أتذكر عام 2010، عندما جرّبت لعبة Crossfire لأول مرة. كان شعورًا مختلفًا، إحساس الانتماء إلى مجتمع ضخم من اللاعبين يشاركون نفس الحماس، سواء داخل اللعبة أو خارجها. كل من حولي كان يعيش التجربة نفسها، نتحدث عنها في المدرسة، وفي الشارع، وحتى بعد انتهاء اللعب. منذ ذلك الحين، لم تأتِ أي لعبة لتمنحني ذلك الإحساس... حتى ظهرت Arc Raiders. هذه ليست مجرد لعبة أونلاين عابرة مثل عشرات الألعاب التي مرّت علينا في السنوات الأخيرة، بل تجربة متكاملة تنبض بشغف أستوديو Embark نحو تقديم متعة حقيقية للمجتمع. لعبة أعادت لي ذكريات الماضي وجعلتني متحمسًا لصنع ذكريات جديدة مع أصدقائي. فإليكم مراجعتنا الكاملة للعبة Arc Raiders.

أفضل تجربة Extraction Shooter!

ألعاب التصويب من نوع Extraction Shooter أصبحت المفضّلة لديّ في التجارب الجماعية خلال السنوات الأخيرة. فقد جرّبت معظم الألعاب التي تنتمي إلى هذا النوع مثل Escape From Tarkov و Hunt: Showdown وArena Breakout وغيرها. ورغم أنني استمتعت بكل واحدة منها، فإن Arc Raiders جاءت لتُعزّز هذا النوع من التجارب، إذ جمعت أفضل أفكار تلك الألعاب وقدّمتها بأسلوب أكثر بساطة وسلاسة، مما جعلها تجربة يمكن أن يستمتع بها عدد أكبر من اللاعبين.

فكرة اللعبة بسيطة: تجهّز عتادك وتدخل إلى خريطة ضخمة بمفردك أو مع أصدقائك. هدفك هو جمع أكبر قدر ممكن من العتاد والغنائم في أقل من نصف ساعة، مع تجنّب الأعداء سواء كانوا الآلات (ARCs) التي يتحكم بها الذكاء الاصطناعي أو اللاعبين الآخرين، ثم الخروج بسلام لتحتفظ بما جمعت. أما إن متّ، فستخسر كل الغنائم التي حصلت عليها، بالإضافة إلى العتاد الذي بدأت به المباراة، وهذا ما يجعل التجربة صعبة ومثيرة في آنٍ واحد.

قد تظن أن هذا التكرار سيجعل اللعبة مملة مع الوقت، لكن ما يُبقي التجربة مشوقة هو وجود المهام الجانبية التي يمكنك إنجازها داخل الخريطة لتحصل على غنائم مميزة. كما تمتلك Workbench تحتاج إلى ترقيتها باستمرار، ولكي تفعل ذلك، عليك جمع الموارد من داخل الخرائط. هذه الترقيات بدورها تسمح لك بالدخول إلى المعارك اللاحقة بعتاد أقوى وأكثر تنوعًا.

تضيف اللعبة أيضًا نظام شجرة مهارات متكامل، يتيح لك فتح قدرات جديدة كلما ارتفع مستواك. هذه المهارات تمنحك أفضلية واضحة أثناء القتال وتُساعدك على تخصيص أسلوب لعبك بالطريقة التي تناسبك، رغم أن بعض تلك المهارات لا تُضيف الكثير في البداية وتحتاج لترقيتها بمستويات كثييييرة حتى تشعر بالفرق فعلاً!

باختصار، يمكن القول إن Arc Raiders أخذت جوهر ألعاب Extraction Shooter الأخرى، ونجحت في تبسيطه وتطويره لتقدّم تجربة ممتعة وسهلة الوصول، دون أن تفقد عمقها وتحديها. ولهذا السبب تحديدًا، تجاوز عدد لاعبيها النشطين على Steam حاجز نصف مليون لاعب في الوقت نفسه.

ذكاء اصطناعي من أفضل ما رأيت في الصناعة

رغم أن Arc Raiders تُعد لعبة أونلاين في المقام الأول، فإنها تُقدّم تجربة قصصية مميزة تثير الاهتمام منذ اللحظات الأولى. تدور أحداث اللعبة في عام 2180، بعد أن انتهت الحياة على كوكب الأرض بسبب التغير المناخي الكارثي. ومعظم البشر لقوا حتفهم، بينما تمكن القليل منهم من النجاة عبر بناء مستعمرات تحت سطح الأرض. أما صفوة المجتمع والأثرياء، فقد نجحوا في الهروب إلى الفضاء عبر صواريخ خاصة، وما تبقّى من تلك الصواريخ يمكن رؤيته متناثرًا في عالم اللعبة كأثرٍ على ما حدث سابقًا.

اللافت أن اللعبة لا تسرد قصتها مباشرة عبر مشاهد سينمائية أو حوارات تقليدية، بل تعرضها بذكاء عبر البيئات والتفاصيل البصرية المنتشرة في العالم. كل منطقة تزورها تحمل جزءًا من الحكاية، وكل أنقاض أو آلة مدمّرة تُخبرك شيئًا عن الماضي، لتجعل اللاعب يستكشف القصة بنفسه دون إجبار.

بعد عقود من شبه انقراض البشر، يظهر تهديد جديد على سطح الأرض يتمثل في غزو من نسلٍ غامض من الآلات الفضائية التي تُهاجم ما تبقّى من الناجين بلا رحمة. من أين جاءت تلك الآلات؟ ولماذا تستهدف البشر تحديدًا؟ أسئلة لا إجابات واضحة لها بعد، ونأمل أن يكشف فريق Embark المزيد عنها في المواسم القادمة.

أما من ناحية أسلوب اللعب، فالذكاء الاصطناعي الذي يتحكم في تلك الآلات يُعدّ من أفضل الأنظمة التي شاهدتها في لعبة حتى الآن. تتصرّف الآلات وكأنها تفكر وتتكيف مع الموقف فعلاً. فهي تحاول محاصرتك، وتغيير أسلوبها باستمرار لتصل إليك. تنقسم إلى ثلاث فئات رئيسية:

  • آلات صغيرة يسهل القضاء عليها بسرعة مثل Wasp و Hornet.
  • آلات متوسطة الحجم أكثر خطورة مثل Rocketeer و Leaper.
  • آلات ضخمة تُعرف باسم الملكات (The Queen)، وتتطلب تعاون جميع اللاعبين في الخريطة لهزيمتها، مما يُضيف مستوى عالٍ من المتعة والتحدي الجماعي.

قتال هذه الآلات ليس مجرد تحدٍّ بصري أو أكشني فحسب، بل جزء جوهري من نظام التقدّم في اللعبة. إذ يمنحك القضاء عليها غنائم وموارد تستخدمها لصناعة عتاد جديد أو ترقية Workbench الخاص بك لتُصبح أقوى في المواجهات اللاحقة.

ولإيضاح مدى براعة الذكاء الاصطناعي، سأشارككم مثالًا شخصيًا: في إحدى المباريات، واجهت آلة تُطلق صواريخ أفقية تجاهي، فوضعت حاجز أمامي لحجب الهجمات. لكن المفاجأة، أن الآلة غيّرت تكتيكها تمامًا، وبدأت تُطلق صواريخ رأسية من الأعلى لتتجاوز الحاجز وتُصيبني! وفي موقف آخر، كنت أقاتل Leaper من فوق سطح مبنى مرتفع، ولم يتمكن من الوصول إليّ، إلا أنه ابتعد قليلًا، ثم قفز بعد الركض لمسافة طويلة ونجح بالفعل في الوصول إلى موقعي. هذه التفاصيل الصغيرة تجعل تجربة Arc Raiders مختلفة تمامًا عن أي لعبة أخرى من النوع نفسه، وتشعرك بأنك تواجه ذكاءً حقيقيًا وليس مجرد برمجة جامدة داخل لعبة.

التواصل مع اللاعبين في ARC Raiders هو أساس المتعة

تُقدّم ARC Raiders تجربة لعب من منظور الشخص الثالث، ورغم أنني أميل عادةً إلى ألعاب منظور الشخص الأول، فإن هذه اللعبة استطاعت أن تجذبني بسلاستها ومتعة أسلوب القتال. طريقة التحكم في الأسلحة والحركة تمتاز بانسيابية مذهلة تجعل كل مواجهة مشوقة ومليئة بالإثارة، حتى أنك تشعر بأن كل طلقة وكل خطوة محسوبة بعناية. وعلى الرغم من أن أسلوب اللعب يبدو بسيطًا في الظاهر، فإنه غني بالأفكار المبتكرة والمتنوعة التي تبرز براعة فريق Embark Studios في تصميم تجربة متكاملة تجمع بين الواقعية والمتعة.

وكما ذكرت سابقًا، فإن أحد العناصر الأساسية التي تواجهها داخل عالم ARC Raiders هي الآلات الذكية التي يتحكم بها الذكاء الاصطناعي، لكنها ليست التهديد الوحيد. فهناك أيضًا لاعبون آخرون يشاركونك الهدف نفسه: إتمام المهام، جمع الغنائم، وترقية العتاد. ولهذا السبب، ستجد نفسك باستمرار في مواجهات محتدمة قد تنتهي بموت أحدكم... أو ربما تعاون غير متوقّع يجمعكما ضد خطر أكبر.

وهنا تبرز واحدة من أمتع خصائص اللعبة: نظام التواصل الصوتي عبر Proximity Chat. هذا النظام يتيح لك التحدث مع اللاعبين القريبين منك في نطاقٍ يبلغ حوالي 50 مترًا داخل اللعبة، بحيث يمكنهم سماعك والتفاعل معك في الوقت الحقيقي. هذه الميزة تُضيف بعدًا اجتماعيًا مذهلًا إلى التجربة، حيث يمكن أن تتحوّل اللحظات داخل اللعبة إلى مواقف درامية، أو مضحكة، أو حتى خيانة مؤلمة.

على سبيل المثال، في إحدى الجولات قررت التعاون مع فريقٍ بدا ودودًا في البداية، لكنهم خانوني في اللحظة الأخيرة قبل عملية الإخلاء مباشرة، وسرقوا كل ما جمعناه من غنائم. وفي موقفٍ آخر، تحالفت مع فريقين آخرين ليتحوّل الموقف إلى مشهدٍ سينمائي ضخم يضم تسعة لاعبين يتحركون معًا في الخريطة لمواجهة جميع الآلات واللاعبين الآخرين، ثم اقتسام الغنائم بعد النصر.

ما يميز ARC Raiders فعلًا هو أنها تمنحك الحرية الكاملة لصناعة لحظاتك الخاصة، تلك اللحظات التي قد تكون درامية أو بطولية أو خيانة، لكنها دائمًا واقعية وغير مكتوبة مسبقًا. فالتجربة هنا لا تأتي من مشهدٍ مُخرج بعناية كما في ألعاب القصة، بل من تفاعلك الحقيقي مع العالم واللاعبين، لتشعر وكأنك تعيش فيلمًا تكتبه بنفسك مع كل مباراة جديدة.

تصميم صوتي خرافي وموسيقى تصويرية مميزة

من الجوانب التي تستحق الإشادة في Arc Raiders هي الموسيقى التصويرية التي تُعدّ جزءًا أساسيًا من هوية اللعبة وأجوائها. الألحان تمزج بين النغمات الإلكترونية والأنغام المستقبلية الهادئة لتعكس الطابع العلمي والغامض لعالم اللعبة بعد انهيار الحضارة. الأداء الصوتي والمؤثرات البيئية أيضًا مذهلان، حيث تشعر بعمق الأصوات واتجاهها بوضوح، ما يجعل كل انفجار أو حركة ميكانيكية للآلات تجربة سمعية متقنة تضيف طبقة واقعية تُكمل الصورة البصرية المبهرة. الأصوات في اللعبة دقيقة وغنية بالتفاصيل؛ يمكنك سماع ارتداد الرصاص، واحتكاك المعادن، وحتى خطوات اللاعبين من مسافات مختلفة، مما يجعل كل لحظة داخل المعركة نابضة بالحياة. تمتلك الأسلحة هوية صوتية مميزة، فكل نوع له نغمة إطلاق مختلفة تشعرك بقوته ووزنه الحقيقي، خاصةً وأن الأسلحة شبه مصنوعة يدويًا في عالم اللعبة، بينما أصوات الآلات تضيف رهبة خاصة بتصميمها المعدني والميكانيكي المعقد. أما الأصوات البيئية مثل العواصف الرملية والرياح والموجات الكهرومغناطيسية، فتزيد من غموض العالم وواقعيته.

أقوى استغلال لمحرك Unreal Engine 5 حتى الآن!

تُعاني صناعة الألعاب بأكملها في التعامل مع محرك Unreal Engine 5، لكن فريق Embark أثبت أنه الاستثناء الوحيد. فبدلًا من استخدام المحرك بصورته الأصلية، عدله الفريق وصنع نسخة خاصة به تُناسب رؤيته التقنية والفنية. والنتيجة النهائية كانت تجربة مذهلة من الناحية التقنية لا يشوبها أي خلل يُذكر. تُعدّ ARC Raiders واحدة من أجمل الألعاب الجماعية التي جربتها على الإطلاق، مع دعم كامل لتقنية تتبّع الأشعة (Ray Tracing) على كل من الحاسب الشخصي وأجهزة الكونسول، لتُقدّم مستوى رسوميًا مبهرًا يقترب من الواقعية الكاملة.

وربما تتوقع أن هذه الجودة البصرية العالية ستؤثر سلبًا على الأداء، إلا أن العكس تمامًا هو ما حدث. فقد جربت اللعبة على حاسوبي الشخصي المزود بمعالج Ryzen 7 9800X3D وبطاقة RX 9070 وذاكرة 32 جيجابايت من الرامات، وكانت التجربة أكثر من مثالية. على دقة عرض Ultra Wide 3440x1440، ومع تفعيل أعلى إعدادات الرسومات وتشغيل تقنية FSR على وضع الجودة، استطاعت اللعبة الحفاظ على 120 إطارًا في الثانية بصورة ثابتة في جميع الخرائط وتحت مختلف الظروف.

والأمر الأكثر إدهاشًا، هو أن اللعبة خالية تمامًا من الأخطاء التقنية في وقت الإطلاق. طوال 50 ساعة لعب خلال الأسبوعين الماضيين، لم أواجه أي أخطاء (Bugs) أو جليتشات تُذكر، وهو إنجاز نادر الحدوث في ألعاب الأونلاين الحديثة. وبذلك يمكن القول: إن ARC Raiders تستحق بجدارة أن تكون من أفضل ألعاب عام 2025 من حيث الأداء والاستقرار التقني وجودة التنفيذ.

للأسف، اللعبة لا تدعم اللغة العربية

للأسف، من أكثر الجوانب التي خيّبت آمالي في لعبة Arc Raiders هو غياب دعم اللغة العربية. فبرأيي، هذه واحدة من الألعاب التي تحتاج بشدة إلى التعريب، خاصةً مع وجود عدد كبير من المصطلحات التقنية والإنجليزية التي قد تكون صعبة الفهم على شريحة واسعة من اللاعبين في منطقتنا. اللعبة تضع الكثير من المعلومات والتفاصيل داخل القوائم والنظام الداخلي، مثل تجهيز العتاد، والمهام، وأنظمة الترقية، وهي عناصر أساسية لفهم التجربة بالكامل. لذلك، غياب التعريب يجعل التواصل مع اللعبة أصعب ويحدّ من استمتاع اللاعبين بها كما أراد المطورون.

نأمل أن يُدرك فريق Embark أهمية دعم اللغة العربية في التحديثات المستقبلية، وأن يُولي اهتمامًا أكبر لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فالجمهور العربي اليوم يشكل قاعدة كبيرة ومؤثرة من اللاعبين، ويستحق أن يُقدَّم له المحتوى بلغته الأم، خاصة في ألعاب جماعية بهذا المستوى من الجودة والطموح.

الخلاصة

تُعد لعبة Arc Raiders واحدة من أبرز ألعاب عام 2025، إذ تجمع بين متعة ألعاب Extraction Shooter وسلاسة أسلوب اللعب من منظور الشخص الثالث. وتقدّم تجربة تقنية مبهرة بفضل التعديلات التي أجراها فريق Embark على محرك Unreal Engine 5، حيث تعمل بسلاسة ملحوظة مع رسومات عالية الجودة ودعم تتبع الأشعة دون مشكلات تُذكر.

تُروى القصة بأسلوب ذكي عبر البيئات في عالم ما بعد انهيار الأرض، بينما يُصنّف الذكاء الاصطناعي ضمن الأفضل في الألعاب الحديثة. أما الميزة الأبرز فهي Proximity Chat، التي تخلق مواقف واقعية وغير متوقعة. ورغم غياب اللغة العربية، تظل Arc Raiders تجربة متقنة تجمع بين الجمال والأداء والمتعة الحقيقية، وتُعد دون شك منافسًا قويًا على جائزة لعبة العام 2025!