مُنذ بداية شركة آبل على يد ستيف جوبز منذ 43 عاماً وهي لم تكن شركة تقليدية فمُنذ نشأتها وهي تُضيف دائماً أشياء جديدة لعالم التقنية ... سواء عن طريق الابتكارات التي توفرها في مُنتجاتها الجديدة مثلما قدمت تقنية الهواتف التي تعمل باللمس والتي كانت تقنية ثورية وقتها وحولت سوق الهواتف الذكية بشكل كبير ليُصبح بالشكل الذى نشاهده الآن ... الشركة قدمت أيضاً الكثير من التقنيات والمُنتجات الجديدة على مدى السنين لتقود الإبداع التقني بشكل كبير ...

ولكن في السنين القليلة الماضية وبشكل خاص بعد وفاة ستيف جوبز مؤسس الشركة وتولي تيم كوك قيادة الشركة شهدت الشركة تغييراً كبيراً سواء في التوجه العام أو على مُستوى المُنتجات التي تقدمها فإذا نظرت نظرة أوسع على السنين الماضية بالنسبة لسلسلة من مُنتجات شركة آبل وهي هواتف آيفون فهي لم تشهد تقدم حقيقي منذ وفاة ستيف جوبز أي منذ هاتف iPhone 5 فقد شهدت الشركة توقف في التطوير المحوري في هواتفها الذكية حتى وصلنا إلى هاتف iPhone X في عام 2017 فتلك الفترة كلها كانت كلها عبارة عن تطويرات طفيفة على تصميم الهاتف ... وهو ما لم نعتده على الشركة فى العهد القديم تحت قيادة ستيف جوبز الذى إعتاد على إبهارنا بالتصميمات والتقنيات الجديدة ... كيف لا وهو أول من قدم لنا فكرة الهواتف اللوحية عن طريق سلسلة أي باد.

هل تحولت أبل لتُصبح شركة خدمات إنترنت بدلاً من شركة هاردوير؟!

لا يخفى على أحد أن توجه الشركة قد تحول في الآونة الأخيرة لتتجه إلى سوق خدمات الإنترنت ليتغير بذلك توجه الشركة من الهاردوير إلى ذلك السوق قليل التكاليف كثير الأرباح وفيما يلي نُلقي نظرة على أسباب ذلك التحول.

ركود سوق الهواتف الذكية

لا يخفى على أحد أن وتيرة التطوير خاصةً من جهة التصميم الذي يطرأ على الهواتف قد شهد تباطؤ كبير وذلك هو الذى انعكس بشكل كبير على حصة الشركة السوقية ... فهذا السوق الذي اجتاحته الشركة الصينية أصبح لا يرحم ... الشركات الصينية قتلت المُنافسة بالنسبة لآبل في الكثير من الأسواق بعيداً عن الولايات المُتحدة ... فتلك الشركات تقوم بإطلاق هواتف من كل حدب وصوب وفي كل الفئات السعرية ... والذي زاد الطين بلة هو انخفاض المبيعات أو ثباتها على أقصى تقدير في الآونة الأخيرة بالنسبة للشركة.

هل تحولت أبل لتُصبح شركة خدمات إنترنت بدلاً من شركة هاردوير؟!

فقد مالت الكفة بشكل كبير لصالح الشركات الأخرى التي أصبحت تقدم أسعار تنافسية جداً في هواتفها بتقنيات تُعتبر مُشابهة أو تتخطى تلك التقنيات التي تأتي بها هواتف آيفون من آبل ... كما أن أسعار هواتف آبل أصبحت غالية بدرجة غير مسبوقة لتتخطى حاجز الألف دولار في هواتفها الرائدة ... وهو ما دفع المٌستخدمين للبحث عن خيارات أخرى بنظام تشغيل أندرويد للابتعاد عن أسعار شركة آبل المُبالغ بها.

هذا الركود الذى أصاب شركة أبل في تلك الجزئية هو ما دفعها لاقتناص الفُرص الجديدة التي برزت في السوق التقنية.

فُرص جديدة

ولكن الهواتف الذكية والهاردوير ليست الشيء الأقسام الوحيدة الموجودة بشركة آبل فعلى مدار السنين الماضية قامت الشركة بعمل نظام بيئي مُتكامل يحتوى على كل مُنتجات الشركة لتحصُل على تجربة مُتشابهة على كل الأجهزة من انتاج آبل.

وبعد هذا الركود في سوق الهواتف الذكية وانحسار مد الحواسب اللوحية  كان على أبل أن تُفكر في مصدر مُتجدد ومُستمر لتضمن نجاتها في عالم الشركات التقنية الذى يتغير بشكل يومي ... هذا التحول أمام شركة أبل لم يكُن خياراً بل إجباراً ... فتلك الشركات التقنية الكبيرة يجب عليها التمتُع بسرعة رد الفعل للعوامل المُتغيرة في هذا السوق حتى تتجنب الخسارة والنُسيان مثلما حدث سابقاً مع الكثير من الشركات التقنية التي لم تستطع أن تواكب التطور في هذا السوق ... ولعل لدينا شركة نوكيا قبل عودتها كمثال على تلك الشركات.

Streaming services

وقد برزت الكثير من الفُرص مؤخراً في عالم التقنية ... فبدلاً من الاعتماد على مصدر واحد لدخل الشركة فقد قامت آبل بالاتجاه إلى تنويع تلك المصادر وقد كان مجال خدمات الإنترنت أو Internet services هو الخيار الأفضل الآن بالنسبة لأى أحد سيقوم بالاستثمار في مجال التقنية.

لماذا تُعد خدمات الإنترنت هي استثمار المُستقبل؟

إذا نظرت إلى شركة نتفليكس كمثال ستجد أنها بدأت عملية بث الأفلام والمسلسلات عبر الإنترنت في عام 2007 لتمتد الشركة وتدخل أسواق كثيرة عالمية منذ ذلك الحين ويرتفع دخل الشركة حتى وصل إلى 1.2 مليار دولار أمريكي.

المصاريف التي يتم إنفاقها لتشغيل واستدامة تلك الخدمات تعتبر هي الأقل ... فكل شيء يتم عبر الإنترنت بدون الحاجة إلى وجود موزعين أو قنوات أو دور عرض لتشاهد فيها كل تلك الأعمال الفنية وهو الذى وصل بالشركة إلى حد إنتاج أفلامها ومسلسلاتها الخاصة بنفسها كونها تدُر عليها الكثير من الأرباح.

بالطبع هذا النجاح جذب الكثير من أعين الشركات التي تتطلع لمُشاركة وسيلة الربح تلك مع نيتفلكس ... فشركة ديزني التي اعتادت على تأجير حقوق ملكية أفلامها ومُسلسلاتها قامت مؤخراً بالإعلان عن خدمتها Disney Plus التي ستمتلك أفلام ديزني بشكل حصري وكذلك شركة HBO المُنتجة للمسلسل الأشهر Game Of Thrones كانت أيضاً قد أطلقت خدمة بث مُسلسلاتها HBO Go  والتي تمتلك كل حصريات شبكة HBO وهناك أيضاً Amazon prime video التابعة للشركة العملاقة Amazon وغيرهم الكثير من الشركات التي أطلقت خدماتها الخاصة لبث المُسلسلات والأفلام.

فالأمر لم يعُد حصرياً لشركة نيتفلكس وأصبح هناك الكثير من المُتنافسين ... شركة أبل تُريد أن تبني على نجاحتها مع خدمة Apple Music التي استطاعت الحصول على عدة عقود حصرية لعدة مُغنيين لتتميز الخدمة عن باقي خدمات بث الموسيقى.

وقد ظهر تركيز آبل على تلك الخدمات خلال التقارير المالية التي ظهرت في نهاية عام 2018 والتي تُظهر أن قسم الخدمات يُمثل 16 بالمائة من دخل الشركة.

Apple financial report -2018-11-1-7

هذا العمل يُعتبر مُربح جداً بالنسبة للشركات ويوفر مصدر دخل مستمر بشكل شهري فبمجرد اشتراكك في واحدة من تلك الشركات ستعتبر زبون دائم بالنسبة لتلك الشركات لتقوم بدفع مبلغ شهري قد يبدو بسيطاً بالنسبة لك ولكن بالنسبة لتلك الشركات يكون مصدر دخل كبير مع ملايين المُشتركين الذين يقومون بالاشتراك في تلك الخدمات

المُستقبل

تسعى الكثير من الشركات للحصول على هذا النظام البيئي الذي اقترب من الاكتمال مع أبل ... فتخيل أن تحصل على كل خدماتك من شركة واحدة وتكون كل تلك الخدمات متوافقة بشكل مثالي مع كل منتجات الشركة الأم ... الحصول على كل ذلك سيُمكنك من تلقى أفضل تجربة استخدام ويجعل ابتعادك عن هذا النظام البيئي المُتكامل الذى يوفر كل ما تريده.

لأزيدك من الشعر بيتاُ فإن أبل تسعى أيضاً لتجعلك مُعتمداً عليها في كل مُعاملاتك المادية عن طريق البطاقة الائتمانية الخاصة بها Apple Card والتي يُمكنك استخدامها عن طريق هواتف آيفون أو ساعات أبل.

كل تلك الخدمات تتجمع بالنهاية لتُمثل قدر لا بأس به من الأرباح للشركة وتتحول إلى قطاع لا يُستهان به من حجم الشركة الكُلي ويتخطى العديد من القطاعات الأخرى التي تقدم هاردوير ومُنتجات ملموسة ويُتوقع لهذا القطاع نمواً أكبر خاصةً بعد إضافة تلك الخدمات الجديدة.

ولكن هل تتحول أبل إلى شركة خدمات إنترنت بشكل كامل؟! هذا الأمر مُستبعد في الوقت الحالي خصوصاً مع امتلاك الشركة لزمام الأمور في سوق الهواتف الذكية ومازالت تمتلك حصة كبيرة لا يُستهان بها في هذا السوق ... ولكن ما لا نستبعده هو توجه الشركة لتنمية وتكبير هذا القطاع على حسابات قطاعات أخرى توقفت عن النمو وأصبحت جدوتها المالية بالنسبة للشركة أقل مما مضى خصوصاً مع تغير أنماط استهلاك المُستخدمين.

المتوقع خلال الفترة القادمة أن تدخل الكثير من الشركات في مجال بث المُحتوى عبر الإنترنت الذى يُدر الكثير من الأرباح مع قليل من تكاليف التشغيل وهو الذى يمثل المُعادلة المثالية بالنسبة للكثير من الشركات.