
نهاية هواوي ... أم بداية جديدة!
تُشكل الأخبار الحالية التي بدأت منذ يوم الأحد الماضي واحدة من أكبر العلامات الفارقة في تاريخ صناعة الهواتف الذكية فلأول مرة في تاريخ نظام أندرويد تُمنع شركة من استخدام خدمات جوجل (بإستثناء الشركات التي تعمل بداخل الصين) والذي أثار اهتمام الكل أن الذي وقع عليه الحظر هي شركة هواوي التي سطع نجمها في السنين القليلة الماضية لتتمكن في العام الماضي من التغلب على شركة أبل الأمريكية لتكون رقم إثنين فيما يتعلق بحصة مُصنعي الهواتف الذكية ... ولكي نفهم تداعيات تلك الأزمة علينا أن نرجع بالزمن قليلاً إلى الوراء لنرى الصورة الكاملة.
بداية الحرب
بدأت الحرب منذ تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المُتحدة الأمريكية فقد كان من الواضح أن هذا الرئيس المُثير للجدل المُحب للصدام ستتنامى معه الحرب الاقتصادية بين الولايات المٌتحدة والصين ... فتلك الحرب ما لبثت وأن طال صداها وامتد لأبعد من السياسة والإقتصاد لتنال من الشركات التقنية.
شركة هواوي التي اتهمتها الحكومة الأمريكية سابقاً بالتجسس لصالح الحكومة الصينية عانت الأمرّين من العداوة بين الحكومتين الصينية ونظيرتها الأمريكية ... فبعيداً عن فرض الرسوم الجمركية الباهظة المُتبادل بين الحكومتين, كان لهواوي نصيبها من تلك الحرب حيث كانت الضربة الأولى التي تلقتها الشركة يتمثل في اعتقال المُديرة المالية لهواوي من قبل الحكومة الكندية بإيعاز من الولايات المُتحدة بعد توجيه اتهامات لها بالتعامل مع شركات إيرانية وهو ما يخالف العقوبات المفروضة من قبل الحكومة الأمريكية على نظيرتها الإيرانية.
بعد ذلك استمرت الحكومة الأمريكية في فرض الضرائب والتعريفات الجمركية على البضائع والواردات الصينية وكذلك كان رد الفعل مماثل من الحكومة الصينية ليزداد المشهد تعقيداً.

بعد عدة مناوشات وفرض الكثير من العقوبات من تلك الحكومات واجهت هواوي أكبر صفعة في تاريخها عندما أعلن الرئيس الأمريكي عن توقيعه لأمر تنفيذي يمنع هواوي بشكل صريح من تنصيب معداتها التقنية الخاصة بشبكات الاتصال وسط إتهامات الحكومة الأمريكية للشركة بأنها تمتلك علاقات وثيقة بالحكومة الصينية وتقوم بالتجسس لصالحها.
هذا الأمر من شأنه أن يمنع هواوي من كثير من الربح التي كانت تستطيع الحصول عليه بجلب وتنصيب تقنياتها الخاصة بالجيل الخامس ... ولكن ذلك الخبر لم يكن بفداحة الخبر الذي نزل علينا جميعاً كالصاعقة يوم الأحد الماضي عندما أعلنت شركة جوجل منع التعامل مع هواوي إثر تواجدها في القائمة السوداء التي أعدتها وزارة التجارة الأمريكية والتي تضمنت هواوي وعدة شركة أخرى لها علاقات وثيقة بالشركة الصينية.
الضربة القاضية؟
اعتماد شركة هواوي الكُلي على نظام تشغيل أندرويد يعني بالطبع أن تلك الضربة ستكون موجعة جداً بالنسبة لشركة هواوي ... فشركة جوجل تتحكم في نظام أندرويد بشكل كامل .. ولا أعني بذلك نظام التشغيل فقط ولكن التحديثات الأمنية وتحديثات النظام التي لن تحصل عليها هواوي في أي من هواتفها بعد سبتمبر وهي المُدة التي مُنحت للشركة لتوفير الدعم لعملائها والتي بعدها سيتم وقف الدعم بشكل كامل.
علاوة على ذلك فإن روح أنظمة التشغيل الحالية يتمثل في وجود الكثير من التطبيقات على تلك الأنظمة لتتمكن كمُستخدم من الحصول على أقصى استفادة من هاتفك الذكي ... وهنا يقع مربط الفرس .. هل يُمكنك أن تتخيل استخدامك لهاتف لا يحتوي على متجر جوجل بلاي .. أو يوتيوب وخرائط جوجل وإيميل جوجل وغيرها الكثير من التطبيقات التي تعتمد على جوجل ... هذا يعني أن هواوي لو قررت الاستمرار في العمل بنظام أندرويد فهو لن يكون ذو فائدة للمُستخدمين مع عدم وجود تلك الخدمات من جوجل.

المستخدمين الوحيدين الذين لن تؤثر عليهم تلك الأزمة هم المُستخدمين الصينيين الذين لا توجد لديهم خدمات جوجل بالأساس بسبب منع كل تلك الخدمات بشكل عام من قبل الحكومة الصينية وهم بالمناسبة قد أعلنوا عن تضامنهم بشكل كبير مع هواوي وعن استمرارهم في شراء مُنتجات الشركة ... ولذلك لا ينبغي على هواوي القلق من هذه الجهة.
لمن لا يعرف فشركة هواوي ليست شركة هواتف ذكية فقط فالشركة كانت في الأساس هي شركة تقوم بتصنيع وتركيب مُعدات وشبكات الاتصال ... ولكن في السنوات القليلة الماضية مثّل قسم مُنتجات المُستخدمين (Consumer Electronics) الجزء الأكبر من الشركة فمن الصحيح أن نقول أن الشركة ستُعاني بشكل كبير من مثل هذا القرار ولكنها لن تكون الضربة القاضية لها.
إجراءات مُضادة وحلول بديلة
إذا اعتبرنا أن الحكومة الصينية قد ترد على أمريكا بالنيابة عن هواوي فهي بيدها الكثير من الأشياء التي تستطيع فعلها ... فكما نعلم جميعاً أن الكثير من الشركات الأمريكية تقوم بعمليات التصنيع الخاصة بها في الصين حيث توجد العمالة الرخيصة والمواد الخام التي تستطيع تلك الشركات أن تستغل تلك العمالة الرخيصة في تقليل تكاليف الانتاج وتستغل الفارق في زيادة أرباحها ... فالحكومة الأمريكية بيدها أن تمنع تلك الشركات الأمريكية من القيام بعملياتها على الأراضي الصينية وبذلك تُمثل ضربة شديدة القوة للصناعة الأمريكية بشكل كامل ولن تنعكس فقط على الشركات التقنية.

وعلى الرغم من تطوير هواوي سراً لنظام تشغيل خاص بها تحسباً لمثل هذا الموقف ألا أن المُشكلة الأكبر ستكمُن في تطوير التطبيقات والألعاب لذلك النظام ... الأمر الذي يستغرق الكثير من الوقت وتم مع نظام أندرويد على مدى سنوات عديدة قبل أن يصل النظام إلى ما هو عليه الآن ولذلك يعتبر قرار هواوي بتحويل كل هواتفها القادمة إلى نظام التشغيل الجديد ذلك سيعتبر مغامرة محفوفة بالمخاطر للشركة وللمستخدمين.
أضرار القرار تطول الكل
بينما يبدو القرار كأنه يطول شركة هواوي بالمقام الأول ألا أنه له أبعاد وعواقب كثيرة تطول الكثير من الشركات والمستخدمين فذلك القرار يؤثر بشكل واضح على الكثير من الشركات الأمريكية بقدر ما يطول شركة هواوي ... فالكثير من الشركات الأمريكية (خاصةً الشركات المُصنعة للشرائح والمعالجات) تعتمد بشكل كبير على بيع مُنتجاتها وتقنياتها للشركات الصينية مثل شركة كوالكوم, إنتل, وبروادكوم وغيرها من الكثير من الشركات التقنية.

طبقاً لشبكة CBS الأمريكية فإن هذا الأمر قد انعكس بشكل مُباشر على سوق الأسهم الأمريكي فقد شهدت شركة كوالكوم التي تستمد 65 بالمائة من دخلها من الشركات الصينية فقدان في قيمة أسهمها بنسبة 5.4% , شركة بروادكوم والتي تتلقى 50 بالمائة من دخلها من الشركات الصينية شهدت فقدان في قيمتها السوقية بنسبة 4.4% بينما كانت إنتل أقل المتضررين بنسبة 1.7% فقدان من قيمة أسهمها.
الضرر الواقع على الولايات المتحدة يمتد لأكثر من مجرد خسارة اقتصادية فتلك الأحداث تعني وصول تقنيات الجيل الخامس بشكل متأخر إلى الولايات المتحدة كما ستصل بتكاليف أكبر كون شركة هواوي تقدم أكثر الحلول تقدماً وأقلها تكلفة.
مستخدمين الهواتف الذكية بدورهم سيطولهم الكثير من الضرر سواء مُستخدمين هواوي الحاليين أو أي مُستخدم بشكل عام ... فإزاحة شركة عملاقة بحجم هواوي سيقلل من حجم التنافسية الكبيرة الموجودة في سوق الهواتف الذكية.
شركة هواوي قامت بتطوير العديد من التقنيات التي شهدناها في الأعوام السابقة في هواتفها الذكية مثل تقنية التصوير الليلي والتقريب الذي وصل حتى 50 ضعف ... وغيرها الكثير من التقنيات التي دفعت بالصناعة للأمام والتي شكلت ضغط كبير على الشركات الأخرى لتطوير أشياء جديدة مُنافسة لما تقدمه هواوي وهو ما يصُب في النهاية في صالح المُستخدم ... عندما تتم إزالة شركة كبيرة بحجم هواوي من تلك المُعادلة فذلك بالتأكيد سيؤثر بالسلب علينا كمستهلكين ويقلل من حجم المُنافسة والإبداع في هذا المجال.
هذا المنع من استخدام خدمات جوجل هو يقرع أجراس الخطر أيضاً عند شركات الهواتف الذكية كلها التي قد تحس بالخطر من كون جوجل قد تتحكم بمُستقبلهم بين ليلة وضحاها وتمنعهم من استخدام خدماتها في النهاية.
مصائب قوماً عند قوماً فوائد
ولكن هناك بعض المُستفيدين بشكل كبير من هذا القرار وأول المُستفيدين هي بالتأكيد شركة أبل التي ستسنح لها الفرصة في الأيام القادمة لتقتنص المركز الثاني مرة أخرى بعد تلك الضربة التي تلقتها هواوي خصوصاً مع اقتراب موعد المؤتمر السنوي للمطورين الخاص بأبل مطلع الشهر القادم والذي قد تعلن فيه عن منتجات جديدة تدفع بأسهم الشركة وحصتها للأمام.
المستفيد الثاني هو شركة سامسونج التي ستحصل على متنفس بعد أن كانت شركة هواوي على وشك إزالتها من على عرش الهواتف الذكية بعد نتائج مالية مبهرة في الربع الأول من السنة ... فقد كان من المُتوقع أن تصبح هواوي الشركة الأولى عالمياً في سوق الهواتف الذكية بنهاية عام 2019 وهو الأمر الذي أصبح يُمثل خطر كبير على شركة سامسونج التي لم تعتاد على مثل تلك المُنافسة الشرسة.

هذا القرار كان له تأثير مُباشر على أسهم الشركة الكورية والتي شهدت إرتفاع ملحوظ في الأيام القليلة الماضية والتي يُعزي الفضل في تلك الزيادة إلى هذا الأمر الحاصل مع هواوي.