سنوات، تلك هي المدة التي انتظرناها لنُكمل رحلة المحاربة السلتية سينوا المُصابة بمرض الذهان. الرحلة التي تأخذها في طريق مُظلم إلى الأراضي الأيسلندية حتى تُنهي مهمتها. كونها اللعبة الأولى التي تم الكشف عنها للجيل الجديد وبالتحديد منصة Xbox Series X، فالآمال مرتفعة، والتوقعات عالية بأننا أمام أحد أفضل الألعاب السينمائية في التاريخ خاصةً برسوماتها الخلابة المبنية على محرك Unreal Engine 5. فهل وصلت Senua’s Saga: Hellblade II لمستوى التوقعات كأحد أهم ألعاب الجيل الجديد، أم هي مجرد نسخة مُحسنة من تجربة 2017 الأصلية؟

قصة Hellblade II تأخذنا في رحلة مُظلمة لأبعد الحدود

بعد أن فقدت حبيبها ديليون لغزاة الفايكنج في الجزء الأول، كان على سينوا الذهاب في رحلة للبراري لمحاولة فهم مرضها. رحلة أدت في النهاية لتقبلها فكرة مرض الذهان، وفكرة أن حبيبها العزيز ديليون قد مات ولن يعود للحياة مهما حاولت أن تفعل. الآن سينوا تخرج في مهمة إنتقام تجعلها تنقل حياتها بالكامل من الأراضي الاسكتلندية إلى أراضي آيسلندا والتي يبدو أن الظلام يسود فيها أكثر من أي مكانٍ آخر!

غزاة الفايكنج الذين قضوا على قرية سينوا في الجزء الأول يأتوا من آيسلندا في الأصل، ولذلك تُقرر سينوا أن يتم إمساكها كأسيرة وعبدة لأحد تجار العبيد في آيسلندا، ثورجستر، الذي يأخذها بقاربه إلى أراضي آيسلندا. ومن هنا تبدأ سينوا رحلتها في البحث عن قبية الفايكنج التي أغارت على أراضيها في اسكتلندا، لكن سرعان ما تنقلب مهمة البحث هذه رأسًا على عقب عندما تعلم سينوا بوجود شر وظلام أكبر من ذلك بكثير في آيسلندا. ظلام سيجعلها تُعيد التفكير في مهمتها، وتُركز على مساعدة أهالي هذه البلد لإنقاذهم من موتٍ محتوم يقترب أسرع فأسرع.

على عكس الجزء الأول، فالقصة هذه المرة تقع معظم أحداثها على أرض الواقع وليس في عقل سينوا بسبب مرض الذهان، مما يُضيف طابع مظلم وسوداوي أكثر بأن كل ما تراه سينوا من حولها يحدث بالفعل. بالطبع مرض الذهان لا يزال له تأثير رئيسي على أحداث القصة ورؤية سينوا للأمور من منظور مختلف وهلاوسها البصرية والسمعية، وقد نجح استوديو Ninja Theory في نقل تجربة وإحساس هذا المرض لنا كأشخاص عاديين أكثر بكثير من الجزء السابق، وصدقني عندما أقول لك أنك في بعض الأحيان ستشعر وأنك أنت المريض النفسي وليست بطلة اللعبة!

قصة Hellblade II السوداوية عمرها مثل عمر الجزء الأول، 8 ساعات تقريبًا مُقسمة لستة فصول، وقد قدمت لنا مجموعة من الشخصيات الرائعة التي سترافق سينوا في رحلتها على أراضي آيسلندا. كل شخصية من تلك الشخصيات لها دور رئيسي في القصة وأحداث العالم وما يحدث من حولنا مما أضاف عمقًا على الأحداث ككل وجعلها أكثر تأثيرًا وقوة من أحداث القصة الأول التي كانت تفتقر للشخصيات في العموم.

رغم بدايتها البطيئة، إلا أن قصة Senua's Saga: Hellblade II تصل لذروتها بدايةً من الفصل الرابع تقريبًا عندما نفهم كل شيء عما يحدث في آيسلندا، وتبدأ سينوا مهمتها لتُصبح هي المُنقذ الرئيسي لهؤلاء الناس. التمثيل والمؤثرات البصرية وتلك الشخصيات الرائعة يجتمعون سويًا بإخراج أسطوري وأسلوب اللقطة الواحدة الذي اعتدنا عليه في الفترة الأخيرة، مما يجعل النتيجة النهائية تجربة سينمائية لا تُنسى.

للأسف، أسلوب اللعب غير مُستغل بشكلٍ كافٍ

كونها الجزء الثاني في السلسلة، فكنت أعلم بالفعل أن جزء كبير من التجربة سيتمحور حول التحرك والسير في البيئة، لكنني لم أتوقع أنني سأقضي 4 ساعات من الـ 8 أسير فقط. والمشكلة هنا أن السير في اللعبة بطئ للغاية، وحتى حركة شبه الركض التي تفعلها سينوا هي الأخرى بطيئة بطريقة مملة. ضفّ على ذلك أن بعض المشاهد السينمائية تُجبرك على السير بهذا البطئ، وستجد نفسك في الكثير من الأحيان تقول: هل من الممكن أن نتحرك أسرع من ذلك قليلاً رجاءً؟

نقطة أخرى صدمتني وخيبت آمالي كثيرًا هي منظومة المعارك في اللعبة. فهي مبنية هذا الجزء على مواجهات 1 ضد 1 فقط، ولن تجد أكثر من عدو يهجمون عليك في أي وقت خلال اللعبة. الفكرة أن الاستوديو قد ذكر اتخاذه لهذا القرار لجعل اللعبة أكثر سينمائية، لكني شخصيًا أظن أن وجود أكثر من عدو على الشاشة في نفس الوقت كان سيعطي اللعبة وتجربة القتال إحساس أكثر سينمائية وعنفًا، بالأخص في المشاهد التي تقاتل فيها قرية كاملة مجموعة من الدرويجات آكلي لحوم البشر!

أسلوب القتال نفسه هو نسخة طبق الأصل من الجزء الأول حيث تستخدم سينوا السيف خاصتها لقتال الأعداء، ويمكنها صد الضربات وتفاديها واستخدام خاصية التركيز لتبطئ حركة الأعداء والقيام بحركات عنيفة وسريعة لقتلهم بسرعة. تم تحسين الحركات والأنيميشنز لتُصبح أكثر واقعية وجمالاً، وبالفعل ستشعر بكل حركة تقوم بها وبكل ضربة تتلقاها سينوا، ومع رسومات اللعبة الخلابة ستجد أن الأعداء تتقطع أجسادهم أمامكم وتنفتح وتنزف منها الدماء بشكل خلاب بصريًا.

لكن رغم كل تلك التحسينات البصرية وفي الأنيميشن، إلا أن أسلوب القتال نفسه لم يتم تحسينه بأي شكل، وهو مجرد نسخ ولصق من الجزء الأول. كنت أتمنى إضافة المزيد من الحركات مثل استخدام سينوا لفأس بجانب السيف لخلق تجربة قتال أكثر ديناميكية في مواجهات أكثر، لكن للأسف تجربة القتال هنا هي نسخة مُحسنة من 2017 وكأن الاستوديو وضع الميزانية في تحسين القتال من الناحية البصرية فقط وليس من ناحية التحكم للاعبين!

ضفّ على ذلك أن العالم نفسه لا يحثك على الاستكشاف، فكل بيئة تم تصميمها بشكل خطي أكثر من اللازم من وجهة نظري وكأن الكاميرا تدلك على المكان الذي يجب أن تسير منه بدون ترك حرية الاستكشاف للاعب. وحتى إذا كان هنالك استكشاف، فلا توجد الكثير من الأمور التي يمكنك ايجادها، ومثل الجزء الأول ستجد بعض الأعمدة المنقوشة بالرموز الرونية والتي تُطلعك على المزيد حول قصة العالم فقط، ولن تخسر شيء إذا لم تسمعها، فالهدف من وجودها هو تجميع التروفيز فقط!

لكن التحسين الحقيقي والملحوظ الذي يمكن رؤيته في أسلوب اللعبة هو الألغاز. تم إعادة تصميمها بالكامل وتقديم العديد من الأفكار الجديدة والرائعة والتي تحتاج بالفعل من اللاعب أن يُركز ويُفكر بشكل أكثر منطقية حتى يستطيع حلها. ألغاز الجزء الأول تم إعادة تقديمها بشكل أفضل، مع إضافة ألغاز جديدة كليًا مُبتكرة ومميزة، ولا أظن أنني شعرت بملل إطلاقًا أثناء مراحل حل الألغاز خاصةً وأنه كان يتوسطها بعض القتال في الكثير من الأحيان.


تجربة تقنية هي الأفضل في تاريخ صناعة الألعاب

أفضل رسومات في تاريخ الصناعة بمحرك Unreal Engine 5

عندما كنا نذكر كلمة جيل جديد في 2020، كل ما كنت أتخيله هو لعبة تُشبه Senua's Saga: Hellblade II، وأقرب لعبة جاءت لهذا التخيل كانت Alan Wake 2 في العام الماضي، لكن Hellblade II تنقل التجربة البصرية لمنطقة جديدة تمامًا. ينجح فريق Ninja Theory باستخدام محرك Unreal Engine 5 بأن يُقدم تحفة بصرية تُبهرك في كل خطوة لدرجة أنك في بعض الأحيان ستشعر وكأنك داخل فيلم سينمائي واقعي وليست لعبة فيديو!

بداية من البيئات الواقعية للغاية والتي تم مسحها بالكامل على أرض الواقع في آيسلندا خلال فترة تطوير اللعبة عبر تقنية Nanite من محرك UE5، مرورًا بالشخصيات ذات التصميم العبقري والتي تستخدم تقنية Meta Human. والنتيجة النهائية هي شخصيات بأكثر مشاعر حقيقية في تاريخ صناعة الألعاب وحركات أوجه صدمتني في الكثير من المشاهد. الاستوديو استطاع أن يلتقط كل حركة وكل تفصيلة في شخصيات اللعبة مما جعل كل مشهد مليئًا بالمشاعر والواقعية.


أما بالنسبة للمؤثرات، فمحرك Unreal Engine 5 يُقدم تقنية Lumen الخاصة بالإضاءة والتي تم استخدامها بكثافة في Hellblade II لخلق أكثر إضاءة واقعية رأتها أعيننا في أي لعبة، مع انعكاسات وتتبع أشعة رائعين، وكل هذا يندمج مع الظلال ذات الحدة المثالية ليًُصبح المشهد النهائي هو لوحة فنية تجعلك تود إلتقاط صورة في كل خطوة تخطوها في عالم اللعبة. وما يزيد متعة الصور هنا هي خاصية التصوير Photo Mode الإبداعية والمليئة بكمية ضخمة من التفاصيل والإعدادات حتى تلتقط كلاعب صورتك المثالية من عالم Hellblade II.

بدون أدنى شكّ نحن أمام أفضل استغلال لمحرك Unreal Engine 5، وتلك هي ثاني لعبة حتى الآن يمكن أن نقول عليها تجربة جيل جديد بحق بعد Alan Wake II. لكن رغم كل تلك التفاصيل الساحرة والمُبهرة، إلا أن التجربة البصرية يعوقها أمرين، أولهما أن اللعبة مظلمة للغاية في الكثير من المواقف، والثاني هو أبعاد العرض السينمائية المزعجة التي استخدمتها لعبة The Order 1886 من قبل. نعم أعلم أن هذا يجعلها أكثر سينمائية وأقرب لفيلم، لكن على الأقل أعطني الإمكانية لجعل الشاشة كاملة.  هذا الأمر في حد ذاته يؤثر بشكل سلبي على عرض الكثير من كادرات التصوير الرائعة في اللعبة، ونتمنى أن يتخلى المطورين عن هذه الفكرة عمومًا!

الصوتيات تغمرك في هذا العالم باستمرار

إبداع Ninja Theory مستمر في الجانب التقني من الناحية الصوتية، فلعبة Senua's Saga Hellblade II تُقدم مؤثرات صوتية من أفضل ما سمعت، سواء بالتركيز على الهلاوس السمعية التي تسمعها سينوا بسبب مرض الذهان خاصتها، أو مؤثرات العالم خلال المعارك والتنقل في البيئة ومدى الرعب الذي ستجد نفسه تعيشه طوال عمر اللعبة. هذه واحدة من الألعاب التي يجب أن ترتدي سماعات محيطية وأنت تلعبها حتى تحصل على التجربة الكاملة وتنغمس بأفضل شكل مؤثراتها.

لكن الشيء الذي يدفع التجربة الصوتية للعبة Hellblade II لأبعد الحدود هي الموسيقى التصويرية من فرقة Heilung. تلك هي فرقة موسيقية شعبية مُكونة من أعضاء من الدنمارك والنرويج وألمانيا، وتعتمد موسيقاهم على النصوص والنقوش الرونية من الشعوب الجرمانية عصر الفايكنج، وهم الاختيار الأمثل بالفعل لصناعة الموسيقى التصويرية للعبة Hellblade II والتي أضافت الكثير على هذا العالم سواء عند سماع النغمات الهادئة عند التنقل في البيئات وحل الألغاز، أو عند سماع الطبول الصاخبة والغناء عبر الحنجرة خلال المواجهات والمعارك!

ماذا عن الأداء التقني؟

تجربتي للعبة كانت على حاسوب شخصي متوسط بالمواصفات الآتية:

  • معالج Intel Core i5-10400F
  • 32 جيجا بايت من الرامات من نوع DDR4 وتردد 3200 MHz
  • بطاقة رسومية Nvidia GeForce RTX 3050 8 GB
  • تخزين على NVMe M.2 SSD

تمكنت من تشغيل اللعبة على إعدادات بين متوسطة وعالية بدقة 1080p مع تفعيل تقنية Nvidia DLSS على وضع الجودة، وحصلت في المقابل على إطارات تتراوح بين 30 و 50 على حسب الذي يحدث في الشاشة. لكن توجد مشكلة مع تقنية DLSS حيث تجعل الصورة تبدو باهتة للغاية أكثر مما هي عليه أصلاً، ويجب ذكر أن تجربتي للعبة كانت قبل توفير تحديث Nvidia GeForce Experience الخاص بلعبة Hellblade II والذي من الممكن أن يحل تلك المشاكل.

لذلك قررت في النهاية أن أضع معظم الإعدادات على منخفضة ما عدا الـ Textures على مرتفعة، وفعلت تقنية Nvidia DLAA للحصول على تجربة حادة رسوميًا بدقة 1080p، وكانت تلك هي التجربة الأفضل خاصةً وأن رسومات اللعبة لا تزال أسطورية وخلابة حتى على منخفضة، ولم تفرق كثيرًا عن مرتفعة إلا في بعض الأمور البسيطة التي لن تلاحظها إلا إذا دققت أكثر من اللازم.

ترجمة عربية جيدة

مثلها مثل الجزء الأول، فلعبة Senua's Saga: Hellblade II مُترجمة بالكامل للغة العربية (نصوص وقوائم)، ومن رأيي الترجمة هنا تم تحسينها بشكل ملحوظ عن الجزء السابق. يوجد اهتمام كبير بالضمائر وفهم الحوار لترجمة اللعبة بشكل منطقي وليس بشكل حرفي. ضفّ على ذلك أن كل شيء في اللعبة مُترجم حتى حوارات عقل سينوا ومرض الذهان خاصتها، لذلك فالترجمة نفسها أثناء اللعبة لا غُبار عليها، رغم وجود بعض الأخطاء البسيطة في القوائم وشاشة البداية التي من السهل تصليحها في تحديث مستقبلي. وبالطبع ننصح بتفعيل الترجمة خاصةً أنها تُساعد بشكل كبير في فهم القصة التي تُصبح متداخلة في النهاية.

لعبة أخرى لخدمة Xbox Game Pass من اليوم الأول

لعبة Senua's Saga Hellblade II متوفرة للشراء على الحاسب الشخصي و Xbox Series X|S بسعر 50 دولار وهو سعر منطقي على ما تُقدمه اللعبة من ساعات لعب (على متجر ستيم الشرق الأوسط سعرها 23 دولار)، ويمكنك أيضًا أن تجدها على متجر مايكروسوفت المصري بسعر 450 جنيه مصري فقط. لكن بالطبع مثلها مثل أي لعبة مُقدمة من استوديوهات Xbox، فهي مُضافة من اليوم الأول على خدمة Xbox Game Pass وستحصل عليها مجانًا ضمن اشتراكك في الخدمة. هذا في حد ذاته يُزيد من قيمة اللعبة والاشتراك، حيث كل ما عليك فعله هو التوجه للمتجر و تحميلها والاستمتاع بها!

في النهاية

كونها لعبة ظلت في التطوير لستة سنوات تقريبًا، فالنتيجة النهائية لـ Senua's Saga: Hellblade II لم تصل لمستوى توقعاتي وأحبطتني قليلاً. هل هي لعبة سيئة؟ بالتأكيد لا، ولكني كنت أتوقع المزيد من استوديو Ninja Theory خاصةً مع الميزانية الضخمة التي أصبحت تحت يده كونه جزءًا من مايكروسوفت الآن. القصة الأسطورية والتجربة التقنية الخلابة لن يعوضا غياب تحسينات أسلوب اللعب المطلوبة مقارنةً بالجزء الأول، فتكرار منظومة المعارك وعدم استغلالها بالإضافة إلى كون نصف لعبة سير لا أكثر يعوقان التجربة النهائية. إذا كان الاستوديو ينوي جعلها ثلاثية، فأكثر نصيحة من الممكن أن نوجهها لهم هي التركيز على أسلوب اللعب في الجزء القادم حتى أشعر كلاعب أنني ألعب لعبة جديدة وليست مجرد نسخ ولصق من الجزء السابق بتحسين الرسوميات!