"فات المعاد... وبقينا بعاد بعاد بعاد... والنار النار النار بقت... النار دخان ورماد.. فات... فات المعاد... وبقينا بعاد بعاد بعاد...
تفيد بإيه.. إيه يا ندم يا ندم يا ندم... وتعمل إيه يا عتاب؟ تفيد بإيه.. إيه يا ندم يا ندم يا ندم... وتعمل إيه يا عتاب؟"
مطلع أغنية "فات المعاد" لكوكب الشرق أم كلثوم..
في 18 مايو عام 2010، داخل منزله في فلوريدا، يجلس المبرمج لازلو هانيتش على جهاز الكمبيوتر، ويشعر بالجوع، فيقرر أن يشتري 2 بيتزا من الحجم الكبير من "بابا جونز"، ولكنه يقرر أن يدفع ثمنها بعملة جديدة تمامًا في ذلك الوقت وهي عملة بتكوين! ولهذا كتب على منتدى "bitcointalk" رغبته في أن يشتري له أحدهم قطعتي بيتزا بالحجم الكبير، ويوصلها لمنزله.
ليس الغريب هنا أن يشعر مبرمج ما بالجوع، فيقرر أن يطلب بيتزا ويدفع مقابلها بالبتكوين، لكن الغريب أنه قرر دفع 10 آلاف بتكوين مقابل قطعتي بيتزا. وفي 22 مايو، قرر رجل بريطاني أن يقبل عرض لازلو هانيتش واشترى له قطعتي البيتزا مقابل 10 آلاف بتكوين. حتى أن صديقنا البريطاني اشترى البيتزا بعرض مميز وحصل على صفقة جيدة، ليدفع 25 دولارًا فحسب لمحل "بابا جونز"، بينما كانت قيمة الـ 10 آلاف بتكوين نحو 41 دولارًا في ذلك الوقت!
منذ ظهور عملة بتكوين، ارتفعت قيمة بيتزا هانيتش بشكل جنوني، فبعد تسعة أشهر من شراءها، وصلت عملة بتكوين إلى التكافؤ مع الدولار الأمريكي، مما جعل قيمة البيتزا تبلغ 10 آلاف دولار. وفي عام 2015، في الذكرى السنوية الخامسة لـ "يوم بيتزا بيتكوين" كما يُطلق عليه، بلغت قيمة قطعتي البيتزا نحو 2.4 مليون دولار. واليوم، وحتى هذه اللحظة، وصل سعر عملة بتكوين إلى ما يقرب من 35 ألف دولارًا، مما يجعل قطعتي البيتزا من "بابا جونز" أغلى قطعتي بيتزا في التاريخ، بنحو 350 مليون دولار!
حسنًا، في كل مرة تعرف أن هناك ارتفاع صاروخي لسعر عملة بتكوين، ربما تتساءل سؤالًا يبدو منطقيًا إلى حد ما: لماذا لم أشترِ أو أتاجر في عملة بتكوين عندما كانت أرخص في الماضي؟ تخيل أن تملك بضع عملات فحسب، النتيجة ببساطة أنك كنت ستغني الآن: "مليونير مليونير.. بكرة هبقى مليونير"..
أنت تعلم أن الفرصة فاتتك بالفعل، والآن ترى السعر يرتفع بجنون في فترة قصيرة، لذا هناك هاجس يطاردك في كل مرة، هاجس الندم والعتاب لنفسك، لماذا لم أنتبه حينها لتلك العملة، لماذا لم أخاطر وأشتري بعضها؟ لكن، هنا يصدح صوت السيدة أم كلثوم بعيدًا في الخلفية: "تفيد بإيه.. إيه يا ندم يا ندم يا ندم... وتعمل إيه يا عتاب؟"..
لكنك لا ينبغي أن تفكر في الأمر بهذه الطريقة، بالطبع هذا طلب صعب للغاية، أنا أفهمك جيدًا يا صديقي. لذا يمكنك أن تتراجع بضع خطوات إلى الوراء وتنظر إلى بعض الأسباب التي قد تجعلك لا تندم بشأن ضياع فرصة شراء عملة بتكوين عندما كانت أرخص في الماضي.
"تعتب عليا ليه.. أنا بإيديا إيه؟"
"وكفايه بقى تعذيب وشقى.. وكفاية بقى تعذيب وشقى... ودموع في فراق ودموع في لقى..
تعتب عليا ليه.. أنا في إيديا إيه؟ تعتب عليا ليه.. أنا بإيديا إيه.. إيه.. إيه؟"
حسنًا، دعنا فقط نقول إن الحكمة لا تأتي دائمًا مع العمر، ولكن الإدراك المتأخر يأتي بالفعل. أنت اتخذت هذا القرار بعدم شراء عملة بتكوين بناءً على ظروفك ومعرفتك السابقة، ولكنك الآن تفكر في الأمر بما تعرفه حاليًا. خذ نفسًا عميقًا، وتذكر عندما سمعت لأول مرة عن وجود عملة رقمية يُطلقون عليها بتكوين، هل كنت متشككًا في الأمر؟ وإن كنت تعرف ما هي، هل كنت تملك أي معلومة مؤكدة إن كانت ستنجح؟ هل كنت تعتقد أنه استثمارًا محفوفًا بالمخاطر؟ أو هل كنت ترغب في الاستثمار به ولكنك لم تبدأ في التعامل معه حتى رأيت ارتفاعه الصاروخي بين عشية وضحاها؟
ببساطة، كان قرارك بعدم الشراء بناءً على معرفتك وظروفك في ذلك الوقت. من الصعب للغاية أن تتوقع أن عملة بتكوين سترتفع بهذا الجنون فجأة. لم تكن لتعلم أنه سيكون هناك نمو مجنون لتلك العملة. لذا فإنك قررت أن الأمر لا يستحق المخاطرة بأموالك، هذا إن كنت تملك أموالًا ويمكنك الاستثمار أصلًا حينها. كل هذا طبيعي تمامًا، ولا يعني أنك كنت مخطئًا، فربما تلاشت العملة تمامًا وكان استثمارك قد ذهب أدراج الرياح.
قد تتساءل الآن، وهذا حقك بالطبع: "كنت سأشتري عملة بتكوين فورًا إذا كنت قد علمت بوجودها، لكني لم أكن أعرف عنها أي شيء حتى اللحظة!" هذا إحساس منطقي، لكن لسوء الحظ، تلك مجرد حقيقة أخرى من حقائق الحياة التي علينا قبولها. سوف تفوتك كثير من الفرص العظيمة التي لا تعرف عنها شيئًا دائمًا، وبدلًا من الشكوى أو الندم بشأنها، من الأفضل توجيه طاقتك في تعلم أي دروس يمكنك الاستفادة منها، ومحاولة إيجاد وخلق فرص جديدة لنفسك. ما عليك سوى إلقاء نظرة على صعود العملات الرقمية البديلة في السنوات القليلة الماضية، إذ شهد بعضها نموًا هائلًا بجانب نمو عملة بتكوين، وربما لا يزال بعضها مربحًا في المستقبل.
وحتى إن تجاهلنا العملات المشفرة، فهناك أسهم وأصول أخرى يمكنك الاستثمار فيها الآن، والتي ستشهد نموًا هائلًا في السنوات القليلة المقبلة. بالطبع لا أعرف أيها سيشهد نموًا، ولهذا فإن الاستثمار عملية صعبة وبها مخاطرة كبرى.
وربما تعبير الكاتب والشاعر الأمريكي رالف والدو إمرسون يضرب على الوتر الصحيح: "لكل شيء فاتك تكتسب شيئًا آخر، ولكل شيء تكتسبه تخسر شيئًا آخر".
اقرأ أيضًا: سعر عملة بيتكوين: لماذا يرتفع بهذا الشكل الصاروخي؟
"تفيد بإيه يا ندم.. وتعمل إيه يا عتاب؟"
ستاير النسيان نزلت بقالها زمان.. وإن كان على الحب القديم وآساه... أنا نسيته.. أنا... يا ريت كمان تنساه.. كمان تنساه.. كمان تنساه..
تفيد بإيه.. إيه.. إيه يا ندم يا ندم يا ندم.. وتعمل إيه.. إيه يا عتاب؟
ستبلغ عملة بتكوين من العمر نحو 12 عامًا، بينما العملات الورقية كالدولار الأمريكي، والأموال بشكل عام، موجودة ونعرفها منذ فترة أطول بكثير. وبهذا امتلكت تلك العملات وقتًا كافيًا للنمو والنضج والتطور. وبالمقارنة معهم، فإن عملة بتكوين، وتقنية العملات الرقمية نفسها، لا يزال أمامها كثير من الوقت لتتبدل وتنمو، بجانب التقلبات الهائلة التي تمر بها كل فترة. وحتى إن كان التقدير الحالي بأن هناك نحو 100 مليون شخص يستخدمون عملة بتكوين صحيحًا، لا يزال هذا الرقم صغيرًا للغاية، فهو يمثل تقريبًا 1.4٪ فحسب من سكان العالم أجمع!
يمكننا التكهن وتوقع أين ستكون عملة بتكوين في الأيام أو الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة، أو ربما ثلاثة أو خمسة سنوات. لكن هل تعرف حقًا، وبصراحة، أين يمكن أن تكون بعد 15 عامًا أو حتى 20 عامًا في المستقبل؟ إن كنت تبحث عن استثمار أموالك على المدى الطويل، بشيء مستقر وترتفع أسعاره بمرور الزمن، ويصلح كمخزن للقيمة كالذهب أو العقارات، فإن عملة بتكوين، حتى اللحظة، يحيط بها كثير من عدم اليقين، حتى بمجرد التفكير في السنوات الخمس المقبلة، لا أحد يعرف حقًا ما سيحدث، فهناك بعض التكهنات والتوقعات التي تستند إلى الاتجاهات الحالية والدعم والاعتماد من قبل الجهات الحكومية.
ربما في السنوات الخمس القادمة ستساوي عملة واحدة من بتكوين مليون دولارًا، أو ربما لن تساوي شيئًا. هل أعتقد أن الاحتمال الأخير ممكن الحدوث؟ لا أعتقد ذلك حقًا، ولكن هذا ما نتعامل معه هنا، ولهذا يحذر المستثمرون والخبراء دائمًا إن عملة بتكوين شديدة التقلب! إذا لم تكن ممن عرفوا قيمة عملة بتكوين في عام 2012، عندما كان سعرها في السوق أقل من 10 دولارات، أو في 2013 أو 2014 أو 2015، فلا معنى لعتاب ولوم نفسك الآن!
من فاتهم ذلك القطار أكثر بكثير ممن صعدوا على متنه، حتى أن كثير من الركاب الأوائل قفزوا من القطار عندما أصبحت الرحلة صعبة. حتى طاقم القيادة، أي المتبنين الأوائل والمعدّنين ومؤسسي الشركات الناشئة ومطوري البرامج ممن كانوا يدعون ويبشرون بتلك التقنية الجديدة في ذلك الوقت، لم يكن لديهم أي ضمان بأنها سوف تنجح. وطوال طريق الرحلة، كانت أسباب الشك في فشل عملة بتكوين أكثر بكثير من أسباب نجاحها. كانت هناك فقاعات الأسعار، وعمليات احتيال، وانهيارات ملحمية، وربما هذا ما جعل قصتها جذابة.
في نهاية اليوم، عليك أن تسأل نفسك: لماذا أريد الاستثمار في هذا؟ أو هل هذا الاستثمار مناسب لي؟ هل يمكنني تحمل مخاطره وتقلباته؟ هل يمكنني فهم كيف يعمل حقًا؟ والمهم أن تتذكر أنك لم تشترِ قطعتي بيتزا من "بابا جونز" بـ 10 آلاف بتكوين، حينها لم تكن أغنية الست أم كلثوم ستفيدك كثيرًا!
?xml>