كانت إنتل يومًا ما الشركة الرائدة في صناعة الرقائق الأمريكية، لكن سرعة التطور التكنولوجي لم تنتظرها. إما أن تركب موجة التقدم الهائلة وتسبح مع تيارها الجارف، أو أن تُسحق تحت أمواجها العاتية. ويبدو أنها قد أخفقت في ركوب هذه الموجة؛ إذ أصبحت قيمة منافستها إنفيديا تفوقها بـ 16 ضعفًا. بل إن إنتل أصبحت الآن أقل قيمة من شركات مثل كوالكوم وBroacom وTexas Instruments وحتى AMD.

بدأت معاناة إنتل تقريبًا منذ عام 2017، مع ظهور الشبكات العصبية والذكاء الاصطناعي كعوامل رئيسية في صناعة التكنولوجيا؛ إذ تأخرت إنتل بشكلٍ كبير في هذا المجال؛ ما أثر سلبًا على مبيعاتها وأدائها. وفي محاولة لإعادة تنظيم أوضاعها، لجأت الشركة إلى استراتيجية شائعة في عالم الأعمال؛ تسريح الموظفين.

شعار شركة إنتل

في أكتوبر 2022؛ أعلنت إنتل عن خطة لخفض التكاليف بنحو 8 إلى 10 مليارات دولار. ورغم ذلك، لم تنخفض أعداد الموظفين بشكلٍ كبير. فقد انخفض عدد الموظفين بنسبة 5% فقط في عام 2023، من 131,900 إلى 124,800 موظف. لكن في خطوة متناقضة؛ عادت إنتل للتوظيف مجددًا ليصل عدد موظفيها إلى حوالي 130 ألف بحلول مارس 2024.

مؤخرًا؛ وبعد نتائج مالية مخيبة للآمال في الربعين الأول والثاني من العام الجاري، أعلنت إنتل مرة أخرى عن عملية تسريح للموظفين؛ إذ تهدف الشركة الآن إلى خفض التكاليف بمقدار 10 مليارات دولار، وتخطط لتسريح نحو 15 ألف موظف في محاولة جديدة لتحسين وضعها المالي والتنافسي في السوق.

خطة إنتل نحو التعافي

أوضحت إنتل أنها ستقلص عددد موظفيها بأكثر من 15% كجزء من خطتها الجديدة في توفير التكاليف حتى عام 2025. ووفقًا لموقع The Verge الشركة توظف حاليًا أكثر من 125 ألف موظف؛ ما يعني أن عمليات التسريح قد تصل إلى 19 ألف شخص.

وتخطط الشركة الأمريكية لتقليص النفقات على البحث والتطوير والتسويق بمليارات الدولارات سنويًا حتى عام 2026؛ كما ستقلص النفقات الرأسمالية بأكثر من 20% لهذا العام. وتتضمن الخطة أيضًا إعادة هيكلة لأعمال الشركة، وذلك من خلال "توقف الأعمال غير الأساسية" في الشركة، بالإضافة إلى مراجعة جميع المشاريع النشطة والمعدات للتأكد من أنها لا تنفق بشكلٍ مفرط.

أعلنت إنتل عن خسارة قدرها 437 مليون دولار في نتائجها المالية للربع الأول من عام 2024؛ وفي الربع الثاني جاءت الخسارة أكبر بكثير؛ إذ قدرت بنحو 1.6 مليار دولار؛ أي اكثر من 3 اضعاف. أقر بات غيلسنجر، الرئيس التنفيذي لشركة إنتل، أن عائدات الشركة لم تنمو كما كان متوقعًا، وأضاف أن إنتل لم تتمكن بعد من تحقيق الفوائد الكاملة من الاتجاهات القوية مثل الذكاء الاصطناعي.

إنتل أصبحت الآن أسوأ سهم تكنولوجي في مؤشر S and P 500 هذا العام

وجاءت عائدات الربع الثاني للشركة 12.8 مليار دولار بانخفاض 1% فقط عن نفس الفترة من العام الماضي؛ إذ ترتكز تقريباً جميع الخسائر في هذا الربع والربع السابق جاءت من أعمال تصنيع الرقاقات، فقد استثمرت الشركة في مصانع جديدة وتقنيات آلات الطباعة الضوئية (EUV)؛ ما تسبب في خسائر تشغيلية قدرها 7 مليار دولار في عام 2023 و2.8 مليار في الربع الثاني وحده! لكن منتجات إنتل في قطاع الحواسيب والخوادم ما زالت مُربحة.

تقنيات آلات الطباعة الضوئية (EUV) من ASML

وكانت الشركة تتأرجح بين الخسائر والأرباح بشكل عام، مع تحقيق 1.1 مليار دولار فقط في المجموع بين الربع الثاني من 2022 والربع الأول من 2024.

تتوقع إنتل مبيعات متواضعة نسبيًا بقيمة 500 مليون دولار من رقاقتها Gaudi 3 هذا العام، مع تركيز على النصف الثاني. في المقابل، تطمح AMD لتحقيق عائدات أعلى بكثير تصل إلى 3.5 مليار دولار من شرائح الذكاء الاصطناعي. لكن إنفيديا تتفوق على منافسيها بشكلٍ كبير.

يتوقع محللون FactSet أن تحقق مبيعات مراكز البيانات الذي يشمل وحدات معالجة الرسومات للذكاء الاصطناعي مبيعات هائلة تبلغ حوالي 57 مليار دولار في النصف الثاني من العام وحده. تعكس هذه الأرقام الفجوة الكبيرة بين الشركات في سوق معالجات الذكاء الاصطناعي، مع هيمنة واضحة لشركة إنفيديا في الوقت الحالي.

دعم حكومي للبطل الأمريكي للرقاقات

يصف قادة السياسة الأمريكيون، بمن فيهم الرئيس بايدن، شركة إنتل بأنها "بطل الرقائق الأمريكي"؛ إذ يرون أن الشركة تلعب دورًا استراتيجيًا مهمًا في سلسلة إمداد المعالجات في الولايات المتحدة؛ لأن إنتل تعتمد بشكلٍ رئيسي على التصنيع الذاتي، مع الاستعانة بشركة TSMC التايوانية العملاقة لتصنيع جزء صغير من منتجاتها.

تطمح إنتل إلى توسيع نطاق أعمالها ليشمل تصنيع رقائق للشركات الأخرى، حتى لو كانت منافسة لها مثل إنفيديا وكوالكوم. وترى الشركة أن نجاحها في هذه الخطة سيمكنها من تولي زمام القيادة في هذا المجال. كما تعتقد إنتل أن شركات أشباه الموصلات الأخرى تسعى للحصول على بديل لـ TSMC لتجنب الاعتماد على مورد واحد فقط؛ ما يمنح إنتل فرصة للاستفادة من موجة الذكاء الاصطناعي المتنامية.

الرئيس جو بايدن في موقع بناء مصنع إنتل في أوهايو

وفقًا لقانون CHIPS الأمريكي الذي يهدف إلى دعم مصنعي أشباه الموصلات الأمريكيين، ستقدم الحكومة الأمريكية دعمًا لمصنع إنتل الضخم في ولاية أوهايو. يأتي هذا الدعم كجزء من حزمة تمويل تبلغ 8.5 مليار دولار من القروض والمنح.

صرح الرئيس التنفيذي لإنتل، بات جيلسنجر، الشهر الماضي أن المصنع الجديد سيقدم تصنيعًا متطورًا عند بدء تشغيله في عام 2028. وأكدت إنتل يوم الخميس أنها لا تزال على المسار الصحيح للحاق بالركب بحلول عام 2026. في ذلك الوقت، من المتوقع أن تكون TSMC قد بدأت بشحن شرائح بدقة 2 نانومتر. وفي المقابل، تخطط إنتل لبدء إنتاج عملية "18A"، والتي تعادل 2 نانومتر، بحلول عام 2025.