حين عادت سلسلة Silent Hill إلى الواجهة في العام الماضي مع ريميك Silent Hill 2 والتساؤل الأهم لدى جماهيرها هو: ماذا عن مستقبلها؟ الماضي يستحق الاحترام، ولكن المستقبل مُقلق. جاءت لعبة Silent Hill f كإعلان مطمئن بأن كونامي تخطط لما هو قادم، وبأول لعبة سايلنت تجري أحداثها في اليابان تطل علينا كونامي مع فريق تطوير داخلي لها، يعمل تحت مظلتها لسنوات ليخرج لنا أول جزء جديد من السلسلة منذ إصدار Silent Hill Downpour في 2012! فهل ارتقت للتوقعات؟ إليكم مراجعة Silent Hill F.

التوقعات عالية، والخيارات كثيرة. ولكن بشكل ما تستطيع كونامي اتخاذ القرار الحكيم بعدم الغوص بالكامل في الأحلام، والتمتع بروح من الواقعية والحكمة في التوسع. سايلنت هل إف هي نسخة محدودة وصغيرة نسبيًا من سلسلة ألعاب الرعب، ولكن بالرغم من ذلك، تتمتع بكل العناصر التي جعلت الأجزاء الأساسية رائعة في المقام الأول، ولا تحاول أن تكون شيء هي ليست عليه أو ليس ضمن إمكانيات المشروع، كأن تكون لعبة رعب وأكشن في الوقت نفسه. ويكمن هنا مربط الفرس!

قصة اللعبة: حياة المراهقين بين الحقد والتنمر والمشكلات الأسرية

تدور أحداث لعبة Silent Hill f في اليابان خلال ستينيات القرن الماضي، وتحديدًا في بلدة خيالية تُدعى Ebisugaoka، حيث تبدأ القصة بفتاة مراهقة تُدعى "شيميزو هيناكو" التي تعيش حياة مليئة بالمشكلات الأسرية مع والدها العنيف تجاهها وتجاه والدتها. وإذ تعاني من حزن شديد بسبب مغادرة أختها الأكبر للزواج، وتركها وحيدةً مع أمها المستسلمة تمامًا لعنف الأب و تطاوعه في كل أفعاله. يعتبر هذا الشيء كابوسًا بالنسبة لهيناكو لأنها ستضطر لمواجهة أسوأ كوابيسها؛ وهو والدها المخمور و"الذكوري المتحكم". وتجتاح المدينة ظاهرة الضباب الكثيف المعروفة في أجزاء السلسلة، وتبدأ هيناكو في رحلة ضد الظلال والشر. ما سببها وما أبعادها؟ هذه هي القصة.

من المتوقع أن تقدم قصة اللعبة أحداثًا غامضة، ولكن الجديد هنا أن حتى النهاية لا يمكن أن تكشف كل شيء على عكس الجزء الثاني مثلًا أو الريميك خاصته، ففي سايلنت هل إف ستحتاج إلى لعب اللعبة لأكثر من مرة لرؤية كل شيء ممكن، وحتى بعد أن تفعل ذلك. تتركك اللعبة لتفسر النهاية كما تشاء، وهناك أكثر من تفسير منطقي للأحداث.

القصة عميقة، وبها معاني وأفكار مثيرة للاهتمام خصوصًا للمجتمع الياباني. بما أن اللعبة تدور في الستينيات، فالأفكار التي تطرحها ليس لها علاقة مباشرة بمشكلات العصر التي نواجهها حاليًا نتيجة لانتشار التكنولوجيا مثلًا، وإنما مشكلات عامة تواجه المراهقين مثل ظاهرة التنمر وسخرية المراهقين من بعضهم، وأيضًا الحقد فيما بينهم. 

الرائع في قصة اللعبة هو أنها تتطرق لبيئة وعالم لم يُقدم من قبل في الألعاب، وهو ما يجعلها تجربة فريدة من نوعها تقف وحدها على الساحة من البداية إلى النهاية. مستوى أداءات الشخصيات التمثيلية كان ممتازًا، وخصوصًا هيناكو، وأعتبرها من أفضل شخصيات السلسلة منذ بدايتها، وقد نجحت مؤدية دورها Konatsu Kato في تجسيد مجموعة واسعة من المشاعر، مثل الخجل والعار والغضب والحزن والضعف وغيرهم. عمومًا، تقدم اللعبة وجبة سينمائية قوية مليئة بالمشاعر تكتمل قيمتها مع رؤية نهاية اللعبة التي ترسم لك صورة أوضح لما كان يحدث أمامك على الشاشة.

أسلوب اللعب: يستند إلى أعمدة السلسلة الأساسية

بما أن اللعبة تدور حول مراهقة في عمر السادسة/السابعة عشرة، فلا وجود للأسلحة النارية، والاعتماد الكامل يقع على الأسلحة اليدوية، ومنها الفأس والسكاكين والمناجل، والأنابيب المعدنية والمطارق، وغيرها من الأدوات التي تتواجد في البيئات المحيطة، ولكل سلاح عمر افتراضي محدد ويمكنك استعماله بكم محدود قبل أن ينكسر. يمكنك حمل ثلاث أسلحة في الوقت نفسه، ويمكنك إصلاح الأسلحة بأحد موارد اللعبة وهو "Tool Kits- عدّة الأدوات" وهو مورد نادر نسبيًا. هذه الخيارات التصميمية تخلق حالة من التوتر المستمر والشعور بالضعف لأن الأسلحة محدودة ولا يمكنك الدخول في كل المواجهات بطريقة مباشرة، وفي الكثير من الأحيان يكون من مصلحتك الهروب وعدم المواجهة من الأساس.

المعارك اليدوية مصممة بشكل رائع، وتعتمد على الصد والتفادي بدرجة أكبر من الأجزاء الماضية، مع إضافة "شريط طاقة - Stamina" داخل اللعبة عليك إدارته بستمرار، بجانب شريط "الصحة النفسية أو Sanity". شريط الطاقة هو الأهم في اللعبة، فبه تستطيع التفادي (دودج) والصد (Parry) والركض ومن دونه أنت هدف سهل ولقمة سائغة للوحوش والأشرار. يُشحن هذا الشريط تلقائيًا عند التوقف عن الحركة أو باستخدام الأطعمة المختلفة، وهو شيء سنتطرق إليه بشكل موسع أكثر في الفقر القادمة.

يخلق هذا الخيار للتصميم شعور بأن اللعبة تقترب لألعاب السولز أكثر، ولكن هذا الأمر غير صحيح بحسب مخرج اللعبة الذي صرح بذلك غاضبًا بسبب تشبيهات اللعبة بألعاب السولز، ولكن في الوقت نفسه، يمكنني القول بإن اللعبة بالفعل أصبحت أكثر اعتمادًا على توقيت توجيه الضربات واتجاهها، وتوقيت الصد والتفادي. يمكنك شريط الصحة النفسية من توجيه ضربات أقوى، وتوقيف الوقت في حالة التفادي في الوقت الصحيح قبل أن تصيبك الضربة بالضبط؛ وهو ما يجعل المعارك ممتعة لكن يقدمها في هيئة تحدٍ كبير ربما أكثر من المرات السابقة لأن اللعبة تضعك في مواجهات بها 5-6 أعداء في بعض الأحيان. إذا كنت تملك انطباعًا أنها لعبة رعب بالكامل، فربما يحبطك هذا الجانب. شخصيًا، أحببت التركيز على المعارك وإن بدأت بالتكرار في ثلث اللعبة الأخير لأنني كنت قد رأيت جميع أنواع الأعداء وحفظت كل أنماط حركتهم، وشعرت بأن اللعبة لا تقدم جديدًا. على أيةً حال، هناك مستويات صعوبة للألغاز والمعارك لمن يريد تجربة مناسبة له سواءً كنت من محبي الألغاز أو الأكشن، يمكنك الحصول على إحداهما فقط بمستوى مرتفع أو كليهما.

بيئات اللعبة ضيقة، وهذا هو أكبر عيوبها بالنسبة لي. هناك مرحلة تجري أحداثها في مدرسة، ومرحلة أخرى في منزل كلاهما قدما أفكارًا ممتازة من حيث تصميم البيئات لكن بقية البيئات وخصوصًا بيئة المدينة كانت خطية بشكل زائد، ولا تشجع على الاستكشاف سوى لجمع الموارد فقط. الجدير بالذكر أنه يمكنك حفظ التقدم من خلال نقاط معينة على هيئة Shrines/أضرحة مقدسة مستوحاة من الثقافة اليابانية القديمة، وهي أشبه بالآلات الكاتبة في رزدنت إيفل. وتمثل تلك الأضرحة أيضًا مكانك الأساسي للترقية وبيع الموارد مقابل النقاط، وهي نقاط موزعة بسخاء لم أشعر أبدًا أنني مضغوط بسبب أني لم أحفظ تقدمي منذ فترة طويلة. 

تمتلك اللعبة نظام تجارة مصغر، إذ يمكنك بيع الموارد التي جمعتها مقابل الحصول على عملات داخلية تمكنك من ترقية الشخصية سواء من حيث حجم شريط الطاقة أو شريط الصحة أو الصحة النفسية، ويمكنك أيضًا شراء مقتنيات تزيد من قدراتك بصورة مؤقتة (Buffs) مثل ميزة الحصول على قدر من الصحة عند إجراء تفادي ناجح وما إلى ذلك. هذا النظام كان رائعًا وشعرت معه أن هناك هامش لتحسين الشخصية وقدراتها وصنع فارق حقيقي في المعارك مع مرور الوقت، وخصوصًا أن المعارك كثيرة، وهي التركيز الأساسي في هذا الجزء.

معارك الزعماء هنا رائعة، وتوفر تحدي ضخم على أسلوب المعارك الذي يعد صعبًا في الأساس. الزعماء ليسوا كثر لكن أسلوب قتالهم والاستراتيجية التي تعتمد عليها في التعامل معهم أهم من فكرة أن تواجههم مباشرةً. وكون أن اللعبة تقدم أسلحة قابلة للكسر يشعرك دائمًا بضرورة توجيه الضربات بحكمة ودراية بنقاط ضعف العدو.

تقدم إحدى مراحل اللعبة فكرة مستوحاة من لعبة P.T أو ديمو سايلنت هل التي عمل عليها "هيديو كوجيما" لفترة، وهو شيء رائع أسعدني كثيرًا، وأعتبر هذه المرحلة من أفضل مراحل اللعبة. 

الألغاز في اللعبة رائعة، وتدعو للتفكير ومحاولت حلها بأكثر من طريقة؛ بعضها استغرق مني ساعات لحله. معظم الألغاز كانت عبارة عن نصوص غامضة تحاول استنتاج الحل منها، ولم يكن هناك ألغاز بيئية كثيرة.

تصميم الخريطة والقوائم كان عظيمًا، ويعتبر من أهم عناصر اللعبة، وهو قريب جدًا من ذلك الذي قُدم في الجزء الثاني (الريميك). تدون البطلة كل شيء في مذكراتها الخاصة (Journal)، وتستطيع العودة إليه في أي وقت أو فتحه أثناء حل الألغاز للاستعانة به حيث يجمع كل المعلومات التي رأيتها أو جمعتها في مكان واحد. هذا الأسلوب هو المفضل لي في الألغاز وبالمقارنة مع لعبة أخرى صدرت مؤخرًا وهي Hell is Us، فامتلاك مكان يجمع لك كل المعلومات أمر رائع، وبدلًا من الاعتماد على ذاكرة اللاعب في حل الألغاز، تعتمد اللعبة على ذكائك في فك أحجية الجمل والعبارات الغامضة، لكن لا أستطيع القول أنني "أكره" الأسلوب الآخر أيضًا؛ فكلاهما رائعين لكني أفضل ما فعلته سايلنت هل إف.

تستغرق اللعبة حوالي 12-15 ساعة لعب لإنهائها، وتمتلك أكثر من نهاية بنتائج مختلفة حسب أدائك في اللعبة، ورأيت منها نهايتان. كلاهما رائعين وبما أن اللعبة تدعم ميزة NG+، أعتقد أن تختيمها أكثر من مرة احتمال وارد جدًا للجميع خصوصًا وأن تختيم اللعبة لمرات جديدة يفتح مقاطع سينمائية لم تكن موجودة وهو شيء رائع.

الرسوم والصوتيات: لوحة فنية فريدة... 

تدور أحداث لعبة Silent Hill F حول "الجمال المرعب"، وهي فكرة جديدة تمامًا على السلسلة لم يتطرقوا إليها من قبل؛ تنعكس هذه الجملة على التوجه الفني للعبة بالكامل وعالمها. كل شيء فيها جميل عن بعد، ولكن عند الاقتراب منه تتضح معالم قبحه، وعيوبه التي تفسد عليك جماله بالكامل؛ قس ذلك على العالم والبيئات من حولك بصورة ملموسة وعلى الشخصيات بنحو مجازي أيضًا.

تعكس رسوم اللعبة هذا الجانب بطريقة رائعة، بدايةً من المدينة وصولًا للأعداء والوحوش المخيفة التي وبرغم قبحها الشديد وإثارتها للرعب، تجد أن الورود الحمراء الجميلة تنمو على أجسادهم وتغطيها بشكل شبه كامل في بعض الأحيان. عمومًا، تقدم رسوم اللعبة  شيء غير ثوري، لكن شديد الجمال والاختلاف، وأعتقد أن هذا الكم من الغرابة والاختلاف عن غيرها سيجعل Silent Hill F واحدة من أجزاء السلسلة التي ستعيش لسنوات طويلة قادمة.

أما عن الصوتيات، فألحان السيد Akira Yamaoka تتألق من جديد وتقدم مقطوعات لا تنسى تتنفس بالحياة والهوية، وتخدم الأجواء بل وتحملها حملًا في بعض الأحيان. أقل ما يقال على موسيقى اللعبة إنها إبداع كبير وعمل فني رائع سيخلده الزمن.

من حيث الأداءات الصوتية، تقدم اللعبة واحدة من أقوى أدوار البطولة في السلسلة، أما الشخصيات الجانبية فلم تكن بالقوة المطلوبة في الأداء الصوتي الإنجليزي. نصيحتي لكم، تجربة اللعبة بالأداء الصوتي الياباني مع ترجمة للإنجليزية، لأن اللعبة وللأسف لا تدعم اللغة العربية.

ملحوظة: المقاطع السينمائية في اللعبة تقدم مقاطع Pre rendered وليست من داخل محرك اللعبة، وبالرغم من إنني لا أفضله فإنه لم يؤثر قط على التجربة.


الأداء التقني

جربنا اللعبة على جهاز PS5 العادي، حيث تقدم اللعبة طوري الدقة والأداء. فيما يبدو أن طور الأداء يستهدف 60 إطار بالثانية مع دقة عرض أقل، بينما يستهدف طور الدقة دقة عرض أعلى، مع 30 إطار. كلا الوضعين كانا ثابتين، ولكني فضلت شخصيًا طور الأداء لأن اللعبة سريعة الوتيرة نسبيًا وذلك لأني أفضل 60 إطار فما فوق في جميع الألعاب ولا أطيق تجربة الألعاب بـ30 إطار أبدًا مهما كان نوعها.

عمومًا، لم أصادف أي مشكلة تقنية طوال فترة لعبي، واستطعت الاستمتاع بالتجربة بمستوى تقني ممتاز حتى في أحلك اللحظات وأكثرها ازدحامًا بالمؤثرات البصرية. 

كلمة أخيرة

رغم أن عيوب لعبة Silent Hill F ليست قليلة، فإن مميزاتها ترجّح كفّتها بقوة. وبما أنها تمثل إعادة إحياء لسلسلة كانت حتى وقت قريب حبيسة أدراج كونامي، وتنتظر من يتخذ القرار الجريء بإعادتها إلى الحياة، فقد أبلت بلاءً حسنًا في استعادة جذور السلسلة، مع إضافة لمسات جديدة كليًا. وإذا كنتم من محبي ألعاب الرعب، فهذه التجربة بكل ما تحمله من أجواء ساحرة، لا ينبغي أن تفوتكم.