half Life 2، ومحرك الصرخة Cry في لعبة Far Cry 1 ومحرك id Tech في لعبة Doom 3.
ولقد رأينا آثار هذا في العام التالي مباشرة (عام 2005) مع محرك LithTech في اللعبة الشهيرة F.E.A.R. 1 والتي أتت بقابلية مبهرة لتخريب البيئة والتفاعل مع الموجودات! ثم بعد ذلك أيضا في عام 2006، بعدما أتت لعبة Oblivion بقابلية جيدة علي تخريب الجمادات أيضا بفضل محرك GameByro، ومثلها كانت Call of Juarez 1 بمحرك Chrome 3 و مثلها كانت 1 Dead Rising في نفس العام!
ثم أتي عام 2007 باللعبة التي حملت تقنيات الاصدار الثاني من محرك الصرخة Cry، اللعبة التي ظلت المعيار الرسومي لعالم الألعاب لفترة طويلة الغاية، لعبة Crysis 1.
لقد أتاحت اللعبة للاعب تخريب كل شئ، الجمادات والنباتات والحوائط والجدران و المباني الصغيرة، وأتاحت له التقاط كل الأشياء واستخدامها كسلاح فعال، وكل هذا في مساحة لعب مفتوحة، شاسعة وضخمة للغاية! وممتلئة حتي الثمالة بالتفاصيل، لقد كان هذا يحدث لأول مرة في عالم الألعاب.
في نفس العام أيضا أتت لعبة StrangleHold بقدرة عالية علي تخريب البيئات الداخلية في اشتباكات الأسلحة النارية التي تعج بها اللعبة. فاقت هذه القدرة لعبة Max Payne 2 الي تحطيم أجزاء من الحوائط والخرسانة .. كانت StrangleHold دليلا أن عالم الألعاب يتطور باضطراد في هذا مجال التخريب.
وليس أكثر من دليل علي هذا سوي التحاق لعبة Grand Theft Auto 4 بالركب في عام 2008، بعدما أتت بقدر كبير من التفاعلية التخريبية مقارنة بالاصدارات السابقة من السلسلة، وجاء ذلك بفضل محرك جديد كليا للعبة، اطلق عليه محرك Rage، ارتكز المحرك علي التفاعلية الفيزيائية مع البيئة كأحد نقاطه الأساسية، اتت لعبة Far Cry 2 في نفس العام بمحرك جديد أيضا، باسم محرك Dunia، اعتمد أيضا علي المحاكاة الفيزيائية والتخريبية الشاملة للبيئة، الي درجة أنه صار يحاكي النيران والحرائق وانتشار اللهب بواقعية شديدة، لأول مرة في أي لعبة! لقد كان بامكان اللاعب حرق غابة كاملة الي رماد فقط باشعال بعض العشب بالنيران في اتجاه الرياح!
صدرت في ذلك العام أيضا ألعاب جديدة بمحركات قديمة، مثل Fallout 3 بمحرك GameByro و Left 4 Dead بمحرك Source، وحافظت تلك الألعاب علي واقعية تخريبية عالية، وكان هذا دليلا أن عالم الألعاب ينتوي التوسع في اعطاء اللاعب هذه القدرات التخريبية.
ولقد حدث هذا التوسع بقوة بعدها مباشرة مع الحدث الأبرز في عام 2009، هو صدور لعبة Red Faction Guerrilla، والتي جاءت بمحرك Geo Mod. أو محرك التعديل الهندسي، والذي استمد اسمه من الحروف الأولي لعبارة Geometry Modification والتي اطلقت عليه لقدرته الهائلة علي تعديل البنية الهندسية للبيئات ثلاثية الأبعاد.
لقد كان ولا يزال هذا المحرك هو أعظم واقوي المحركات علي الاطلاق في قدرته علي تخريب وتحطيم البيئة، إن باقي محركات الألعاب تبدو أمامه كالطفل الصغير .. لقد صمم المحرك بحيث يسمح بتخريب وتحطيم كل الأجسام والمباني الي شظايا صغيرة، وأكثر من 90% من بيئاته قابلة للتدمير بشكل كلي.
بدا المحرك مشواره عام 2001 في لعبة Red Faction والتي اتاحت مستويات غير مسبوقة من تدمير البيئة في ذلك الوقت (أرضيات وحوائط) كما أوضحنا، الا أنها بدت كالكسيحة أمام قدرات المحرك الهائلة التي انفجرت مع الاصدارة الثالثة Red Faction Guerrilla، اللعبة التي استباحت تدمير كل شئ، حتي الأسوار وأنابيب الغاز وحطام السيارات، وجسدت عددا مخيفا من الشظايا والحطام .. وكم من لاعب هدم فيها بيوتا من 9 أدوار علي رؤوس أصحابها، فقط لانه لم يستطع الوصول الي القناصة علي السطح. وكم من أخرين هدموا فيها جسورا و درجات سلالم فقط ليمنعوا الأعداء من الوصول اليهم! بل أن بعض اللاعبين لم يمتلك صبر البحث عن المداخل الي المباني، فلماذا تبحث عن المدخل أو الباب اذا كان بامكانك صنع منفذك الخاص الي الداخل باستخدام بعض المتفجرات أو باستخدام شاحنة مسرعة!
وبعد هذا الانجاز التخريبي الكبير، بدا وكأن عالم الألعاب بصدد الدخول في عصر زاه جديد من الواقعية التخريبية .. عصر تصدر فيه الألعاب كلها بقابلية تفاعل كبيرة مع البيئة.
لكن هذا لم يحدث للأسف، فرغم كل التقدم الذي احرزته الالعاب في هذا الصدد، فان اصدارات الألعاب القائمة علي التخريب ظلت قليلة مقارنة بالالعاب التي لم تحوي هذه القدرة علي الاطلاق، اننا نعد هذه الألعاب علي أصابع اليد الواحدة في كل عام! بل أقل من أصابع اليد الواحدة! لقد توقع الجميع ازدياد معدل التخريب والتفاعل في الألعاب الي مستويات جديدة كليا، لكن ولدهشة الجميع لم يحدث هذا، لقد ازداد عدد الألعاب التي تتجاهل التخريب كلية، دعك من زيادته، لقد كانت الألعاب الكبيرة تصدر دون نظام تخريب من الأساس!
لقد صدرت Red Faction في 2001 (منذ عشرين عاما تقريبا) وأتت بقابلية لم يثبق لها مثيل لتحطيم كل الجدران والحوائط والأرضيات، حتي الجبال والصخور! لم تكن أي لعبة حينها تدعم هذه الخواص، لكن دعني أسوق لك هذا عزيزي القارئ هذا الخبر الصادم، لم تأت لعبة عصرية منذ 2001 بقابلية تحطيم مشابهة لهذه اللعبة حتي هذه اللحظة! لقد كان الاستثناء الوحيد لهذا هو لعبة Red Faction Guerrilla من ذات السلسلة، والتي صدرت عام 2009 (منذ عشرة أعوام)، وأتت بكمية مهولة من القدرة علي تحطيم أي مبني مهما علي و أي حائط وأي أرضية الي المئات والالاف من الشظايا الكاملة.
ومنذ ذلك الحين، كان كل ما نحصل عليه في التحطيم في أي لعبة عصرية لا يتعدي بعض المباني، بعض الحوائط، بعض الاماكن! أشياء محدودة ليس اكثر. حتي سلسلة Red Faction نفسها لم تستطع الحفاظ علي ابتكارها طويلا، وأتت الالعاب التالية في السلسلة بقدرات محدودة للغاية علي التحطيم!
لعبة Battlefield Bad Company 2 جاءت بقدرة معقولة علي تحطيم اغلب البيوت، لكن الاصدارات التالية من سلسلة Battlefield حجمت هذه القدرة وقيدتها الي بيوت معينة وأماكن معينة فقط! لعبة Mercenaries 2 التي صدرت منذ أكثر من عشرة سنوات جاءت بقدرة تخريبية ممتازة أيضا، لكنها لم تتكرر منذ ذلك الحين!
أين ذهب التحطيم الكامل والشامل لكل شئ؟ أين ذهب تحطيم السيارات الجنوني في ألعاب مثل Burnout و Split Second؟ لدينا ألعاب أتت بطفرات في هذا المجال منذ أكثر من عشرة أعوام بل عشرين عاما، ورغم هذا فان التحطيم والدمار لا يزال محدودا للغاية مقارنة بهذه الألعاب! لقد ذهب الابتكار في هذا المجال أدراح الرياح للأسف!
أي تفاعل مع البيئة تتكلم عنه وآخر ألعاب محترمة في هذا المجال كانت ألعاب مثل Half Life 2 التي صدرت منذ خمسة عشر عاما، حيث كان يمكنك التقاط أي جسم، كائنا كان أو جمادا، والقاؤه بعيدا، أو لعبة مثل Crysis 1 التي صدرت منذ 12 عاما، حيث كان بامكانك التفاعل مع أي جماد أو كائن حي أو لعبة مثل Far Cry 2 التي صدرت منذ 10 أعوام! أو قل حتي Far Cry 1 التي صدرت منذ 15 عاما! أو قل Doom 3 التي صدرت أيضا منذ 15عاما!
لقد جاءت Crysis 2 بنصف القدرة التفاعلية في Crysis 1، وكذا الأمر مع Far Cry 5 مقارنة بـ Far Cry 2، وكذا الأمر مع Doom 2016 مقارنة بـ Doom 3، وكذا مع Dead Rising 4 مقارنة بـ Dead Rising 2 .. وغيرهم .. كلها العاب انخفضت فيها قدرة التفاعل في اللعبة الي اقل قدرة ممكنة، ما كان قابلا للتحطيم والتخريب لم يعد كذلك، الجوامد لم تعد تتفاعل مع حركة اللاعب وقذائفه، النباتات والخضرة والمياه والطبيعة لم تعد تتأثر بأفعال اللاعب …الخ! إن أغلب عوالم أغلب الالعاب المعاصرة تخرج الي النور جامدة ومتحجرة مقارنة بالألعاب القديمة! ومن ذات السلاسل في أغلب الأحيان!
ألعاب Call Of Duty أشهر ألعاب الاشتباكات والتصويب والتخريب، لم تحو أي نظام تخريب وتفاعل مع البيئة جيد في أي اصدار للسلسلة، رغم اصداراتها التي تعدت الـ 12 اصدارا! ألعاب Assassin's Creed سلكت نفس السلوك أيضا، وكذا الأمر مع Borderlands و BioShock و Batman Arkham و Tomb Raider و Gears Of War و Mass effect و Dragon Age و Prince Of Persia و Splinter Cell و Resident Evil و Rage و Need For Speed و Final Fantasy و Titanfall و Battlefront وغيرهم الكثير.
كلها سلاسل لألعاب امتدت ولا تزال تمتد لعقود، ومع ذلك لم تفكر في تحسين جوانب التفاعلية البيئية فيها الا بالقدر الضئيل! بالطبع كانت هناك استثناءات بين الحين والآخر، لكنها ظلت قليلة ونادرة، وظلت تخرج أيضا من نفس عباءة المحركات القديمة أو المطورين القدامي، نذكر منها Alan Wake و Max Payne 3 ونذكر منها Dead Rising 2 و Shadow Warrior بجزئيها و Ghost Recon Advanced Warfighter بجزئيها.
ونذكر منها حديثا للغاية لعبة Control، التي صدرت في هذا العام، عام 2019، وأتت بلفحة قوية من قابلية التخريب والتفاعل في البيئة، فكل شئ كان قابلا للتحطيم، الحوائط وقوالب الخرسانة كانت تتفكك الي قطع صغيرة، الشظايا تتطاير في كل مكان، الأثاث والجوامد تتحطم الي قطع صغيرة، وكل هذا بارادة اللاعب واستجابة لأفعاله التخريبية!
والحقيقة أن مجرد ذكر لعبة Control كعلامة مميزة في 2019 يثير الأسف بأكثر مما يثير الاعجاب، فلقد أصبح من المعتاد خلو الألعاب العصرية من التفاعلية الي درجة أن Control اثارت اعجاب الجميع في هذا الشأن عندما أتت بتفاعلية قوية، علي غير العادة!
وقد كانت تفاعلية Control علي غير العادة حقا، فحتي مقارنة بأبطال التخريب السابقين، أمثال Crysis 1 و Max Payne 3 و Half Life 2 .. كان مستوي التخريب في Control يفوقهم كلهم، الي درجة أن اللعبة تستحق ان يطلق عليها اعظم لعبة تخريب بعد لعبة Red Faction Guerrilla .. ليت كل الألعاب تحذو حذو Control!
لقد تضافرت عوامل عديدة وكثيرة للغاية حتي وصلنا الي ما نحن عليه من حال مؤسف في جانب التخريب، كان أهم هذه العوامل هو ضعف عتاد أجهزة الألعاب المنزلية، وبالتحديد المعالجات المركزية CPUs بداخلها.. ان الفترة ما بين 2012 و 2019 شهدت القدر الأكبر من التراجع في معدل تفاعلية الألعاب، ولقد تزامن هذا مع أجهزة PlayStation 4 و Xbox One المنزلية التي أتت بمعالجات مركزية ضعيفة للغاية.
ولقد منع هذا المطورين من دمج أي أنظمة تفاعل أو تخريب في ألعابهم، ومنع المحركات الكبري من استخدام هذه الأنظمة حتي لو كانت تمتلك هذه الأنظمة، فمحرك Unreal علي سبيل المثال احتوي علي محرك المحاكاة الفيزيائية الأشهر PhysX، لكن استخدام المحرك اقتصر علي تفاعلات محدودة في عدد محدود من الألعاب ولم يتم دمجه أبدا بقدراته الكاملة علي التحطيم والتخريب.
تم دمج محرك PhysX في محركات أخري كثيرة غير Unreal، لكنها كلها عزفت عن استغلال قدراته الكاملة في التخريب والتفاعل البيئي .. ربما نذكر لهذا استثناء واحدا، وهو لعبة Dangerous Golf. وهي لعبة بسيطة للغاية تتضمن قذف اللاعب لكرة جولف في مجموعة من الغرف المغلقة، ومشاهدة الكرة وهي تحطم كل شئ في طريقها.
بالطبع كان هناك العشرات من الألعاب التي تعتمد في أسلوب لعبها علي المحاكاة الفيزيائية والتخريب والتحطيم، أو كما يطلقون عليها Physics Based Games، لكن هذه الألعاب لا تهمنا في شئ، فكلها ألعاب بسيطة كألعاب الألغاز والأحجيات، وكألعاب التوصيب الصغيرة ولا ترقي الي مستوي الألعاب الكبيرة التي تحاكي بيئات ضخمة بتفاصيل كثيفة .. وكلما زاد حجم العالم وزادت كمية التفاصيل فيه، أصبح من الصعب عمل محاكاة فيزيائية شاملة خلاله.
حتي عندما دعمت NVIDIA معالجة مؤثرات المحاكاة الفيزيائية علي البطاقة الرسومية باستخدام مبادرة GPU PhysX، فعلت هذا علي نطاق محدود وفي مؤثرات خاصة فقط، مثل النيران أو السوائل أو الشظايا الصغيرة، ولم تستطع فعله علي نطاق التخريب والتدمير الشامل، لأن هذا النطاق سوف يكون عبئا ثقيلا علي أي بطاقة رسومية!
كان من ضمن العوامل أيضا هو كسل المطورين ورغبتهم في انهاء العابهم في أقصر وقت دون تعقيدات اضافة محاكاة فيزيائية تتطلب الكثير والكثير من الجهد والاختبارات حتي تخرج بصورة لائقة .. لم يفكر أي من المطورين في اضافة انظمة محاكاة فيزائية حقيقة في نسخ الحاسب الشخصي PC من ألعابهم، رغم توفر العتاد الكافي علي الحاسب الشخصي لتحمل هذه الأنظمة.
عامل آخر هو اعتقاد بعض المطورين ان انظمة المحاكاة الفيزيائية اصبحت غير مطلوبة في الالعاب الحديثة وانها قد عفي عليها الزمن، وان القليل من اللاعبين يهتم بها! وهو اعتقاد غريب وعجيب، بالطبع يهتم اللاعبون بمحاكاة الطبيعة والتفاعل مع البيئة في الالعاب، انها تزيد من انغماس اللاعب في عالم اللعبة وتصديقه لواقعية أفعاله بداخلها! الأمر يشبه أن يدعي أحدهم ان الرسوم غير مهمة للاستمتاع باللعبة! بالطبع هي مهمة ومهمة للغاية كذلك!
ومع الاعلان عن ان اجهزة الالعاب المنزلية الجديدة سوف تحوي معالجات مركزية CPU قوية، من طراز Ryzen 3000 بثمانية أنوية، يعود الينا الأمل في أن المطورين سوف يعودون الي رشدهم، فالقوة الحوسبية اللازمة لهذه الأنظمة صارت متاحة من جديد للمطورين، وما يتبقي فقط هو حسن استغلالهم لها .. لقد تناسي عالم الألعاب عمدا او عن غير قصد التفاعلية التخريبية، وقد حان الأوان لهذا التناسي أن ينتهي وان يصبح التناسي نفسه في محل النسيان! اننا جميعا نتوق لجرعة جديدة من التخريب التفاعلي في العابنا، وهي جرعة ازددنا عطشا اليها بعد تجربتا للعبة Control الرائعة، فهل من مجيب أيها المطورون؟
?xml>