
ريد ديد ريدمبشن تعطي شركات الألعاب درساً في كيفية بناء ألعاب العالم المفتوح
قد تكون روكستار مُقلة بشكل كبير في إصداراتها ولكنها عندما تُقرر طرح لعبة في السوق نكون متأكدين أن هذه اللعبة ستكون مُتقنة بدرجة كبيرة جداً، فالشركة التي تستغرق في تطوير بعض الألعاب مدد تصل إلى أكثر من 5 سنين في معظم ألعابها أصبحت صاحبة الخبرة الأكبر في ألعاب العالم المفتوح عن طريق الخطوات التي إتبعتها في تلك الألعاب.
لنأخذ لعبة ريد ديد ريدمبشن 2 كمثال هنا والتي تدور أحداثها في أثناء نهايات عالم العصابات في أمريكا وبداية سيادة القانون وسيطرته على مجريات الأمور في الولايات المتحدة ... يصارع أبطال اللعبة في حرب متعددة الجبهات أمام العصابات المُنافسة من جهة وأمام رجال الدولة والقانون من جهة أخرى وتسعى شخصيات اللعبة أثناء أحداث القصة إلى أن تقوم بعملية سطو أخيرة كبيرة قبل أن يفروا إلى مكان آمن ويتركوا حياة العصابات تلك ورائهم للأبد.

قد يتساءل أحدهم لمّ الحديث عن ريد ديد ريدمبشن 2 الآن وقد مر على صدورها وقت طويل ... أقول لك عزيزي القارئ أنني للأسف لم أمتلك الوقت ولا الفرصة لتجربة تلك اللعبة في وقت سابق وحظيت أخيراً بهذا الوقت بسبب فيروس كورونا، أتمنى أن تكون عزيزي القارئ بأمان وتبقى في منزلك لمنع انتشار هذا الفيروس اللعين ... وإذا أردت ما يسليك خلال وقت التباعد الاجتماعي هذا فنحن في عرب هاردوير سنضمن لك ذلك بالتعاون مع أصدقائنا في GBarena وسنقوم بالتبرع بجنيه مصري لكل مُشترك مُخصصة لجهود مُحاربة فيروس كورونا، ما الأفضل من ذلك؟ الكل مُستفيد، أنت ستشترك في مُسابقة وتحصل على فرصة الفوز بجوائز وفي نفس الوقت ستكون مُشارك في مكافحة الفيروس بمجرد اشتراكك في مسابقة الربيع.
لنرجع إلى حديثنا ونبدأ بالمُعادلة التي جعلت الشركة تُتقن ألعاب العالم المفتوح ...
ربط الشخصيات مع اللاعب عاطفياً
برع مخرجين اللعبة في جعل أحداث القصة تربطك بها عاطفياً مع كل شخصياتها ... فكل فرد من أفراد العصابة ستقوم في نقطة ما من اللعبة بالقيام بمهمة أو أكثر جانبه وتتعدد مشاعر البطل آرثر مورجان مع تلك الشخصيات ... فبعض من تلك الشخصيات سيحبها آرثر وبعضها سيمقتها والبعض الآخر تكون العلاقات متذبذبة، وقد نجحت اللعبة في نقل مشاعر الحب والكره تلك بإتقان مُنقطع النظير وهو الأمر الذي يجعلك تنغمس بكل مشاعرك في عالم اللعبة وكل المهام التي ستقوم بها ستعطيك إحساس مختلف.
هذه الرابطة العاطفية التي ترتبط بها مع الشخصيات سببها هو تعدد المهام التي تقوم بها مع كل تلك الشخصيات بداية من المهام الهامشية جداً مثل الصيد ومساعدة تلك الشخصيات في الحصول على مواد أو أدوات يريدونها وصولاً إلى القيام بعمليات سطو مسلح على بنوك كبيرة ... بل وأنك تتشارك معهم حياتك بداخل اللعبة بشكل كامل من خلال المُخيم الذي يُشبه المُجتمع الصغير ويتواجد به كافة أفراد العصابة.
تلك الرابطة العاطفية لم أشعر بها منذ الأجزاء الأولى من أساسينز كريد مع شخصية Ezio Auditore ولكن بالطبع الكفة تميل لصالح روكستار كونها نجحت في جعلك ترتبط بتلك الشخصيات في مدة قصيرة ولم تستغرق العديد من الأجزاء لفعل ذلك.
عالم شاسع وبيئة تفاعلية
على العكس من عالم النسخة الأونلاين من اللعبة والتي لم تعجبنا أسباب يمكنك التعرف عليها عن طريق هذه المقالة، فإنك في عالم اللعبة الأوفلاين ستجد أنه من أصغر حيوان يمكنك أن تجده في عالم اللعبة وصولاً إلى كل الشخصيات الغير قابل للعب (NPC) كل شيء وأنا أقصد هنا كل شيء حرفياً في هذه اللعبة يمكنك التفاعل معه ... يمكنك صيد الحيوانات وسلخها والاستفادة من مكوناتها في طهي الطعام لبطلنا آرثر مورجان أو استخدامها في صناعة الأدوات والأسلحة المتعددة، يمكنك ترويض الخيول المنُتشرة في عالم اللعبة بشكل واسع أو صيد السمك للأكل أيضاً.
أما بالنسبة للشخصيات الغير قابلة للعب فاللعبة تعطيك كامل الحرية في التعامل مع أي منها سواء بأن تُعادي أحدهم، أو تحييه لترفع مستوى الشرف لديك (Honor Level) أو أن تقوم بسرقته لتحصل على ما يمتلك من أموال ومقتنيات.

هذا الإحساس بالحرية هو نموذج وضعته روكستار في هذه اللعبة لم أجد له من قبل مثيل في أي لعبة لعبتها وأقرب تجربة هي ما جربته في لعبة أساسينز كريد بلاك فلاج ولعبة ويتشر 3 ولكن حتى تلك الألعاب لم تُتح لك كل تلك الخيارات المتنوعة من التفاعل مع كل ما يوجد حولك في البيئة.
وهذا هو الإحساس الذي جعلني أنغمس في عالمها المفتوح لساعات عديدة وأنغمس في التجربة بشكل كامل كأنني أعيش فعلاً في أيام الغرب الأمريكي.
مهام جانبية ذات قصص مُنفصلة وأنشطة متنوعة
على عكس الكثير من ألعاب العالم المفتوح الأخرى فإن ريد ديد ريدمبشن 2 لا تُجهدك في مهمات جانبية بدون معنى فقط لتتمكن من الحصول على ترقية ما لسلاحك أو للحصول على النقود بداخل اللعبة ... فكل مهمة جانبية في اللعبة مهما كانت صغيرة ستجد وأن وراءها قصة مختلفة تُحكى من خلال الشخصيات ... بل وأنك سرعان ما ستجد نفسك ترتطم بالعديد من الشخصيات الجانبية التي تطلب منك مهمة سريعة في جميع أنحاء اللعبة ويعج عالم الألعاب بتلك المهام فنادراً ما ستجد نفسك في منطقة خالية من المهام أو النشاطات التي تستطيع القيام بها ... يمتد أثر تلك المهام لأبعد من ذلك فعلى سبيل المثال هناك بعض الأشخاص الذين إذا قمت بمساعدتهم في نقطة مُعينة من اللعبة فإنهم سيقومون برد الجميل لك فيما بعد عندما تلتقي بهم مرةً أخرى.
هناك أيضاً العديد من النشاطات الجانبية المُمتعة مثل ترويض الأحصنة وركوبها أو صيد الحيوانات البرية والأسماك، وكلاهما يُكافئك بعناصر يمكنك إستخدامها في صناعة الأدوات والمعدات وإستهلاك لحومها لإعادة ملء صحتك ... تلك الأنشطة الجانبية هي أنشطة مُمتعة ومُمتازة لتشتيت إنتباهك عن مهام القصة الرئيسية التي دائماً ما تكون مليئة بالأدرينالين والإثارة.

بل وأنك إذا استمريت في الأعمال الجيدة ومعاملة الشخصيات الجانبية بشكل حسن فإنك ستحصل على مستوى عالي من الشرف (Honor) والذي سيجعل كل المحال المنتشرة في عالم اللعبة تقدم لك تخفيضات على أي شيء تشتريه، وسيجعل الناس دائماً ما تستقبلك بشكل جيد وتمدح فيك عندما تمر بجانبهم ... على النقيض فإنك إذا قمت بأعمال سيئة واعتديت على تلك الشخصيات الجانبية بدون سبب فستجد أن الناس توجه لك السباب عند تواجدك بالقرب منهم ... تلك التفاصيل الصغيرة في عالم اللعبة تبقيك دائماً على وعي مُستمر بأفعالك وتجعلك تتحاشى أن تقوم بأمور سيئة مثلما تتحاشى فعلها في الحقيقة خوفاً من تعليقات المُجتمع.
إخراج سينمائي رائع وأحداث مثيرة غير متوقعة
يجب على أن أعترف ... هذه اللعبة لم تفشل في مُفاجأتي في الكثير من أجزائها ... فكلما توقعت أن الأحداث ستسير في مسار معين أجد أن كُتّاب اللعبة قاموا بخداعي لأجد نفسي في خضم معركة مع عصابة معادية أو مع رجال القانون بدون أي مقدمات ... تلك المفاجئات الغير متوقعة تبقيك دائماً على أطراف مقعدك وتعطيك تدفق رائع للأدرنالين عندما يتم قلب الطاولة عليك في اللحظات التي لا تستطيع أن تتوقعها ... أحداث القصة هي بعيدة كل البعد عن الخطية المملة أو التوقع والقولبة التي قد تجد عليه بعض الألعاب الأخرى التي أصبحت تتبع أسلوب موحد في القصة يتم إعادته مراراً وتكراراً ... التمثيل وأصوات الشخصيات في هذه اللعبة هي واحدة من أفضل الأداءات التي رأيتها في لعبة وكأن تلك الشخصيات قد خُلقت لتتقمص هذه الأدوار، بل وأن روكستار قد اهتمت بأدق التفاصيل لتجعلك تعيش في عالم الغرب الأمريكي بكامل حواسك مثل الملابس وطريقة الكلام والحيوانات التي كانت منتشرة آنذاك.
أثناء لعب القصة في ريد ديد ريدمبشن 2 ستشعر أنك تشاهد فيلم سينيمائي ولن تشعر بأن هناك أي فاصل بين المشاهد الفاصلة وبين توليك للزمام واللعب ... كل شيء في هذه اللعبة يتم بسلاسة وهنا أقصد كل شيء حرفياً، التنقل بين الكاميرات والموسيقى التي تتغير لتُناسب الحالة التي أنت فيها وكل تلك العوامل الإخراجية ساهمت بشكل كبير في إعطاء تجربة تقترب إلى الكمال.
الأولوية للجودة قبل العدد
هذه هي القاعدة الذهبية في أي صناعة عموماً وليس في عالم صناعة الألعاب ففي نهاية اليوم لن يقول أحدهم "الشركة الفلانية أطلقت عدد كبير من الألعاب هذه السنة" ولكن ما سيُحفر في قلوب وعقول الجماهير هي لعبة واحدة قد تجعلهم يقعون في عشقها وتقدم لهم تجربة فريدة من نوعها ... ولذلك نرى أن أنجح شركات الألعاب هي الشركات التي تطلق ألعابها على مدد مُتباعدة لتضمن أن كل لعبة تأخذ حقها بشكل كامل في التطوير.
على الجهة الأخرى فإن الشركات التي تقوم بسياسة "الحلب" المستمرة في سلاسل ألعابها فقد واجهها غضب كبير ومُقاطعة مستمرة من اللاعبين، علاوة على المشاكل التقنية الجمة التي يواجهها اللاعبين في الأيام الأولي من إطلاق مثل تلك الألعاب والتي تجعل سُمعة الشركة على المِحك خاصة وأن جمهور اللاعبين لا يمتلك ذاكرة السمك ويتذكر لفترة طويلة كيف أن المطور الفلاني لا يهتم بألعابه ويعطيها الوقت والمجهود الكافي وأنه لا يهتم سوى بتكديس جيوبه بأموال اللاعبين.
قاعدة الجودة قبل العدد (Quality over quantity) لها فضل كبير أيضاً في زيادة الأرباح ... وجمهور اللاعبين برمته يرى كيف أن لعبة GTA V وصلت مبيعاتها لـ 150 مليون نسخة ومازالت حتى الآن مصدر ربح كبير لروكستار على الرغم من مرور العديد من السنين على إطلاقها.
تلك هي القواعد الذهبية التي اتبعتها روكستار لتتمكن من تقديم تجارب مُمتعة لجميع لاعبيها وفي المقابل كافئها مُجتمع اللاعبين بالثقة الكبيرة التي وضعوها في روكستار ... فيكفي أن تقول لواحد من اللاعبين أن روكستار ستطلق لعبة قريباً لتجد عينه لمعت وأصيب بالحماس المُفرط لأنه أصبح من الواضح الآن أن روكستار إذا قامت بإطلاق لعبة فإنها ستكون أقرب ما يكون إلى المثالية ... وعلى النقيض تجد الشركات الجشعة مثل EA ويوبيسوفت أصبح هناك شك دائم من جانب اللاعببين عند سماعهم لأخبار عن لعبة جديدة قادمة من تلك الشركات.