
تطوير روبوتات قابلة للنمو عبر أكل الماكينات والروبوتات الأخرى!
حاول الباحثون منذ عقود جعل الروبوتات أكثر ذكاءً وقدرة من خلال تقليد الذكاء والحركة في الكائنات الحية. إلا أن فيليب وايدر، الباحث في جامعة كولومبيا، يرى أن هذا النهج يعيد فقط إنتاج نتائج التطور البيولوجي دون الاستفادة من آلياته.
من هذا المنطلق، قاد وايدر فريقًا بحثيًا نجح في تصميم آلة تملك شكلًا بدائيًا لما يمكن وصفه بالأيض؛ إذ قامت هذه الروبوتات باستهلاك روبوتات أخرى من أجل النمو واكتساب قدرات جديدة.
استلهام من الطبيعة وتجاوز التصميم التقليدي
تمثل فكرة الأيض في الروبوتات دمجًا بين مفاهيم عدة في الذكاء الاصطناعي والروبوتات. أولها هو مفهوم الحياة الاصطناعية، وهو مجال يهتم بدراسة تطور الكائنات من خلال المحاكاة الحاسوبية. ثانيها، مفهوم الروبوتات المعيارية التي يمكن إعادة تشكيلها من وحدات بسيطة، وهو نهج رائد منذ التسعينات. أما المفهوم الثالث، فهو الانتقال من تصميم يركز على الأهداف إلى تصميم يسعى للبقاء، كما اقترحه الباحث ماغنوس إيغيرستيد في كتابه عن بيئة الروبوتات.
جمع وايدر وفريقه بين هذه الأفكار لتصميم روبوت قادر على استهلاك وحدات أخرى ليتطور. وبهذا، اقتربوا من محاكاة الطريقة التي تبني بها الطبيعة كائناتها باستخدام مجموعة صغيرة من اللبنات الأساسية التي تُركب بطرق لا حصر لها.
وحدات البناء الروبوتية: تشبيه بالأحماض الأمينية
صمم الفريق وحدة روبوتية أساسية تُسمى «Truss Link»، على شكل قضيب طوله 16 سنتيمترًا، يحوي بطاريات ووحدات تحكم ومحركات صغيرة تمكنه من الحركة المستقيمة. زُوّدت هذه الوحدات بمغناطيسات عند طرفيها لتتمكن من الارتباط بوحدات أخرى وتشكيل هياكل خفيفة الوزن. يشبه هذا النظام الأحماض الأمينية التي تبني البروتينات في الكائنات الحية.
عند رمي عدة وحدات في مساحة مغلقة، بدأ الباحثون بمراقبة ما إذا كانت ستتفاعل وتبني هياكل معقدة بمرور الوقت، تمامًا كما يُعتقد أن الجزيئات العضوية الأولى تشكلت قبل مليارات السنين.
النمو الذاتي وزيادة القدرات
أجرى الفريق تجارب في بيئة فيها عوائق بسيطة، حيث قاموا بتوجيه الوحدات لتشكيل أشكال هندسية مثل المثلثات والنجوم والهياكل الثلاثية الأبعاد. لم تكن هذه الهياكل أكثر تعقيدًا فحسب، بل اكتسبت أيضًا قدرات جديدة. وحدة واحدة كانت تتحرك بخط مستقيم، بينما كان المثلث قادرًا على الانعطاف، وهيكل آخر قادر على عبور الحواجز الصغيرة، وحتى مساعدة وحدات أخرى على بناء هياكل معقدة.
رغم ذلك، كانت هذه العمليات تعتمد على توجيه البشر. وتساءل الفريق عن مدى قدرة هذه الوحدات على التجميع الذاتي دون تدخل بشري، فقاموا بمحاكاة آلاف السيناريوهات باستخدام ست وحدات تتحرك عشوائيًا داخل مساحة محددة. أظهرت النتائج احتمالًا كبيرًا في تشكل هياكل مستقرة دون تدخل خارجي.
عند تحركها بشكل عشوائي، تمكنت الوحدات من إعادة ربط نفسها عند حدوث انفصال عرضي، بل واستبدلت وحدات معطلة بوحدات جديدة. يقترب هذا السلوك من بعض سمات الأيض، مثل الترميم الذاتي، لكنه لا يصل إلى مرحلة استهلاك مواد وتحويلها إلى طاقة أو وحدات جديدة، كما يحدث في الكائنات الحية.
ماذا يعني الأيض للروبوتات؟
يتضمن الأيض كما هو معروف في علم الأحياء تحويل المواد واستخلاص الطاقة منها. لكن وحدات Truss links لا تستطيع سوى استخدام وحدات مصنعة مسبقًا. لذا فإن وصف هذا النظام بـ الأيض يعتمد على مدى توسعنا في تعريف الكلمة.
بالنسبة لوايدر، لا تزال هذه المنصة في طور البحث والتطوير. فحتى الآن، لم يُستخدم النظام لنقل حمولات أو أداء مهام عملية. إضافةً إلى ذلك، فهو يرى أن الخطوة التالية هي تنويع الوحدات بدلاً من الاعتماد على وحدات متطابقة، كما هو الحال في الحياة التي تستخدم نحو عشرين حمضًا أمينيًا.
أحد أبرز التحديات في هذا النموذج هو غياب الغاية الواضحة. فالكائنات الحية تتطور من أجل البقاء، فتواجه مخاطر وتتكيف مع بيئاتها. أما الروبوتات، فلا تسعى للبقاء ما لم نبرمجها على ذلك. من هذا المنطلق، يدعو وايدر إلى بناء بيئة روبوتية تحاكي شروط البقاء، بحيث تصبح النجاة هدفًا أوليًا يُمكِّن المنصة من إنجاز مهامها.
رؤى مستقبلية نحو استعمار الفضاء
يتخيل وايدر استخدام هذه المنصة في مشاريع مثل بناء مستعمرات على سطح القمر. تبدأ العملية بوحدات صغيرة تستكشف المكان، ثم تتجمع لتشكيل مبانٍ أو أدوات. يمكن للهيكل الأكبر فيها أن «يبتلع» الوحدات الأصغر ويعيد تدويرها لتوسيع نفسه أو تعديل وظائفه.
كما يشير وايدر إلى أن الروبوتات قد تتفوق على الكائنات الحية في التكيف، إذ يمكنها تطوير أذرع جديدة أو قدرات جديدة حسب الحاجة، وهو أمر لا تستطيع الكائنات الحية فعله بسهولة.
رغم أن الروبوتات لم تصل بعد إلى امتلاك "أيض" حقيقي، إلا أن هذا النموذج يفتح الباب أمام تصور جديد لمستقبل الآلات، حيث تكون قادرة على النمو، التكيّف، وربما حتى النجاة.
?xml>