في 15 مايو 2019، قامت حكومة الولايات المتحدة بإضافة شركة هواوي إلى "قائمة الكيانات" سيئة السمعة التي يُحظر عليها التعامل في السوق الأمريكية، ويبدو أن السبب الظاهري هو خطورة عملاق التقنية الصيني على الأمن القومي حيث اتهمت إدارة ترامب  شركة هواوي بأنها تستخدم معداتها وتقنياتها للتجسس على المستخدمين لصالح الحكومة الصينية.

تحجيم هواوي

 

في غضون أيام، وبعد هذا الإعلان أكدت جوجل أنها علقت ترخيص هواوي لديها، وفي تتابع سريع، قطعت العديد من الشركات والمؤسسات الأخرى علاقاتها مع شركة هواوي، ومع الانتشار السريع لأخبار المقاطعة المزعجة، سارع كثير من المحللين والمتابعين للتنبؤ بزوال شركة هواوي، لكن الشركة حتى الآن تعمل بكل بكفاءة، صحيح أنها تحظى بمعدل نمو أقل من المعتاد، لكنها لا تزال تنمو، بل وفي حالة جيدة بشكل لا يصدق.

من الوضح أن اتخاذ الشركة  للعديد من التدابير جعلها قادرة على جني مليارات الدولارات بالرغم من الحظر الأمريكي، لاسيما في الأشهر التسعة الأولى من عام 2019، فقد حققت هواوي عائدات بلغت 610.8 مليار يوان (حوالي 87.3 مليار دولار)، بزيادة تقدر بـ 24.4٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. هذا نمو مثير للإعجاب، خصوصا بالنسبة لشركة تكافح من أجل بقائها ووجودها، على الرغم من أنها تحقق معدل نمو أبطأ من معدل النمو السنوي البالغ 39٪، والذي كانت تفتخر به هواوي في الربع الأول من عام 2019. إلا أن التوقعات تشير لإحتمالية تحقيق هواوي أرباح بمقدار 100 مليار دولار بشكل مريح بنهاية العام وهذا الرقم يتخطى حتى توقعات مؤسس الشركة والذي أعلن عن رقم أقل من هذا كأرباح.

النجاح من قلب الفشل

هواوي

 

بعبارة أخرى، تفوقت الشركة على توقعاتها. كيف يكون هذا ممكنا؟ يقول المحللون أن سبب ذلك راجع بشكل اساسي لأداء الشركة القوي في أعمال البنية التحتية للاتصالات الخاصة بها –إذ لا تزال شبكات الجيل الرابع والخامس يتم بيعهما بمعدل متسارع، وعلى الرغم من دعوات الولايات المتحدة لحلفائها بعدم التعامل مع شركة هواوي، فقد نجحت المعجزة وأصبحت هواوي قادرة على تحقيق نصف إيراداتها من قسم المستهلكين، وخاصة الهواتف الذكية حيث شحنت الشركة 185 مليون وحدة هذا العام، أيضا اعتمدت الشركة على أساليب رائعة وجديدة نجحت في أن تجعلها رائدة في بيع الهواتف المحمولة في العالم لتحتل المركز الثاني بعد سامسونج وتجعل أبل في المركز الثالث.

الهيمنة المحلية

هواوي

لدى هواوي حصة ممتازة من السوق المحلي لبيع هواتفها الذكية حيث تسببت الحرب الإقتصادية وقرار الحظر الأمريكي من تحويل هواوي لشركة وطنية تحتاج للدعم والمساندة في مواجهة أبل بإعتبارها العدو الأمريكي، هذا الأمر جعل المستخدمين في الصين يحتشدون خلف هواوي بحماس وطني، مما منح الشركة زيادة هائلة في المبيعات تقدر بنسبة 66 ٪ مقارنة بالعام الماضي. أيضا سمح هذا لشركة هواوي بالحصول على حصة إضافية في السوق الصينية تقدر بنسبة 42٪ خلال الربع الثالث من عام 2019، وهو رقم قياسي مقارنة بالأعوام السابقة، كل تلك العوامل كبدت شركة أبل الأمريكية خسائر فادحة، مسجّلة أضعف مبيعات لها في الصين منذ خمس سنوات. وفي الوقت نفسه، اختفى العملاق الكوري سامسونج من السوق، حيث بلغت مبيعاته أقل من 1٪.

وفي حين أن عمليات الشراء الوطنية يمكن أن تفسر نجاح هواوي في الصين، إلا أن الشركة لا تزال تبيع حوالي 25 مليون هاتف ذكي في الأسواق الأخرى في الربع الثالث من العام، وفي البلدان التي تكون فيها تطبيقات جوجل أمرًا ضروريًا، تعمل هواوي على دفع طرازاتها القديمة، بالإضافة إلى إطلاق بعض النماذج الجديدة التي تضم تطبيقات جوجل، على الرغم من عدم وجود ترخيص للقيام بذلك نظريًا. في الممارسة العملية، يبدو أن هواوي تقوم بتبديل وإعادة تسمية الهواتف المعتمدة مسبقًا، مما يسمح لها بإصدار طرازات "جديدة"بجانب إطلاق منتجات أخرى مثل ساعتها الذكية "جي تي واتش 2" و سماعتها اللاسلكية "فري بود 3"وكل هذا من أجل الحفاظ على بعض الزخم في السوق.

اعتماد هواوي على نفسها

هواوي

اعتماد هواوي على نفسها كان ولا يزال أحد عوامل صمودها أمام الحظر الأمريكي، وتمثل ذلك في عدة محاور، بداية، فإن هواوي قامت بالاستثمار في السيليكون الذي يعد البنية الأساسية لكل الهواتف التي تقوم هواوي بتصنيعها وبيعها في كل أنحاء العالم، ففي حين تعتمد شركات أخرى على شركة كوالكوم الأمريكية في تزويدها بشرائح السيليكون القابلة للبرمجة، فإن هواوي لديها استثمار في السيليكون لا يقدر بثمن، كما أنها لا تعتمد على كوالكوم في تصنيع شرائح السيليكون اللازمة لتصنيع الهواتف المحمولة والمودمات، وبدلا من ذلك اتجهت إلى شركة أيه أر إم ، ومن المنتظر أن يثمر هذا التعاون عن إصدار أجهزة تعتمد في بنيتها الأساسية على شرائح Arm V9 والتي من المنتظر أن تكون هي الجيل القادم لأجهزة المحمول التي ستصدر في 2020 وما يليه.

إقرأ أيضا : رسمياً.. تجديد رخصة هواوي لثلاثة أشهر إضافية

محور آخر قامت به هواوي تمثل في قيام الشركة بتخزين العديد من المكونات التي لا تقوم بتصنيعها لمدة عام كامل منذ أن قامت الولايات المتحدة بفرض الحظر عليها، وهو ما جعل الشركة صامدة وباقية على قيد الحياة، بل وتحقق أرباحاً في ظل ظروف كفيلة بتدمير أعتى الشركات، ناهيك عن الدعاية السيئة التي تلاحق هواوي في كل مكان.

إن اعتماد هواوي على شركة بديلة لكوالكوم، واعتمادها على تخزين المكونات التي لا تقوم بتصنيعها، مكنها من الصمود، ولكن إلى متى؟؟

فالمخزون الذي تستند إليه هواوي لن يبقى إلى الأبد، وليس معلوماً إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر بالسماح لهواوي في تحديث منتجاتها الحالية، تلك الأسئلة لا يمكن لأحد الإجابة عليها أو التنبؤ بما سيحصل مستقبلاً.

 وعلى صعيد متصل، فإن لجنة الاتصالات الفيدرالية FCC تقوم بالتصويت على منع هواوي من القيام بأية نشاطات تستند على مزودي الخدمة الأمريكية، وهو ما يعني أيضاً إزالة أية معدات سبق وأن قامت هواوي بتركيبها، وذلك يعد تصعيداً آخر من قبل الولايات المتحدة في مواجهة طموحات هواوي وتقنية 5G الجديدة.

وقد قامت هواوي بتأجيل إصدار هاتفها Mate 30 Pro لأكثر من مرة خارج الصين بحيث يصدر خاليا من تطبيقات جوجل، غير أن هذا التأجيل لن يتم لأجل غير مسمى، وبالفعل ستكون عملية بيعه عسيرة، إلا إذا قدمت هواوي بعض التنازلات. لم تقدم هواوي أية تعليق حول هذا الأمر.

إنفراجة وشيكة

 

في ظل الظلام الحالك الذي يكتنف العلاقات بين هواوي والولايات المتحدة، أبدت الحكومة الأمريكية بعضاً من المرونة، وذلك بعد أن صرح وزير التجارة الأمريكي بمنح تراخيص للشركات الأمريكية بتصدير بعد المكونات (الغير حساسة) لهواوي، ولا أحد يدري إن كانت تحديثات أندرويد من جوجل من ضمن تلك المكونات الحساسة أم لا، لكن الوضع الراهن يفصح عن ميل كلا من الولايات المتحدة والصين تخفيف حدة خلافاتهم عن طريق تخفيض التعريفة الجمركية على واردات كلا البلدين، على الرغم من أن أياً من الطرفين لم يصرح بذلك علناً، إلا أنه من الواضح أن مستقبل هواوي مرهون بنجاح أو فشل تلك المفاوضات. نعم لقد استطاعت هواوي الصمود لمدة تزيد عن 180 من الحظر الأمريكي، على منتجاتها، ولكن إلى متى ستصمد هواوي؟

في رأيك هل سوف يستمر الحصار الأمريكي لشركة هواوي وهل سيصمد العملاق الصيني أمام تلك التحديات، أخبرنا بما تعتقده في التعليقات.