شهدت العملاقة الكورية الجنوبية سامسونج عامًا عصيبًا في 2023؛ إذ تكبدت خسائر قياسية بسبب الاضطرابات الجيوسياسية وارتفاع تكاليف المكونات الرئيسية؛ وخاصةً مكونات الرقاقات. وفي منتصف شهر إبريل الماضي؛ أعلنت الشركة عن حالة طوارئ تفرض قرارًا لمد أيام العمل للمديرين التنفيذيين لستة أيام، في خطوة منها لخلق حالة من الشعور بالأزمة استعدادًا لحالة عدم اليقين الاقتصادي.

حققت سامسونج إنجازًا هائلاً في الربع الأول من عام 2024، متجاوزةً التوقعات بكفاءة؛ إذ أعلنت الشركة عن ارتفاع مذهل في الأرباح التشغيلية بنسبة 932.8% مقارنةً بالعام الماضي. ويعود هذا النجاح بشكلٍ كبير إلى انتعاش سوق الرقاقات، مدفوعًا بالطلب المتزايد على منتجات الذكاء الاصطناعي ذات القيمة المضافة العالية.

وحققت العديد من شركات التقنية العملاقة في الربع الأول من عام 2024 انتعاشًا في الأرباح، متبوعًا بالاستثمارات الهائلة في مجال الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي يتسبب في انتعاش مذهل في أرباح سامسونج

ارتفعت إيرادات سامسونج في الربع الأول بنسبة 12.81% مقارنةً بالعام الماضي؛ إذ سجلت العملاقة الكورية إيرادات تبلغ 71.92 تريليون وون (حوالي 52.3 مليار دولار). وسجلت أرباحًا تشيغيلية بقيمة 6.61 تريليون وون، محققةً بذلك ارتفاعًا بنسبة 932.8% عن العام الماضي.

وشهدت أشباه الموصلات في سامسونج انتعاشًا ملحوظًا في الربع الأول من عام 2024، إذ حققت أرباحًا تشغيلية قدرها1.91 تريليون وون. ويُعد هذا التحول مذهلاً مقارنةً بخسائر العام الماضي، والتي بلغت 4.58 تريليون وون في نفس الفترة من عام 2023، و 2.18 تريليون وون في الربع الرابع من نفس العام. كما عبرت سامسونج في بيان الأرباح عن تحقيق مبيعات قوية للهواتف الذكية الرائدة Galaxy S24.

ويعود هذا الانتعاش القوي إلى عاملين رئيسيين؛ الطلب المتزايد على منتجات الذكاء الاصطناعي و انخفاض قيمة عملة الوون الكوري مقابل العملات الرئيسية؛ ما ساهم في تحسين أرباح التشغيل على مستوى الشركة.

وأثناء مكالمة الأرباح؛ وهو اجتماع يعقده كبار مسؤولي الشركات لمناقشة أدائها المالي مع المحللين والمستثمرين؛ والذي يعقد عادةً بشكل ربع سنوي؛ أعربت سامسونج عن مخاوفها بشأن تصاعد التوترات الجيوسياسية وتأثيرها على أعمالها؛ إذ تثير التوترات مخاوف بسبب عدم استقرار سلاسل التوريد العالمية. كما أشارت أيضًا إلى ارتفاع تكاليف المكونات الرئيسية، خاصةً الذاكرة.

سلسلة Galaxy S24 الذكية

نظرة متفائلة لسامسونج على الرغم من التحديات

على الرغم من حالة عدم اليقين الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية التي تُحيط بالعالم، تُحافظ سامسونج على نظرة متفائلة لآفاقها المستقبلية. وتتوقع الشركة استمرار بيئة التشغيل الإيجابية خلال النصف الثاني من العام، مدفوعةً بالطلب المتزايد على حلول الذكاء الاصطناعي المتطورة.

بدأت الشركة مؤخرًا الإنتاج الضخم لـ HBM3E 8H، وهو نوع متطور من ذاكرة الوصول العشوائي عالية النطاق الترددي. كما أعلنت عن إنجاز هام آخر يتمثل في تصنيع الجيل التاسع من رقائق ذاكرة فلاش (V9 NAND) لأول مرة.

وأعلنت الشركة عن نيتها للإنتاج الضخم لـ HBM3E 12H، وهو نوع متطور من ذاكرة الوصول العشوائي يُقدم سرعة نقل بيانات مُذهلة. وتُعد هذه الخطوة جزءًا من التزام سامسونج المستمر بتوفير حلول ذاكرة مُبتكرة تلبي احتياجات التطبيقات المُتطورة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء.

وتُواصل سامسونج تطوير تقنياتها لتصنيع شرائح إلكترونية أصغر وأكثر كفاءة. فقد بدأت الشركة بالفعل في إنتاج كتل بحجم 3 نانومتر في عام 2022، وتخطط لبدء إنتاج كتل بحجم 2 نانومتر في عام 2025. ويُعد هذا التقدم التقني إنجازًا هامًا؛ إذ يُتيح إمكانيات هائلة لزيادة كثافة الترانزستورات وتحسين أداء أجهزة الكمبيوتر.

ويُشير تقليل عدد النانومتر في التصنيع إلى تقليل المسافة التي تفصل بين كل الترانزستورز، على سبيل المثال؛ شريحة بدقة تصنيع 2 نانومتر تعني ان المسافة بين كل ترانزستور وآخر تساوي 2 نانومتر. وهو مايسمح بوضع المزيد من الترانزستورز في نفس المساحة.

وتتوقع سامسونج أن يكون الربع الثاني مدفوعًا في الغالب بالطلب على الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ بينما يظل الطلب على الهواتف مستقرًا، ومن المتوقع أن يشهد الطلب على أجهزة الكمبيوتر الشخصية انخفاضًا ملحوظًا.

وفقًا لمحللي سيتي – Citi، شركة الخدمات المالية العالمية الكبرى، إن مساحات التخزين الصلبة من نوع HDD ستحد من قدرات حوسبة الذكاء الاصطناعي في ظاهرة تُعرف بالخنق (bottleneck)، خاصةً في تدريب الذكاء الاصطناعي. وهو مايجعل سامسونج من المستفيدين الرئيسيين في النمو المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ إذ تقدم مساحات التخزين SSD حلًا أسرع وأكثر كفاءة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وتُعرف الشركة بمكانتها الرائدة في هذا النوع من مساحات التخزين.

تعافت سامسونج بنجاح من أزمة 2023، محققة أرباحًا قياسية في الربع الأول من عام 2024. وتشير التوقعات إلى استمرار هذا النمو في النصف الثاني من العام مدفوعًا بالطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ إذ تظهر سامسونج خططًا طموحة في مجال ذاكرة الوصول العشوائي والرقاقات، ما يسمح لها بمواكبة أحدث التطورات التقنية وتقديم منتجات وخدمات تُلبي احتياجات عملائها المتغيرة.