يعيش العالم في حالة دائمة من الرعب منذ اختراع أسلحة الدمار الشامل وخاصة الأسلحة النووية، وبعد استخدام الولايات المتحدة للقنابل النووية لقصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، مرورًا بالحرب الباردة وسباق التسلح النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، وفي الوقت الحالي مع وجود التهديدات النووية المستمرة من كوريا الشمالية بضرب الولايات المتحدة بالأسلحة النووية، ولكن هل فكرت لوهلة ماذا لو حدث هجوم إلكتروني شامل على إحدى الدول بدلًا من مهاجمتها بالأسلحة النووية؟ كيف سيؤثر ذلك على البشر؟ وهل يمكن أن تكون الهجمات الإلكترونية الشاملة أخطر من الأسلحة النووية؟

ربما يكون التهديد النووي حقيقيًا مع استمرار الصراع النووي الأزلي بين الولايات المتحدة وروسيا وتأزم الموقف الخاص بكل من إيران وكوريا الشمالية، ولكن هناك تهديدًا آخر قد لا يكون ظاهرًا للعامة ولكنه متواجد بالفعل وبشكل خطورة كبيرة قد تضاهي خطورة الأسلحة النووية.

حيث تشير التقارير مؤخرًا إلى أن الهجمات الإلكترونية، وبالأخص الهجمات الإلكترونية التي تستهدف المنشآت والخدمات الحكومية لا تقوم بسرقة البيانات فقط، بل تقوم بالأسوأ من ذلك، على سبيل المثال تشير بعض الدلائل إلى أن القراصنة قد قاموا باختراق أنظمة الطاقة والمياه الخاصة بالولايات المتحدة وقاموا بزرع برمجيات خبيثة داخلها في انتظار تفعيلها في أي وقت، كما أشارت بعض التقارير الأخرى بقيام استخبارات عسكرية أمريكية باختراق أنظمة التحكم الكهربية الخاصة بروسيا. 

اقرأ أيضًا: جوجل كروم يتحول إلى أداة مُبرمجة للتجسس – GOOGLE CHROME

العديد من الاختراقات بالفعل

الهجمات الإلكترونية الشاملة قد تكون أكثر خطورة من الأسلحة النووية!

كما يشير الباحثون والخبراء في مجال أمن الحاسوب وحروب المعلومات  cybersecurity and information warfare، فإن الهجمات الإلكترونية الشاملة واسعة الانتشار التي قد تبدأ في مكان وتبدأ في الإنتشار منه، أو تلك الهجمات الضخمة التي تتكون من مجموعة من الهجمات الصغرى المتزامنة، يمكنها أن تسبب أضرارًا اقتصادية واجتماعية بالغة، كل هذا يبدو أمرًا بديهيًا، ولكن الأدهى من ذلك أنها قد تتسبب في إصابات ووفيات تضاهي تلك الناتجة عن استخدام الأسلحة النووية. 

تحظى الأسلحة النووية بقدرة فتاكة على القتل، فهي بقدرتها تبخير البشر في نطاق ثلاثين مترًا وقتل كل البشر في نطاق كيلو متر تقريبًا، ولكن على العكس معظم الوفيات الناتجة من الهجمات الإلكترونية تكون أبطا من ذلك وتحدث بشكل تدريجي. قد يموت الناس بسبب نقص الغذاء أو نقص الطاقة والغاز اللازمين للتدفئة في المناطق قارصة البرودة، أو بسبب حوادث السيارات الحادثة نتيجة التلاعب في أنظمة إشارات المرور، كل هذا قد يحدث على نطاق واسع مسببًا العديد والعديد من الإصابات والوفيات بالإضافة إلى حالة من الفوضى والاضطراب وما يصاحبها من عمليات سرقة وقتل ونهب للممتلكات.

قد تبدو تلك أنها مجرد تحذيرات ولكن دعونا نلقي نظرة على الأحداث الواقعة حول العالم في الثلاثة أعوام السابقة فقط.

في بدايات عام 2016 تمكن مجموعة من القراصنة من اختراق محطة لمعالجة مياه الشرب بالولايات المتحدة والتحكم فيها، وقاموا بتغيير التركيبة الكيميائية المستخدمة لتنقية المياه، ولكن لحسن الحظ أنه قد تم اكتشافهم، ولكن دعونا نتخيل ماذا سيحدث لو لم يتم اكتشافهم؟

في عامي 2016 و 2017 تمكن مجموعة من القراصنة من تعطيل أجزاء رئيسية في شبكة الطاقة في أوكرانيا، ولكن لحسن الحظ أن هذا الهجوم كان متسامحًا بعض الشيء، حيث لم يتم تدمير أي من المعدات بالرغم من إمكانية فعل ذلك وقتها، حيث علق المسئولون الحكوميون بأن الهجوم كان بغرض إرسال رسالة تحذيرية.

في عام 2018 مجموعة من المجرمين الإلكترونيين مجهولي الهوية اخترقوا نظام الكهرباء الخاص بالمملكة المتحدة، نفس الأمر تكرر في عام 2019 مع نظام الكهرباء الخاص بالولايات المتحدة الأمريكية. 

في أغسطس 2017 تم اختراق منشأة بتروكيماوية تابعة للمملكة العربية السعودية، وحاول المخترقون تفجير المعدات الموجودة بالمنشأة، كما حاولوا القيام بعمليات مشابهة عن طريق التحكم في المكونات الالكترونية في العديد من الأماكن حول العالم.

بعد ذلك بعدة شهور، قام مجموعة من القراصنة بتعطيل أنظمة المراقبة لخطوط أنابيب النفط والغاز عبر الولايات المتحدة، أوضح ذلك بشدة أن الأنظمة الغير مؤمّنة بما فيه الكفاية يمكن أن تتسبب في كوارث مروعة. 

الأخطر من ذلك أن مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI قد حذر من أن القراصنة يستهدفون المنشآت النووية، وإذا حدث ذلك قد يتسبب في انتشار المواد المشعة أو المواد الكيماوية الخطرة وربما يصل الأمر إلى انصهار المفاعل، ما قد يتسبب في كارثة كبرى شبيهة بكارثة انصهار مفاعل تشيرنوبيل في أوكرانيا، والتي تسببت في العديد من الوفيات وتلويث المنطقة بالإشعاعات وتهجير سكانها وجعلها غير مأهولة للحياة لآلاف السنين.

اقرأ أيضًا: فيسبوك يسمح للدول بإرسال تنبيهات الطوارئ قريبًا للمواطنين

الدمار المتبادل المؤكد 

الهجمات الإلكترونية الشاملة قد تكون أكثر خطورة من الأسلحة النووية!

لسنا بصدد التقليل من خطورة الحروب والصراعات النووية التي قد تقع بين الدول، ولكن هناك نقطة هامة علينا الالتفات إليها وهي وجود معاهدات ومواثيق دولية تخص الصراعات النووية على عكس الهجمات الإلكترونية التي لا يوجد لها قوانين تحكمها. 

على سبيل المثال، فكرة الدمار المتبادل المؤكد mutual assured destruction، وهي استراتيجية عسكرية وسياسية رائجة، توضح أن أي دولة تمتلك أسلحة نووية لا يمكنها توجيه تلك الأسلحة لضرب دولة أخرى تمتلك ترسانة نووية، لأنه ببساطة سيتم اكتشاف الأمر وسيتم رد الإعتداء بالأسلحة النووية أيضًا، لينتهي الأمر في النهاية بالدمار المتبادل للدولتين. 

ولكن على النقيض فإن الهجمات الإلكترونية ليس لديها نفس القدر من الموانع والمعوقات مثل الهجمات النووية، لأنه ببساطة يمكننا إخفاء مصدر الإعتداء الإلكتروني، ولكن الأمر يصبح أصعب كثيرًا لو أردنا إخفاء المكان الذي أُطلق الصاروخ منه. 

بالإضافة إلى ذلك قد تبدأ الحرب الإلكترونية صغيرة أولًا، عن طريق استهداف هاتف أو حاسوب خاص بأحد الشخصيات الحكومية، أما الهجمات الأكبر تشمل المؤسسات الحكومية والبنوك والأعمال التجارية الضخمة.

اقرأ أيضًا: الذكاء الاصطناعي ينجح في التجسس على شخصيات عامة بموقع LinkedIn

هجمات إلكترونية ترتقي لدرجة الهجمات النووية

الهجمات الإلكترونية الشاملة قد تكون أكثر خطورة من الأسلحة النووية!

هناك العديد من السيناريوهات التي قد تتسبب في الهجمات الإلكترونية الشاملة التي ترتقى لمستوى الهجمات النووية، على سبيل المثال قد تبدأ عن طريق قيام جهاز استخبارات تابع لإحدى الدول بسرقة المعلومات العسكرية الخاصة بدولة أخرى ومساومتها بخصوصها، وفي المقابل سترغب الدولة الأخرى في الإنتقام وقد ينتهي الأمر بهجمات حربية تستهدف منشآت حيوية للدولة الأخرى ووقوع خسائر في الأرواح والممتلكات. 

سيناريو آخر مدمر قد يكون عن طريق قيام منظمة إرهابية عالمية بشن مجموعة من الهجمات الإلكترونية المتزامنة عن طريق استهداف محطات المياه والكهرباء والغاز بالإضافة إلى المنشآت الصناعية، وسيتم توحيد الهجمة لإحداث أكبر ضرر ممكن وتعطيل الحياة بشكل كامل في المنطقة المستهدفة، وما قد ينتج عن ذلك من نقص شديد في الموارد والخدمات الأساسية، بالإضافة إلى فقدان الحكومة للسيطرة وانتشار الفوضى. 

ربما يحدث  سيناريو آخر عن طريق الخطأ، ففي العديد من المناسبات كاد الخطأ البشري أو خطأ الآلة أن يتسبب في تدمير العالم خلال الحرب الباردة، لذا فالأخطاء واردة بشدة في البرمجيات والمعدات الرقمية.

اقرأ أيضًا: الصين تتوسع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الأمن والمرور

كيف يمكننا منع هذه الكوارث؟

نحن لسنا قرين على الوقاية بشكل كامل من الهجمات النووية، أيضًا لا يوجد طريقة محددة لمنع وإيقاف الهجمات الإلكترونية، ولكن يمكننا جعل احتمالات حدوث الهجمات الإلكترونية المدمرة أقل.

أولًا يجب على الأفراد والحكومات والمؤسسات تأمين أجهزتهم وأنظمة تشغيلهم بشكل محكم لمنع القراصنة من إيجاد طريقهم، ومن ثم استغلال  ذلك للتعمق بشكل أكبر والوصول إلى الثغرات والبيانات الحساسة.

الأنظمة الحساسة مثل تلك المستخدمة في المرافق العامة وشركات النقل والمنشآت التي تستخدم مواد كيماوية خطرة يجب أن تكون مؤمنة بشكل أكثر فاعلية وكفاءة.

وجدت إحدى الدراسات الميدانية أن خمس الشركات الأمريكية فقط تستخدم الحواسيب للتحكم في الماكينات الصناعية ومراقبتها بغرض اكتشاف اله الإلكترونية المحتملة، ووُجد أن نسبة 40% من الهجمات التي نجحوا في تعقبها تمكن فيها المتسلل من الوصول إلى نظام التشغيل واستخدامه لمدة تزيد عن العام.

استطلاع آخر أشار إلى أن قرابة 75% من شركات الطاقة تعرضت إلى شكل من أشكال التدخل في الشبكة خلال العام الماضي فقط.

ول كل هذه الأنظمة لا يمكن حمايتها وتأمينها بشكل فعال بدون مجموعة ماهرة من متخصصي أمن الحاسوب لإدارة العمل. في الوقت الحالي، قرابة الربع من الوظائف المتاحة في مجال أمن الحاسوب لا تزال شاغرة حيث يزيد عدد الوظائف عن عدد الموظفين المؤهلين لشغل هذه الوظائف. 

أشار أحد المتخصصين في مجال التوظيف إلى أن بعض الوظائف المشغولة في مجال أمن الحاسوب تدار بواسطة أشخاص ليسوا مؤهلين بما فيه الكفاية للقيام بهذه الأعمال الحساسة، وهو ما يلفت انتباهنا لحاجتنا للمزيد من الاهتمام بالتعليم والتدريب، وإثقال الأفراد بالمزيد من المهارات اللازمة لتولي وظائف أمن الحاسوب، بالإضافة إلى جعل الموظفين الحاليين على دراية دائمة بآخر التهديدات واستراتيجيات الدفاع المنوطة بالتصدي لها.

فإذا كان العالم ينتظر المزيد من الهجمات الإلكترونية بما في ذلك الهجمات التي قد تصل خطورتها لخطورة الأسلحة النووية، فقد أصبح لزامًا على كل شخص وكل شركة وكل حكومة بذل قصارى جهدهم لتأمين الأنظمة الإلكترونية التي باتت حياة البشر تتوقف عليها.